بيان آية (١٩) و(٢٠) من سورة البقرة من خلال أحسن البيان

 

بيان آية (١٩) و(٢٠) من سورة البقرة من خلال أحسن البيان
(القرءان العربيّ المُبين)

 

* سورة البقرة
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴿٨﴾ ..... أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴿١٦﴾ ..... أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ﴿١٩﴾ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٢٠﴾.

 

(١): إخوتي وأخواتي الأفاضل إذا تدبَّرنا آية (١٩) و(٢٠) نجد بأن الصَّيِّبِ من السماء هو المطر وهو الرِبْح من التجارة الّذي أراده الإنسان وسعى لأخذه بشرائه الضلالة بالهدى، هذا الرِبْح ليس برِبْح جيد لأنَّ فيه ظلماتٌ لا يستطيع الإنسان رؤية طريق النور والخير به، وفيه رعدٌ يصمّ الإنسان فلا يستطيع السَمْع، أي يُعرض عن إطاعة الله في آياته، وفيه برقٌ، أي عذاب من عند الله، إذا نظر الإنسان إليه فإمَّا يخطف بصره وإمّا يهلكه، إنّ البرق يخطف بصر الإنسان كما تخطف الحياة الدنيا بصره بما فيها من مغريات كثيرة، لا يَنْغَرُّ ولا ينفتن بها إلا الّذي اشترى الضلالة بالهدى، أي إلَّا الّذي اشترى الحياة الدنيا بالآخرة، أي سار في طريق الظلم والغيّ والفساد والضلالة باتِّباعه لأولياء، أي لشياطين أمثاله، وبالسير على منهجهم لكي 
يحصل على ثمن قليل دُنيَوِيّ.

إنَّ البرق يخطف بصر الإنسان بِجَعْلِه ينظر إليه ويتَّبعه ويتَّجه بإتِّجاهه، لذلك فَكُلَّما أضاء البرق للإنسان الطريق ظنّ بأنه يُسهِّل له طريقه للنجاة فيَتَبِعُ بذلك اتِّجاهه ويمشي فيه على الرغم من أنَّ البرق سيصيبه حَتْمًا وسيؤدّي به إلى الموت والهلاك، وهذا تشبيه لاتِّباع الإنسان الضّال لمذاهب وأديان أرضيَّة باطلة من أجل مصالحه وحبِّه للحياة الدنيا، لذلك فإنَّ الله تعالى يُرسل البرق لكي يخطف بصر الإنسان وبذلك يكون قد ذهب بنظره وطمس على أعينه، وجعله يستبق طريقه فلا يدري أين يذهب فيصبح كالأعمى، بمعنى آخر لا يستطيع معرفة طريق النجاة بل فقط طريق الهلاك.

أمّا إذا أظلم البرق على الإنسان فهو يتوقف عن المضيّ خوفًا منه، لأنَّه لن يستطيع معرفة طريقه من دون نور البرق وظنًا منه أنه لن يكون له نورًا يهديه من دونه. إنَّ الإنسان الضّالّ لن يستطيع العَيْش من دون حبِّه لشهوات الحياة الدنيا، ومن دون اتِّباعه لأديان أرضيَّة خبيثة، لذلك لا يستطيع فِعْل أيّ شيءٍ من دون نور البرق، أي من دون وجود تلك الأديان الخبيثة والشهوات في حياته، لذلك فإنَّ الله تعالى يأخذ منه تجارته ويجعل البرق يظلم عليه، فيقف في مكانه لا يستطيع الحراك أو التوجُّه لأيّ مكان من دون هذا النور الوهميّ، فيمسخه الله على مكانَتِهِ فلا يستطيع المُضيّ قُدُمًا في الطريق الصحيح، ولا يستطيع الرجوع عن خطئه، نجد البُرهان المُبين في آية (٦٦) و(٦٧) من سورة يس:

* سورة يس
وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ ﴿٦٦﴾ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ ﴿٦٧﴾.

 

(٢): يا للعجب إنَّ الإنسان يخاف من الموت والعذاب، ولكن بالرغم من ذلك وبسبب جهله الكبير قرَّر وبخياره أن لا يتَّبع سوى صراط الضلالة الّذي ومن دون أدنى شك سيؤدّي به إلى العذاب والهلاك في جهنَّم خالدًا فيها أبدًا، وبذلك تصبح تجارته خاسرة لأنَّه اشترى الضلالة بالهُدى.

أدعوا الله تعالى أن يهدينا ويجعلنا من الّذين يشترون الهدى بالضلالة، وذلك يكون بإيماننا بالقرءان العظيم فقط، وبفِعْلنا للخيرات وابتعادنا عن الأحاديث الباطلة واتِّباع أولياء لا يؤمنون بما أنزل الله تعالى في كتابه الكريم، وبابتعادنا أيضًا عن حبّنا للحياة الدنيا الزائفة من أجل أهوائنا وشهواتنا ومصالحنا، فتربح بذلك تجارتنا رِبْحًا يسيرًا ونفوز بالجنة إن شاء الله، وذلك هو الفوز العظيم.

* سورة الصف
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿١٠﴾ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿١١﴾ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١٢﴾.

إي وربِّي قرءان عظيم فيه أمثال عظيمة.

والسلام على من اتَّبع الهُدى والعذاب على من كذَّب وتولَّى.

 

552 Mar 11 2019