هل سياسة الترادف موجودة أم غير موجودة في القرءان الكريم؟

Raed's picture
Author: Raed / Date: Fri, 01/29/2016 - 00:19 /

 

هل سياسة الترادف موجودة أم غير موجودة في القرءان الكريم؟

 

1. مُقدِّمة الموضوع:

إخوتي وأخواتي الكِرام، موضوعي هذا هو عن سياسة الترادف في القرءان الكريم. هناك أناسٌ كُثُر يظنون أنَّ القرءان لا يتَّبِع سياسة الترادف، أي أنَّهُ لا يوجد فيه ترادف. السؤال الّذي يطرح نفسهُ هو: هل سياسة الترادف موجودة أم غير موجودة في القر ءان الكريم؟

قبل أن أجيب على هذا السؤال من خلال علم الله عز وجل الّذي وضعه لنا في آياتِهِ البينات، أريد أن أُعرِّف لكم لُغويًا معنى كلمة ترادف في اللغة العربية. إنَّ كلمة ترادف آتية من فعل ردف. وردف تعني تَبِعَ. وردفه ردفًا تعني تبعهُ وركب خلفه. وأردفَ بالشيء وعليه تعني أتبعَهُ عليه. وترادفًا تعني تتابعًا وتعاونًا. وترادفت الكلمات تعني تشابهت في المعنى.

 

2. والآن سوف أدخل في صلب الموضوع:

لقد أمرنا الله تعالى أن نتبع سياسة الترادف والتشابه والمجاز وضرب المعاني ببعضها لأنَّه تعالى فعل ذلكَ في كتابِه الكريم. فمثلاً عندما يصف الله تعالى لنا القرءان بالنور والهُدى والفرقان والبصائِر والرحمة والغفران ومعاني أخرى كثيرة، فهل نستطيع أن نقول له لماذا وضعت سياسة الترادف في القرءان؟ وعندما يصف الله تعالى القرءان بالنور والهُدى والفرقان إلخ...، فهذا لا يعني أنَّ معنى النور اختلَط بمعنى الهُدى، وأنَّ معنى الهُدى اختلط بمعنى الفرقان إلخ...، بل يعني كما قال الله تعالى أنَّ القرءان هو النور لأنَّهُ يُرينا الحق، والعكس صحيح. وأنَّ القرءان الّذي هو النور هو الهدى لأننا بنور القرءان نستطيع أن نهتدي أي أن نرى طريق الحق، والعكس صحيح. وأنَّ القرءان الّذي هو النور والهُدى هو الفرقان لأننا عندما نرى طريق النور ونهتدي به في حياتنا نستطيع أن نفرق بين الحق والباطل، والعكس صحيح. وأنَّ الهدى هو الجنة لأنّنا لا نستطيع أن ندخل الجنة إذا لم نهتدِ، والعكس صحيح، إلخ...، إذًا فإنَّ كلمات النور والهُدى والفرقان والبصائر والرحمة والغفران هي كلماتٌ مترادفة مع بعضها، أي إنَّ كل كلمة تتبع الكلمة الأخرى وتتشابه معها في المعنى فيصبح هناك تعاون بين تلك الكلمات بهدف إحكام المعنى.

 

3. سوف أُوضِّحُ لكَم هذا الأمر بطريقة مُفصَّلة أكثر: عندما فصَّلَ الله تعالى لنا من خلال آياتِهِ البينات أنَّ الصلواة هي الكتاب، وأنَّ الصلواة هي آياته البيِّنات والمُبيِّنات، فهذا يعني أنَّ الصلواة هي الكتاب وهي آيات الله البينات والمبيّنات. وإذا أردنا أن نتبع أهواء الّذين لا يعلمون، فهذا يعني أنَّ الكتاب هو ليس آيات الله، وأنَّ الوحي هو ليس الكتاب، وأنَّ الكتاب هو ليس القرءان، وأنَّ القرءان هو ليس آيات الله، وأنَّ القرءان هو ليس النور، وأنَّ النور هو ليس آيات الله، وأنَّ الفرقان هو ليس القرءان، وأنَّ الهدى هو ليس النور، إلخ...

 

4. و كذلك الأمر: إنَّ أسمآء الله الحُسنى هي آيات الله. وبما أنَّ آيات الله هي عِلمُ الله، تُصبح بذلكَ أسمآء الله هي عِلمُ الله. وبما أنَّ علم الله هو رسالاته الّتي أنزلها على جميع أنبيآئِهِ ورُسُلِهِ وحفظها في القرءان، تُصبح بذلك أسمآء الله هي كُتُبه. وبما أنَّ كل كلمة في القرءان هي من الله أي من عِلمِهِ، تُصبح بذلكَ كل كلمة من القرءان هي إسم من أسمآء الله الحسنى. هذا هو تفصيل وبيان الله تعالى الّذي أرادنا أن نعلمه. لقد أرادنا الله تعالى أن نجمع القرءان وأن نضربه ببعضِهِ، لا أن نُفرِّق بين آياتِهِ وكلماتِهِ كما فعل السلف الطالح وأئِمة الكفر والضلالة. أرجو منكم أن تقرأوا الآيات البينات التالية:

سُوۡرَةُ البَقَرَة
فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِہَا‌ۚ كَذَالِكَ يُحۡىِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَيُرِيڪُمۡ ءَايَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ (٧٣) ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَالِكَ فَهِىَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَـٰرُ‌ۚ وَإِنَّ مِنۡہَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُ‌ۚ وَإِنَّ مِنۡہَا لَمَا يَہۡبِطُ مِنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِ‌ۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ (٧٤) أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٌ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ ڪَلَـٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ (٧٥).

"ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِہَا‌ۚ" = اضربوا الآيات ببعضها = اجمعوا معاني الآيات ببعضها = لا تفصلوا معاني الآيات عن بعضها = لا تكن قلوبكم قاسية = لا تحرفوا كلام الله وأنتم تعلمون. ولذلك قال تعالى في آية 73: "كَذَالِكَ يُحۡىِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَيُرِيڪُمۡ ءَايَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ". إذًا فإنَّ ضرب الآيات ببعضها هو الّذي يُحيي الميِّت أي الأعمى والضّال من بعد أن أراهُ الله تعالى آياته مضروبة ببعضها أي مُحكمة وغير مُقسَّمة أو مفصولة عن بعضها.
إنَّ آية 73 لها معنىً مجازي، وهذا المعنى له علاقة بموضوع ذبح البقرة، والّتي هي كناية عن كتاب الله التوراة. وإن شاء الله سوف آتي إلى تفصيل هذا الموضوع في مقالة أخرى لاحِقًا.

 

5. إخوتي وأخواتي الكرام، الصلواة هي القرءان والعكس صحيح، وكل كلمة لها معنى خاص بها. والصيام هو الصلواة والعكس صحيح، وكل كلمة لها معنى خاص بِهِا. والصلواة هي الزكواة والعكس صحيح، وكل كلمة لها معنى خاص بها. والصيام هو الحج والعكس صحيح، وكل كلمة لها معنىً خاص بها.
بما معناه: الصلواة لا تكون إلاَّ بالقرءان، ولكن إذا تدبرنا القرءان ولم نصم عن السيِّئات تُصبح صلواتنا باطلة. وإذا صلينا لأنفسنا بالقرءان وامتنعنا عن فعل السيئات نستطيع أن نفعل الخير والإصلاح أي أن نُقيم الصلواة. وإذا صلّينا لأنفسنا من دون أن نقيم الصلواة، تصبح صلاتنا باطلة. وإذا أقمنا الصلواة نكون بذلكَ نُطهِّرْ أنفسنا ونُعطي الطهارة لِغيرنا، أي نكون بذلك نؤتي الزكواة. وإذا صمنا لأنفسنا من دون أن نقيم صيامنا بالحج، يكون بذلك صيامنا باطلاً، إلخ...
هذا يعني، أنَّ صلاتنا لا تصح من دون صيامنا، وأنَّ صيامنا لا يصح من دون زكاتنا، وأنَّ زكاتنا لا تصح من دون حجنا، وأنَّ حجنا لا يصح من دون صلاتنا، وأنَّ زكاتنا لا تصح من دون حجنا، إلخ... وبما أنَّ القرءان يحثنا على طهارة أنفسنا، إذًا فالقرءان هو الزكواة، لأننا لا نستطيع أن نُطهِّرْ أنفسنا من دونِهِ، أي من دون صلاتنا.

هذا هو التفصيل الّذي ذكره الله تعالى لنا في القرءان. وهذا هو التشابُه الّذي هو مُحكم الّذي ذكره الله تعالى لنا في القرءان. هكذا بيَّنَ الله تعالى لنا القرءان، بتفصيل وتشابه آياتِهِ وبضربها ببعضها. هكذا فسَّرَ الله تعالى لنا القرءان من القرءان نفسه.

هذا ما بيَّنه الله تعالى في الآيات البينات التالية:

سُوۡرَةُ الفُرقان
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةً وَاحِدَةً ڪَذَالِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَ‌ۖ وَرَتَّلۡنَـٰهُ تَرۡتِيلاً (٣٢) وَلَا يَأۡتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَأَحۡسَنَ تَفۡسِيرًا (٣٣).

انظروا إلى قول الّذين كفروا: "لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةً وَاحِدَةً" = لماذا يوجد ترادف في القرءان؟ = لماذا يوجد تتابع وتشابه وتعاون وتفصيل وبيان وإحكام في القرءان؟ = لماذا قال الله أنَّ القرءان هو النور والهدى والفرقان؟ = لماذا ذكر الله رسالات الأنبياء في القرءان ولم يذكر فقط رسالة محمد = لماذا ذكر الله مثلاً قصة موسى عدة مرات في عدة سُوَرْ بسياق مُتشابه ولم يذكرها مرة واحدة؟ = إلى آخره من الأسئِلة المُغرضة الّتي تنم عن جهل فاضح من السائِلين الكفرة، وتدل على عدم معرفتِهِم وعدم تدبرهم للقرءان الكريم.

انظروا إلى جواب الله تعالى للّذين كفروا: "ڪَذَالِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَ‌ۖ وَرَتَّلۡنَـٰهُ تَرۡتِيلاً، وَلَا يَأۡتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَأَحۡسَنَ تَفۡسِيرًا". هذا هو التفصيل والبيان والتفسير والتشابه والتتابع وتعاون المعاني والإحكام الإلاهي يا سادة يا كرام.

 

6. والآن رجاءً لكل إنسان يتابع هذا الموضوع بأن يتدبَّر قول الله عز وجل في الآيات البينات التالية:

سُوۡرَةُ الزُّمَر
ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَـٰبًا مُّتَشَـٰبِهًا مَّثَانِىَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّہُمۡ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ‌ۚ ذَالِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَہۡدِى بِهِۦ مَن يَشَآءُ‌ۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنۡ هَادٍ (٢٣).

سُوۡرَةُ هُود
الٓر‌ۚ كِتَـٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَـٰتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١).

إذا ضربتم آية 23 في سورة الزمر بآية 1 في سورة هود، تجدون وبكل وضوح أنَّ الكتاب أي القرءان هو مُتشابه وفي الوقت نفسِهِ مُحكم. وهذا يعني أنَّ القرءان هو كتابٌ مُتشابه بإحكامِهِ، ومُحكم بتشابُهِهِ.

 

7. ومثل آخر، عندما يقول الله تعالى لنا في آياته البينات أنَّ الإنجيل يُصدِّق بالتوراة، فهذا يعني أنَّ الإنجيل هو التوراة حتّى ولو كانا كتابين لِنقُل أنهما أنزلا بلغة مُختلفة ولرسولين مختلفين، ولهم إسم مُختلف. لقد أرادنا الله تعالى أن نأخذ بالمفهوم، لا أن نأخذ بكل كلمة ونُفلسفها حسب هوانا، ونخترع سياسات ننسبها إلى الله وإلى قرءانِهِ، ونجادل بها في الله بغير علم ولا هُدىً ولا كتابٍ منير، لِكَيْ نُضِل عن سبيل الله (دينه الواحد) ونتَّبِع سُبُلاً أُخرى (أديانًا مُتفرِّقة ومُختلفة)، كما قال تعالى في:

سُوۡرَةُ لقمَان
... وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَـٰبٍ مُّنِيرٍ (٢٠).

سُوۡرَةُ الحَجّ
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَـٰبٍ مُّنِيرٍ (٨) ثَانِىَ عِطۡفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ‌ۖ لَهُ فِى ٱلدُّنۡيَا خِزۡىٌ وَنُذِيقُهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ (٩).

 

8. لقد بيَّنَ الله تعالى لنا من خلال آياتِهِ البينات أنَّ القرءان هو السنة وهو الشريعة وهو الدين وهو القول وهو الحديث وهو الحِكمة وهو الموعظة وهو التفسير وهو البيان وهو الحُكم وهو الحق إلخ... وإذا افترضنا أنَّهُ لا توجد سياسة ترادف في القرءان، فهذا يعني أنَّ شريعة الله هي ليست سنته، وأنَّ قول الله هو ليس حديثه، وأنَّ دين الله هو ليس قُرءانه، وأنَّ قُرءانه هو ليس شريعته إلخ... هذا ما فعله جهلاء الدين والسلف الطالح وأئمة الكفر والضلالة والأحبار والرهبان والعلمانيين الملحدين وكل إنسان يفسر القرءان خارج عن النص القرءاني ويجعل القرءان الكريم عِضين، كما بين الله تعالى لنا في الآيات التالية:

سُوۡرَةُ الحِجر
كَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَى ٱلۡمُقۡتَسِمِينَ (٩٠) ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ (٩١) فَوَرَبِّكَ لَنَسۡـَٔلَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (٩٣).

سُوۡرَةُ یُونس
وَمَا تَكُونُ فِى شَأۡنٍ وَمَا تَتۡلُواْ مِنۡهُ مِن قُرۡءَانٍ وَلَا تَعۡمَلُونَ مِنۡ عَمَلٍ إِلَّا ڪُنَّا عَلَيۡكُمۡ شُہُودًا إِذۡ تُفِيضُونَ فِيهِ‌ۚ وَمَا يَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّةٍ فِى ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصۡغَرَ مِن ذَالِكَ وَلَآ أَكۡبَرَ إِلَّا فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ (٦١).

سُوۡرَةُ الاٴحقاف
أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَٮٰهُ‌ۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُ فَلَا تَمۡلِكُونَ لِى مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا‌ۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ‌ۖ كَفَىٰ بِهِۦ شَہِيدَۢا بَيۡنِى وَبَيۡنَكُمۡ‌ۖ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ (٨).

 

9. في بعض الأحيان يُعطينا الله تعالى معنىً سلبيًا ومعنىً إيجابيًا لنفس الكلمة على حسب ما يُريد الله تعالى أن يُبيِّن لنا من خلالها. فمثلاً، لقد شبه الله تعالى لنا الكفار بالأنعام في آية 44 من سورة الفرقان وهذا شيءٌ سلبي، أمّا في آية 5 و6 و7 من سورة النحل فقد حدَّثنا تعالى عن منافع الأنعام بشكل إيجابي. تابعوا معيَ تلك الآيات:

سُوۡرَةُ الفُرقان
أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَڪۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَ‌ۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَـٰمِ‌ۖ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤).

سُوۡرَةُ النّحل
وَٱلۡأَنۡعَـٰمَ خَلَقَهَا‌ۗ لَڪُمۡ فِيهَا دِفۡءٌ وَمَنَـٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡڪُلُونَ (٥) وَلَكُمۡ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسۡرَحُونَ (٦) وَتَحۡمِلُ أَثۡقَالَڪُمۡ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمۡ تَكُونُواْ بَـٰلِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلۡأَنفُسِ‌ۚ إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (٧).

 

10. ونحن أيضًا نجد كلمة واحدة في القرءان تحمل معنيين متناقضين. لقد استخدم الله تعالى كلمة الظن في كثير من آياتِهِ على أنها الشك، وفي آيات أخرى نجد أنَّ الظن هو اليقين. الدليل تجدونه في الآيات التالية:

سُوۡرَةُ یُونس
وَمَا يَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّا‌ۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِى مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡـًٔا‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ (٣٦).

(الظن = الشك).

سُوۡرَةُ الکهف
وَرَءَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓاْ أَنَّہُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمۡ يَجِدُواْ عَنۡہَا مَصۡرِفًا (٥٣).

(الظن = اليقين).

سُوۡرَةُ الجنّ
وَأَنَّہُمۡ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمۡ أَن لَّن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ أَحَدًا (٧).
(الظن = الشك).

سُوۡرَةُ الجنّ
وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعۡجِزَ ٱللَّهَ فِى ٱلۡأَرۡضِ وَلَن نُّعۡجِزَهُ هَرَبًا (١٢). 
(الظن = اليقين).

 

11. أريد أن أُعطيكم أيضًا مثالاً لأسلوب الله العظيم في الترادف، من خلال الآيات التالية:

سُوۡرَةُ الحَجّ
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡڪَعُواْ وَٱسۡجُدُواْ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّڪُمۡ تُفۡلِحُونَ (٧٧).

(اركعوا = اسجدوا = اعبدوا ربكم = افعلوا الخير = تفلحون = تبتعدون عن جهنم = تدخلون الجنة).

سُوۡرَةُ آل عِمرَان
وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕڪَةُ يَـٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَٮٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَٮٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (٤٢) يَـٰمَرۡيَمُ ٱقۡنُتِى لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِى وَٱرۡكَعِى مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ (٤٣).

(اقنتي لربك = اسجدي = اركعي).

سُوۡرَةُ آل عِمرَان
لَيۡسُواْ سَوَآءً مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ أُمَّةٌ قَآٮِٕمَةٌ يَتۡلُونَ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ (١١٣) يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ (١١٤) وَمَا يَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٍ فَلَن يُڪۡفَرُوهُ‌ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُتَّقِينَ (١١٥).

(يَتۡلُونَ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ = يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ = يُؤۡمِنُونَ بٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأَخِرِ = يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ = يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ = من الصَّـٰلِحِينَ = يَفۡعَلُواْ الخَيۡرٍ = من المُتَّقِينَ).

 

12. أعزّائي وأحبّائي الكرام، أنا أعطيكم الأدلة والبراهين من الله نفسه أي من كتابِهِ، وليس من تفسيري أنا شخصيًا أو من تفاسير أشخاص آخرين لم ينزل الله تعالى بها من سلطان.

القرءان ليس بلغز وليس بالكتاب المُعقَّد والصّعب، وهو سهلٌ ببساطته ولكنه مُمتنع بعظمة عِلمِهِ، لذلك فهو السَّهل المُمتنع، والله تعالى يسَّره وبيَّنهُ وفسَّرهُ لنا من تشابه وتفصيل وإحكام آياتِهِ، وصدّقوني إذا قُلتُ لكم أنَّ طريقة التشابُه (الترادف) والإحكام والتفصيل هي الطريقة الوحيدة المثلى الّتي تستطيع أن توصلكم إلى حقيقة هذا الكتاب العظيم، وتستطيع أن تُعطيكم علمه كاملاً بكل سهولة ويُسر ووضوح لا مثيل له.

 

13. لقد قيل لي أنَّه من المستحيل أن نستبدل كلمة التسبيح بكلمة الصلواة. وأنا إذا أردتُ أن أناقش هذا الأمر، فإني أقول لكل إنسان يقول مِثل هذا القول، أنَّ كلمة سبَّحَ في قاموس اللغة العربية وفي لغة القرءان هي مترادفة مع كلمة صلّى -وبالطبع مع التصديق بلغة القرءان أولاً وأخيرًا قبل التصديق بقاموس اللغة العربية- بل أكثر من ذلك سبَّحَ تعني صلّى. سوف أعطيكم الدليل على ذلك من آيات الله البينات، وسوف أبدأ بسورة النور:

سُوۡرَةُ النُّور
أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَـٰٓفَّـٰتٍ‌ۖ كُلٌّ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسۡبِيحَهُ ۥ‌ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ (٤١).

لقد بدأ الله تعالى هذه الآية بقوله: "أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَـٰٓفَّـٰتٍ‌ۖ"، وأكمل تعالى بقوله: "كُلٌّ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسۡبِيحَهُۥ‌ۗ"، ولم يكمل ويكتفي بقوله: "كُلٌّ قَدۡ عَلِمَ تَسۡبِيحَهُۥ‌ۗ" بل قال تعالى: "صلاتَهُ وتسبيحَهُ". وإذا كانت هذه الآية ليست بمقنعة، فلماذا ختم الله تعالى هذه الآية بقوله: "وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ"؟ الجواب هو: لأنَّ التسبيح هو الصلواة، ولأنَّ تسبيح وصلواة الملآئِكة ومن في السماوات والأرض والطير هو أن يفعلوا ما أمرهم الله تعالى بِهِ وما خلقهم من أجله، أي أن يُطيعوهُ أي يسجدوا لهُ أي أن لا يتكبروا عليه، تمامًا كما أمرهم الله تعالى. وهذا الكلام ليس من عندي أنا شخصيًا، بل من عند الله تعالى، لأنَّهُ سُبحانَهُ قد فصَّل وبيَّنَ لنا هذا في السُور التالية:

سُوۡرَةُ الاٴعرَاف
وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ (٢٠٤) وَٱذۡكُر رَّبَّكَ فِى نَفۡسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً  وَدُونَ ٱلۡجَهۡرِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأَصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡغَـٰفِلِينَ (٢٠٥) إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسۡجُدُونَ (٢٠٦).

إضربوا تلك الآيات ببعضها، تجدون أنَّ ذكر الله = تدبر القرءان وإقامته = التسبيح بالغدوِّ والأَصال الّذّي هو الصلواة = تسبيح الملآئِكة = عبادة الملآئِكة لله = عدم تكبر الملآئِكة على الله = السجود لله.

سُوۡرَةُ الرّعد
لَهُ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّ‌ۖ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىۡءٍ إِلَّا كَبَـٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَـٰلِغِهِۦ‌ۚ وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَـٰفِرِينَ إِلَّا فِى ضَلَـٰلٍ (١٤) وَلِلَّهِ يَسۡجُدُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعًا  وَكَرۡهًا وَظِلَـٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأَصَالِ (١٥).

اضربوا تلك الآيتين مع آيات سورة الأعراف الّتي ذكرتها لكم سابقًا، تجدون أنَّ السجود لله = ظلالهم بالغدو والأصال = الدعاء والدعوة فقط لله = اتباع فقط كتابه = الاستماع إلى القرءان والإنصات لآياته = تدبر آيات الله والعمل بها = التسبيح لله = الصلواة لله = ذكر الله بالغدو والأصال = العبادة لله وحده = عدم التكبر على الله = السجود لله = العمل بما خلقنا من أجله = الإمتثال لأوامر الله والطاعة الخالصة له.

سُوۡرَةُ الحَجّ
أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسۡجُدُ لَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَن فِى ٱلۡأَرۡضِ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلۡجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَڪَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ‌ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيۡهِ ٱلۡعَذَابُ‌ۗ وَمَن يُہِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكۡرِمٍ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ (١٨).

سُوۡرَةُ النّحل
أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَىۡءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلَـٰلُهُ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَٱلشَّمَآٮِٕلِ سُجَّدًا لِّلَّهِ وَهُمۡ دَاخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسۡجُدُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِ مِن دَآبَّةٍ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ (٤٩) يَخَافُونَ رَبَّہُم مِّن فَوۡقِهِمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ (٥٠).

إضربوا تلك الآيات بآيات سورة النور وسورة الأعراف وسورة الرعد، تجدون الجواب الكافي الشافي لِمعنى التسبيح الّذي هو الصلواة والّذي هو السجود والّذي هو عدم التكبر والّذي هو العبادة والّذي هو ذكر الله إلخ...، والّذي هو "يَخَافُونَ رَبَّہُم مِّن فَوۡقِهِمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ" في آية 50 من سورة النحل، والمعنى هو أن يؤمنوا بالله ويُطبقوا ما أمرهم بِهِ في كتابه من فعل الخير والإصلاح، وهذا يعني أنَّ كل مخلوق يفعل ويطيع الله بالسبب الّذي خلقه الله تعالى من أجلِهِ.

 

14. إذا كانت جميع تلك الأدلة والبراهين من آيات الله البينات غير كافية لإقناعه، فأنا أستطيع أن أُعطيهِ من الدلآئِل والبراهين وفقط من القرءان ما لا يُعد ولا يُحصى، وإذا أرادني أن أفعل ذلك فعَلَيَّ بِضرب أي بربط جميع آيات القرءان ببعضها، لذلك سوف أكتفي بهذا القدر لأنني إن فعلت، فلا ولن أستطيع أن أنتهي من الحوار معه في هذا الموضوع، ولكنّي سوف أعطيه دليلاً أخيرًا، إذا لن يقتنع به فهذا شأنُهُ:

سُوۡرَةُ الاٴعلی
سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى (١) ٱلَّذِى خَلَقَ فَسَوَّىٰ (٢) وَٱلَّذِى قَدَّرَ فَهَدَىٰ (٣) وَٱلَّذِىٓ أَخۡرَجَ ٱلۡمَرۡعَىٰ (٤) فَجَعَلَهُ ۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ (٥) سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ (٦) إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُ‌ۚ إِنَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلۡيُسۡرَىٰ (٨) فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكۡرَىٰ (٩) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخۡشَىٰ (١٠) وَيَتَجَنَّبُہَا ٱلۡأَشۡقَى (١١) ٱلَّذِى يَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ (١٢) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيہَا وَلَا يَحۡيَىٰ (١٣) قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (١٤) وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ (١٥) بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا (١٦) وَٱلۡأَخِرَةُ خَيۡرٌ وَأَبۡقَىٰٓ (١٧) إِنَّ هَـٰذَا لَفِى ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ (١٨) صُحُفِ إِبۡرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ (١٩).

إذا ضربتم جميع آيات سورة الأعلى ببعضها، سوف تجدون أنَّ الله تعالى يُفصِّل لنا معنى التسبيح والصلواة وأنَّهُم لا يكونون إلاَّ بالقرءان وبتطبيقه، أي لا يكونوا إلاَّ بآيات الله وبتطبيق ما أمرنا الله تعالى به من خلالها. وسوف تجدون أيضًا أنَّ تسبيحنا وصلاتنا أي ما أمرنا الله تعالى بهِ في القرءان، أمر بِهِ أيضًا جميع الأمم سابقًا في صُحُفِ إبراهيم وموسى. وإذا ضربتم آية 1 بآية 14 و15، تجدون الدليل القاطع على أنَّ التسبيح لإسم الله هو ذكر إسم الله وهو ما يُسمّى بالصلواة. وإذا ضربتم جميع آيات سورة الأعلى ببعضها تجدون أنَّ إسم الله هو كتابُهُ أي هو القرءان الكريم وصحف إبراهيم وصحف موسى الّتي أنزلها الله تعالى في السابق وحفظها في القرءان.

أعزائي الكرام، إنَّ التسبيح هو الصلواة وهو الحمد وهو الشكر وهو العبادة وهو الذكر.

 

15. إنَّ سياسة اللاترادف في القرءان ليست إلاَّ بدعة ابتدعها الّذين يُريدون أن يُأوِّلوا القرءان حسب أهواءهم، لكي يُثبتوا أنَّ علمهم الباطل وتفسيرهم الخيالي والوهمي والتحريفي للقرءان ليس علمًا خاطئًا. ولقد علَّمني الله العليم الحكيم أن أحاور من يُجادل في الله من دون سلطان أتاه من خلال عِلمه أي من خلال آياته البينات، لأنها أكثر من كافية لإظهار الحق لهُ ولأمثالِهِ. ولقد أعطيته ما يكفي من الأدلة والبراهين.

القرءان الكريم فيه سياسة واحدة، وهي سياسة الله الّتي هي تشابه وإحكام وبيان وتفصيل وتفسير القرءان من القرءان نفسه وليس من عندي أو من عند فلان أو علتان. ونحنُ كمؤمنين علينا الإمتثال فقط لأوامر الله وعلينا السمع والطاعة.

 

16. سوف أختم هذا الموضوع بآيات في سورة آل عمران:

سُوۡرَةُ آل عِمرَان
هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِنۡهُ ءَايَـٰتٌ مُّحۡكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦ‌ۗ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُ إِلَّا ٱللَّهُ‌ۗ وَٱلرَّاسِخُونَ فِى ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلٌّ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَا‌ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ (٧) رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةً‌ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ (٨) رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوۡمٍ لَّا رَيۡبَ فِيهِ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ (٩).

"وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُ إِلَّا ٱللَّهُ‌ۗ" = الله وحدهُ سُبحانه الّذي يُفسِّر ويبين لنا المُتشابه والمُحكم في القرءان وليس أحدٌ غيره = لا يجب علينا أن نفهم المُتشابه والمُحكم إلاَّ من الله أي من خلال عِلمِهِ أي من خلال تفسيره وبيانه وتفصيله لآياته في القرءان، وليس من خلال علم الّذين في قلوبهم زيغ الّذين يأخذون ما تشابه من الآيات ويُحرفون بمعناها على حسب أهواءهم، من دون أي دليل أو علم من الله، أي من دون أي دليل أو علم من آيات الله، كما يفعل أكثر الناس. لذلك: "وَٱلرَّاسِخُونَ فِى ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلٌّ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَا‌ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ"، لأنَّ الراسخين في العلم يؤمنون بالقرءان من خلال تفسير وبيان وتفصيل الله تعالى لآياتِهِ المحكمات والمتشابهات، ولذلك دعوا الله تعالى في آية 8 أن لا يزيغ قلوبهم بعد إذ هداهم، أي أن لا يضلوا عن سبيله ويتبعوا تفاسير الّذين في قلوبهم زيغ في المتشابِه، من بعد أن هداهم الله تعالى إلى علم هذا المتشابِه من القرءان، ومن بعد أن أخذوا مفهوم كل آيات القرءان بمُحكَمِهِ وبتشابهِهِ من الله تعالى وحده لا شريك له، بقولهم: "آمنّا بِهِ كُلٌّ من عندِ ربِّنا". تجدون الرابط لمعنى تلك الآيات في آية 118 و119 من سورة آل عمران:

سُوۡرَةُ آل عِمرَان
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَاهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِى صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُ‌ۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأَيَـٰتِ‌ۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ (١١٨) هَـٰٓأَنتُمۡ أُوْلَآءِ تُحِبُّونَہُمۡ وَلَا يُحِبُّونَكُمۡ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱلۡكِتَـٰبِ كُلِّهِۦ وَإِذَا لَقُوكُمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ عَضُّواْ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَنَامِلَ مِنَ ٱلۡغَيۡظِ‌ۚ قُلۡ مُوتُواْ بِغَيۡظِكُمۡ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ (١١٩).

"وَتُؤۡمِنُونَ بِٱلۡكِتَـٰبِ كُلِّهِۦ" في آية 119 من سورة آل عمران = "كُلٌّ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَا ‌ۗ" في آية 7 من سورة آل عمران.

"كُلٌّ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَا" = "وَتُؤۡمِنُونَ بِٱلۡكِتَـٰبِ كُلِّهِ" = وتؤمنون بالمحكم والمتشابه أنَّهُ من عند الله = المُحكم والمتشابه يُفسِّرُهُ الله = المُحكم والمتشابِه مُفسَّر في القرءان.

 

17. أكتفي بهذا القدر، وأدعو ربّي بهدايتنا بكل آياتِهِ، المُحكم منها والمُتشابِه، لكم أولاً ولي ثانيًا.

 

والسلام عليكم
 

 

5 Jan 18, 2016