بيان سورة القَدْر من القرءان الكريم
بيان سورة القَدْر من القرءان الكريم
سورة القدر
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴿١﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴿٢﴾ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴿٣﴾ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴿٤﴾ سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴿٥﴾.
1. "القَدْر" هو ما يُقدِّرُهُ الله عز وجل من القضاء والقانون ويحكم بِهِ. وهو الأمر والشأن الّذي قدّرهُ الله وأعطى فيه حُكمه وأمَرَ بِهِ وقدَّر له أن يكون.
نجد الدليل في الآيات التالية:
2. آية (1): "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ".
لقد أنزل الله عزَّ وجل وحي القرءان الكريم في ليلة سماها تعالى بليلة القدر لكي يُبلغنا أمره ومشيئته، ولكي يفرق لنا بين الحق والباطل وبين الجنة وجهنم، ولكي يُخبرنا عن جميع الأمور والأسباب الّتي من أجلها أوجدنا والّتي من أجلها أوجد السماوات والأرض بهدف أن يرحمنا فيُدخلنا الجنة في الآخرة. وليلة القدر كما أخبرنا تعالى عنها في آية (4) هي الّيلة الّتي "تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ". أي هي الّيلة الّتي دبَّرَ الله عز وجل فيها كل أمر من أمره، وسوّى فيها كل مشيئة من مشيئته، ووضع فيها جميع الأسباب، وقدَّرَ فيها قضاءهُ وحُكمَهُ، وفرق فيها كل أمرٍ حكيم، وبلغ فيها كل الأشياء وساواها ووزَنَها ودبّرها وقاسها بمقدار، ووضع جميع ما قدَّرَهُ في كتابه الّذي أنزله في هذه الّيلة المباركة (ليلة القدر)، كما أخبرنا تعالى أيضًا في الآيات التالية:
سورة الدخان
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴿٣﴾ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴿٤﴾ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴿٥﴾ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦).
لاحظوا قول الله عز وجل: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ..." (الّيلة المباركة هي ليلة القدر)، وقوله تعالى: "فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ"، وقوله تعالى: "أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا...". إذًا ليلة القدر هي الّيلة الّتي فيها فرق الله عز وجل كل أمر حكيم، وهذا الأمر فرقه تعالى بتنزيله له بواسطة الملآئكة والروح والرُسُل. في تلك الآيات يُحدثنا الله عز وجل عن "أمرِهِ" الّذي أنزله في ليلة مباركة وهي ليلة القدر. إذًا لقد أنزل الله عز وجل لنا أمره أي إرادته ومشيئته وقراره ومُخطَّطه وحُكمَهُ في ليلة القدر.
سورة النحل
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿١﴾ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴿٢﴾.
لاحظوا قول الله عز وجل: "أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ..."، ولاحظوا كيف أكمل تعالى بقوله: "يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ...". إذًا ليلة القدر هي الّيلة الّتي أنزل الله عز وجل لنا أمره (الّذي هو الآخرة وعذاب جهنم) وحيًا بواسطة ملآئكته ورُسُله بهدف التقوى وعدم الإشراك به وبهدف الابتعاد عن عذاب جهنم.
سورة الفرقان
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴿١﴾ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴿٢﴾.
لاحظوا قول الله عز وجل: "تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ..."، وقوله تعالى: "وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا". إذًا ليلة القدر هي الّيلة الّتي نَزَّلَ الله عز وجل الفرقان (القرءان) على رسوله وقدَّرَ فيه كل شيء خلقه تقديرًا، أي أعطى كل شيئ خلقه أمرًا إختصَّهُ به، أي وضع لنا الأمر أي السبب والهدف من كُل شيء خلقه وأوجده عن سابق وكامل علم ومعرفة.
سورة الأحزاب
مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ۖ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴿٣٨﴾.
لاحظوا قول الله عز وجل: "... وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا". إذًا ليلة القدر هي الّيلة الّتي فيها أنزل الله عز وجل أمره وسُنَّتِهِ وقانونه (يختص في الزواج) وسمح به. وبمجرد أن أوحى الله تعالى لنا في هذه الّيلة سُنته وقانونه، أصبح أمره (وحيه) هذا (فيما يختص بالزواج) قدرًا (حُكمًا وقضاءً) مقدورًا (أمرًا محتومًا)، أي أصبحت هذه السنة أو هذا القانون أو هذا الأمر أمرًا قدَّرهُ الله عز وجل وسنَّهُ لنا وحكم علينا به ويُسمح لنا بتطبيقه، وله أسبابه الّتي تهدف إلى خير.
سورة السجدة
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴿٤﴾ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴿٥﴾.
لاحظوا قول الله عز وجل: "يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ...". إذًا ليلة القدر هي الّيلة الّتي أوحى الله عز وجل لنا فيها عن أمره في الدنيا (كيف بدأ الخلق) وعن كيفية تدبيره هذا الأمر من السماء إلى الأرض في الدنيا من خلال تنزيله وحيًا على جميع أنبيائه ورُسُلِهِ. وهي أيضًا الّيلة الّتي فيها أوحى الله عز وجل لنا فيها عن أمرِهِ في الآخرة (كيف سوف يُعيد الخلق) وكيف سوف يعرُجُ الأمر إليه من الأرض إلى السماء في الآخرة أي كيف سوف يرجع الأمر إليه في الآخرة.
سورة الشورى
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ۗ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ﴿١٧﴾.
لاحظوا قول الله عز وجل: "اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ...". إذًا ليلة القدر هي الّيلة الّتي فيها أنزل الله عز وجل أمره (الكتاب) بالحق والميزان، أي وضع لنا وأعطانا أمره ومشيئته وقانونه الّذي هو قانون العدل والمساواة والوزن بالقسط والّذي يفصل بين الجنة وجهنم فيُعطينا بذلك الحق والميزان.
سورة الحديد
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٢٥﴾.
لاحظوا قول الله عز وجل: "... وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ...". إذًا ليلة القدر هي الّيلة الّتي فيها أنزل الله عز وجل أمره الّذي هو الكتاب والميزان، أي وضع لنا وأعطانا أمره ومشيئته وقانونه الّذي هو قانون العدل والمساواة والإستقامة والوزن بالقسط.
سورة الرعد
اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴿٨﴾.
لاحظوا قول الله عز وجل: "... وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ...". إذًا ليلة القدر هي الّيلة الّتي جعل الله عز وجل فيها كل شيء أو أمر بمقدار، أي قاس وعدَّ وحسبَ وكال ووزن كل أمر أو شيء، فوضع له سببًا وهدفًا، وأعطاهُ حُكمًا وشأنًا، وجعله على ما هو عليه.
سورة طه
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَنْ يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ ﴿٤٠﴾.
لاحظوا قول الله تعالى: "... ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ" = ثُمَّ جِئْتَ يَا مُوسَىٰ على أمرٍ أو شأنٍ قدَّرَه الله وقضى وحكم به عليك، فأصبحتَ كما أرادك الله عز وجل أن تكون. إذًا ليلة القدر هي الّيلة الّتي قدَّر الله عز وجل فيها لموسى أمرهُ وشأنه وحكم به عليه. وهي أيضًا الّيلة الّتي وضع لنا أمره وحُكمهُ الّذي حكمهُ على موسى فأنزله وحيًا على محمد في هذه الّيلة. (سلام على جميع الأنبياء والمُرسلين).
سورة يس
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴿٣٨﴾ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴿٣٩﴾ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴿٤٠﴾.
لاحظوا قول الله عز وجل: "... ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ"، أي ذلك ما قدَّرهُ الله عز وجل من أمر من القضاء والقانون والحُكم على الشمس وما حدَّده لها من وقت وأجل له نهاية، وما أمر وقضى وحكم به عليها. وقوله تعالى: "وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ..."، أي نظر إلى أمره وسوّاهُ بقياس وتدبُّر إلى أن ينتهي أجله. إذًا ليلة القدر هي الّيلة الّتي أوحى الله عز وجل لنا بما قدَّرهُ للشمس من أمر وبما قدَّرهُ للقمر من أمر.
سورة فصلت
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ﴿١٠﴾.
لاحظوا قول الله عز وجل: "... وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا..." وقوله تعالى: "... سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ". إذًا ليلة القدر هي الّيلة الّتي أوحى الله عز وجل لنا فيها أمره عمّا قدَّرَهُ وسوّاه ودبَّرَهُ في الأرض من أمر بأن تكون الأقوات للجميع بمقدار أي بالعدل والميزان وبالتساوي بيننا.
سورة الحجر
إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٥٩﴾ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا ۙ إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ ﴿٦٠﴾.
"... قَدَّرْنَا إنَّها لمِنَ الْغَابِرِينَ": ليلة القدر هي الّيلة الّتي أوحى الله عز وجل لنا فيها من أمر عن أمره ومشيئته وحُكمه على إمرأة لوط عليه السلام بأن تبقى مع قومها. إذًا هي القدر الّذي قدَّرهُ الله تعالى وأراده لها، وهو أن تبقى مع قومها لكي يُعذبها بحجارة من سجيل.
سورة الواقعة
نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴿٦٠﴾ عَلَىٰ أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٦١﴾.
"نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ...": ليلة القدر هي الّيلة الّتي أوحى الله عز وجل لنا فيها من أمر عن أنّه قدَّر الموت بيننا. إذًا الموت هو قدرٌ من الله عز وجل قدَّرهُ بيننا، وهو أمر الله الّذي قدَّرَهُ بيننا والّذي أراده أن يكون وأخبرنا عنه عندما أنزله وحيًا على الرسول محمد عليه السلام في ليلة القدر.
سورة القمر
فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ﴿١١﴾ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴿١٢﴾.
"... عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ": ليلة القدر هي الّيلة الّتي أوحى الله عز وجل لنا فيها عن الأمر أو السبب أو الهدف الّذي قدَّره لقوم نوح من التقاء الماء، إذًا فإنَّ الأمر الّذي "قد قُدِر" والّذي أنزله تعالى وحيًا لنا في ليلة القدر هو أمره وإرادته وحكمه ومشيئته عندما أهلك قوم نوح بالطوفان.
سورة القمر
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴿٤٩﴾.
لأنَّ كل شيء خلقه الله عز وجل خلقه بالعدل والميزان، وجعل له قضاءً وحكمًا وقانونًا وجعل لخلقه له أمرًا وسببًا وهدفًا ولم يخلقه عشوائيًّا. إذًا ليلة القدر هي الّيلة الّتي أوحى الله عز وجل لنا فيها عن أمره عن سبب كل شيء خلقه، وعن أمره وحُكمه وقضائه وقانونه لكل شيء خلقه، وعن الهدف من خلقه له.
سورة المرسلات
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴿٢٠﴾ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ﴿٢١﴾ إِلَىٰ قَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴿٢٢﴾ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ﴿٢٣﴾.
لاحظوا قول الله عز وجل: "إِلَىٰ قَدَرٍ مَعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ". القدر المعلوم هو الوقت المُحدد الّذي يبلغ الجنين فيه أجلَهُ في رحم الأم فيكتمل خلقه. إذًا ليلة القدر هي الّيلة الّتي أوحى الله عز وجل لنا فيها أمره عن الوقت أو الفترة الزمنية الّتي قدَّرها للجنين في رحم الأم لكي يكتمل خلقه ويُنشِأه خلقًا آخر، فيُصبح إنسانًا سوِيًّا.
سورة عبس
قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ﴿١٧﴾ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴿١٨﴾ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴿١٩﴾.
"مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ": عودوا إلى بيان الآيات السابقة من سورة المرسلات.
سورة الأعلى
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴿١﴾ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ ﴿٢﴾ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ﴿٣﴾.
"وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى": ليلة القدر هي الّيلة الّتي أوحى الله عز وجل لنا فيها كل أمر قدَّرهُ لنا في سبيل هدايتنا.
سورة الطلاق
... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴿٢﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴿٣﴾.
لاحظوا قول الله عز وجل: "... إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا". إذًا ليلة القدر هي الّيلة الّتي فيها بلغ الله عز وجل أمره بمجرد أن أوحاهُ إلينا، لأنّه تعالى "قد جعل لكل شيء قدرًا" أي قد جعل لكل شيءٍ حُكمًا وقضاءً وقانونًا، ووضع له سببًا وهدفًا فيه خير لنا. وهنا نلاحظ أنَّ أمر الله هو القَدْر الّذي جعله الله عز وجل لكل شيئ.
إنَّ ليلة القدر هي في الحقيقة ليلة الإسراء، وهي الّيلة الّتي أسرى الله عز وجل فيها بمحمد عليه السلام لكي يوحي إليه أمره ومشيئته وحُكمه وقانونه وسُنته لجميع الأمور والأشياء. كما أخبرنا تعالى في سورة الإسراء وسورة النجم. للمزيد من المعلومات أضغطوا على هذا الرابط: أسطورة الإسراء والمعراج (1)
3. آية (2) و(3): "وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴿٢﴾ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴿٣﴾".
لقد أراد الله عز وجل أن يُعلمنا من خلال هاتين الآيتين عن قيمة هذه الّيلة (ليلة القدر) الّتي أُنزل فيها القرءان. ولقد أعطانا تعالى قيمتها بقوله أنها "خيرٌ من الفِ شهر". وإذا حسبنا الألف شهر نسبة لعدد السنين، نجد أنَّ الألف شهر تُساوي ما يُقارب ال83 سنة. إذًا فإنَّ ليلة االقدر هي خيرٌ من 83 سنة، وال83 سنة هي مُتوسط عمر الإنسان في هذه الأرض. هذا يعني أنَّ ليلة واحدة من عمر الإنسان هي خيرٌ من 83 سنة من عمره، أي هي خيرٌ من عمره كله. ولماذا ليلة واحدة من عمر الإنسان هي خيرٌ من عمره كله؟ لأنَّ هذه الّيلة تنزَّل فيها وحي القرءان، ولذلك فإنَّ ليلة القدر هي خيرٌ للإنسان وكافية له أن يعيشها (حتّى لو كانت ليلة واحدة) بدلاً من أن يعيش عمره كله (بلياليه الكثيرة) ولكن من دون ليلة قدر. وهنا يريد الله عز وجل أن يقول لنا أنَّ عمرنا ولو كان طويلاً فلا خير فيه ولا يساوي أي شيء من دون علم القرءان، وأنَّ ليلة واحدة من عمرنا نتعلم فيها القرءان هي خيرٌ من عمرنا كله من دون أخذنا لعلم القرءان، ولذلك أكمل تعالى حديثه بقوله في الآيات التالية (4) و(5):
4. آية (4): "تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴿٤﴾ .
لكي يُعلمنا عن قيمة هذه الّيلة العظيمة الّتي "تنزل الملآئكة والروح فيها من كل أمر". فالله عز وجل أوحى لنا في هذه الّيلة "من كُلِّ أمر"، أي أوحى تعالى لنا في هذه الّيلة لكي يُخبرنا عن أسباب جميع الأمور والأشياء الّتي علينا معرفتها وعن الهدف منها، وأعطانا جميع العلوم والأمثال والعبر. ولذلك فإنَّ حياتنا في هذه الّيلة هي خيرٌ من حياتنا الدهر كله، لأننا نستطيع أن نحصَل في ليلة واحدة على علم الدهر بأكمله، بل أكثر من ذلك فإنَّ الدهر كله ليس بكافٍ ولا يستطيع أن يُوصلنا إلى معرفة جميع تلك العلوم الّتي تُعطينا إياها وتوصلنا إليها ليلة القدر.
5.آية (5): "سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴿٥﴾".
إنَّ الرسالة الّتي أراد الله عز وجل أن يُعطينا إيّاها من سورة القدر هي أنَّ عمر الإنسان لا يُساوي شيء وليس له أي قيمة من دون القرءان، لأنه من دون آيات القرءان لا نستطيع أن نعيش بالخير والمحبة والسلام لا في الدنيا ولا في الآخرة، فلا يُصبح بذلك للإنسان أي قيمة لوجوديته. ولذلك ختم الله عز وجل آيات سورة القدر بقوله في آخر آية فيها: "سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ"، لكي يُعلمنا أنَّ الملآئكة والروح (جبريل) كانت تتنزَّل على الرسول محمد عليه السلام في الّيل إلى حين مطلع الفجر لكي تُعطيه "السلام" الّذي هو وحي آيات القرءان الكريم، لأنَّ كل آية من آيات القرءان فيها سلام لمحمد عليه السلام ولنا ولجميع الناس.
والسلام عليكم
29 Jun 19, 2016