مفهوم رمضان والصيام ظاهرًا وباطنًا في القرءان الكريم (3)
مفهوم رمضان والصيام ظاهرًا وباطنًا في القرءان الكريم (3)
9. ما مفهوم الإسحار الّذي ورد في القرءان الكريم؟
قبل أن أبين مفهوم الإسحار من القرءان، أريد أن أذكر لكم بعض الأحاديث المنقولة الّتي وردت في السحور، بحجة أنها أقوال النبي محمد.
أحاديث في فضل السحور:
1) قال النبي صلى الله عليه وسلم: فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر (رواه مسلم عن عمرو بن العاص).
2) قال النبي صلى الله عليه وسلم: تسحَّروا فإن في السحور بركة (أخرجه البخاري في الصوم ومسلم في الصيام عن أنس بن مالك).
3) قال النبي صلى الله عليه وسلم: فصلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلةُ السحر (رواه مسلم أخرجه مسلم في الصيام عن عمرو بن العاص).
4) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السحور أكله بركة؛ فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء؛ فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحّرين (رواه أحمد وابن حبان عن أبي سعيد الخدري).
5) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلّون على المتسحّرين (رواه ابن حبّان عن عبد الله بن عمر رضي).
6) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بغداء السحور؛ فإنه هو الغداء المبارك (رواه النسائي عن المقدام بن معد يكرب).
7) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من أخلاق النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة (رواه الطبراني عن أبي الدرداء).
أريد أن أسأل صُنّاع الأحاديث والمُصدِّقين بها: هل السحور أو التسحُّر (بالمفهوم الشائع المنقول من كتب التراث) الّذي يُقيمه الناس في شهر رمضان هو فعلاً يُقام باستيقاظنا من النوم في منتصف الّيْل في سبيل أن نأكل ونشرب من الطعام والشراب قبل طلوع الضوء؟ وهل أمرنا الله عز وجل بهذا السحور في القرءان؟
ما هو الهدف الحقيقي من الأكل والشرب وقت الإسحار في القرءان؟
إذا بحثنا في جميع آيات القرءان الكريم وخاصَّة في جميع آيات الصيام فلا نجد فيها كلمة سحور أو تسحُّر، ولا نجد فيها أي شيء له علاقة بإقامة هذا النوع من السحور المزعوم. ولكننا نجد فيه كلمة إسحار (أتت بصيغة الجمع) وردت في آية 17 من سورة آل عمران وفي آية 18 من سورة الذاريات. ونجد فيه كلمة سَحَرْ وردت في آية 34 من سورة القمر.
سُوۡرَةُ القَمَر
إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡہِمۡ حَاصِبًا إِلَّآ ءَالَ لُوطٍ نَّجَّيۡنَـٰهُم بِسَحَرٍ (٣٤).
"إِلَّآ ءَالَ لُوطٍ نَّجَّيۡنَـٰهُم بِسَحَرٍ": السَحَرْ هو الّيل. لقد نجّى الله عز وجل لوط عليه السلام وأهله (إلاَّ امرأتَهُ)، عندما أخرجهم بِسَحَرٍ أي وقت الّيْل من قريتِهِم الّتي كانت تفعل الخبآئِث، لأنَّهُ تعالى أراد أن يُرسِلَ على هذه القرية حاصبًا في وقت الصُبح لتعذيبهم. تمامًا كما قال تعالى للوط عليه السلام بواسطة رُسُلِهِ الملآئكة، في سورة هود والحجر:
سُوۡرَةُ هُود
قَالُواْ يَـٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٍ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنڪُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأتَكَۖ إِنَّهُ مُصِيبُہَا مَآ أَصَابَہُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيبٍ (٨١).
سُوۡرَةُ الحِجر
فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٍ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَٱتَّبِعۡ أَدۡبَـٰرَهُمۡ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ وَٱمۡضُواْ حَيۡثُ تُؤۡمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيۡنَآ إِلَيۡهِ ذَالِكَ ٱلۡأَمۡرَ أَنَّ دَابِرَ هَـٰٓؤُلَآءِ مَقۡطُوعٌ مُّصۡبِحِينَ (٦٦).
إذًا نستطيع من خلال آيات سورة القمر وهود والحجر، أن نُعرِّف معنى كلمة "سَحَرْ": "السَحَرْ" هو "قِطْعٌ من الّيْل"، وقتٌ من الّيْل، وجمعُهُ "أسحار". و"الأسحار" هي أوقاتٌ من الّيالي.
إذا تدبرنا آيات سورة آل عمران والذاريات، وإذا أردنا أن نأخذ بعين الإعتبار السحور الّذي يُقيمه أكثر الناس في الّيْل وكيفية إقامته، فسوف نجد من خلال ذلك ما هو المُراد بِهِ من الأكل والشرب في الّيْل وما هو سببه، وسوف نتوصل بذلك إلى مفهوم الأكل والشرب في الّيْل، وبالتالي إلى إثبات ما ذكرتُ لكم سابقًا، وبالتالي إلى حقيقة الصيام.
أرجو منكم أن تتابعوا الآيات التالية من سورة آل عمران والذاريات:
سُوۡرَةُ آل عِمرَان
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَـٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَالِكَ مَتَـٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ (١٤) قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٍ مِّن ذالِڪُمۡۚ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٌ تَجۡرِى مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضۡوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ (١٥) ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ (١٦) ٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلۡقَـٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ (١٧).
سُوۡرَةُ الذّاریَات
إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ (١٥) ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَٮٰهُمۡ رَبُّہُمۡۚ إِنَّہُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَالِكَ مُحۡسِنِينَ (١٦) كَانُواْ قَلِيلاً مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَہۡجَعُونَ (١٧) وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ (١٨) وَفِىٓ أَمۡوَالِهِمۡ حَقٌّ لِّلسَّآٮِٕلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ (١٩).
إذا تدبرنا تلك الآيات البينات من سورة آل عمران، نجد في آية 17 قول الله تعالى: "وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ". من هُمُ المُستغفرين في الأسحار؟ هم الّذين اتقوا بقول الله تعالى في آية 15: "لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ". وهُم الّذين ذكرهم الله تعالى في آية 17 بقوله عنهم: "ٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلۡقَـٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ". إذًا وقت السحور أو أوقات الإسحار هي أوقات من الّيْل، وهي سهر المؤمن في الّيْل. والهدف من قيامها هو الاستغفار لله، والاستغفار لله لا يكون إلاَّ بقراءة وتدبر القرءان الكريم. إذًا نستطيع أن نفهم وبكل وضوح أنَّ أوقات الأسحار هي الأوقات الّيليّة الّتي يستخدمها المؤمن للتقرُّب إلى الله، أي هي قيام المؤمن الّيْل (السَحَرْ) لتعلم وتدبر القرءان. بمعنى أصح، الإسحار بلغة القرءان هو السحور بلغة العامة، وهو الوقت من الّيْل الّذي فيه يأكل المؤمن ويشرب من كتاب الله، فيكون بذلك قد أتمَّ الصيام إلى الّيْل، كما قال تعالى في آية 187 من سورة البقرة: "ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ". هذا هو المعنى الحقيقي للسحور والمغزى الحقيقي منهُ.
وإذا تدبرنا آيات سورة الذاريات، نجد أنَّ استغفار المؤمنين المُتَّقين في الأسحار وسهرهم الّيالي وامتناعهم عن النوم أدّى بهم إلى فعل الإحسان وإعطاء السائل والمحروم حقهم في أموالهم (فدية إطعام مسكين). إذًا فإنَّ سهر المؤمن في الّيْل واستغفاره في الأسحار يكون بهدف الأكل والشرب من آيات الله لإتمام الصيام.
هذا ما بيَّنه الله تعالى لنا في آيات كثيرة في القرءان، سوف أذكر بعضًا منها:
سُوۡرَةُ المُزمّل
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلۡمُزَّمِّلُ (١) قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلاً (٢) نِّصۡفَهُ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلاً (٣) أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلاً (٤) إِنَّا سَنُلۡقِى عَلَيۡكَ قَوۡلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِىَ أَشَدُّ وَطۡـًٔا وَأَقۡوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِى ٱلنَّہَارِ سَبۡحًا طَوِيلاً (٧) ... (١٩) إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَىِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآٮِٕفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّہَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰۙ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِى ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِۙ وَءَاخَرُونَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرًا وَأَعۡظَمَ أَجۡرًاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمُۢ (٢٠).
سُوۡرَةُ الإسرَاء
أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِۖ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡہُودًا (٧٨) وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحۡمُودًا (٧٩).
سُوۡرَةُ السَّجدَة
إِنَّمَا يُؤۡمِنُ بِـَٔايَـٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُڪِّرُواْ بِہَا خَرُّواْ سُجَّدًا وَسَبَّحُواْ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ (١٥) تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّہُمۡ خَوۡفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ يُنفِقُونَ (١٦).
سُوۡرَةُ آل عِمرَان
لَيۡسُواْ سَوَآءً مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ أُمَّةٌ قَآٮِٕمَةٌ يَتۡلُونَ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ (١١٣) يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلۡخَيۡرَاتِ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ (١١٤) وَمَا يَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٍ فَلَن يُڪۡفَرُوهُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُتَّقِينَ (١١٥).
نجد في تلك الآيات البينات أنَّ تلاوة آيات الله ءانآء الّيْل هو الأكل والشرب أي الاستغفار في الأسحار. ونجد أنَّهُ يؤدّي بنا إلى فعل الخير والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر وطهارة النفس من الذنوب والمعاصي. وهذا هو الهدف الأول والأخير من الأكل والشرب في الأسحار. وهذا هو الهدف من صيام المؤمن بالقرءان في الّيْل.
إذا عدنا لآية 187 من سورة البقرة وبعد أن بيَّنتُ لكم موضوع الإسحار، نجد تفصيلاً كاملاً شاملاً للصيام، وتبيانًا لمعناه، وطريقة إقامته، والهدف منه، بقوله تعالى فيها:
سُوۡرَةُ البَقَرَة
أُحِلَّ لَڪُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآٮِٕكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٌ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّڪُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَڪُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٔـٰنَ بَـٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا ڪَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ وَلَا تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَـٰكِفُونَ فِى ٱلۡمَسَـٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَالِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ (١٨٧).
نجد في تلك الآية البيِّنة أنَّ الصيام يُقام في الّيْل (الأسحار) والنهار، وليس فقط في النهار كما يظن أكثر الناس.
الدليل على أنَّ الصيام يُقام في الّيْل نجده في قولِهِ تعالى: "أُحِلَّ لَڪُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ" وفي قولِهِ أيضًا: "ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ".
والدليل على أنَّ الصيام يُقام في النَّهار نجده في قولِهِ تعالى: "وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِ" وفي قوله أيضًا: "وَلَا تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَـٰكِفُونَ فِى ٱلۡمَسَـٰجِدِ".
إذًا فإنَّ الصيام لا يكون إلاَّ بالأكل والشرب من القرءان وإقامته، والعمل بِما يأمرنا الله عز وجل في آياتِهِ ليلاً ونهارًا.
هذه الآية البيِّنة (آية 187) تُثبت بل تؤكد لنا أنَّ مبدأ وهدف وأساس وسبب الصيام الّذي ذكره الله تعالى وبيَّنه لنا من خلالها ليس له أي دعوة بالصيام الكاذب المُحرَّف والمُبتدع الّذي يُقيمه أكثر الناس في هذه الأرض حسب اختلاف أديانهم وعقائدهم.
إذًا فنحن نتسحَّر عندما نأكل ونشرب من كتاب الله بهدف الاستغفار، حتى نُطهر أنفسنا به، فنصوم أي نُمسِك عن ارتكاب الذنوب والمعاصي، فنتوب، فيغفر الله لنا ويُدخلنا الجنة.
10. أمّا بالنسبة لقول الله عز وجل في آية 185 من سورة البقرة:
سورة البقرة
شَہۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَہِدَ مِنكُمُ ٱلشَّہۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن ڪَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِڪُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِڪُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُڪۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُڪَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَٮٰكُمۡ وَلَعَلَّڪُمۡ تَشۡكُرُونَ (١٨٥).
نجد في قول الله تعالى "يُريدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُريدُ بِكُمُ العُسْرَ" دليلاً قوِيًّا على تعريف الصيام، فهل من اليسر أن نبقى من دون غِذاء ولا ماء نهارًا كامِلاً يتكرَّر لمدَّة 30 يومًا وخاصَّة في بلادنا الحارّة ووقت العمل؟ أليس الله سبحانه وتعالى أدرى بِطبيعة خلقنا وبحاجة جسدنا إلى الغذاء والماء؟ ولماذا علينا أن نمتنع عن الأكل والشرب وما المغزى من ذلك؟ وهل صحيح أنَّ الصائِم يشعر فعلاً مع المسكين بامتناعه عن الأكل والشرب وهو يعلم أنه سوف يأكل ويشرب وقت غروب الشمس؟ وماذا يستفيد المسكين من صِيام أصحاب المال؟ ولماذا على المسكين أن يمتنع هو أيضًا عن الأكل والشرب، علمًا بأنه أكثر الناس حاجة للغذاء اليومي، فهل عليه هو أيضًا أن يشعر مع مسكين آخر مثله وهو بأمَسِّ الحاجة لِمَن يشعر معه؟
الجواب الصحيح على تلك الأسئلة والّذي يُبيِّن لنا معنى الصيام، نجده في الآيات البيِّنات التالية من سورتَيْ الإنسان والبلد:
سُوۡرَةُ الإنسَان
إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ يَشۡرَبُونَ مِن كَأۡسٍ كَانَ مِزَاجُهَا ڪَافُورًا (٥) عَيۡنًا يَشۡرَبُ بِہَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَہَا تَفۡجِيرًا (٦) يُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَيَخَافُونَ يَوۡمًا كَانَ شَرُّهُ مُسۡتَطِيرًا (٧) وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨) إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمۡ جَزَآءً وَلَا شُكُورًا (٩) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوۡمًا عَبُوسًا قَمۡطَرِيرًا (١٠) فَوَقَٮٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَالِكَ ٱلۡيَوۡمِ وَلَقَّٮٰهُمۡ نَضۡرَةً وَسُرُورًا (١١) وَجَزَٮٰهُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيرًا (١٢) ... (٢١) إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمۡ جَزَآءً وَكَانَ سَعۡيُكُم مَّشۡكُورًا (٢٢).
في تلك الآيات البَيِّنات من سورة الإنسان نَجِد بأنَّ الإنسان لا ولن يستطيع أن يشعر مع المسكين إلاّ إذا أخرج مالاً أو طعامًا من خاصَّتِه وأعطاهُ فعليًّا لهذا المسكين بكل حُبّْ وأمانة. إنَّ طهارة النفس (الزكاة) لا تكون إلاّ بالعمل الصالح وليس بالكلام. ولذلك أمرنا الله تعالى بالصيام حتى يعطينا فرصة أن نُطَهِّر أنفسنا ونتذكَّر وجود القرءان العظيم فنُقيم الصلاّة. فالصلاة هي القرءان وإقامة الصلاة هي إطاعة الله والعمل بآياته. ولذلك قال الله تعالى في آية 186: "وإذا سَأَلَكَ عِبادِى عَنِّي فَإنِّى قَريبٌ أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعانِ، فَلْيَسْتَجيبوا لِى ولْيُؤمِنوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ". دُعاؤنا لله يكون بإطاعته والعمل بآياته وتطبيقها، أي يكون بفعل الخير والإحسان وإقامة الإصلاح، فالله عز وجل قريبٌ مِنّا في كل كلمة أو قول أو حديث حدَّثنا بِهِ في آياتِهِ. إذًا فنحن نشعر بالقرب من الله تعالى عندما نقرأ آياته بتدبرها فنصوم، وكأنَّهُ سُبحانهُ يُحدِّثُنا ويأمرنا مُباشرةً من خلالها. واستجابتنا لهُ تكون عندما نؤمن به، فنترجم صومنا هذا عملِيًَا على أرض الواقع بفعل الخير والإحسان ومساعدة المسكين واليتيم والأسير.
سُوۡرَةُ البَلَد
لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ فِى كَبَدٍ (٤) أَيَحۡسَبُ أَن لَّن يَقۡدِرَ عَلَيۡهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهۡلَكۡتُ مَالاً لُّبَدًا (٦) أَيَحۡسَبُ أَن لَّمۡ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أَلَمۡ نَجۡعَل لَّهُ عَيۡنَيۡنِ (٨) وَلِسَانًا وَشَفَتَيۡنِ (٩) وَهَدَيۡنَـٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ (١٠) فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ (١١) وَمَآ أَدۡرَٮٰكَ مَا ٱلۡعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوۡ إِطۡعَـٰمٌ فِى يَوۡمٍ ذِى مَسۡغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقۡرَبَةٍ (١٥) أَوۡ مِسۡكِينًا ذَا مَتۡرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ (١٧) أُوْلَـٰٓٮِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ (١٨).
أمّا في تلك الآيات البَيِّنات من سورة البلد نَجِد بأن نفقة المال أو الطعام هو أكبر عَقَبَة على الإنسان الغير مؤمن، لذلك تَمَّ تبديل كلمة الله العُلْيا "يُطيقونَهُ" بكلمة البشر السُّفلى "لا يُطيقونه" بِهَدَفِ إخفاء الحقيقة والتَّنَصُّل من مساعدة المساكين واليتامى بإطعامهم. وهذا تَمَّ عن سبق إصرار وترصُّد من قِبَل أُناس قد كفروا وضَلّوا في السابق وأناس لَحِقت بِهم وسارت على خُطاهُم بالكفر والضلالة وما زالوا يكفرون حتّى يومنا هذا إلى أجلٍ مُسَمَّى. ويا للأسف الشديد فإنَّ أكثر الناس وضعوا القرءان العظيم وراء ظهورهم واتبعوا ما تتلوا الشياطين (علماء الدين الجهلاء) من أكاذيب على مُلكِ مُحمد الّذي هُو القرءان العظيم، وما كفرَ محمد صلوات الله عليه ولكنَّ الشياطين (الأئِمّة) كفروا، يُعلِّمون الناس السحر أي الكلام الجميل المعسول الكذَّاب كالصيام الكذاب، وما هُم بضارين بِهِ من أحد إلاّ من أراد شِرائه (شِراء الضلالة بالهُدى). هذا ما فعله العرب بمُلك (بكتاب) رسولهم محمد عليه السلام، كما فعل بني إسرائيل بِمُلك (بكتاب) رسولهم سُليمان عليه السلام، كما بيَّنَ تعالى لنا في الآيات التالية من سورة البقرة:
سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَلَمَّا جَآءَهُمۡ رَسُولٌ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمۡ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ ڪِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ كَأَنَّهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ (١٠١) وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَيۡمَـٰنَۖ وَمَا ڪَفَرَ سُلَيۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَڪَيۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَآ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةٌ فَلَا تَكۡفُرۡۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡۚ وَلَقَدۡ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشۡتَرَٮٰهُ مَا لَهُ فِى ٱلۡأَخِرَةِ مِنۡ خَلَـٰقٍ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡاْ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡۚ لَوۡ ڪَانُواْ يَعۡلَمُونَ (١٠٢) وَلَوۡ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَمَثُوبَةٌ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ خَيۡرٌ لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ (١٠٣).
11. إذا عدنا لآية 185 من سورة البقرة:
سورة البقرة
شَہۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَہِدَ مِنكُمُ ٱلشَّہۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن ڪَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِڪُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِڪُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُڪۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُڪَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَٮٰكُمۡ وَلَعَلَّڪُمۡ تَشۡكُرُونَ (١٨٥).
نجد في هذه الآية العظيمة والبيِّنة أنَّ الله عز و جل يُذكِّرُنا بأنَّ القرءان أُنزِلَ في شهر الحَرّْ بقولِهِ فيها "شَہۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ"، تذكرةً منهُ بقيمة القرءان العظيمة. إنَّ قوم الرسول محمد عليه السلام كانوا على شفا حفرة من النّار فأراد الله تعالى أن يُخرجهم منها بتنزيل القرءان. وكذلك الأمر بالنسبة لنا، فكم من الناس في زمننا الحالي هُم على شفا حفرة من النار ولا يستطيعون الخروج منها إلاَّ بواسطة القرءان الّذي هو الإنجيل والتوراة وجميع رسالات الله باللغة العربية. وهذا كان السبب الأوَّل والأخير الّذي جعل الله تعالى يحفظ القرءان بمشيئتِهِ ويمنع تحريفه. إذًا فالشهر هو كناية عن القرءان، وصيام شهر رمضان هو كناية عن الإمساك أو الإمتناع عن عذاب جهنم بواسطة القرءان، لأنَّ القرءان الكريم أُنزِل في هذا الشهر وهو وحدهُ الّذي يستطيع أن يُبعِدُنا عن نار أو عذاب جهنم ويُدخلنا الجنة، فهو يهدي الناس من خلال آياتِهِ البيِّنات لأنهُ يفرق بين الحق والباطل، فهو يُبيِّن للناس ما هو طريق الحق وما هو طريق الباطل ويفرق لهم بينهما، فيحث بذلك الإنسان على فعل الخير والإحسان أي على الإصلاح في الأرض، ولذلك قال تعالى في هذه الآية: "هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِ"، ولقد وصف الله عز وجل القرءان في هذه الآية "بالفرقان" تمامًا كما قال تعالى في آية 187 من سورة البقرة: "وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِ". هذا يعني أنه علينا أن نأكل ونشرب من القرءان أي من رزق الله حتى يتبيَّنَ لنا الفرق بين الخير والشرّ، حتى (لِكي) نستطيع أن نفرُقْ أي نُميِّز طريق الخير من طريق الشر، فلا نُسرِف.
إذًا فإنَّ صيامنا أي إمساكنا هو ليس إمساك وامتناع عن الطعام والشراب المادي، ولكنَّهُ إمساك وامتناع عن السيِّئات وبالتالي عن عذاب جهنم بتعلّمنا وتدبّرنا للقرءان وإقامته، ولذلك أكمل الله تعالى آية 185 في سورة البقرة بقولِهِ: "يُرِيدُ ٱللَّهُ بِڪُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِڪُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُڪۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُڪَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَٮٰكُمۡ وَلَعَلَّڪُمۡ تَشۡكُرُونَ"، لاحظوا قول الله تعالى: "وَلِتُڪَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَٮٰكُمۡ وَلَعَلَّڪُمۡ تَشۡكُرُونَ"، لأنَّ الله تعالى يريد أن يهدينا فيمنعنا من دخول جهنم ويُدخلنا الجنة، وإنَّ قوله هذا هو أكبر دليل على أنَّ صيام شهر رمضان هو إمساكٌ عن دخول جهنم، وهذا الإمساك لا يكون إلاّ بهدايتنا بكِتابِهِ. إذًا فإنَّ أمر الله تعالى لنا بقوله في آية 187: "وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ"، هو أمرٌ لنا بالأكل والشرب من القرءان "لكي نُكبِّرُهُ على ما هدانا": نؤمن بِهِ ونُبلِّغ رسالاته لجميع الناس ونقيمها بينهم، و"لعلَّنا نشكُر لهُ": نفعل الخير والإحسان، ونقيم الإصلاح بين الناس في الأرض في سبيله.
إذا كان الصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب كما علمونا إياه، فهل نكون بصيامنا هذا "نُكبِّر الله على ما هدانا ونشكر له"؟ وهل التكبير والشكر لله على ما هدانا من قرءان يكون بإمساكنا عن الطعام والشراب في كل يوم إلى أن تغرب الشمس ولمدة 30 يوما؟
وإذا قارنا الآيات التالية، آية 185 من سورة البقرة بآية 3 من سورة المائدة، نجد أنَّ قول الله تعالى في آية 185 من سورة البقرة: "وَلِتُڪۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ" هو متشابه مع قوله تعالى في آية 3 من سورة المائدة: "ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِى". إذًا فإنَّ صيامنا لإكمال العِدَّة هو صيامنا لإكمال ديننا ولإتمام نعمة الله علينا، أي لأخذنا وتدبرنا لعلم القرءان كاملاً والعمل به، أي لختمنا لعلم القرءان بكل ما تحتوي هذه الكلمة من معنى:
سورة البقرة
شَہۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَہِدَ مِنكُمُ ٱلشَّہۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن ڪَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِڪُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِڪُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُڪۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُڪَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَٮٰكُمۡ وَلَعَلَّڪُمۡ تَشۡكُرُونَ (١٨٥).
سُوۡرَةُ المَائدة
حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُواْ بِٱلۡأَزۡلَـٰمِۚ ذَالِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡيَوۡمَ يَٮِٕسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَـٰمَ دِينًا فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِى مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثۡمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٣).
وإنَّ قول الله تعالى لنا في آية 185 من سورة البقرة: "فَمَن شَہِدَ مِنكُمُ ٱلشَّہۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن ڪَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ"، هو تمامًا كقولِهِ في آية 184 من سورة البقرة: "فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدۡيَةٌ طَعَامُ مِسۡكِينٍ". ونحن فقط بعمل الخير والإحسان والعدل وإقامة الإصلاح نكون من الّذين يُطيقون الصيام، أي نكون من الّذين يقدرون أن يُمسكوا وأن يمتنعوا عن دخول جهنم. ولقد قال الله تعالى لنا: "فَمَن شَہِدَ مِنكُمُ ٱلشَّہۡرَ فَلۡيَصُمۡهُ"، ولم يقُل تعالى لنا: "فَمَن شاهد مِنكُمُ ٱلشَّہۡرَ فَلۡيَصُمۡهُ".
سورة البقرة
شَہۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَہِدَ مِنكُمُ ٱلشَّہۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن ڪَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِڪُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِڪُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُڪۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُڪَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَٮٰكُمۡ وَلَعَلَّڪُمۡ تَشۡكُرُونَ (١٨٥).
سورة البقرة
أَيَّامًا مَّعۡدُودَاتٍۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدۡيَةٌ طَعَامُ مِسۡكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرًا فَهُوَ خَيۡرٌ لَّهُ ۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٌ لَّڪُمۡۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (١٨٤).
(طاق الصيام = شهد الشهر = شهد القرءان = أكمل العِدّة)
12. السؤال هو متى نشهَدْ شهر رمضان، أي متى نُطيقُ الصِيام؟ أو بالأحرى متى نشهد شهر رمضان، أي متى نشهد القرءان؟
الجواب هو: في زمن الرسول محمد عليه السلام شهِدَ الناس الشهر وقت نزول القرءان، ففي ذلك الوقت لم يكُن القرءان مُنتشرًا بعد في الأرض، ولم يكُن الناس على عِلمْ ودراية بِهِ، ولذلك عندما نزل القرءان الكريم أمر الله تعالى قوم الرسول محمد عليه السلام والناس بالصِيام لِكَيْ يُخرِجهُم بِهِ من الظلمات إلى النور، ولذلك قال تعالى في آية 183 و184: "يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡڪُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِڪُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّامًا مَّعۡدُودَاتٍۚ ... (١٨٤). في هذه الآية لم يُحدِّد الله تعالى لنا عِدَّة تِلك الأيام، إذًا فإنَّ الأيام المعدودات هو الوقت أو الزمن الّذي احتاجهُ الناس في زمن الرسول للصِيام بتعلُّم القرءان من الرسول ومن المؤمنين عندما كانوا يعكِفونَ في المساجِد لِحين انتهاء نزوله أي لحين أخذ عِلمِهِ كاملاً (أي لحين إِكمال العِدَّة)، لذلك قال الله تعالى في آية 187: "وَلَا تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَـٰكِفُونَ فِى ٱلۡمَسَـٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَالِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ". ولذلك قال تعالى أيضًا في آية 185: "يُريدُ ٱللَّهُ بِڪُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِڪُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُڪۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُڪَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَٮٰكُمۡ وَلَعَلَّڪُمۡ تَشۡكُرُونَ"، فالله تعالى يُريد بنا اليُسر (إدخالنا الجنة) ولا يُريد بنا العُسر (إدخالنا جهنم)، ويُريدنا أن نُكمِل العِدَّة (أن نأخذ علم القرءان كامِلاً في الأيام المعدودات الّتي تُترجم من أوَّل نزول القرءان إلى آخِر نزولِهِ) ويُريدُنا أن نُكبِّرهُ على ما هدانا إليه بالشُّكر لَهُ (بإقامة الصلواة وإيتآء الزكواة).
الدليل على أنَّ اليُسر هو دخول الجنة وأنَّ العسر هو دخول جهنم تجدونه في الآيات التالية:
سُوۡرَةُ اللیْل
فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ (٥) وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلۡيُسۡرَىٰ (٧) وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ (٨) وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلۡعُسۡرَىٰ (١٠) وَمَا يُغۡنِى عَنۡهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰٓ (١١).
سُوۡرَةُ القَمَر
فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡۘ يَوۡمَ يَدۡعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَىۡءٍ نُّڪُرٍ (٦) خُشَّعًا أَبۡصَـٰرُهُمۡ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ كَأَنَّہُمۡ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ (٧) مُّهۡطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِۖ يَقُولُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا يَوۡمٌ عَسِرٌ (٨).
سُوۡرَةُ الاٴعلی
سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ (٦) إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلۡيُسۡرَىٰ (٨) فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكۡرَىٰ (٩).
سُوۡرَةُ عَبَسَ
قُتِلَ ٱلۡإِنسَـٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُ (١٧) مِنۡ أَىِّ شَىۡءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِن نُّطۡفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠).
سُوۡرَةُ الکهف
قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوۡفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِۦ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكۡرًا (٨٧) وَأَمَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا فَلَهُ جَزَآءً ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنۡ أَمۡرِنَا يُسۡرًا (٨٨).
إذًا فإنَّ وقت الصِيام في زمن الرسول محمد حُدِّدَ بوقت نزول القرءان لِكَيْ يتعلَّمه قوم الرسول ولِكَيْ يُبلِّغونهُ للناس أجمعين خلال وقت نزولِهِ ولِكي يُقيموا الإصلاح من خِلالِهِ. أمّا في زمننا هذا فالقرءان موجود في جميع أقطار الأرض، وكل إنسان فينا يستطيع أن يشهد شهر رمضان في الوقت الّذي يهديهِ الله تعالى لِكِتابِهِ الكريم، وهذا الوقت مُمكِنْ أن يكون في أي يوم من أيام السنة وليس بالضروري أن يكون في شهر الصيف أو في وقت الصيف، لأنَّ القرءان موجود في الأرض بِصفةٍ دائِمة، والّذي يُريدُ أن يشهدهُ (أي أن يأخُذ عِلمَهُ) لِكَيْ يصُمْهُ (أي لِكَي يمتنع بِهِ عن فعل المعاصي بفعل الخير والإحسان وإطعام المساكين) يستطيع أن يفعل ذلك في الوقت الّذي يُريدُهُ. وعندما نشهد الشهر أي عندما نشهد القرءان علينا أن نَصُمهُ وأن نبقى قائِمين على صِيامِنا مدى حياتِنا. إذًا فإنَّ وقت الصِيام الّذي حدَّدهُ الله تعالى في سورة البقرة بدأ بشهر رمضان الّذي أُنزِلَ فيه القرءان، وهذا الوقت حدَّدهُ الله تعالى للرسول وقومه في زمنهم، وسوف ينتهي بانتهاء هذه الأرض. وبما أنَّ هذا القرءان موجود ودائِم في زمننا وفي كل زمن أو جيل سوف يأتي بعدنا، وبما أنه سوف يبقى في متناول جميع الناس في هذه الأرض حتّى نهايتها، إذًا فإنَّ كل إنسان منا في زمننا وكل إنسان سوف يأتي بعدنا يستطيع أن يشهد الشهر (القرءان) فيصوم متى أراد ذلك وفي أي وقت أراد ذلك.
13. رُبَّما تتساءلون، كم مِسكينًا علينا أن نُطعِم؟ الجواب هو أنَّ الله تعالى لم يَحُدّْد لنا فعل الخير بقولِهِ تعالى في آية 184 من سورة البقرة، وآية 215 من سورة البقرة أيضًا، وآية 39 من سورة سبأ:
سُوۡرَةُ البَقَرَة
أَيَّامًا مَّعۡدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدۡيَةٌ طَعَامُ مِسۡكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرًا فَهُوَ خَيۡرٌ لَّهُ ۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٌ لَّڪُمۡۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (١٨٤).
سُوۡرَةُ البَقَرَة
يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٍ فَلِلۡوَالِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ (٢١٥).
سُوۡرَةُ سَبَأ
قُلۡ إِنَّ رَبِّى يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُ ۥۚ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَىۡءٍ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّازِقِينَ (٣٩).
إذًا، فإنَّ باب الخير مفتوح على مِصراعيه لكل إنسان أراد أن يفعل هذا الخير ومن دون أي قيود أو شروط.
14. إثباتات أخرى في القرءان تُعطينا تعريفًا بيِّنًا للصيام:
قبل أن أبدأ بإعطائكم إثباتات أخرى من آيات الله البينات حتى أبين لكم حقيقة الصيام، أريد أن أطلعكم على حديث كاذب منقول.
هذا الحديث يقول:
عن ابي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت، قال: (ويحك). قال: وقعت على أهلي في رمضان، قال: (أعتق رقبة). قال: ما أجدها، قال: (فصم شهرين متتابعين). قال: لا أستطيع، قال: (فأطعم ستين مسكينًا). قال: ما أجد، فأتي بعرق، فقال: (خذه فتصدق به). فقال: يا رسول الله، أعلى غير أهلي، فوالذي نفسي بيده، ما بين طنبي المدينة أحوج مني، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، قال: (خذه). أخرجه البخاري في الصوم (1936)، ومسلم في الصيام (1111).
الحديث يقول قولاً باطلاً وضالاً، ولكنَّ الله سُبحانه وتعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل. لذلك تعالَوا معًا نرى قول الحق (إثباتات من آيات الله البينات تُعطينا تعريفًا بيِّنًا للصيام) حتى نُزهِق بِهِ الباطِل:
سوف تجدون تلك الإثباتات مع تكملة هذا الموضوع (رمضان والصيام) في المقالة الرابعة والأخيرة بعنوان: مفهوم رمضان والصيام ظاهرًا وباطنًا في القرءان الكريم (4)
15 Mar 19, 2016