تفسير آية (١٦) و(١٧) من سورة البقرة من خلال أحسن التفسير

 

تفسير آية (١٦) و(١٧) من سورة البقرة من خلال أحسن التفسير
(القرءان العربيّ الحكيم)

 

* سورة البقرة
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴿١٦﴾ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ﴿١٧﴾.

السلام على أولي العِلْم (العالِمين المُخبتين).

* سورة الحج
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿٥٤﴾.

* سورة العنكبوت
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴿٤٣﴾.

يوجد أمثلة كثيرة وردت في القرءان الكريم، تلك الأمثال ضربها الله تعالى للناس حتى يعطيهم منها ما يكفيهم من العِبَر لعلَّهم يتَّقون، فَبِفِهْمِنا لتلك الأمثال نستطيع أن نتعلَّم كيف نتَّبع طريق الحقّ والإيمان وكيف نبتعد عن طريق الباطل والإشراك.

* سورة البقرة
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴿٨﴾ ..... اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿١٥﴾ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴿١٦﴾ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ﴿١٧﴾ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿١٨﴾.

إخوتي وأخواتي الكِرام، إذا تدبَّرنا آية (١٧) و(١٨) نجد بأنَّ النار هي سبيل الغيّ، وهي كناية عن عَدَم إيمان الإنسان بالله، أي بالقرءان فقط، وإتِّخاذه لأولياء (شركاء) وإيمانه بهم وعبادتهم وتقديسهم بالسير على خطاهم في طريق الضلالة، تلك هي التجارة الّتي اشتراها الإنسان وهو يأمل أن تُعطيه ربْحًا، أي منفعةً في الحياة الدنيا، ولكنَّها لن تُعطيه شيئًا إلَّا الخسارة، لأنها سوف تكون السبب لهدايته إلى طريق الضلالة، صحيح أنَّ النار تعطي الإنسان دفئًا ونورًا ولكن نورها هو نور ضعيف ومؤقَّت لا يلبث أن يختفي أو يزول فلا ينفع الإنسان شيئًا، فيبقى الإنسان من دون نور لأنَّه تعالى لن يعطيه نور الإيمان أو الهداية بسبب شرائه لنور الضلالة باتِّباعه خطوات الشيطان، وبذلك يمدّ له الرحمن الضلالة، نجد البرهان المُبين في آية (٧٥) من سورة مريم:

* سورة مريم
قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا ﴿٧٥﴾.

والأكثر من ذلك فإنَّ الله تعالى يجعله يخسر تجارته بإطفائه لنوره الضعيف، فيأخذ الله منه أيَّة منفعة تستطيع أن تنفعه، فتكون النتيجة بأنَّ الإنسان سيعيش بعدها في الضلالة، أي في الظلمات لا يسمع ولا يُبصر شيئًا، أي لا يستطيع معرفة طريق الحقّ في حياته، أي لا يستطيع معرفة طريق الهداية أو سبيل الرشد، ولن يستطيع الرجوع عن ضلالته، أي لن يهتدي أبدًا إلى يوم القيامة فتكون تجارته خاسرة، لذلك قال تعالى في آية (١٨): "صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ".

فالنور الحقيقي هو الهدى (سبيل الرشد)، وهو إيمان الإنسان بالله وحده لا شريك له بإتِّباعه للقرءان فقط، وهو كلام وتعاليم الله تعالى عزَّ وجلّ يُترجم بفِعْل الأعمال الصالحة، وهذا النور لا يأخذه الله تعالى من المؤمن بل ينير به طريقه فيجعله يراه بشكل دائم ويزيده نور على نورٍ وهدىً على هدى وبذلك لن يضل أبدًا ولن يُعرض عن طريق الحق، لأنَّ الله تعالى سيجعله يعيش في النور إلى يوم القيامة، نجد الدليل على ما ذكرت في الآيات التالية:

* سورة الأنعام
قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٧١﴾.

* سورة مريم
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا ﴿٧٦﴾.

* سورة محمد
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴿١٧﴾.

نجد مفهوم آية (١٧) من سورة البقرة من خلال آية (٣٩) من سورة النور وآية (١٧) من سورة الرعد:

* سورة النور
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴿٣٩﴾.

* سورة الرعد
أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴿١٧﴾.

والسلام على من اتَّبع الهُدى والعذاب على من كذَّب وتولَّى.

551 Mar 3 2019