حقيقة الصلواة: هل هناك خمس صلوات فرض؟ (2)

Raed's picture
Author: Raed / Date: Wed, 05/18/2016 - 21:16 /

 

 

حقيقة الصلواة: هل هناك خمس صلوات فرض؟ (2)

 

هذا هو الجزء الثاني من مقالة "حقيقة الصلواة"، وسوف أُكمل فيه تلاوة مجموعة من الآيات البيِّنات، تُثبت لنا المعنى الحقيقي للصلواة  وإقامتِها.

 

7. البرهان الخامس:

سورة هود من آية 112 إلى 117:

سُوۡرَةُ هُود
فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْ‌ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ۬ (١١٢) وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَڪُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (١١٣) وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّہَارِ وَزُلَفً۬ا مِّنَ ٱلَّيۡلِ‌ۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَـٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ‌ۚ ذَالِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ (١١٤) وَٱصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (١١٥) فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ۬ يَنۡہَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلاً۬ مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡ‌ۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ (١١٦) وَمَا ڪَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٍ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ (١١٧).

في آية 114 نرى بأنَّ الله عز وجل يأمر محمدًا عليه السلام بإقامة الصلواة "طرفي النهار وزُلُفًا من الَّيْل"، أي عند طلوع النهار ودلوك (أي غروب) الشَّمس، ووقتًا من الَّيْل. نرى في هذه الآية أنَّ الله تعالى لم يذكر لمحمد عليه السلام أي شيء عن الصلوات الخمس مع عدد ركعاتها وطريقة إقامتها، ولم يقل لمحمد ،على سبيل المثال، أقم الصلوات الخمس، بل قال له وبكل وضوح "أقم الصلواة". وإذا أكملنا قول الله عز وجل في هذه الآية: "إِنَّ ٱلۡحَسَنَـٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ‌ۚ" نتساءل، ما هو الرابط الذّي يربط "إقامة الصلواة" ب"الحسنات"؟ وكيف "يُذهِبْنَ الحسنات" "السيِّئات

إذا افترضنا مثلاً أنَّ إقامة الصلواة في آية 114 هي إقامة الصلوات الخمس مع عدد ركعاتها وطريقة إقامتها حتى لو لم تُذكر في القرءان، فإنَّ هذا الإفتراض مُستحيل، لأن الله عز وجل أخبرنا في كتابِهِ العزيز أنَّهُ قد فصَّل وبيَّنَ لنا كُل شيء، إذًا فمن الواجب أن تكون إقامة الصلوات الخمس هي أيضًا مفصّلة ومبيّنة. وبما أنَّ هذا التفصيل وهذا البيان للصلوات الخمس ليس له أي وجود في القرءان، إذًا  فإنَّ الصلوات الخمس ليس لها أي أساس من الصحة. 

وإذا افترضنا أن إقامة الصلوات الخمس -كما يقول جهلاء الدين- تُعطي الحسنات وتُذهب السَّيِئات، يعني أننا لو صلينا الخمس صلوات فرض كل يوم نأخذ حسنات كثيرة، فيغفر الله تعالى ذنوبنا في الآخرة حتى لو لم نمتنع عن فعل الشرِّ والظلم والفساد، فهذا أيضًا مُستحيل:

  1. أوّلاً، لأن الله عز وجل يدعونا في أكثر آيات القرءان الكريم أن نُطهِّر أنفُسنا ونتوب عن المعاصي والذنوب ونمتنع عن فعل الشر والظلم والفساد قبل أن يأتي أجلنا ونموت، مِمّا يتناقض مع مفهوم الصلوات الخمس وأخذ الحسنات بواسطتِها، لأن الصلوات الخمس لا تستطيع أن تُصلحنا وتمنعنا عن الفساد. والدليل نجده في جميع البلدان الإسلاميَّة بما فيها من ظلم وفساد على الرغم من أنَّ أكثر سُكانها يُقيمون الصلوات الخمس. فنحن فقط بإيماننا بالله وبكل آية من آيات القرءان الكريم وفقط من خلال تطبيقنا لتلك الآيات والعمل بمعانيها السامية نستطيع أن نُطهِّر أنفسنا فننشر الخير ونبتعد عن الشر.
  2. ​وثانيًا، إذا أكملنا الآيات في سورة هود من آية 115 إلى 117: "وَٱصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ، َفَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنۡہَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلاً۬ مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡ‌ۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ، وَمَا ڪَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٍ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ". نرى في تلك الآيات وبوضوح تام تفصيلاً كاملاً مُتكاملاً من الله عزَّ وجلّْ لمعنى إقامة الصلواة الّتي وردت في آية 114. إذا ربطنا جميع تلك الآيات ببعضها نستطيع أن نفهم أنّ إقامة الصلواة في آية 114 هي إقامة الحسنات، ولذلك قال الله تعالى: "إِنَّ ٱلۡحَسَنَـٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ‌ۚ". وهي إقامة الإحسان، ولذلك قال تعالى في آية 115: "وَٱصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ". وهي نشر الخير والإصلاح في الأرض، لأنَّ نشر الخير والإصلاح في الأرض ينهى عن الظُّلم والفساد، أي يٌذهب الظُّلم والفساد، أي يٌذهِب السَّيِّئات، ولذلك قال تعالى في آية 114 و116 و117: "إِنَّ ٱلۡحَسَنَـٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ‌ۚ فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنۡہَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ وَمَا ڪَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٍ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ". من أجل ذلك كان أمر الله عز وجل لرسولِهِ الأمين محمد عليه السلام وللمؤمنين الّذين تابوا معه، في آية 112 و113: "فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْ‌ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ۬، وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَڪُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ". وإذا أكملنا الآيات التالية من آية 114 إلى 117، نجد أنَّ أمر الله عز وجل للرسول محمد وللمؤمنين هو في الحقيقة أمرٌ لإقامة الإصلاح في الأرض والنهي عن الفساد، وذلك لا يكون إلاَّ من خلال تطبيق القرءان العظيم في الأرض، مِمّا يدلنا على أنَّ إقامة الإصلاح هي إقامة الصلواة وأنَّ إقامة الصلواة هي إقامة القرءان أي تطبيقه. إذًا فالقرءان هو كتاب الصلواة وإقامة القرءان هو إقامة الكتاب وهو إقامة الصلواة.

إذًا من خلال ما ذكرت لكم نستطيع أن نفهم أنَّ الله عز وجل كان يدعو رسولَهُ الأمين محمد عليه السلام في آية 114 إلى إقامة الصلواة بدعوة الناس للقرءان وإقامتِهِ، تمامًا كما أمرنا في كل آية من آياتِهِ الكريمة من خلال الإيمان بِهِ والعمل الصالح. وإذا قارنّا آية 157 من سورة الأعراف بآية 114 من سورة هود، وقارنا آية 157 من سورة الأعراف وآية 114 من سورة هود بآية 112 و113 و115 و116 و117 من سورة هود، نجد كيفية إقامة محمد عليه السلام الصلواة "طَرَفَىِ ٱلنَّہَارِ وَزُلَفً۬ا مِّنَ ٱلَّيۡلِ‌ۚ" لنفسه ولقومه:

سُوۡرَةُ الاٴعرَاف
ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلۡأُمِّىَّ ٱلَّذِى يَجِدُونَهُ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِى ٱلتَّوۡرَٮٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡہَٮٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنڪَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰٓٮِٕثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَـٰلَ ٱلَّتِى كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡ‌ۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ (١٥٧).

 سُوۡرَةُ هُود
وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّہَارِ وَزُلَفً۬ا مِّنَ ٱلَّيۡلِ‌ۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَـٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ‌ۚ ذَالِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ (١١٤).

 سُوۡرَةُ هُود
فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْ‌ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ۬ (١١٢) وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَڪُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (١١٣) ... (١١٤) وَٱصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (١١٥) فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ۬ يَنۡہَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلاً۬ مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡ‌ۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ (١١٦) وَمَا ڪَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٍ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ (١١٧).

 

8. البرهان السادس:

سورة الإسراء، من آية 78 إلى 89:

سُوۡرَةُ الإسرَاء
أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ‌ۖ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡہُودً۬ا (٧٨) وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةً۬ لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامً۬ا مَّحۡمُودً۬ا (٧٩) وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِى مُدۡخَلَ صِدۡقٍ۬ وَأَخۡرِجۡنِى مُخۡرَجَ صِدۡقٍ۬ وَٱجۡعَل لِّى مِن لَّدُنكَ سُلۡطَـٰنً۬ا نَّصِيرً۬ا (٨٠) وَقُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَزَهَقَ ٱلۡبَـٰطِلُ‌ۚ إِنَّ ٱلۡبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقً۬ا (٨١) وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ۬ وَرَحۡمَةٌ۬ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ‌ۙ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارً۬ا (٨٢) وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَـٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ‌ۖ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَـُٔوسً۬ا (٨٣) قُلۡ ڪُلٌّ۬ يَعۡمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِۦ فَرَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَنۡ هُوَ أَهۡدَىٰ سَبِيلاً۬ (٨٤) وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ‌ۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلاً۬ (٨٥) وَلَٮِٕن شِئۡنَا لَنَذۡهَبَنَّ بِٱلَّذِىٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِۦ عَلَيۡنَا وَڪِيلاً (٨٦) إِلَّا رَحۡمَةً۬ مِّن رَّبِّكَ‌ۚ إِنَّ فَضۡلَهُ كَانَ عَلَيۡكَ ڪَبِيرً۬ا (٨٧) قُل لَّٮِٕنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُہُمۡ لِبَعۡضٍ۬ ظَهِيرً۬ا (٨٨) وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ۬ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا ڪُفُورً۬ا (٨٩).

في أية 78، نرى بأن الله عز وجل يدعو محمدًا عليه السلام إلى إقامة الصلواة "لِدُلوك الشَّمس إلى غسق الَّيل"، ولكنَّهُ لم يُحدِّد أوقاتًا مُعيَّنة لإقامة الصلواة، ولذلك قال تعالى: "لدلوك الشمس إلى غسق الَّيل"، مِمّا يدلنا على أنَّ محمدًا عليه السلام عليه أن يُقيم الصلواة في كل وقت من أوقات النهار لحين وقت غروب الشمس (لدلوك الشمس) وعليه أن يستمر ويبقى يُقيم الصلواة إلى وقت متأخر من الَّيْل (إلى غسق الّيل). وإذا ربطنا جميع تلك الأوقات ببعضها نرى أنَّ محمدًا عليه السلام كان عليه أن يُقيم الصلواة في جميع أوقات النهار من الفجر إلى غسق الّيْل. وإذا أكملنا آية 78: "وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ‌ۖ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡہُودً۬ا" نرى أيضًا أن الله عز وجل كان يدعو محمدًا إلى إقامة الصلواة أيضًا وقت الفجر. لقد بدأ الله تعالى هذه الآية بقولِهِ "أقم الصلواة" وأكمل تعالى آيته بقولِهِ "وقرءان الفجر" تأكيدًا منه أنَّ الصلواة هي القرءان، وكأنه تعالى يقول "وصلواة الفجر".

وإذا قارنا قوله تعالى في آية 58 من سورة النور بآية 78 من سورة الإسراء، نجد ما يلي:

سُوۡرَةُ النُّور
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَـٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَـٰثَ مَرَّاتٍ۬‌ۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِ‌ۚ ثَلَـٰثُ عَوۡرَاتٍ۬ لَّكُمۡ‌ۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّ‌ۚ طَوَّٲفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُڪُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ۬‌ۚ كَذَالِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأَيَـٰتِ‌ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ۬ (٥٨).

سُوۡرَةُ الإسرَاء
أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ‌ۖ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡہُودً۬ا (٧٨).

في آية 58 من سورة النور نرى بأن الله تعالى قال: "مِن قبلِ صلواةِ الفجر". لقد استخدم الله عز وجل في هذه الآية عبارة "صلواة الفجر". وفي آية 78 من سورة الإسراء استخدم الله تعالى عبارة "قرءان الفجر"، ممّا يدلنا على أنَّ "قرءان الفجر" هو "صلواة الفجر". هذا يُعطينا الدليل بل يؤكد لنا أنَّ الصلواة هي القرءان.

وكذلك الأمر، إنَّ "صلواة العِشآء" في آية 58 من سورة النور هي "إقامة الصلواة إلى غسق الّيل" في آية 78 من سورة الإسراء.

أمّا بالنسبة لعبارة "صلواة الظهر" أو "صلواة العصر" أو "صلواة المغرب"، فلم يذكر الله عزَّ وجلّْ أي شَيء عن تلك الصلوات لا في هذه الآية ولا في جميع آيات القرءان الكريم، بل نجد بأنَّه تعالى قال في آية 58 من سورة النور: "وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة". لقد ذكر الله عز وجل لنا في هذه الآية من سورة النور "صلواة الفجر" و"صلواة العِشآء"، وإذا كان هناك فعلاً خمس صلوات فرض كما تعلمنا فلماذا لم يذكر تعالى لنا أيضًا "صلواة الظهر" لكنه قال لنا بدلاً عنها "وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة"؟ إذًا فإنَّ هذا يُعطينا أيضًا الدليل والبرهان على أنَّ الصلواة وإقامتها الّتي ذكرها الله عزَّ وجلَّ لنا في القرءان الكريم ليس لها أية دعوة بالخمس صلوات فرض، ولا تمُتُّ بِأية صلة لتلك الصلوات الخمس.

إذا عُدنا لآية 78 في سورة الإسراء وتدبرنا معانيها وضربناها ببعضها:

سُوۡرَةُ الإسرَاء
أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ‌ۖ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡہُودً۬ا (٧٨).

نجد وبوضوح تام أن الله تبارك وتعالى لم يدعو محمدًا عليه السلام إلى إقامة الصلواة خمس مرات في النهار فقط، بل دعاهُ إلى إقامة الصلواة في كل وقت من أوقات اليوم، من الفجر إلى غسق الَّيْل، وهذا يعني أن الله تعالى يدعو محمدًا عليه السلام في هذه الآية الكريمة إلى إقامة الصلواة أي نشر الدعوة وإعطاء وتبليغ رسالة القرءان للناس أجمعين في جميع الأوقات، وهذه هي مُهمَّتُهُ كرسول حامل لرسالةِ الله.

والدّليل على أنَّ إقامة محمد للصلواة كانت في كل أوقات النهار إلى الّيل نجده في سورة طه، سورة النور، سورة الرّوم، سورة الجُمُعَة وسورة المُزَّمِّلْ:

سورة طه، آية 130:

سُوۡرَةُ طٰه
فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِہَا‌ۖ وَمِنۡ ءَانَآىِٕ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّہَارِ لَعَلَّكَ تَرۡضَىٰ (١٣٠).

نجد في هذه الآية دليلاً واضحًا على أنَّ الله تعالى أمر محمدًا عليه السلام بإقامة الصلواة في كل وقت من أوقات النَّهار إلى آنآءِ الَّيْل، ولذلك أكمل الله عز وجل هذه الآية بقوله لرسوله محمد عليه السلام: "لَعَلَّكَ تَرۡضَىٰ" أي لعلَّ الله يغفر لك ذنوبك فتكون من أصحاب الجنة في الآخرة. تمامًا كما قال تعالى له في السُور التالية:

سورة الفتح
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ﴿١﴾ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴿٢﴾.​

هكذا سوف "يرضى" الرسول محمد عليه السلام، عندما سوف يغفر الله عز وجل له جميع ذنوبه في الآخرة ويتم نعمته عليه بهدايته إلى صراطه المستقيم وذلك بإدخاله الجنة في الآخرة.

سورة الفجر
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴿٢٧﴾ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴿٢٨﴾ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ﴿٢٩﴾ وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴿٣٠﴾.

(كيف سوف ترجع النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ في آية 27 و28 من سورة الفجر إِلَىٰ رَبِّها رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً؟
الجواب نجده في آية 29 و30 في قول الله تعالى: "فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي". أي عندما سوف تدخل الجنة في الآخرة في عباد الله الصالحين).

سورة البينة
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴿٧﴾ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴿٨﴾.

(كيف يرضى الله عز وجل عن المؤمن الّذي يعمل الصالحات؟
الجواب هو، بأن يغفر له ذنوبه ويُجازيه في الآخرة بجناتِ عدنٍ تجري من تحتها الأنهار خالدًا فيها أبدًا.
وكيف يرضى المؤمن الّذي يعمل الصالحات عن الله؟
الجواب هو عندما يصْدُقَهُ الله عز وجل وعده فيغفر له ذنوبه ويجازيه في الآخرة بجناتِ عدنٍ تجري من تحتها الأنهار خالدًا فيها أبدًا).

سورة مريم
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ﴿٥﴾ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴿٦﴾.

("وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا" = وَاجْعَلْهُ رَبِّ من أصحاب الجنة في الآخرة).

سورة مريم
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴿٥٤﴾ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴿٥٥﴾.

("وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا" = سوف يُدخله ربّه الجنة في الآخرة).

إذا ضربنا جميع تلك الآيات الّتي ذكرت لكم ببعضها مع آية 130 من سورة طه، نجد من خلال بيانها تأكيدًا لنا أنَّ التسبيح بحمد ربنا أي إقامة الصلواة "قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِہَا‌ۖ وَمِنۡ ءَانَآىِٕ ٱلَّيۡلِ... وَأَطۡرَافَ ٱلنَّہَارِلعلّنا نرضى أي لعلنا ندخل الجنة في الآخرة، ليس له أي دعوة بإقامة الخمس صلوات فرض مع عدد ركعاتها وطريقة إقامتها. لأنَّ الّذي سوف يُدخلنا الجنة في الآخرة هو فقط إيماننا بالله والعمل الصالح وليست الخمس صلوات فرض.

مع ملاحظة هامَّة: أنَّ كلمة سبَّحَ في لغة القرءان وأيضًا في الُّلُغَةِ العربية تعني صلّى. إذًا فالتسبيح هو الصلواة وإقامتها.

سورة النور، آية 41:

سُوۡرَةُ النُّور
أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَـٰٓفَّـٰتٍ۬‌ۖ كُلٌّ۬ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسۡبِيحَهُ ۥ‌ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ (٤١).

لقد بدأ الله تعالى هذه الآية بقوله: "ألم ترَ أنَّ الله يُسبِّحُ له"، ولم يُقُل "يُسَبِّحُ ويُصَلّي له"، ولكنه أكمل تعالى هذه الآية بقوله: "كُلٌّ قدْ علِمَ صلاتَهُ وتسْبيحَهُ" وختم هذه الآية بقوله: "وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ" لِكَي يُخبِرُنا أنَّ الصلواة هي التسبيح وهي الفعل أو العمل الّذي يتوجّب على كل مخلوق في السماوات والأرض والطير القيام به، تمامًا كما أمره الله عز وجل وخلقه من أجله.

سورة الروم، آية 17 و18:

سُوۡرَةُ الرُّوم
فَسُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ حِينَ تُمۡسُونَ وَحِينَ تُصۡبِحُونَ (١٧) وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَعَشِيًّ۬ا وَحِينَ تُظۡهِرُونَ (١٨).

نجد هنا وبوضوح تام أنَّ الله عز وجل يأمرنا أن نُسَبِّحه ونحمدُهُ أي نُصلّي لهُ في كل وقت من أوقات اليوم (مساءً وصباحًا عشيًّا وظُهرًا). مع ملاحظة قولِهِ تعالى: "وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ" أي له الصلواة والتسبيح "فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ"، مِمّا يعطينا معنىً آخرًا  للصلواة مختلفًا تمامًا عن تلك الصلوات الخمس المتعارف عليها.

إنَّ آية 17 و18 من سورة الروم تدلنا على أنَّهُ علينا أن نذكر الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبنا، وهذا يعني أنَّهُ علينا أن نصلي له في جميع المناسبات والأوقات، كما أمرنا تعالى وأخبرنا في الآيات التالية من سورة النساء وآل عمران والسجدة:

سُوۡرَةُ النِّسَاء
فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡڪُرُواْ ٱللَّهَ قِيَـٰمً۬ا وَقُعُودً۬ا وَعَلَىٰ جُنُوبِڪُمۡ‌ۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ‌ۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَـٰبً۬ا مَّوۡقُوتً۬ا (١٠٣) وَلَا تَهِنُواْ فِى ٱبۡتِغَآءِ ٱلۡقَوۡمِ‌ۖ إِن تَكُونُواْ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ يَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَ‌ۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرۡجُونَ‌ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٠٤).

سُوۡرَةُ آل عِمرَان
إِنَّ فِى خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّہَارِ لَأَيَـٰتٍ۬ لِّأُوْلِى ٱلۡأَلۡبَـٰبِ (١٩٠) ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰمً۬ا وَقُعُودً۬ا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَڪَّرُونَ فِى خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَـٰذَا بَـٰطِلاً۬ سُبۡحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ (١٩١).

سُوۡرَةُ السَّجدَة
إِنَّمَا يُؤۡمِنُ بِـَٔايَـٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُڪِّرُواْ بِہَا خَرُّواْ سُجَّدً۬ا وَسَبَّحُواْ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ (١٥) تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّہُمۡ خَوۡفً۬ا وَطَمَعً۬ا وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ يُنفِقُونَ (١٦).

سورة الجُمُعَة، آية 1 و2:

سُوۡرَةُ الجُمُعَة
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡمَلِكِ ٱلۡقُدُّوسِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ (١) هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ رَسُولاً۬ مِّنۡہُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡہِمۡ ءَايَـٰتِهِۦ وَيُزَكِّيہِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ۬ مُّبِينٍ۬ (٢).

في آية 1 بدأ الله تعالى بقولَهُ: "يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِ"، وفي آية 2 أكمل تعالى بِقولِهِ: "هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ رَسُولاً۬ مِّنۡہُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡہِمۡ ءَايَـٰتِهِۦ وَيُزَكِّيہِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ۬ مُّبِينٍ۬".  هذا السياق يدلنا على أنَّ الله عزَّ وجلّْ أراد أن يعلمنا عن الوسيلة الوحيدة للتسبيح لَهُ، أي عن الوسيلة الوحيدة للصلواة وإقامتها، وعن كيفية هذا التسبيح (هذه الصلواة) وماهيته، وذلك من خلال بَعْثِهِ في الْأُمِّين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتِهِ ويُزكّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمْ الكِتابَ والحِكمَة. إذًا فالصلواة هي تلآوة آيات الله أي تعلُّم الكتاب وتعلم الحكمة الموجودة في كل آية من آياته الحكيمة بهدف تزكية أي طهارة النفس.

سورة المُزَّمِّل، من آية 1 إلى 7:

سُوۡرَةُ المُزمّل
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلۡمُزَّمِّلُ (١) قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلاً۬ (٢) نِّصۡفَهُ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلاً (٣) أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلاً (٤) إِنَّا سَنُلۡقِى عَلَيۡكَ قَوۡلاً۬ ثَقِيلاً (٥) إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِىَ أَشَدُّ وَطۡـًٔ۬ا وَأَقۡوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِى ٱلنَّہَارِ سَبۡحً۬ا طَوِيلاً۬ (٧).

إذا تابعنا تسلسُل هذه الآيات المنطقي، نجد أنَّ الهدف الأساسي الأول والأخير من ترتيل الرسول محمد عليه السلام  للقرءان في الّيْلْ في آية 4، هو لتسبيحِ الله عز وجل في النهار "سبحًا طويلاً" في آية 7، أي هو لتبليغ رسالة القرءان (إقامة الصلواة) "طوال النَّهار وقتًا طويلاً". إذًا فإنَّ قول الله عز وجل في آية 7: "إِنَّ لَكَ فِى ٱلنَّہَارِ سَبۡحً۬ا طَوِيلاً۬" ينفي لنا تحديد أوقات معينة للصلواة، وبالتالي ينفي لنا الصلوات الخمس.

إذا عدنا لآية 78 و79 من سورة الإسراء:

سُوۡرَةُ الإسرَاء
أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ‌ۖ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡہُودً۬ا (٧٨) وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةً۬ لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامً۬ا مَّحۡمُودً۬ا (٧٩).

في آية 79: "وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةً۬ لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامً۬ا مَّحۡمُودً۬ا"، نجد وبوضوح تام أن الله تعالى يدعو نبِيَّهُ محمد عليه السلام أن يُعطي لِنَفْسِهِ وقتًا من الَّيل للصلواة أي لِتَعَلُّمِ القرءان. فالنبي محمد عليه السلام عليه أن يُقيم الصلواة لِنَفسِهِ أولاً، لكي يستطيع أن يُقيمها للناس ثانيًا، لأن القرءان ليس فقط رسالة الله عز وجل للناس بل هو أيضًا لمحمد. فمحمد (عليه السلام) عليه أن يهدي نفسه أولاً بالقرءان، لكي يستطيع أن يهدي بِهِ الناس ثانيًا، ولذلك قال تعالى لهُ: "ومن الَّيْلِ فتهجَّد بِهِ نافلة لك عسى أن يبعثك ربُّك مقامًا محمودًا". هنا نرى وبكل وضوح قول الله تعالى: "ومِن الّيْلِ فتهجَّد بِهِ نافلة لك" أي "ومن الّيْلِ فتهجَّد بالقرءان عَطِيَّةً وهِبَةً وزيادةً لك".

إذا توقفنا قليلاً وبحثنا لغويًّا ودققنا في معنى التَّهجُّد، نجد أنَّ التهجُّد هو الاستيقاظ ليلاً والسهر والقيام في الّيل للصلواة. وهجَّدَ تهجيدًا الرجُلُ يعني استيقظ وصلّى في الّيْل. وتهجَّد الرجُلُ يعني سَهِرَ. والهاجد والهَجود هو المصَلّي في الّيْلوالتهجد هو صلواة الّيْل. والمُتهجِّد هو القائِم من النوم إلى الصلواة. إذًا فالتهجد بالقرءان هو الصلواة بالقرءان، مِمّا يدلنا بل يؤكد لنا على أنَّ القرءان هو كتاب الصلواة

وإذا وقفنا وقفة تأمل في معنى قول الله عز وجل لمحمد عليه السلام: "ومِن الّيْلِ فتهجَّد بِهِ"، نجد أنَّ الله تعالى يأمر نبيَّهُ الأمين محمد عليه السلام بالتهجُّد بالقرءان ليلاً، أي يأمره بالصلواة بالقرءان ليلاً، أي يأمره بالقيام ليلاً لكي يُصلّي بالقرءان، أي يأمره بإقامة الصلواة ليلاً بالقرءان تمامًا كما أمرهُ في سورة المُزَّمِّلْ.

وإنَّ قول الله تعالى لمحمد: "ومِن الّيْلِ فتهجَّد بِهِ نافلة لك"، هو أمر من الله عز وجل لنبيِّهِ محمد صلوات الله عليه بأن يُقيم الصلواة (القرءان) لِنفسِهِ في الّيْل، لكي يُخرج نفسه من الظلمات (من جهنم) إلى النور (إلى الجنة)، ولذلك أكمل الله تعالى هذه الآية بقوله: "عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامً۬ا مَّحۡمُودً۬ا"، لأنَّ المقام المحمود هو جنة الخلد. ومن هنا نرى كيفية إقامة محمد عليه السلام الصلواة لِنفسِهِ، ونرى كيف صلّى نبِيُّنا محمد على نفسِهِ.

وإنَّ سورة المُزَّمِّل من آية 1 إلى 9 تعطينا الرّابِط المُحْكَمْ لمعنى الصلواة، وتبين لنا كيفية صلواة محمد عليه السلام نافلةً لهُ وكيفية إقامته لتلك الصلواة والهدف من إقامتها.

سُوۡرَةُ المُزمّل
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلۡمُزَّمِّلُ (١) قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلاً۬ (٢) نِّصۡفَهُ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلاً (٣) أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلاً (٤) إِنَّا سَنُلۡقِى عَلَيۡكَ قَوۡلاً۬ ثَقِيلاً (٥) إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِىَ أَشَدُّ وَطۡـًٔ۬ا وَأَقۡوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِى ٱلنَّہَارِ سَبۡحً۬ا طَوِيلاً۬ (٧) وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلاً۬ (٨) رَّبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱتَّخِذۡهُ وَكِيلاً۬ (٩).

وإذا قارنّا آية 78 و79 في سورة الإسراء بتلك الآيات من سورة المزمل نجد الرّابط المُحكم الّذي يُعطينا الدليل القاطع لمعنى الصلواة وإقامتها:

سُوۡرَةُ الإسرَاء
أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ‌ۖ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡہُودً۬ا (٧٨) وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةً۬ لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامً۬ا مَّحۡمُودً۬ا (٧٩).

إنَّ آية 7 و8 و9 في سورة المُزَّمِّل تُفَسِّرْ لنا آية 78 في سورة الإسراء، وتُعطينا السبب والهدف لإقامة محمد عليه السلام الصلواة من الفجر لدلوك الشمس إلى غسق الّيْل. والسبب والهدف من ذلك هو، ذكر إسم الله أي كتابه وعلمه والتبتل إليه تبتيلاً (الإبتعاد والإنقطاع عن زينة الحيواة الدنيا إلى الله) واتخاذه هو وحده لا شريك له وكيلاً. أي هو اتباع فقط كتابه والدعوة له وفقط له وحده. وإذا ربطنا وقارنا تلك الآيات ببعضها نجد دليلاً آخرًا على أنَّ تسبيح الرسول محمد عليه السلام في النهار هو إقامة محمد الصلواة "لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ". وأنَّ آيات من 1 إلى 6 في سورة المزمل تُفسِّرُ وتُبيِّن وتُفصِّل لنا آية 79 في سورة الإسراء.

إذا عدنا لآيات سورة الإسراء الّتي ذكرتَها وأكملنا قراءتَها من آية 80 إلى 89:

سُوۡرَةُ الإسرَاء
أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ‌ۖ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡہُودً۬ا (٧٨) وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةً۬ لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامً۬ا مَّحۡمُودً۬ا (٧٩) وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِى مُدۡخَلَ صِدۡقٍ۬ وَأَخۡرِجۡنِى مُخۡرَجَ صِدۡقٍ۬ وَٱجۡعَل لِّى مِن لَّدُنكَ سُلۡطَـٰنً۬ا نَّصِيرً۬ا (٨٠) وَقُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَزَهَقَ ٱلۡبَـٰطِلُ‌ۚ إِنَّ ٱلۡبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقً۬ا (٨١) وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ۬ وَرَحۡمَةٌ۬ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ‌ۙ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارً۬ا (٨٢) وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَـٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ‌ۖ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَـُٔوسً۬ا (٨٣) قُلۡ ڪُلٌّ۬ يَعۡمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِۦ فَرَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَنۡ هُوَ أَهۡدَىٰ سَبِيلاً۬ (٨٤) وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ‌ۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلاً۬ (٨٥) وَلَٮِٕن شِئۡنَا لَنَذۡهَبَنَّ بِٱلَّذِىٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِۦ عَلَيۡنَا وَڪِيلاً (٨٦) إِلَّا رَحۡمَةً۬ مِّن رَّبِّكَ‌ۚ إِنَّ فَضۡلَهُ كَانَ عَلَيۡكَ ڪَبِيرً۬ا (٨٧) قُل لَّٮِٕنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُہُمۡ لِبَعۡضٍ۬ ظَهِيرً۬ا (٨٨) وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ۬ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا ڪُفُورً۬ا (٨٩).

وإذا تدبَّرنا جميع تلك الآيات البينات، نجد أنها تتحدَّث عن وحي القرءان الكريم، ممّا يدُلُّنا أيضًا على أن دعوة الله تعالى لمحمد عليه السلام لإقامة الصلواة في آية 78 هي دعوة لإقامة القرءان الكريم. لذلك قال الله عز وجل لنا في آخر سورة الإسراء من آية 105 إلى 111 في البرهان التالي (البرهان السابع):

 

9. البرهان السابع:

سورة الإسراء، من آية 105 إلى 111:

سُوۡرَةُ الإسرَاء
وَبِٱلۡحَقِّ أَنزَلۡنَـٰهُ وَبِٱلۡحَقِّ نَزَلَ‌ۗ وَمَآ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا مُبَشِّرً۬ا وَنَذِيرً۬ا (١٠٥) وَقُرۡءَانً۬ا فَرَقۡنَـٰهُ لِتَقۡرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثٍ۬ وَنَزَّلۡنَـٰهُ تَنزِيلاً۬ (١٠٦) قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦۤ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْ‌ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦۤ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡہِمۡ يَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ سُجَّدً۬ا (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبۡحَـٰنَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعۡدُ رَبِّنَا لَمَفۡعُولاً۬ (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ يَبۡكُونَ وَيَزِيدُهُمۡ خُشُوعً۬ا (١٠٩) قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَـٰنَ‌ۖ أَيًّ۬ا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ‌ۚ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِہَا وَٱبۡتَغِ بَيۡنَ ذَالِكَ سَبِيلاً۬ (١١٠) وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدً۬ا وَلَمۡ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ۬ فِى ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ يَكُن لَّهُ وَلِىٌّ۬ مِّنَ ٱلذُّلِّ‌ۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا (١١١).

إذا قرأنا قول الله تعالى في آية 110 "وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِہَا وَٱبۡتَغِ بَيۡنَ ذَالِكَ سَبِيلاً۬"، نجد بأن الله تعالى أمر محمدًا عليه السلام أن "لا يجهر بصلاتِهِ"، أي أن لا يَزيد أي قول أو حديث أو علم من عنده فوق قول وحديث وعلم القرءان. وكذلك أمره أن "لا يُخافت بصلاتِهِ"، أي أن لا يُنْقِصْ أي قول أو حديث أو علم من القرءان علَّمَهُ الله تعالى إيّاه. ولذلك أمره "أن يبتغي بين ذلك سبيلاً"، أي أن يأخذ فقط سبيل القرءان لا أكثر منه ولا أقلّْ. هذه الآية هي أكبر دليل على أنَّ الرسول محمد عليه السلام لم يأتِ بأيّ حديث غير حديث القرءان، مِمّا ينفي لنا وحي السنة المزعوم والأحاديث القدسية. ونحن إذا تابعنا سياق جميع تلك الآيات من سورة الإسراء من آية 105 إلى 111 وضربناها ببعضها نجد أنَّ الله عز وجل أراد أن يُعلمنا من خلالها أنَّ الصلواة هي القرءان، وأنَّ إقامة الصلواة هي إقامة القرءان.

إذا قرأنا آية 111: "وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدً۬ا وَلَمۡ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ۬ فِى ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ يَكُن لَّهُ وَلِىٌّ۬ مِّنَ ٱلذُّلِّ‌ۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا"، نجد أن الله عز وجل يُعلِّم رسوله الأمين محمد عليه السلام كيفية وطريقة إقامة الصلواة تمامًا كما أمره في هذه الآية البينة. في هذه الآية يريد الله عز وجل أن يُعلِّم رسوله محمد الأمين كيفية تبليغ رسالة القرءان من خلال الدعوة إلى الله أو إلى الرَّحمن أي الدعوة إلى القرءان لقوله تعالى له في آية 110: "قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَـٰنَ‌ۖ أَيًّ۬ا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ‌ۚوالدعوة إلى القرءان تكون من خلال الحمد أي التسبيح أي إقامة الصلواة لله وليس لغيرِهِ من خلال دعوة الناس لعدم الإشراك به باتباعهم لأديان وقوانين غير دين وقانون الله.

فالله سبحانه وتعالى عمّا يصفون "لم يتخذ ولدًا": أي لم يأمرنا أن نتَّخِذَ الملآئكة والنبِيّين أربابًا من دونِهِ، مثلاً كعيسى ابن مريم كما يقولون في الدين المسيحي الباطل وكمحمد كما يفعلون في دينهم الباطل الّذي سموه بإسم الإسلام إفتراءً الكذِبْ عليه.

والله سبحانه وتعالى عما يصفون "لم يكن له شريك في المُلك": أي لم يأمرنا أن نُشرِك بِعِبادتِهِ أحدًا باتخاذنا شريكًا معه أشركه في مُلكِهِ وحُكمِهِ في الدنيا والآخرة، مثلاً كمحمد كما يصفونهُ في وحي السنة الكاذبة وكعيسى ابن مريم وكالملائكة.

والله سبحانه وتعالى عمّا يصفون "لم يكن له ولِيّْ من الذُّلِّ": أي لم يأمرنا أن نتَّخذ أولياء من دونِهِ، مثلاً كالأحبار والرُّهبان والأئِمَّة وعلماء الدّين ومحمد وعيسى والملآئكة وعلماء غير علماء الدين كالفلاسفة وداروِين وغيرِهِم.

أما قوله تعالى في آخر هذه الآية "وكبِّرْهُ تكبيرًا" فنجد فيها أمرًا من الله عز وجل وفيه دعوة لرسولِهِ الأمين محمد لإقامة الصلواة بتبليغ رسالة القرءان بكل صدق وأمانة وإخلاص للناس أجمعين وفقط من خلال آياته، وبتقديرِ اللهِ حقَّ قَدْرِهِ تمامًا كما أمره تعالى في كتابه العزيز، وهذا هو المعنى الحقيقي للتَّكبير والهدف الحقيقي منه.

لقد قال الله عز وجل في آية 110: "قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَـٰنَ‌ۖ أَيًّ۬ا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ‌ۚ" لكي يُعلمنا أنه قد وضع لنا في أسمائه الحسنى (أي آياته) إمّا عبارة "الله" وإمّا عبارة "الرحمن"، وأنه لا فرق بين آياته الّتي ورد فيها "الله" وبين آياته الّتي ورد فيها "الرحمنفالله هو الرحمن والرحمن هو الله، ونحنُ إن دعوناه بآياته الّتي فيها "الله" أو الّتي فيها "الرحمن" فهي في النهاية جميعها من أسمائه الحسنى لأنها تعطينا الحسنى أي الجنة، فهي ترحمنا وتدخلنا الجنة.

سوف أعطيكم مثالاً على قول الله عز وجل: "قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَـٰنَ‌ۖ" من خلال أسمائه الحسنى (أي آياته) التالية:

سُوۡرَةُ الفَاتِحَة
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (١).

سورة البقرة
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ﴿٢٦﴾.

سورة البقرة
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٢٨﴾.

سورة البقرة
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٦٢﴾.

سورة طه
إِنَّمَا إِلَٰهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴿٩٨﴾.

سورة البقرة
وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ﴿١١٦﴾.

سورة الأنبياء
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۚ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴿٢٦﴾.​

سورة الرعد
كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَٰنِ ۚ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴿٣٠﴾.

سورة مريم
قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴿١٨﴾.

سورة مريم
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴿٤٥﴾.

سورة الفرقان
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴿٦٠﴾.

سورة الرحمن
الرَّحْمَٰنُ ﴿١﴾ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴿٢﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴿٣﴾ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴿٤﴾.

إنَّ جميع تلك الآيات البينات إن كان قد ورد فيها "الله" أو "الرحمن" فهي من أسماء الله الحسنى أي هي من آياتِهِ ولا اختلاف بينها. ونحن نجد وبكل وضوح أنه لا فرق في آيات الله في القرءان الكريم وأننا نستطيع أن ندعوهُ بجميع تلك الآيات إن كان قد ورد فيها عبارة "الله" أو عبارة "الرحمن". ونحن إذا تابعنا جميع آيات القرءان الكريم، نجد أنه ورد فيها إمّا "الله" وإمّا "الرحمن".

 

10. البرهان الثامن:

سورة طه، آية 130:

سورة طه
فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ ﴿١٣٠﴾.

"سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ" أي صلِّ بكتاب ربِّك أي أقمه واعمل به، لأنَّ حمد الله هو كتابه. إذًا نحنُ نكون نحمد الله عندما نُقيم ونطبق كتابه (القرءان الكريم).

"قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ... وَأَطْرَافَ النَّهَارِ" أي في كل وقت من أوقات اليوم ليلاً ونهارًا. إذًا فالتسبيح أي الصلواة وإقامتها تكون في كل الأوقات. ولذلك بدأ الله عز وجل حديثه لمحمد عليه السلام في بداية هذه الآية بقوله له: "فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ" لكي يحثَّهُ على التسبيح بحمده أي على إقامة الصلواة بتبليغه رسالة القرءان لنفسه وللناس والعمل بها في كل وقت من أوقات اليوم، ومن دون أي تخاذل. ولذلك ختم تعالى أيضًا حديثه لمحمد عليه السلام في نهاية هذه الآية بقوله له: "لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ"، أي لعلَّك تدخل الجنة، كما بينتُ لكم هذا الأمر في البرهان السادس في هذه المقالة أعلاه.

 

11. البرهان التاسع:

سورة العنكبوت، آية 45 و46:

سُوۡرَةُ العَنکبوت
ٱتۡلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ‌ۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ‌ۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَڪۡبَرُ‌ۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ (٤٥) وَلَا تُجَـٰدِلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلۡڪِتَـٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِى هِىَ أَحۡسَنُ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ‌ۖ وَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱلَّذِىٓ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَأُنزِلَ إِلَيۡڪُمۡ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمۡ وَاحِدٌ۬ وَنَحۡنُ لَهُ مُسۡلِمُونَ (٤٦).

إذا قرأنا آية 45 من سورة العنكبوت وآية 114 و115 من سورة هود وآية 170 من سورة الأعراف وآية 29 من سورة فاطر، وربطنا وضربنا تلك الآيات ببعضها:

سُوۡرَةُ العَنکبوت
ٱتۡلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ‌ۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ‌ۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَڪۡبَرُ‌ۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ (٤٥).

سُوۡرَةُ هُود
وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّہَارِ وَزُلَفً۬ا مِّنَ ٱلَّيۡلِ‌ۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَـٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ‌ۚ ذَالِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ (١١٤) وَٱصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (١١٥).

سورة الأعراف
وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا
ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴿١٧٠﴾.

سورة فاطر
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا
ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴿٢٩﴾.

نجد تشابُهًا كبيرًا في المعنى بين جميع تلك الآيات. إنَّ آية 45 في سورة العنكبوت هي نفسها آية 114 في سورة هود وآية 170 في سورة الأعراف وآية 29 في سورة فاطر. في أكثر من آية من آيات القرءان الكريم وضع الله عز وجل لنا رابطًا قويًا ما بين الكتاب وإقامة الصلواة، لكي يُعلمنا بأنّ الكتاب هو الصلواة. هذا ما أمر الله عز وجل به رسوله الأمين محمد عليه السلام وأمرنا، بأن نُصلّي لأنفسنا بقراءتنا للقرءان وبأن نُقيمُ صلاتنا بتطبيق آيات القرءان في الأرض بهدف نشر الخير ومحاربة الشَّر وبدعوة الناس إلى الإيمان بالله  والعمل الصالح.

إذًا فإنَّ قول الله تعالى في آية 45 في سورة العنكبوت "إنَّ الصلواةَ تنهى عن الفحشاء والمُنكر" تعني ما قاله تعالى في آية 114 في سورة هود "إنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السَّيِّئات". هذا يدلنا على أنَّ الحسنات هي الصلواة وهي آيات القرءان. وكما أخبرتكم سابقًا عن قوله تعالى في آية 114 من سورة هود، إنَّ إقامة الصلواة هي إقامة القرءان، وبإقامة القرءان ينتشر الخير والإصلاح في الأرض ويزول الظلم والفساد من الأرض، لأن القرءان الّذي هو الصلواة ينهى عن الفحشاء والمنكر. لذلك أكمل الله عز وجل آية 45 بقولِهِ: "ولَذِكْرُ اللهِ أكبَرْ" لِكَي يُعلِمُنا أنَّ ذِكْر الله يكون بإقامة الصلواة أي بإقامة القرءان أي بتبليغ رسالة القرءان للناس وبإقامة الإصلاح والنَّهي عن الفساد، ولذلك ختم تعالى في آخر هذه الآية الكريمة بقوله: "والله يَعلَمُ ما تصنعون". إذًا فإنَّ قول الله تعالى "ولَذِكْرُ اللهِ أكبَرْ" يدلنا على أهمية إقامة الصلواة ويؤكد لنا أهميتها لكي يحثنا على تطبيقها وممارستها في حياتنا، وكأنَّ الله عز وجل يريد أن يقول لنا أنَّ إقامة الصلواة الّتي هي ذكر الله هي أكبر وأعظم. وكأنَّ الله تعالى أراد أن يقول لمحمد ولنا في آية 45 من سورة العنكبوت: "اتْلُ ما أوحِيَ إليكَ من القرءان وأقم القرءان إنَّ القرءان ينهى عن الفحشاءِ والمُنكَرْ".

الدليل على أنَّ ذِكْر الله في آية 45 من سورة العنكبوت يكون بإقامة الصلواة نجِدُهُ في الآيات التالية من سورة طه:

سورة طه
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ ﴿١١﴾ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴿١٢﴾ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ ﴿١٣﴾ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ
ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِي ﴿١٤﴾.

سُوۡرَةُ العَنکبوت
ٱتۡلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ‌ۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ‌ۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَڪۡبَرُ‌ۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ (٤٥).

إذا قرأنا آية 14 من سورة طه نجد كيف أمر الله عز وجل موسى عليه السلام بأن يَعبُدَهُ. كيف يعبده موسى؟ يعبده بقوله تعالى له "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي". أي يعبده بإقامة الصلواة الّتي هي وحي التوراة لِذِكْرِهِفالعبادة تكون فقط لله وحده لا شريك له، لقوله تعالى "إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي". والعبادة لله وحده هي فعل وليست قول من دون فعل. والفعل هو تطبيق كتاب الله أي قانونه، وهذا التطبيق هو إقامة الصلواة لذكر الله، أي هو إقامة الصلواة بهدف ذكر الله، أي هو إقامة الصلواة من أجل الله، أي هو إقامة الصلواة  في سبيل الله. وهذا هو ذِكر الله، هكذا نذكر الله. إذًا فإنّ مفهوم العبادة وإقامة الصلواة وذِّكر الله يصب في معنى واحد. ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقول أنَّ العبادة هي إقامة الصلواة والعكس صحيح، وأنَّ إقامة الصلواة هي ذكر الله والعكس صحيح، وأنَّ العبادة هي ذكر الله والعكس صحيح. وكما أمر الله تعالى رسولَهُ الأمين موسى عليه السلام في آية 14 من سورة طه، أمر رسوله الأمين محمد عليه السلام في آية 45 من سورة العنكبوت.

إنّ آية 45 من سورة العنكبوت هي آية مُتشابهة لآية 13 و14 من سورة طه. فإنَّ ما أمر الله عز وجل به موسى في آية 13 من سورة طه بقوله له: "فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ" هو تمامًا ما أمر تعالى به محمدًا في آية 45 من سورة العنكبوت بقوله له: "ٱتۡلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ". وإنّ ما أمر الله تعالى به موسى في آية 14 من سورة طه بقوله له: "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي" هو تمامًا ما أمر تعالى به محمدًا في آية 45 من سورة العنكبوت بقوله له: "وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ‌ۖ... وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَڪۡبَرُ‌ۗ ". هذا يُعطينا الدليل المؤكد على أنَّ الله تبارك وتعالى قد أمر محمدًا بإقامة الصلواة تمامًا كما أمر موسى في السابق بإقامتها. وكما أخبرنا الله تعالى في آيات كثيرة من القرءان الكريم أنَّ رسالته واحدة لجميع أنبيائه ورُسُلِهِ كما ذكرت لكم في مقالات وحلقات حقيقة الإسلام من القرءان، إذًا فإنَّ رسالة الله لمحمد هي تمامًا كرسالة الله لموسى، وصلواة محمد هي تمامًا كصلواة موسى، وإقامة محمد للصلواة هي تمامًا كإقامة موسى للصلواة.

إذا عدنا وقارنا الآيات في السور التالية:

سورة طه
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ ﴿١١﴾ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴿١٢﴾ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ ﴿١٣﴾ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ
ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِي ﴿١٤﴾.

سُوۡرَةُ العَنکبوت
ٱتۡلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ‌ۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ‌ۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَڪۡبَرُ‌ۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ (٤٥).

سُوۡرَةُ هُود
وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّہَارِ وَزُلَفً۬ا مِّنَ ٱلَّيۡلِ‌ۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَـٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ‌ۚ ذَالِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ (١١٤).

نجد أنّ قول الله تعالى في آية 14 من سورة طه "أقم الصلواة لِذكري" هو تمامًا كقوله تعالى في آية 45 من سورة العنكبوت "وأقم الصلواة... ولذكر الله أكبر" وهو تمامًا كقوله تعالى في آية 115 في سورة هود "وأقم الصلواة ذلك ذكرى للذّاكِرينْ".

من هم الذّاكرين في آية 115 في سورة هود؟ الذّاكرين هم الّذين يذكُرون الله، أي هم الّذين يتلون آيات الله ويُقيمون الصلواة، ولذلك قال تعالى "ذلك ذكرى للذاكرين"، وهذا يعني أنَّ إقامة الصلواة هي ذكرى للّذين يريدون أن يذكروا الله، أي هي ذكرى للمؤمنين أولي الألباب الّذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويحذرون الآخرة أي جهنَّم ويَرجونَ رحمةَ ربِّهِم أي الجنَّة، أي هي ذكرى للّذين يُطبقون ما أمر الله تعالى بِهِ في كتابِهِ العزيز من إقامة الخير والإصلاح والنّهْيِ عن الظلم والفساد.

الدليل على ذلك نجده في السُور التالية:

سورة آل عمران
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿١٩٠﴾ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿١٩١﴾ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴿١٩٢﴾ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴿١٩٣﴾ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴿١٩٤﴾ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ ۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴿١٩٥﴾ .

سورة ق
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْءانِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴿٤٥﴾.​

سورة الذاريات
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٥٥﴾ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴿٥٦﴾.

("إِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" أي "إِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْذاكرين").

سورة الأعلى
سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَىٰ ﴿٦﴾ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ ﴿٧﴾ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ ﴿٨﴾ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَىٰ ﴿٩﴾ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَىٰ ﴿١٠﴾ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴿١١﴾ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ ﴿١٢﴾ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ﴿١٣﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىٰ ﴿١٤﴾ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ ﴿١٥﴾ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿١٦﴾ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴿١٧﴾ إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ ﴿١٨﴾ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ ﴿١٩﴾.

إذًا ومن خلال تلك الآيات السابقة نستطيع أن نُعرِّف ذكر الله فنقول أنَّ ذِكْرُ الله هو القرءان وهو الصلواةِ وإقامَتِها.

 

12. البرهان العاشر:

سورة إبراهيم من آية 28 إلى 31، وسورة الزُّمَرْ من آية 8 إلى 10:

سورة ابراهيم
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴿٢٨﴾ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴿٢٩﴾ وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ﴿٣٠﴾ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا
ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ ﴿٣١﴾​.

سورة الزمر
وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ﴿٨﴾ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٩﴾ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿١٠﴾.

إذا قارنا آيات سورة إبراهيم بآيات سورة الزمر نجد تشابهًا كبيرًا بينهما وتطابقًا في المعنى يُفسِّر ويبيِّن لنا ويُعطينا المعنى والمفهوم الحقيقي لإقامة الصلواة:

بعد المقارنة، نرى وبكل وضوح أنَّ آية 30 في سورة إبراهيم هي نفسها آية 8 في سورة الزمر.

سورة ابراهيم
وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ﴿٣٠﴾.

سورة الزمر
... وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ﴿٨﴾.

ونرى أنَّ آية 31 في سورة إبراهيم هي نفسها آية 10 في سورة الزمر. بل أكثر من ذلك نرى أنَّ آية 10 في سورة الزمر تُفَسِّرْ لنا وتوضح كيفية إقامة الصلواة والنفقة في سبيل الله الّتي وردت في آية 31 في سورة إبراهيم.

سورة ابراهيم
قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا
ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ ﴿٣١﴾.

سورة الزمر
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿١٠﴾.

من خلال تلك الآيات البينات وبعد المقارنة نجد أنَّ إقامة الصلواة والنفقة من رزق الله هي البر والتقوى بفعل الخير والإحسان في أرض الله الواسعة وبتبليغ رسالة القرءان في الأرض والصبر عليها وعدم تركها مهما أصاب الإنسان من مصاعب وفتن، بهدف نشر الإصلاح في هذه الأرض وتحريم الظلم والفساد.

 

13. البرهان الحادي عشر:

سورة فاطر آية 18، وسورة يس آية 11:

سورة فاطر
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا
ٱلصَّلَوٰةَ ۚ وَمَنْ تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴿١٨﴾.

سورة يس
إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ ۖ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴿١١﴾.

إذا قارنا آية سورة فاطر بآية سورة يس نجد تشابهًا كبيرًا بينهما وتطابقًا في المعنى يبين ويُفسِّر لنا المعنى والمفهوم الحقيقي لإقامة الصلواة:

إنَّ إقامة الصلواة في آية 18 من سورة فاطر هي اتِّباع الذِّكْرْ في آية 11 من سورة يس. واتباع الذكر هو اتباع القرءان (لأنّ الذكر هو القرءان)، وهو تطبيق ما أمرنا الله عز وجل به في القرءان. إذًا إقامة الصلواة هي إقامة القرءان بتطبيقه أي بالعمل بآياته عمليًّا على أرض الواقع.

إذا تدبَّرنا آية 18 في سورة فاطر، نجد فيها أيضًا المعنى الحقيقي للزكواة. إنَّ قول الله عز وجل "ومن تزكّى فإنّما يتزكّى لِنفسه" قد أتى بعد قوله تعالى "إنما تنذر الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا ٱلصَّلَوٰةَ". وهذا يعني أنّ "من تزكّى" هو الّذي "يخشى ربَّهُ بالغيب ويُقيم الصلواة" وهو الّذي "يتبع الذكر" أي القرءان. إذًا فإنَّ إقامة الصلواة باتباع القرءان هي الّتي تُزكّي الإنسان أي تُطهِّرُهُ من ذُنوبه، لأنها تجعلُهُ يتوب ويفعل الإصلاح فيُبَدِّل بذلك سيِّئاتِهِ إلى حسنات فيكون له "مغفرة وأجر كريم" في الآخرة، ولذلك ختم تعالى آية 11 في سورة يس بقوله: "فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ". هذا هو المعنى الحقيقي "لزكواة النفس". من أجل ذلك ربط الله عز وجل لنا في كثير من آياتِهِ إقامة الصلواة بإيتآء الزكواة بقوله فيها: "أقيموا الصلواة وءاتوا الزكواة".

سوف أذكر بعضًا من تلك الآيات:

سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٲكِعِينَ (٤٣).

سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَـٰقَ بَنِىٓ إِسۡرَٲٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٲلِدَيۡنِ إِحۡسَانً۬ا وَذِى ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰڪِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنً۬ا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّڪَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلاً۬ مِّنڪُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ (٨٣).

سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّڪَوٰةَ‌ۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٍ۬ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ۬ (١١٠).

سُوۡرَةُ البَقَرَة
إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّڪَوٰةَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ (٢٧٧).

سُوۡرَةُ الحَجّ
ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِى ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّڪَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ‌ۗ وَلِلَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ (٤١).

سُوۡرَةُ النُّور
وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّڪُمۡ تُرۡحَمُونَ (٥٦).

 

14. البرهان الثاني عشر:

سورة المائدة آية 55:

سورة المائدة
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكواةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴿٥٥﴾.

في هذه الآية نتساءل، إذا كان الركوع هو ركوع الجسد الّذي نقيمه في الصلوات الخمس، وإذا كنا نستطيع أن نقيم الصلواة ونحن راكعون بجسدنا، فكيف نستطيع أن نؤتي الزكواة ونحن أيضًا راكعون بجسدنا؟

إنَّ هذه الآية هي أكبر دليل على أنَّ إقامة الصلواة هي ليست إقامة الصلوات الخمس. وعلى أنَّ إيتاء الزَّكاة هي ليست إعطاء 2.5% كما أجمع علماء الدين الجُهَّلْ. وعلى أنَّ الركوع هو ليس ركوعًا بالجسد.

إيتاء الزكاة تعني إيتآء الطهارة أي إيتاء كتاب الله لأنَّ القرءان هو كتاب الطهارة لأنه وحده فقط الّذي يُطهِّرُنا من خلال آياته العظيمة الّتي تحثنا على فعل الخير والإحسان والعدل وتبعدنا عن الشَّرّْ والظلم والفساد، وهذا يوصلنا إلى مفهوم ومعنى إقامة الصلواة. إذًا فإنَّ إقامة الصلواة هي إيتاء الزكواة، لذلك قال تعالى: "اْلَّذِينَ يُقِيمُونَ اْلصَّلَواةَ ويُؤتُونَ اْلزَّكَواةَ وهُمْ رَاكِعُونَ". وكما أمرنا الله تعالى في هذه الآية أنَّ الّذي يُقيم الصلواة عليه أن يُقيمها وهو راكع، وأنَّ الّذي يؤتي الزكواة عليه أن يؤتيها وهو أيضًا راكع، فكيف نمتثل إذًا لأمر الله ونؤتي الزكواة ونحن راكعون؟

"وهم راكعون" تعني "وهم ساجدون" تعني "وهم خاضعون" تعني "وهم طائعون" تعني "وهم متواضعون".

إذًا إقامة الصلواة وإيتاء الزكواة لا تكونا إلاَّ بالركوع لله أي بالخضوع والطاعة لله، أي بالانصياع لأمر وحكم الله في القرءان الكريم. هذه الآية تنفي لنا نفيًّا قاطعًا أنَّ إقامة الصلواة هي إقامة الصلوات الخمس.

الدليل على أنَّ الزكواة هي القرءان وأنها الصلواة لأن القرءان هو كتاب الصلواة والطهارة، نجده في سورة مريم والنور:

سورة مريم
يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴿١٢﴾ وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَو
اةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا ﴿١٣﴾.

في تلكما الآيتين نرى بوضوح كيف زكّى الله عزَّ وجلّْ يحيَ عليه السلام بقولِهِ لهُ: "خذ الكتاب بقوة".

سورة النور
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٢١﴾.

"ولولا فضلُ اللهِ عليكُمْ ورحْمَتُهُ ما زكى مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ أبَدًا". ما هو فضلُ الله علينا ورَحمَتُهُ؟ هو بالتأكيد تنزيل القرءان الكريم علينا.

"وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ". لأنَّه تعالى هو الّذي يُزكي من يشآء وليس أحدٌ غيره. كيف يُزكينا الله؟ بالتأكيد بتنزيل وحي آيات القرءان الكريم.

 

15. البرهان الثالث عشر:

سورة الرعد، ممن آية 19 إلى 25:

سورة الرعد
أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿١٩﴾ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ﴿٢٠﴾ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴿٢١﴾ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا
ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴿٢٢﴾ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ﴿٢٣﴾ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴿٢٤﴾ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴿٢٥﴾.

إذا تابعنا تلك الآيات وقارنّاها ببعضها، نجد خلالها معنىً معاكسًا يدلنا على حقيقة إقامة الصلواة:

إنَّ قول الله تعالى في آية 20: "الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ" هو عكس قوله تعالى في آية 25: "والّذين ينقضون عهْدَ اللهِ من بعدِ ميثاقِهِ".

وقوله تعالى في آية 21: "وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ" هو عكس قوله تعالى في آية 25: "ويقطعون ما أمر الله بِهِ أن يوصل".

وقوله تعالى في آية 22: "وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ" هو عكس قوله تعالى في آية 25: "ويُفْسِدونَ في الأرض".

وقوله تعالى في آية 22: "أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ" هو عكس قوله تعالى في آية 25: "أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ".

إذا تدبَّرنا آية 22 وتدبّرنا نقيضها (آية 25)، نجد أنَّ الله عز وجل قد اختصر لنا المعنى المُعاكس أو النقيض لمعنى آية 22 في معنى واحد. هذا المعنى يخبرنا أنَّ الصّبر إبتغاء وجه الله وإقامة الصلواة والنفقة من رزق الله ودرء السَّيِّئة بالحسنة في آية 22، هو عكس الفساد في الأرض في آية 25. وهنا أراد الله عز وجل أن يُعطينا المعنى الحقيقي لما ذكره لنا في آية 22 وتعريفًا لهذا المعنى بكلمة مُختصرة وهي: "الإصلاح في الأرض". إذًا فإن الصبر ابتغاء وجه الله هو إقامة الصلواة، وإقامة الصلواة هي النفقة من رزق الله، والنفقة من رزق الله هي درء السَّيِّئة بالحسنة، وكل تلك المعاني لا نستطيع أن نفصلها عن بعضها البعض، ولها معنىً واحدًا ونتيجةً واحدةً ألا وهو "الإصلاح في الأرض".

 

الأجزاء الأخرى الخمسة المتبقية لهذا الموضوع (حقيقة الصلواة) سوف تجدونها في المستقبل في متناول أيديكم على موقعكم هذا بإذن الله تعالى.

 

والسلام عليكم

26 May 26, 2016