تفسير آية (٢٢) من سورة يونس من خلال أحسن التفسير

 

تفسير آية (٢٢) من سورة يونس من خلال أحسن التفسير

 

* سورة يونس
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴿٢٢﴾ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ ۖ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٣﴾.

أهدي مقالتي هذه إلى جميع المؤمنين والمؤمنات فقط بكتاب الله جلَّ في علاه.

السلام على من سجد، أي خضع لتسيير الله جلَّ في علاه.

(١): إنَّ خيار الإنسان في اتّباع طريق الخير بكامل إرادته لا يكون إلاّ من خلال تسيير من الله، وتسيير الله له يُترجم بتوجيهه لمعرفة طريق الحقّ من خلال كتابه وأمره باتّباعه، لأنّ الإنسان لا يستطيع أن يرى طريق الحق إلاّ إذا سيّره الله في هذا الطريق، أي هداه إلى الطريق المستقيم.

إذًا فإنَّ خيار الإنسان في فعل الخير مربوط بقبولِهِ بتسيير الله (أي مربوط بهداية الله، أي بإذن الله، أي بكتاب الله)، أمّا خيار الإنسان باتّباع طريق الشّر فهو مربوط بِرَفضِهِ تسيير الله له، وبقبولِهِ بتسييرٍ من نفسه أو من الآخرين (أي مربوط بأهوائه أو بعاداته أو بِتقاليده أو بمُجتمعه أو بِدينِهِ الباطل). ويا للعجب، إنّ الإنسان يرضى بخياره أن يكون مسيّرًا من بشرٍ عبادٌ أمثالُه لا يخلقون شيئًا وهم يُخلقون، ولا ينفعونه ولا يضُرّون، أي لا يستطيعون أن يُدخلوهُ الجنة أو جهنم، وذلك باتّباعه لِقوانينهم الباطلة، ولكنه لا يرضى أن يكون مُسيَّرًا من الله باتّباعه لِقانونه تعالى الّذي هو الخالق الّذي خلقه وخلق جميع هؤلاء البشر، والّذي بيَدِهِ مُلك السماوات والأرض، أي بِيدِهِ مُلك الجنة.

الدليل على ما ذكرت نجده في:

* سورة يونس
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴿٢٢﴾ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ ۖ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٣﴾.

آية (٢٢): "هو الّذي يُسَيِّرُكُمْ في البَرِّ والبحرْ..." إنَّ تسيير الله تعالى لنا في البرِّ والبحر هو بتنزيل الكتاب لنا وبِأمرِنا من خلال آياتِهِ أن نمشي في البرِّ والبحر في طريق الخير والعدل والإصلاح، إذًا فإنَّ الهدف من تسيير الله لنا هو لاتّباع طريق الحقّ والإبتعاد عن طريق الباطل.

"... وفرحوا بها..." أي إطمَئنّوا بها فتكبَّروا بها على الله.

في تلك الآيات البيّنات نجد تسيير الله للإنسان في البرِّ والبحر، ونجد خيار الإنسان بعدم قبوله بتسيير الله له، بِرفضِهِ اتّباع قانون الله وباتّباعه لأهواءه، مّما أدّى به إلى البغي في البَرِّ والبحر. لذلك قال الله تعالى في سورة الروم آية (٤١).

* سورة الروم
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٤١﴾.

* سورة الإسراء
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْءانِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا ﴿٤١﴾.

آية (٤١): نجد تسيير الله تعالى للإنسان لاتّباعه القرءان من خلال هذه الآية، ونجد خيار الإنسان بإعراضِهِ ونفورِهِ من اتّباعِهِ لهذه الآية، أي نفورِهِ لِتسيير الله له من خلال هذه الآية.

* سورة الإسراء
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴿٨١﴾ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴿٨٢﴾ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ ۖ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا ﴿٨٣﴾ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا ﴿٨٤﴾.

نجد في تلك الآيات البيّنات أنَّ الله تعالى أنزل إلينا دين الإسلام الّذي هو القرءان الكريم، لِكي يُزهِق الباطل الّذي هو الأديان المصنوعة من بشر، بهدف أن يُسَيِّرَنا بواسِطتِهِ لاتّباع طريق الحق، ولكنَّ الإنسان هو الّذي أعرض عن هذا الطريق ونئا بِجانِبِهِ واتّبع طريق الباطل بكامل إرادتِهِ. لذلك أكمل الله تعالى آياتِهِ بقوله في آية (٨٤): "قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا" لِكي يُعلِمنا أنَّ الإنسان هو الّذي يختار إمّا اتّباع طريق الحق، أي اتّّباع تسيير الله له من خلال آياتِهِ، أم اتّباع طريق الباطل، أي عدم اتّباعِهِ لآيات الله، أي لِتسيير الله، ولكن اتّباعِهِ لِتسيير أوليائه من الأبالسة والشياطين والأديان الباطلة.

* سورة القصص
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿٦٨﴾.

في هذه الآية يُخبرنا الله تعالى أنَّ له الخيار والمشيئة، ولكِنَّ الإنسان رفض خيار الله ومشيئته، أي رفض تسيير الله له، واتّبع خيارَهً هو ومشيئتَه فأشرك بالله.

* سورة الأعراف
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴿١٧٥﴾ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿١٧٦﴾.

في تلك الآيتين نجد أنَّ الله تعالى آتى الإنسان آياتُهُ لِكَيْ يتّبعها، أي لِكي يمشي في طريق الحقّ الّذي أمره تعالى بِهِ في آياتِهِ، أي لِكي يمشي بتسيير الله له من خلال آياتِهِ، ولكنه رفض بكامل إرادَتِهِ أن يُسَيَّرْ من الله وانسلخ بكامل إرادته من آيات الله.

(٢): إنَّ كل آية من آيات القرءان الكريم هي تسييرٌ من الله عزَّ وجلّْ للإنسان، وإنَّ كل إنسان يؤمن بتلك الآيات بكامل إرادتِهِ ويعمل بها يكون قد قَبل تسيير الله له، أمّأ الإنسان الّذي يُكذِّب بتلك الآيات بكامل إرادتِهِ ولا يعمل بها يكون قد رفض تسيير الله له.

في الختام أدعوا الله تعالى أن يجعلنا من الذين يتَّبعون تسييره، لأنَّ تسييره فيه الخير المُطلق لنا، وأن يُبعدنا عن تسيير المجتمع، وعن الأولياء من أئمَّة الكفر والإشراك، وعن الذين يُسمّون أنفسهم بالتنوريّين، وعن العلمانيّين والمُلحدين.

 

209 march 15 2017