هل ألم، ألر، حم، ق... هي أحرف إعجاز في القرءان الكريم؟ (2)

Raed's picture
Author: Raed / Date: Sat, 04/09/2016 - 23:37 /

 

هل ألم، ألر، حم، ق... هي أحرف إعجاز في القرءان الكريم؟ (2)

 

7. إن وجود تلك الأحرف الأبجدية في القرءان الكريم، ليس فقط من أجل إعطائنا العبرة على أن الله عز وجل هو الّذي يعلمنا اللغات وبالتالي القرءان، ولكن لكي لا يُنْسَبُ القرءان في حال تُرْجِم إلى لغة أخرى، إلى تلك اللغة الّتي تُرْجِم إليها، لأن تلك الأحرف الأبجدية هي أحرف عربية ومن المستحيل أن تُتَرْجَم أو تُنْسَب إلى أحرف أبجدية بلغة أعجمية غير عربية، مِمّا يُعطينا الدليل على أنَّ هذا القرءان هو أُمُّ الكتاب وأنَّ لغَته العربية هي اللغة الأم أي اللغة الأصل، ومِمّا يُثبت بل يؤكد لنا أنَّ هذا القرءان هو النسخة الأصلية الإلاهية ولا يُمكن أن يُترجم إلى لغات أخرى، فلا يأتي مثلاً أحدهم ويقول أنَّ أصل هذا القرءان هو فارسي أو يوناني أو عبري أو لاتيني، أي أعجمي. فلو لم تكن تلك الأحرف الأبجدية قد أتت في القرءان بصفة آيات في بداية السُور وبصفة أسماء لبعض السُّور، لكان زُوِّرَ القرءان وضاعت النسخة الأصلية في حال تُرجم إلى لُغات أخرى، فيُصبح بذلك القرءان الكريم قرءانًا  غير إلآهيّ، ويُصبح قرءانًا ناقصًا وغير مُحكم، وبالتالي غير مُفصَّل، وبالتالي فيه عِوج وتناقضات، تمامًا كالقرائين المُختلفة المُترجمة الموجودة الآن في زمننا في جميع أنحاء العالم بجميع لغات العالم، وبالتالي يصعُب بيانَهُ بتشابه وإحكام وتفصيل آياتِهِ، فيُصبح بذلك قرءانًا مُحرَّفًا تمامًا ككِتابَيْ العهد القديم والعهد الجديد باختلافِ ترجمتها ونسخاتها. 

إذًا فإنَّ وجود ال"ألم" وال"ألر" وال"كهيعص" وغيرها بصفةْ آيات في القرءان الكريم، هو أكبر دليل على أن هذا القرءان هو النسخة الأصلية وأنَّهُ قد أُنْزِل بعلم الله وباللغة العربية، تأكيدًا من الله عزَّ وجل وتنبيهًا لنا على أن "هذا القرءان" هو قرءانٌ عربيٌ لُغويًا في أصلِهِ، وهذا يُعطيه صفة الكمال ولا يستطيع الباطل أن يأتي من بين يديهِ ولا من خلفِهِ، وعلينا استعمال المفهوم اللغوي العربي القرءاني لاستطاعة فهمه وتدبر آياته، وليس مفاهيم الّلغات الأعجمية الغير عربية، لأنَّ اللغة الأصلية (الأم) الّتي نزل بها القرءان هي اللغة العربية، وهي لُغة الوحي. ولذلك قال الله عز وجل في سورة فصلت:

سُوۡرَةُ فُصّلَت
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكۡرِ لَمَّا جَآءَهُمۡ‌ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَـٰبٌ عَزِيزٌ (٤١) لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَـٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦ‌ۖ تَنزِيلٌ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدۡ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبۡلِكَ‌ۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (٤٣) وَلَوۡ جَعَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا أَعۡجَمِيًّا لَّقَالُواْ لَوۡلَا فُصِّلَتۡ ءَايَـٰتُهُ ءَا۠عۡجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ فِىٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٌ وَهُوَ عَلَيۡهِمۡ عَمًى‌ۚ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ يُنَادَوۡنَ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٍ (٤٤) وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِ‌ۗ وَلَوۡلَا ڪَلِمَةٌ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيۡنَهُمۡ‌ۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِى شَكٍّ مِّنۡهُ مُرِيبٍ (٤٥).

هذه الآيات البيِّنات من سورة فُصِّلَت تدلنا على أنَّ الله عز وجل يستطيع لو أراد أن يجعل هذا القرءان أعجميًّا، أي يستطيع لو أراد أن يُنزِّلُهُ على محمد بلغة أعجمية غير اللغة العربية ويُعلِّمُهُ إيّاهُ بالّلغة الأعجمية الّتي أنزله بها. أي يستطيع لو أراد أن يُنزِّل التوراة والإنجيل (الّذين أعاد تنزيلهما وحفظهما في القرءان) بالّلغة الأعجمية أي بلغة موسى أو عيسى عليهما السلام ويحفظهما في القرءان. ولكنَّهُ لم يفعل ذلك لأنَّهُ يعلم تمام العلم (سُبحانه) أنَّهم لن يؤمنوا بهذه التوراة ولا بهذا الإنجيل وبالتالي لن يؤمنوا بالقرءان بحجة أنَّ محمدًا عربي الّلسان لا أعجمي الّلسان، وبالتالي تصبح حجَّتهم أنَّ هذا القرءان أو بالأحرى هذه التوراة أو هذا الإنجيل المذكور في القرءان ناقِص وغير مُفصَّل ومُفتري على كُتُبهم، بحجة أنَّ محمدًا ليس أعجمي الّلِسان لأنَّ أصلهُ عربي ولِسانه عربي. ولقد أنزل الله عز وجل في السابق كتاب التوراة على موسى بلغتِهِ الأعجمية ومع ذلك حرَّفوه واختلفوا فيه، وبعدها أنزل الإنجيل بلسان عيسى الأعجمي مُصدِّقًا بالتوراة فاختلفوا أيضًا فيهِ، فما بالكم إنْ يُنزل مرة أخرى كتاب التوراة والإنجيل على محمد وباللغة العربية من خلال لِسان محمد والقرءان العربي!

هذه الآيات هي في الحقيقة جواب من الله تعالى للّذين كفروا من أهل الكتاب بسبب عدم تصديقهم بأنَّ التوراة والإنجيل الصحيحين هما القرءان بالّلغة العربية، ولذلك أجابهم الله تعالى من خلال تلك الآيات أنَّهُ يستطيع إذا أراد أن يُنزل عليهم بواسطة محمد التوراة والإنجيل بلغتهما السابقة الأعجمية الّتي أنزلها بها في السابق، ولكنه تعالى لم يفعل ذلك لأنه مهما جاءهُم بآيات وأدلة وإثباتات وبراهين فلن يؤمنوا لهذا القرءان ولا لِلّذي بين يديهِ من توراة وإنجيل وغيرهما من كُتُب الله، بل سوف تكون حُجَّتُهُم أكبر لِعدم إيمانهم، فمحمد لسانُهُ عربي لا أعجمي، إذًا هو ليس أفهم منهم بلغتهم الأعجمية، فلا يستطيع أن يُعلِّمهم القرءان لأنَّه لا يستطيع معرفة لغتهم الأعجمية جيِّدًا، فيُصبح بذلك القرءان غير مُفصَّل بنظرِهِم. هذا ما بيَّنه الله تعالى لنا في آية 44 بقولِهِ فيها: "وَلَوۡ جَعَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا أَعۡجَمِيًّا لَّقَالُواْ لَوۡلَا فُصِّلَتۡ ءَايَـٰتُهُ ۥۤ‌ۖ ءَا۠عۡجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ".

إذًا فلا أحد يستطيع أن يجعل هذا القرءان أعجمي الّلُغة إلاَّ الله، وبالرغم من هذا لم يُرِد الله عز وجل أن يجعله أعجميًّا لِكي لا يتَّهمون القرءان بالنقص حتّى ولو لم يكُن ناقصًا -لأنَّ الكتاب المُنزَّل من الله لا يُمكن ولا بشكلٍ من الأشكال وحاشآه أن يكون ناقصًا مهما كانت لُغتِه- فما بالكم إن يُترجَم هذا القرءان إلى لُغة أُخرى غير الُّلغة الإلاهية الأم الّتي أُنزِلَ بها؟ وإنَّ تلك الآيات البينات هي جواب لِكل إنسان يُشكِّك بالقرءان فيسأل: "لماذا أنزل الله هذا القرءان وحفظَهُ (حفظَ التوراة والإنجيل) بالّلغة العربية ولم يُنزلهُ بلغة أخرى كلغة التوراة أو الإنجيل الأعجمية الّتي أُنزِلت في السابق؟"، الجواب هو: أنَّهُ لو أنَّ الله تعالى أنزله بلغة  التوراة أو بلغة الإنجيل السابقة "لقالوا لولا فُصِّلت ءآياتُهُ، ءأعجمي وعربي؟"، تمامًا كما اتَّهموهُ في آية 5 من سورة الفرقان وفي آية 103 من سورة النحل:

سُوۡرَةُ الفُرقان
وَقَالُوٓاْ أَسَـٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٱڪۡتَتَبَهَا فَهِىَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُڪۡرَةً وَأَصِيلاً (٥).

سُوۡرَةُ النّحل
وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِى يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِىٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ (١٠٣).

لذلك أنزل الله عز وجل القرءان الكريم بلِسان محمد العربي لا بلسان موسى أو عيسى الأعجمي، لِكَيْ لا يستطيعوا أن يضعوا التهمة على الرسول محمد فيقولوا بأنَّهُ تعلَّم القرءان أي التوراة والإنجيل من بشرٍ لِسانُهُ أعجمي ويتكلَّم اللغة الأعجمية الّتي كان يتكلم بها موسى أو عيسى، كما أخبرنا تعالى في هذه الآية (آية 103): "وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِى يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِىٌّ". ولذلك برّأ الله عز وجل محمدًا من هذه التُهمة الّتي نسبوها إليه وقالوها في حقِّهِ، بجوابِهِ تعالى لهم بقوله: "لِّسَانُ ٱلَّذِى يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِىٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ". وهذه الآية هي أكبر إثبات على أنَّهُ لا بشر ولا أحد قد علَّمَ الرسول محمد هذا القرءان إلاَّ العزيز العليم، جلّ الله في عُلاهُ.
ومهما أراهم الله عز وجل من آيات، ومهما كانت لُغة القرءان، وحتّى لو أُنزِل بلِسان موسى أو عيسى، فلن يؤمنوا بِهِ أنَّهُ من عند الله، وأنَّهُ أُنزِلَ بعِلم الله، وأنَّهُ التوراة والإنجيل وجميع رسالات الله بالّلغة العربية، وأنَّ محمدًا رسول الله أرسلهُ إليهم بِكُتُبِهِم السابقة لأنَّهُم اختلفوا فيها وحرَّفوها عبر الزمن، بدليل قول الله تعالى في آية 45 من سورة فُصِّلَت: "ولقد ءاتينا موسى الكتاب فاختُلِفَ فيه وَلَوۡلَا ڪَلِمَةٌ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيۡنَهُمۡ‌ۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِى شَكٍّ مِّنۡهُ مُرِيبٍ".

وكذلك الأمر، فإن وجود تلك الأحرف الأبجدية في القرءان الكريم يثبت لنا ويُعطينا الدليل على أنَّ التوراة والإنجيل وجميع كتب الله الّتي أنزلها الله عز وجل في السابق والّتي حُرِّفت عبر الزمن، قد أعاد تعالى تنزيلها وحِفظها وجمعها مرَّةً أخرى في هذا القرءان وباللغة العربية. مِمّا يُثبت لنا أيضًا أنَّ النسخة الأصلية للتوراة وللإنجيل ولجميع رسالات الله موجودة ومحفوظة في أم الكتاب (أي في القرءان) باللغة العربية. إذًا فالله تعالى لم يحفظ فقط رسالة محمد عليه السلام من التحريف بوضعه الأحرف الأبجدية العربية (الّتي من المُستحيل أن تُترجم إلى لغة أخرى) كآيات في القرءان الكريم، ولكنه حفظ أيضًا (بوضعِهِ لتلك الأحرف الأبجدية العربية وإستحالة ترجمتها إلى لغات أخرى) جميع رسالاتِهِ الّتي أنزلها على جميع أنبيآءِهِ ورُسُلِهِ في السابق. من أجل ذلك وضع الله عز وجل لنا تلك الأحرف كآيات في بعض سُور القرءان وليس في جميع سُورِهِ، لأنَّ آيات تلك السُوَرْ الّتي ذُكِرت في بدايتها تلك الأحرف، فيها رسالة خاصة وضعها الله تعالى في آيات تلك السُور، وهذه الرسالة مُوجَّهة من الله عز وجل لنا ترشدنا وتنبهنا وتعرِّفنا من خلالها أنَّ هذا القرءان كتاب جميع الأنبياء والرُسُلْ (مثلاً، كالتوراة والإنجيل) باللغة العربية وليس فقط كتاب محمد (سلامٌ على جميع الأنبياء والمرسلين). ونحن إذا تدبرنا آيات تلك السُور الّذي ذُكرت فيها تلك الأحرف، نجد أنَّها تتحدَّث عن رسالات الله لجميع الأنبياء والرُسُل السابقين وليس فقط رسالة الله لمحمد. سلامٌ على جميع المُرسلين. 

 

مُختصر مُفيد، إنَّ هذا القرءان هو أم الكتاب، وهذا يعني أنَّهُ النسخة الأصلية الإلآهية بلغته العربية وبأحرفِهِ الأبجدية المذكورة في آياتِهِ. وإنَّ المفهوم والمعنى والمغزى من "قرءانًا عربيًّا" هو أنَّ هذا القرءان هو في الحقيقة جميع كتب ورسالات الأنبياء والرُسُل ولكن باللغة العربية، ولذلك فهو أم الكتاب أي الكتاب الأصل أي النسخة الأصليَّة لجميع كُتُب الله عز وجل ووحيٌ مباشر منه كالتوراة والإنجيل وجميع كُتُبِ ورسالات الله، ولذلك فإنَّ هذا القرءان هو علِيٌّ حكيم لأنَّهُ في أم الكتاب، لأنَّ فيه التوراة الأم والإنجيل الأم وفيه جميع النسخات الأصلية لجميع الرسالات من الله العلي الحكيم. نجد الدليل على ذلك في سُورة الزخرف، الرعد، يوسف، فصلت، مريم، الشعراء، الدخان، النساء، هود، الأنعام والأحقاف:

سُوۡرَةُ الزّخرُف
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

حمٓ (١) وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّڪُمۡ تَعۡقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِىٓ أُمِّ ٱلۡكِتَـٰبِ لَدَيۡنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ (٤).

حم والكتاب المُبين، لأنَّ القرءان مُبين، ففيهِ جميع رسالات الأنبياء والرُسُل باللغة العربية، ولذلك بدأ الله عز وجل تلك الآيات بقوله في آية 1: "حم"، وأكمل بآية 3 و4.

 سُوۡرَةُ الرّعد
وَكَذَالِكَ أَنزَلۡنَـٰهُ حُكۡمًا عَرَبِيًّا وَلَٮِٕنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَمَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِىٍّ۬ وَلَا وَاقٍ (٣٧) وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلاً مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِىَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ‌ۗ لِكُلِّ أَجَلٍ ڪِتَابٌ (٣٨) يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُ‌ۖ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلۡڪِتَـٰبِ (٣٩).

"حكمًا عربيًّا": لأنَّ الله عز وجل أعاد تنزيل جميع كُتُبِهِ ورسالآتِهِ السابقة بجميع أحكامها في القرءان باللغة العربية، لأنَّهُ سُبحانهُ وتعالى عنده أم الكتاب أي عنده أصل جميع الرسالات والكتب الّتي أنزلها على جميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ، ولذلك مهما حاول الناس تحريف ومحو رسالاته وكُتُبه وأحكامه الّتي وضعها في جميع كُتُبه لجميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ، فلن يستطيعوا أن يمحوا أم الكتاب أي أصل الكتاب أي النسخة الأصلية الغير مُحرَّفة، لأنها موجودة فقط عند الله وبعِلمِهِ، فهو وحده عنده أم الكتاب، أي وحده عنده الطبعة الأصلية لجميع كُتُبِهِ ورسالاتِهِ وأحكامِهِ وشرائِعِهِ وسُننِهِ، لذلك فهو وحده سُبحانهُ الّذي يستطيع أن يمحوا الكُتُب المُحرَّفة ويُثبت كُتُبِهِ بجميع أحكامها وشرائِعها الأصلية، ولقد أثبتها من خلال إعادة تنزيلها في القرءان بلغته العربية الأصل، وحفظها من خلال حفظه للقرءان بلغته العربية وبوضعه لتلك الأحرف الأبجدية العربية فيه كآيات.

 سُوۡرَةُ یُوسُف
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

الٓر‌ۚ تِلۡكَ ءَايَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُبِينِ (١) إِنَّآ أَنزَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ (٢) نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن ڪُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَـٰفِلِينَ (٣) إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ... (٤) ... (١١١).

 "قرءانًا عربيًّا": لأنَّ فيه قصة أي رسالة يوسف عليه السلام باللغة العربية، لذلك قال الله تعالى في آية 3: "نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ"، وأكمل تعالى بقوله في آية 4: "إذ قال يوسُفُ...".

سُوۡرَةُ النَّمل
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦) إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦۤ إِنِّىٓ ءَانَسۡتُ نَارًا سَـَٔاتِيكُم مِّنۡہَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِيكُم بِشِہَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ (٧) ...

إذًا، فالقرءان هو ما حصلَ مع موسى وفرعون وقومِهِ، أي هو رسالة الله ووحيه الّذي أوحاهُ لموسى، أي هو التوراة الّتي أوحاها الله لِموسى في السابق والّتي تلقّاها محمد من الله لاحِقًا. سلامٌ على موسى ومحمد. هذا ما بيَّنه الله تعالى لنا بقولِهِ: "وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ، إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ...".

سُوۡرَةُ فُصّلَت
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

حمٓ (١) تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (٢) كِتَـٰبٌ فُصِّلَتۡ ءَايَـٰتُهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا لِّقَوۡمٍ يَعۡلَمُونَ (٣).

 لقد فصَّلَ الله عز وجل لنا آيات القرءان عندما أنزله وجعلهُ قرءانًا عربيًّا، وهذا يعني أنَّ القرءان مُفصَّل لأنَّ فيه جميع قصص ورسالات وكُتُبْ وعِبَر وأمثال جميع الأنبياء والرُسُل باللغة العربية، ولذلك بدأ الله تعالى آية 1 بقوله: "حم" وأكمل آية 2 بقوله: "تنزيلٌ من الّرّحمن الرّحيم" لأنَّ من رحمتِهِ أن يُعيد تنزيل جميع كُتُبِهِ ورسالاته الّتي حُرِّفت في السابق ويحفظها في القرءان فيُصبح بذلك القرءان للناس كافة، وهذه رحمة منه لكي يُدخل ليس فقط أمة محمد الجنة، ولكن جميع الأمم من دون إستثناء.

سُوۡرَةُ مَریَم
فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَـٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلۡمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِۦ قَوۡمًا لُّدًّا (٩٧).

لقد يسَّرَ الله عز وجل القرءان أي التوراة والإنجيل وجميع كُتُبِهِ بلسان محمد، مما يدلنا على أنَّ هذا القرءان هو الطبعة الأصليه الّتي أُنزلت على محمد بلِسانِهِ أي بلُغتِهِ العربيِّة.

 سُوۡرَةُ الشُّعَرَاء
وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ (١٩٣) عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ۬ مُّبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ ٱلۡأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ ءَايَةً أَن يَعۡلَمَهُ عُلَمَـٰٓؤُاْ بَنِىٓ إِسۡرَآءِيلَ (١٩٧) وَلَوۡ نَزَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيۡهِم مَّا ڪَانُواْ بِهِۦ مُؤۡمِنِينَ (١٩٩) كَذَالِكَ سَلَكۡنَـٰهُ فِى قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ (٢٠٠) لَا يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ (٢٠١).

"بلسانٍ عربيٍّ مُّبين": لأنَّ القرءان نزل بلسان محمد عليه السلام أي بلُغتِهِ العربية. "وإنَّهُ لفي زُبُرِ الأوَّلين": هذا أكبر دلبل على أنَّ القرءان كان في كُتُبِ الأوَّلين أي أنَّ جميع ما ذكرهُ الله عز وجل في هذا القرءان كان في السابق موجودًا في جميع الكُتُب الّتي أنزلها الله عز وجل على جميع الأنبياء والرُسُل، مِمّا يدُلُّنا على أنَّ الله تعالى أعاد تنزيل جميع رسالآتِهِ وحفظها في القرءان، ولذلك أكمل تعالى بقولِهِ في آية 197: "أَوَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ ءَايَةً أَن يَعۡلَمَهُ عُلَمَـٰٓؤُاْ بَنِىٓ إِسۡرَآءِيلَ"، لأنَّ عُلماء بني إسرآئيل هُم رجال الدين الّذين درسوا القرءان جيِّدًا وعلِموا أنَّهُ التوراة بلسانٍ عربيٍّ مُّبين. أي علِموا أنَّ توراتهم الّتي بين يديهِم مُحرَّفة، وأنَّ توراتهم الّتي بين يدَيْ القرءان هي التوراة الصحيحة، وعلى الرُغم من ذلك لم يؤمنوا بها لِقولِهِ تعالى في آية 198 و199: "وَلَوۡ نَزَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِينَ، فَقَرَأَهُ عَلَيۡهِم مَّا ڪَانُواْ بِهِۦ مُؤۡمِنِينَ". هُنا يُريد الله تعالى أن يُخبرنا أنَّهُ حتّى لو نزَّلَ هذا القرءان بلِسان بعض الأعجمين (لغة قوم اليهود) فلن يؤمنوا بِهِ بحجَّة أنَّهُ كتابٌ لِسانُهُ أعجمي، فكيف يستطيع رسولهم محمد عليه السلام أن يقرأهُ عليهم وهو لِسانُهُ عربي ولذلك يُصبِح في نظرِهِم وظنِّهِم الكاذِب كتابٌ غير مُفصَّل أي ناقِص. ولكن عدم إيمانهم بِهِ في الحقيقة ليس بسبب حجَّتهم هذه، فهي حُجَّة داحِضة، ولكن بسبب كُفرِهِم وإشراكهم واختلافِهِم في الكتاب الّذي أُنزِلَ على موسى في السابِق. فإذا لم يؤمنوا في السابِق بكتاب موسى بِلِسانِهِ، فكيف سوف يؤمنون بكتاب موسى بِلِسان مُحمَّد. ولذلك وصفهم الله تعالى بالمُجرمين وبقولِهِ عنهم في آية 200 و201: "كَذَالِكَ سَلَكۡنَـٰهُ فِى قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ، لَا يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ". هذا ما بيَّنَهُ الله تعالى لنا من خلال تشابُه تلك الآيتين (آية 198 و199) بآية 44 و45 من سورة فُصِّلت الّتي ذكرتها لكم سابقًا في أعلاه:

سُوۡرَةُ الشُّعَرَاء: وَلَوۡ نَزَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيۡهِم مَّا ڪَانُواْ بِهِۦ مُؤۡمِنِينَ (١٩٩).

سُوۡرَةُ فُصّلَت: وَلَوۡ جَعَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا أَعۡجَمِيًّا لَّقَالُواْ لَوۡلَا فُصِّلَتۡ ءَايَـٰتُهُ ءَا۠عۡجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ... (٤٤) وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِ‌ۗ وَلَوۡلَا ڪَلِمَةٌ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيۡنَهُمۡ‌ۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِى شَكٍّ مِّنۡهُ مُرِيبٍ (٤٥).

سُوۡرَةُ الدّخان
فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَـٰهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَڪَّرُونَ (٥٨).

"يسَّرَهُ الله تعالى بِلِسان محمد": أي أعاد تنزيل جميع كُتُبِهِ ورسالاته السابقة ويَسَّرَها بلغة القرءان العربية، أي جمعها جميعها ووضعها في كتابٍ واحد (القرءان الكريم) وبيَّنها بِلِسان محمد عليه السلام من خلال لغة القرءان العربية، تذكرةً لجميع الناس ولجميع الأمم بجميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ وكُتُبِهِ ورسالاتِهِ. ولذلك قال تعالى في سورة النحل:

سُوۡرَةُ النّحل
وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُّوحِىٓ إِلَيۡہِمۡ‌ۚ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ (٤٣) بِٱلۡبَيِّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِ‌ۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّڪۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡہِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤).

"فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ بِٱلۡبَيِّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِ‌": "أهل الذكر" هُم الأنبياء والرُسُل السابقين. كيف نسألهم بالبيِّنات والزُبُر، أي برسالات الله وكُتُبِهِ الّتي أنزلها عليهم في السابق؟ نسألهم من خلال كُتُبهم ورسالاتهم الّتي أنزلها الله تعالى وحفظها في القرءان بلسان القرءان (أي باللغة العربية). أي نسألهم عن رسالاتهم من القرءان. أي نسأل عمّا قال موسى في التوراة من توراة موسى الّتي حُفِظت في القرءان، ونسأل عمّا قال عيسى في الإنجيل من إنجيل عيسى الّذي حُفِظ في القرءان. ولذلك أكمل الله بقولِهِ في آية 44: "وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّڪۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡہِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ"، لِكَيْ يُعلمنا أنَّهُ تعالى أنزل إلى محمد الذِّكر أي القرءان بما فيهِ من توراة وإنجيل وجميع كُتُب ورسالات الله السابقة، لِكَيْ يُبيِّنَ للناسِ أي لجميع الناس والأمم، ما نُزِّلَ إليهم أي ما نُزِّل إلى ءابآئِهِم وأمَّتِهِم في السابق من توراة وإنجيل وجميع رسالات وكُتُب الله. إذًا فالقرءان (الذِّكر) هو الّذي يُبيِّن لجميع الناس ما نُزِّلَ إليهم (جميع كُتُبِهِم السابقة)، لأنّ جميع تلك الكُتُب كانت قد حُرِّفت عبر الزمن قبل نزول القرءان، ولذلك أعاد الله تنزيلها وحفظها لجميع الناس في القرءان. ولذلك ختم تعالى بقولِهِ: "وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ".

سُوۡرَةُ النّحل
وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِى ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ‌ۙ وَهُدًى وَرَحۡمَةً لِّقَوۡمٍ يُؤۡمِنُونَ (٦٤).

لقد أنزل الله تعالى القرءان فقط وفقط لكي يُبيِّنَ للناس الّذي اختلفوا فيه، أي لكي يُبيِّنَ للناس التوراة والإنجيل وجميع رسالاتِهِ لأنهم اختلفوا فيها في السابق. ولذلك وضع الله تعالى أداة شرط "إلاّ" بقولِهِ: "وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِى ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ‌ۙ". إذًا فإنَّ السبب في تنزيل الكتاب من الله تعالى لمحمد له هدفٌ واحد فقط، ألا وهو تبيان رسالات جميع الأنبياء والرُسُل السابقة.

وإذا أكملنا الآيات التالية، نجد الدليل على أنَّ هذا القرءان هو كتابٌ من عند الله أنزله الله تعالى بعلمِهِ، إذًا  فهو  الكتاب الأصل بلسانٍ عربيٍّ مُّبين:

سُوۡرَةُ النِّسَاء
لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشۡہَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيۡكَ‌ۖ أَنزَلَهُ بِعِلۡمِهِۦ‌ۖ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ يَشۡهَدُونَ‌ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَہِيدًا (١٦٦).

سُوۡرَةُ هُود
أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَٮٰهُ‌ۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِعَشۡرِ سُوَرٍ مِّثۡلِهِۦ مُفۡتَرَيَـٰتٍ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِينَ (١٣) فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ‌ۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ (١٤).

سُوۡرَةُ الاٴحقاف
قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرۡتُم بِهِۦ وَشَہِدَ شَاهِدٌ مِّنۢ بَنِىٓ إِسۡرَآءِيلَ عَلَىٰ مِثۡلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ‌ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَہۡدِى ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (١٠) وَقَالَ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡ كَانَ خَيۡرًا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيۡهِ‌ۚ وَإِذۡ لَمۡ يَهۡتَدُواْ بِهِۦ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفۡكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَـٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامًا وَرَحۡمَةً وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ مُّصَدِّقٌ  لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُحۡسِنِينَ (١٢).

"وشهِد شاهِدٌ من بني إسرآءيل على مِثِلِهِ فآمن": لأنَّهُ شهِدَ على أنَّ التوراة مثل القرءان، وهذا يعني أنَّهُ شهِدَ على أنَّ التوراة  هي القرءان، ولذلكَ آمن بالتوراة الصحيحة الّتي حُفِظت بلِسان القرءان في القرءان، وآمن بالقرءان أنَّهُ التوراة، وبالتالي آمن بالقرءان، لأنَّ القرءان كما قال الله تعالى في آية 12: "هو كِتابٌ مُصدِّقٌ لِسانًا عربِيًّا"، إذًا فالقرءان مُصِّدق للتوراة ولكن بلِسانٍ عربي، مِمّا يدلنا بل يؤكد لنا أنَّ هذا القرءان هو التوراة بِلِسانٍ عربي، أي هو التوراة باللغة العربية. لقد أراد الله عز وجل أن يُعلِمنا أنَّ الّذي شهد من بني إسرآءيل على كتاب موسى الّذي أنزله الله تعالى ووضعه في القرءان، يكون قد ءامن بالقرءان وشهِدَ  على التوراة، أمّا قوم الرسول محمد الّذين هم مُقرَّبين منه ولسانهم في الأصل عربي، فقد استكبروا وصدّوا عنهُ فلم يؤمنوا بِهِ ولم يشهدوا على مثلِهِ أي على التوراة أنَّها القرءان بالّلغة العربية.

 

8. إذا انتقلنا إلى سورة الشورى من آية 1 إلى 3:

سُوۡرَةُ الشّوریٰ
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
حمٓ (١) عٓسٓقٓ (٢) كَذَالِكَ يُوحِىٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (٣). 

إذا قرأنا تلك الآيات من سورة الشورى مع التركيز على آية 3، نجد بأن الله تعالى قد أوحى القرءان بنفس الطريقة الّتي أوحى بها جميع كُتُبِهِ السماوية إلى جميع أنبياءِهِ ورُسُلِهِ في السابق، ولذلك بدأ هذه السورة بقوله: "حم" في آية (1) و"عسق" في آية (2) وأكمل بقوله في آية (3) "كذالك يوحي إليك وإلى الّذين من قبلِك". هذا يعني أنَّ الله عز وجل قد أوحى إلى محمد عليه السلام القرءان ب"حم" وب"عسق" أي بوضع الأحرف الأبجدية كآيات في بداية سُور القرءان، وكذالك أوحى جميع الكُتُب الّتي  أنزلها في السابق على جميع الرُسُل والأنبياء الّذين كانوا قبل محمد بوضعه أيضًا الأحرف الأبجدية كآية في بداية كل كتاب أنزله وبلغة هذا الكتاب، لِقولِهِ في آية 3: "كَذَالِكَ يُوحِىٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ". مما يدلُّنا على أنَّ الله تعالى كما أوحى إلى محمد أوحى سابقًا إلى جميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ الّذين كانوا قبل محمد نفس الوحي وبنفس الطريقة. وهذا يعني أنّ كل كتاب في السابق أُنزِلَ بوحي من الله بدأت سُوَرُهُ تمامًا كالقرءان بآية الأحرف الأبجدية المُختصَّة بلغة هذا الكتاب ولو كان بلغة أعجمية، مثالاً على ذلك الرسالات السابقة الّتي أنزلها الله تعالى بِلِسان أنبياءِها ورُسُلِها والّتي حُرِّفت ومُحِيت وزالت عبر الزمن، كرسالات نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل، ولذلك أعاد الله تنزيلها مرة أخرى وأثبتها وحفظها في القرءان الكريم وبلغتِهِ العربية. وإنَّ سورة الشورى هي السورة الوحيدة دونًا عن سائِر سُور القرءان الّتي وضع الله تعالى لنا في بدايتها آيتان (آية 1 وآية 2) فيها أحرف أبجدية، لا آية واحدة. السبب في ذلك لكي يُنبِّهنا إلى ما قاله لمحمد في آية 3، لكي يُبيِّن لنا أنَّهُ أوحى جميع كُتُبِهِ السابقة بنفس الأسلوب القرءاني بوضعِهِ في بداية كل كتاب أحرفه الأبجدية الّتي ألَّفت لُغة هذا الكتاب.

نجد تأكيدًا لما ذكرته في آية 4 من سورة إبراهيم، وأيضًا في حلقات حقيقة الإسلام من القرءان تحت عنوان "ما معنى قرءان"، من حلقة رقم (2:1) إلى حلقة رقم (2:7):

سُوۡرَةُ إبراهیم
وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡ‌ۖ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِى مَن يَشَآءُ‌ۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (٤).

 

تكملة هذا الموضوع تجدونها في هذا الرابط بعنوان: هل ألم، ألر، حم، ق... هي أحرف إعجاز في القرءان الكريم؟ (3)

 

2 Jan 05, 2016