- 8179 reads
تفسير معنى "طوعًِا وكرهًا" من خلال أحسن التفسير
* سورة آل عمران
أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴿٨٣﴾.
أهدي مقالتي هذه إلى جميع المؤمنين والمؤمنات فقط بكتاب الله جلَّ في علاه.
السلام على من اتَّبع كتاب الله طوعًا وكرهًا.
* سورة آل عمران
أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴿٨٣﴾.
آية (٨٣): "... طوعًا..." أي بإرادة المخلوق "... وكرهًا..." أي بعدم إرادة المخلوق.
"... طوعًا وكرهًا..." أي بإرادة المخلوق وقبولِهِ بتسيير الله لهُ.
* سورة الرعد
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴿١٥﴾.
آية (١٥): "... طوعًا..." أي بإرادتِهِمْ "... كرهًا..." أي من دون إرادتِهِم "... طوعًا وكرهًا..." أي بإرادتِهِمْ وقبولِهِمْ بتسيير الله لهُم.
"... وظلالُهُمْ بالغُدوِّ والآصال" أي طريقة سُجودُهُمْ بكامل إرادتهم بالغُدُوِّ والآصال، أي أعمالُهُمْ بكامل إرادتهم بما أمرهم الله تعالى بِهِ بالغُدُوِّ والآصال، أي قبولهم بتسيير الله لهم بالغُدُوِّ والآصال.
الدليل على أنَّ الطوع والكره هو إرادة المخلوق بتسيير الله له، أي سجود المخلوق بكامل إرادتِهِ لله تعالى نجده في سورة النحل:
* سورة النحل
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ﴿٤٨﴾ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴿٤٩﴾ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴿٥٠﴾.
في آية (٤٨): "... سُجّدًا لله وهم داخرون" أي يسجدون لله طوعًا، أي بكامل إرادتهم وكرهًا، أي بقبولِهِم لِتسيير اللهِ لهم، ولذلك أكمل الله تعالى بآية (٤٩) و(٥٠): "وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"، في تلك الآيتين يُعلِمُنا الله تعالى أنَّ سجود الملآئِكة والدابَّة هو بإرادتِهِمْ وقبولِهِمْ باتّباع ما أمرهم الله بِهِ، أي بقبولِهِم بكامل إرادتِهِمْ تسيير الله لهُمْ.
* سورة فصلت
ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴿١١﴾.
آية (١١): لقد قال الله تعالى في هذه الآية: "... طوعًا أو كرهًا..." ولم يقل "... طوعًا وكرهًا..." كما قال في آيات سورة الرعد وسورة النحل، في هذه الآية يُريد الله تعالى أن يُعطي الإنسان مثلاً مجازِيًّا وعبرةً يقتدي بِها، لقد أعطى الله تعالى الخيار للسماءِ والأرضِ أن تأتِيا "... طوعًا أو كرهًا..." لأنَّ الله تعالى أراد أن يَخلُقهُما بإرادتِهِما أو من دون إرادتِهِما، لأنَّه سًبحانَهُ قد قرَّرَ أن يوجِدْ السماء والأرض، وليس السماءُ والأرض الَّتي تُقَرِّر وجودِيَّتهما أم عدم وجودِيَّتهما، لأنَّ وجود الخلق أو عدم وجوده هو قرار الإله وحدَهُ لأنه "لا إله إلاّ هُوَ" ولأنه هو الّذي يبدأ الخلق، ولأنه قبل بدء الخلق لا يوجود أحدٌ غَيْرَهُ. وبماذا أجابت السماءُ والأرض؟ "... قالتا أتينا طائعين..." ولم تقولا "أتينا كارِهين".
وبمجرّد أن تقبل السماء والأرض أن تأتيا طوعًا لا كَرْهًا، إذًا لقد قبِلت أن تأتيا بإرادتِهِما لا بِعَدَمِ إرادتِهِما، فالله تعالى سوف يخلقهم إن قبلوا ذلك أم لم يقبلوا، لأنه كما قلت فإنَّ قرار وجودية الخَلْقْ بيد الله، إنَّ العِبرة من تلك الآية هي أنَّ السماء والأرض بالرغم من أنهما مادَّة لم تجحدا بنعمة الله على إعطائِهِما الوجودِيَّةْ، بل شكرا الله على إعطائِهِ لهما تلك الوجودية، وقَبِلا بِوجودِيَّتِهِما، أي قَبِلا بِإرادتِهِما، أي قَبِلا بِخيارِهِما، أي قَبِلا بِرَغْبَتِهِما، أي قَبِلا بِحُبِّهِما لِتلك الوجودية.
هذه الآية هي عبرة لكل إنسان يسأل لماذا خَلَقَهُ الله من دون إرادَتِهِ ويلوم الله على إعطائِهِ هذه الوجودية بحجّة أنَّهُ لم يختار بإرادَتِهِ أن يُخْلَقْ، والجواب هو أنَّهُ عليه أن يشكُرْ الله ويأتي طوعًا إلى الله كما فعلت السماء والأرض لأنَّ الله تعالى خلقه وأعطاهُ وجوديته، وعليه أن يَكون سعيدًا بهذه الوجودية بدلاً من أن يكون جاحدًا وناكرًا ورافضًا لِوجوديَّتُهُ الّتي أعطاها الله تعالى له.
وبمجردّ أن تأتي السماء والأرض طائِعين وسعيدتين بوجودِّيَّتِهِما، إذًا فمن المؤكدّ أن تفعلا وتعملا وتتَّبعا قانون الله أيضًا طائِعين، أي من المؤكَّدْ أن يقبلا بإرادتِهِما تسيير الله لهما وأن يسجُدا لله طوعًا وكرهًا.
أدعوا الله تعالى آن نأتيه دائمًا طَوْعًا وكَرْهًا.
210 march 16 2017