تبيان قصة بدء الخليقة (آدم) من خلال أحسن القصص (وحي القرءان العظيم)

 

تبيان قصة بدء الخليقة (آدم) من خلال أحسن القصص (وحي القرءان العظيم)

 

هذه المقالة كتبتها بالمشاركة مع أخت كريمة، جزاها الله تعالى كل خير وأدخلها برحمته في عباده الصالحين.

* سُوۡرَةُ یُوسُف
 بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
الٓر‌ تِلۡكَ ءَايَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُبِينِ (١) إِنَّآ أَنزَلۡنَـٰهُ قُرۡءَٲنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ (٢) نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن ڪُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَـٰفِلِينَ (٣).

السلام على من اتَّبع أحسن القصص (القرءان الكريم).

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعًا ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٮٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَـٰوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَىۡءٍ عَلِيمٌ (٢٩) وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةً قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيہَا مَن يُفۡسِدُ فِيہَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ‌ قَالَ إِنِّىٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَہُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِى بِأَسۡمَآءِ هَـٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِينَ (٣١) قَالُواْ سُبۡحَـٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآ‌ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ (٣٢) قَالَ يَـٰٓـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَآٮِٕہِمۡ‌ فَلَمَّآ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَآٮِٕہِمۡ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّىٓ أَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ (٣٣) وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِينَ (٣٤) وَقُلۡنَا يَـٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَـٰنُ عَنۡہَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ‌ وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمۡ فِى ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرٌّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَـٰتٍ۬ فَتَابَ عَلَيۡهِ‌ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (٣٧) قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡہَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡہِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ (٣٨) وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَـٰتِنَآ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِ‌ هُمۡ فِيہَا خَـٰلِدُونَ (٣٩).

إخوتي وأخواتي الطيّبين والطَّيِّبَات، سلامًا لكلّ من عَرَفَ غاية الله في خلقه، وأسلم لدينه (قانونه)، أي أطاع الخالق في كتابه، ألتقي بكم مجدّدًا مُستعينًا بعلم الله تعالى الواسع لأفسّر لكم قصة خلق آدم (الخلق الأوّل من البشر) من خلال أحسن التفسير (القرءان الحكيم)، القصّة التي حُرِّفت من خلال كثير من الخرافات والأساطير والتفاسير الباطلة على مرّ التاريخ، وتزاحم عليها جهلاء الدّين الباطل في آفتراء تفاصيل وإضافات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، ولا تليق بعزّته وجلال قدره أن تكون.

إخوتي وأخواتي الأفاضل هل يُعقل أنّ الله تعالى الخالق العليم في خلقه والمُبدع بإتقانه وعظمته يليق به أن يبخل في قدرته على الخلق فيخلق في جنّة الأرض مخلوقين آثنين فقط ليعمرانها حسب قصّة "آدم وحوّاء" المأخوذة من كتاب العهد القديم (التوراة الخبيثة).

أليس غريبًا أنّ حوّاء أمّ جميع البشر حسب آدّعاءات السّلف الباطلة، لم يَرِدْ ذكرها في القرءان الكريم ولا حتّى مرّة واحدة؟

هذه المرأة التي جعلها المجتمع الذكوري الشخصيّة المُجرمة التي أدّت دور الشّر في إخراجهم من الجنّة عندما وسوسوت لآدم المسكين بأن يأكل من شجرة الخلد ثمّ تتالت الحملة الشيطانية الظالمة عليها وعلى ذريّتها من ذات جنسها، بأحكام نابعة من تفاصيل قصّة كاذبة بجميع السلوكيات المقيتة التي ظلموها بها وآحتقروا خلقها حتى اليوم استنادًا على فهمهم السقيم لمجريات تفاصيل قصّة الخلق الأوّل بعد أن زعموا أنّها هي المسؤولة عن البلاء واللعنة التي أصابتهم وغضب الله الذي حلّ فيهم بعد أن كانت السبب بإخراجهم وهبوطهم إلى أرض الشقاء وبعد أن كانوا في الجنّة ينعمون.

أسألكم بالله إخواني الكِرام، أيليق به تعالى أن يكون السبب بالكره والبغضاء بين أجناس خلقه سبحانه وتعالى عمّا يصفون.

سوف أبدأ بتبيان قصة آدم من خلال أحسن البيان (الذكر الحكيم).

(١): آية (٢٩): "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".

يذكّرنا الله تعالى نعمته علينا بتهيئته خلق السماوات والأرض وتسويتهنّ التسوية المثلى المحكومة بقانونٍ ثابت لا يتغيّر ولا يتبدّل، بعد أن قدّر في الأرض الأقوات والأرزاق، كل ذلك ما كان إِلَّا تمهيدًا لخلق البشر الأوّل (آدم)، وهو خَلْقٌ كثيٌر من البشر، فيه أزواجٌ من ذكورٍ وإناث، وليس كما أخبرنا السّلف بأنّ آدم هو إنسانٌ واحد من جنس الذكور اسمه "آدم"، وأنّ له زوجة أنثى واحدة تُدعى"حوّاء".

(٢): أية (٣٠): "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ".

لقد قرّر الله تعالى خلق إنسان (بشر) يخلفه في الأرض بقانونه ليعيش فيها بالخير والإحسان والعدل والإصلاح، وليعمل الصالحات، وليقتسم ثروات الله وخيراته بينه وبين أخيه الإنسان من دون احتكار لهذه الأرزاق وبعيدًاعن جميع أنواع الكفر والفساد فيها، نجد الدليل في:

* سُوۡرَةُ یُونس
وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ‌ وَجَآءَتۡہُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَـٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ‌ كَذَالِكَ نَجۡزِى ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلۡنَـٰكُمۡ خَلَـٰٓٮِٕفَ فِى ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لِنَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ (١٤).

* سُوۡرَةُ فَاطِر
هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَكُمۡ خَلَـٰٓٮِٕفَ فِى ٱلۡأَرۡضِۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيۡهِ كُفۡرُهُۖ وَلَا يَزِيدُ ٱلۡكَـٰفِرِينَ كُفۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّہِمۡ إِلَّا مَقۡتًا وَلَا يَزِيدُ ٱلۡكَـٰفِرِينَ كُفۡرُهُمۡ إِلَّا خَسَارًا (٣٩).

* سُوۡرَةُ صٓ
يَـٰدَاوُ ۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَـٰكَ خَلِيفَةً فِى ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ‌ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ (٢٦).

* سُوۡرَةُ فُصّلَت
قُلۡ أَٮِٕنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِى خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِى يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُ أَندَادًا‌ ذَالِكَ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيہَا رَوَاسِىَ مِن فَوۡقِهَا وَبَـٰرَكَ فِيہَا وَقَدَّرَ فِيہَآ أَقۡوَاتَہَا فِىٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآٮِٕلِينَ (١٠).

* سُوۡرَةُ النّحل
وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ فِى ٱلرِّزۡقِ‌ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّى رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَڪَتۡ أَيۡمَـٰنُہُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌ‌ أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ (٧١).

تخبرنا الآية الكريمة آية (٣٠) أنّ قرار الله لبدء خلق الإنسان جاء بعد أن خلق الله الملائكة وهيَّأ خلق السماوات والأرض لاستقبال هذا الخلق الجديد من البشر الذي سيُكرِّمه تعالى بإعطائه الوجودية على الأرض، وبتعليمه لأسمائه، أي لعلومه لكي يفعل الخير بها لكي يرحمه ويُدخله جنّاته في الآخرة، ويعطيه تعالى صفة من صفاته، ألا وهي "صفة الخلود".

فما كان من الملائكة إِلَّا أن تضايقوا من هذه الأنباء وحزنوا عندما أخبرهم الله تعالى بأنّ هذا الإنسان الذي سيخلقه ويُوَرِّثه الأرض بخيراتها سيعصيه في اتّباع قوانينه مستقبلاً وسيحتكر الخيرات لنفسه ولخاصّته، وسيفسد فيها ويسفك الدِّمَاء طمعًا في المال والسلطة.

لنركّز إخوتي وأخوتي الكرام على نقطة هامّة، عندما تضايق الملائكة وحزنوا لخلق هذا الخليفة لم يكن هذا الضيق مصدره علمهم المسبق للغيب بأنّ الله كما تزعم التفاسيرالباطلة خَلَقَ قبل آدم خَلْقًا آخر فَسَدَ وَسَفَكَ الدماء، إنَّ هذا التفسير بعيد كل البعد عن الصِّحة والبيان، ولا يقول به إِلَّا كل من يجهل بعلم القرءان الكريم، لماذا؟ لأنّ الله العليم الخبير هو الذي أخبر الملائكة مُسبقًا بأنَّ الإنسان سوف يفسد ويسفك الدماء عندما قال لهم في آية (٣٠) "إنّي جاعل في الأرض خليفة".

الله تعالى لم يُخبرنا في كتابه العزيز على وجود أيّ خلق قبل وجود خلق آدم الخليفة، فالآية (٢٩) من سورة البقرة تُخبرنا عن تمهيد وتحضير الله سبحانه وتعالى السماوات والأرض للخليفة آدم، فكيف سيُنشئ الله تعالى خلقًا من قبل من غير أرضٍ وسماء؟ مرة ثانية أكرّر وأقول أنَّ الله تعالى لم يُعْلِمُنا عن أيّ تفاصيل لأيّ خَلْق لإنسان قبل آدم مسبقًا ولم تَرِد أيّ قصة تشير إليه أو إلى أعماله وأخباره في آياته، الدليل على أنَّ آدم هو الخلق الأولّ نجده في سورة آل عمران وسورة السجدة، وسُوَر كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى.

* سُوۡرَةُ آل عِمرَان
إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبۡرَاهِيمَ وَءَالَ عِمۡرَانَ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةَۢ بَعۡضُہَا مِنۢ بَعۡضٍ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤).

لقد بدأ الله تعالى في هذه الآية اصطفائه لآدم (الإنسان - البشر - العباد - الخَلْق الأولّ) وهذا أكبر دليل على أنه لا وجود لخلق قبل الخليفة آدم (الإنسان).

* سُوۡرَةُ السَّجدَة
ٱلَّذِىٓ أَحۡسَنَ كُلَّ شَىۡءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَـٰنِ مِن طِينٍ (٧).

آية (٣٠): "... قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ...".

إخوتي وأخواتي الأفاضل سنعلم من وحي الآيات التالية ما هو السرّ وراء ضيق الملائكة من خَلْق الله لخليفة في الأرض، وما هو الشئ الذي لا يعلمه الملائكة.

(٣): آية (٣١): "وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ".
يخبرنا الله تعالى بأنّه جهَّز كتاب آدم (الإنسان) قبل خلقه، أي جهَّز لآدم الأسماء كلّها، أي جميع العلوم، حتّى هذه اللحظة لاحظوا معي أنّ الكتاب جُهّز للخلق الأوّل آدم قبل خلقه، ثمّ أراد الله تعالى أن يعرض هذه الأسماء، أي العلوم على الملائكة ليخبروه بهذه العلوم في كتاب آدم الذي وضعه.

(٤): آية (٣٢): "قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ".
هنا نزّهت الملائكة اللّه تعالى أن يحيط من علمه أحد من مخلوقاته إلا بما شاء، وَهُو المعلّم الأوّل للكون، فعلمهم محدود بما علّمهم اللّه تعالى فقط، وهذا الكتاب وعلومه ما هو إِلَّا علم جديد لم يُعْلِمُهم الله به بعد، ولهذا قالوا: "سبحانك لا علم لنا إلَّا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم"، وهذا أكبر دليل على أنّ الأسماء هي العلوم.

(٥): آية (٣٣): "قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ".

"قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ" أي أيُّها الملائكة بعد عجزكم عن معرفتكم بعلم الكتاب خذوا عِلْمكم بالكامل من كتاب "آدم" لأنّ كتابه مذكور فيه علومكم، كسورة الصافات والذاريات والمرسلات والنازعات والعاديات، وعلى سبيل المثال سورة الزُّمر.

* سُوۡرَةُ الزُّمَر
وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا‌ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَابُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُہَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٌ مِّنكُمۡ يَتۡلُونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَـٰتِ رَبِّكُمۡ وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَـٰذَا‌ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِينَ (٧١) قِيلَ ٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَابَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا‌ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَڪَبِّرِينَ (٧٢) وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّہُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًا‌ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَابُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُہَا سَلَـٰمٌ عَلَيۡڪُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَـٰلِدِينَ (٧٣).

"... قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...": عندما علم الملائكة العلم الكامل من كتاب آدم وهو عِلْم الغيب، أي عِلْم الآخرة، أي أنَّ الله سيُحاسب كل إنسان على عمله، وأنَّ الله لم يخلق السماوات والأرض والإنسان عبثًا اطمأنوا، لأنَّ السبب الوحيد لضيقهم في آية (٣٠) أنّه هل من المعقول أيُّها الإله الخيِّر والعادل أن تخلق إنسان يفسد ويسفك الدماء من دون حساب بذلك يكون خلقك للسماوات والأرض والإنسان عبثًا وباطلاً ومن دون معنى وسبب، لذلك أجابهم تعالى "إنّي أعلم ما لا تعلمون" لأنَّهم لم يعلموا بوجود الآخرة وبيوم الحساب.

إذا لم يكن هناك وجود للآخرة سيكون خَلْق الله للسماوات والأرض وللإنسان باطلاً ومن دون سبب، نجد البرهان المُبين في السُوَر التالية، وسُوَر أخرى كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى.

* سُوۡرَةُ صٓ
وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَہُمَا بَـٰطِلاً ذَالِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ‌ فَوَيۡلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ (٢٧) أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ كَٱلۡمُفۡسِدِينَ فِى ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلۡمُتَّقِينَ كَٱلۡفُجَّارِ (٢٨) كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ إِلَيۡكَ مُبَـٰرَكٌ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَـٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ (٢٩).

* سُوۡرَةُ الجَاثیَة
أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَوَآءً مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُہُمۡ‌ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَلِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا ڪَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ (٢٢).

* سُوۡرَةُ آل عِمرَان
إِنَّ فِى خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّہَارِ لَأَيَـٰتٍ لِّأُوْلِى ٱلۡأَلۡبَـٰبِ (١٩٠) ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَڪَّرُونَ فِى خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَـٰذَا بَـٰطِلاً سُبۡحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ (١٩١) رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُ ۥ‌ۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٍ (١٩٢).

* سُوۡرَةُ المؤمنون
أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ عَبَثًا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ (١١٥).

ملاحظة هامَّة: في آية (٣٠) نجد الدليل القطعي بأنّ الملائكة ليسوا مُسيّرين، بل على العكس هم مُخيَّرون لأنَّه بمجرّد معارضتهم وجدالهم لخلق آدم الذي سيفسد في الأرض، فهذا ينفي صفة التسيير والإنصياع لأوامر الله.

(٦): آية (٣٤): "وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِينَ".

* سُوۡرَةُ صٓ
إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ إِنِّى خَـٰلِقُۢ بَشَرًا مِّن طِينٍ (٧١) فَإِذَا سَوَّيۡتُهُ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَـٰجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ ڪُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ (٧٣) إِلَّآ إِبۡلِيسَ ٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِينَ (٧٤) قَالَ يَـٰٓإِبۡلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَىَّ‌ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِينَ (٧٥) قَالَ أَنَا۟ خَيۡرٌ مِّنۡهُ‌ خَلَقۡتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقۡتَهُ مِن طِينٍ (٧٦).

السجود هو عكس التكبر، والسجود يعني تقبُّل الآخر أو القبول بالآخر، والسجود يعني الإنحناء بخضوع للأمر أو للشخص، والسجود يعني الطاعة.

إنَّ طلب الله عزّ وجلّ من الملآئِكة ومن إبليس (الجن القاسط) السجود لآدم هو في الحقيقة طلب من الله عزّ وجلّ أن يسجد القوي للضعيف ولا يتكبَّر عليه، أي أن يتواضع الأقوى للأضعف، بهدف أن نعيش جميعًا مع بعضنا البعض بسلام ومحبة وعدم تكبر وعنصرية وتفرقة واختلافات.

"القوي" هم الملآئِكة في الدرجة الأولى نسبة لقوة خلقهم وقُدرتهم، والأبالسة في الدرجة الثانية، أي الإنسان القوي نسبة لقدرته العقلية الكبيرة، وهذا الإنسان عرَّفهُ الله تعالى لنا في القرءان الكريم وأخبرنا بأنَّهُ زاده بسطةً في العلم أو المال أو الجسم وأنَّهُ ميَّزَهُ وفضَّلَهُ عن باقي الناس.

أمّا "الضعيف" فهو كناية عن آدم، أي الإنسان الّذي تاب الله عليه وأعطاه الفرصة في هذه الأرض لِكي يتوب. أي هو كل إنسان متواضع أو عادي أو متوسِّط الفهم أو فقير العقل أو فقير العِلْم والمعرفة أو فقير المال أو مسكين أو مظلوم أو ضعيف أو مريض، إلى آخره، أي هو كل إنسان محتاج، يحتاج إلى مُساعدة الآخرين أو يحتاج إلى مساعدة الّذين هُم أقوى مِنهُ.

والآن سوف أبدأ بتبيان وتفصيل سجود الملآئكة لآدم:
إنَّ سجود الملآئِكة لآدم، هو في الحقيقة سجود فقط للإنسان الّذي أراد أن يتوب، لأنَّ الملآئكة لا تسجد للإنسان الظالم والفاسد، وإنَّ سجود الملآئِكة للإنسان يُترجم بمساعدة الملآئِكة لكل إنسان يحتاج إلى مساعدة في هذه الأرض، وذلك من خلال قدرتهم وقوتهم الّتي خلقهم الله عزّ وجلّ بها، وذلك من خلال طاعتهم لأوامر الله وفعلهم ما يأمرهم بِهِ، فيكون هذا السجود إمّا بتنزيل الكتاب، أو بحماية الضعفاء، أو بتعذيب القرى الظالمة من أجل إزالة الفساد بهدف حماية المظلومين والضعفاء في الأرض، أو بمساعدة الأنبياء والرُسُل في الحروب، أو بغيرها من الأعمال الملآئِكيَّة في السماوات والأرض وما بينهما الّتي تهدف إلى مساعدة الإنسان والّتي لا يعلمها إلاَّ الله جلّ في عُلاه والملآئِكة أنفسهم. ولقد أعطانا الله تعالى عدّة أمثال عن سجود الملآئِكة لآدم في القرءان الكريم، تلك الأمثال تجدونها في الآيات التالية:

* سُوۡرَةُ فَاطِر
ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ رُسُلاً أُوْلِىٓ أَجۡنِحَةٍ مَّثۡنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَۚ يَزِيدُ فِى ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىۡءٍ قَدِيرٌ (١).

"أُوْلِىٓ أَجۡنِحَةٍ" = أولِى قوة.

* سُوۡرَةُ الصَّافات
وَٱلصَّـٰٓفَّـٰتِ صَفًّا (١) فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجۡرًا (٢) فَٱلتَّـٰلِيَـٰتِ ذِكۡرًا (٣).

* سُوۡرَةُ الصَّافات
وَمَا مِنَّآ إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعۡلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحۡنُ ٱلصَّآفُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحۡنُ ٱلۡمُسَبِّحُونَ (١٦٦).

* سُوۡرَةُ مَریَم
وَٱذۡكُرۡ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ مَرۡيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتۡ مِنۡ أَهۡلِهَا مَكَانًت شَرۡقِيًّا (١٦) فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابًا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتۡ إِنِّىٓ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (١٨) قَالَ إِنَّمَآ أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَـٰمًا زَڪِيًّا (١٩) قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَـٰمٌ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِى بَشَرٌ وَلَمۡ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قَالَ كَذَالِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ‌ وَلِنَجۡعَلَهُ ءَايَةً لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةً مِّنَّا‌ وَكَانَ أَمۡرًا مَّقۡضِيًّا (٢١).

* سُوۡرَةُ التّوبَة
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ ثَانِىَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِى ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَـٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا‌ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَڪِينَتَهُ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ ڪَلِمَةَ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰ‌ وَڪَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلۡعُلۡيَا‌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠).

* سُوۡرَةُ غَافر
ٱلَّذِينَ يَحۡمِلُونَ ٱلۡعَرۡشَ وَمَنۡ حَوۡلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّہِمۡ وَيُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَا وَسِعۡتَ ڪُلَّ شَىۡءٍ رَّحۡمَةً وَعِلۡمًا فَٱغۡفِرۡ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ (٧) رَبَّنَا وَأَدۡخِلۡهُمۡ جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِى وَعَدتَّهُمۡ وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَآٮِٕهِمۡ وَأَزۡوَاجِهِمۡ وَذُرِّيَّـٰتِهِمۡۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ يَوۡمَٮِٕذٍ فَقَدۡ رَحِمۡتَهُ وَذَالِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ (٩).

وآيات أُخرى كثيرة لا تُعد ولا تُحصى.

من خلال جميع تلك الآيات البيّنات، تجدون وبكل وضوح كيفية سجود الملآئِكة لآدم كما ذكرتُ لكم سابقًا، وتجدون أنَّ سجود الملآئكة هدفه مساعدة الإنسان المؤمن أو التائِب في هذه الأرض، وهذا أكبر دليل على قبول الملآئكة بوجودية خلق الإنسان في هذا الكون، وعلى قبولهم لتوبة الإنسان، وعلى تواضعهم أمامه.

إنَّ مُساعدة الملآئكة الأقوياء للناس الضعفاء، والمظلومين، والمؤمنين، والتوّابين في هذه الأرض هو في الحقيقة قبول من الأقوياء بالضعفاء وبحاجتهم إليهم، وتواضعهم وتقبّلهم لهم كمخلوقات ضعيفة تحتاج إليهم، وهو في الحقيقة إنحناء بأن يخضع الأقوياء للضعفاء يترجم بمُساعدتهم لهم، وهو في الحقيقة عدم تكبر الأقوياء على الضعفاء يُترجم بإعطائهم المساعدة عند حاجتهم إليهم، وهو في الحقيقة سجود خالص لله وطاعة مُطلقة بكل أمر يأمرهم الله عزّ وجلّ به وحْيًا، وفيه خير للإنسان في هذه الحيواة الدنيا وأيضًا في الآخرة.

ولكن حصل العكس فالإنسان المتكبر (إبليس) أعرض عن ذكر الله ورفض أن يسجد لآدم ويأخذ العِبرة من الملائكة، أي رفض أن يتواضع ويساعد أخيه الإنسان المحتاج إلى مساعدة، ورفض بخياره أن يعمل الخير والإصلاح، أي رفض أن يسجد لإنسانيته، لذلك قال أنا خير منه خلقتني من نار (القوّة العقلية والمال إلخ... فتفاخر وتكبر) وخلقته من طين (الضعف والحاجة إلخ...)، والبرهان المُبين الذي لا ريْب فيه نجده في:

* سُوۡرَةُ الزّخرُف
وَنَادَىٰ فِرۡعَوۡنُ فِى قَوۡمِهِۦ قَالَ يَـٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِى مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَـٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَـٰرُ تَجۡرِى مِن تَحۡتِىٓ‌ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ (٥١) أَمۡ أَنَا۟ خَيۡرٌ مِّنۡ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوۡلَآ أُلۡقِىَ عَلَيۡهِ أَسۡوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوۡ جَآءَ مَعَهُ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕڪَةُ مُقۡتَرِنِينَ (٥٣).

* سُوۡرَةُ الاٴعرَاف
وَلَقَدۡ خَلَقۡنَـٰڪُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَـٰكُمۡ ثُمَّ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ لَمۡ يَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ (١١) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَ‌ قَالَ أَنَا۟ خَيۡرٌ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقۡتَهُ مِن طِينٍ۬ (١٢).

إخوني وأخواتي الأفاضل أرجوا منكم أن تتمعّنوا جيّدًا في آية (٥٢) من سورة الزخرف وآية (١٢) من سورة الأعراف وتربطوها ببعضها وستجدون البرهان المُبين على أنّ فرعرن هو إبليس اللعين.

آية (٥٢) من سورة الزخرف: "أَمۡ أَنَا۟ خَيۡرٌ مِّنۡ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ" = آية (١٢) من سورة الأعراف: "... قَالَ أَنَا۟ خَيۡرٌ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقۡتَهُ مِن طِينٍ".

آية (٥٢) من سورة الزخرف: "... أَمۡ أَنَا۟ خَيۡرٌ مِّنۡ هَـٰذَا..." = آية (١٢) من سورة الأعراف: "... قَالَ أَنَا۟ خَيۡرٌ مِّنۡهُ...".

خلاصة آيات سورة الزخرف والأعراف كالتالي:
إبليس = الإنسان المتكبر، والظالم، والفاسد، والمُجرم إلخ... = الأحبار، والرهبان، والسلف الطالح، وأئمّة الكفر والإشراك، والعلمانيّين المُلحدين، وكل إنسان أعرض عن ذكر الله جلّ في علاه، إذًا إنّ إبليس، والشيطان، والجنّ ليسوا بمخلوقات مُتخفّية.

(٧): آية (٣٥): "وَقُلۡنَا يَـٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ".
إنَّ كلمة آدم تعني البشر، أي جميع الناس (من ذكور وإناث) الّذين خُلِقوا من تُراب، والبرهان نجده في:

* سورة الاٴعرَاف
وَلَقَدۡ خَلَقۡنَـٰڪُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَـٰكُمۡ ثُمَّ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ لَمۡ يَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ (١١).

* سُوۡرَةُ المؤمنون
وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةٍ مِّن طِينٍ (١٢).

* سُوۡرَةُ الرُّوم
وَمِنۡ ءَايَـٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ (٢٠).

* سُوۡرَةُ صٓ
إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ إِنِّى خَـٰلِقُۢ بَشَرًا مِّن طِينٍ (٧١).

إنَّ الله تعالى لم يخلق فقط رجُل واحد وإمرأة واحدة، أي آدم وحوّاء، بتفسير جهلاء الدين الذي نقلوه لنا من كتاب العهد القديم الخبيث.

لقد خلق الله تعالى الناس (آدم) منذُ بدأ الخلق من ذكور وإناث بأشكال وألوان ولُغات مُختلفة في جميع أنحاء الآرض، تمامًا كما خلق ثمراتٍ مُختلِفٌ ألوانها، وجُددٌ بيضٌ (أي تربة بيضاء)، وحُمرٌ مُختلِفٌ ألوانها (أي تربة حمراء)، وغرابيبُ سود (أي تربة سوداء)، وكذلك خلق من الناسِ والدّوابِ والأنعامِ مُختلِفٌ ألوانُهُ.

هذا ما فصَّلهُ الله تعالى لنا في سورة الروم، والمؤمنون، وفاطر:

* سُوۡرَةُ الرُّوم
وَمِنۡ ءَايَـٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنۡ ءَايَـٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَاجًا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَڪُم مَّوَدَّةً وَرَحۡمَةً‌ إِنَّ فِى ذَالِكَ لَأَيَـٰتٍ لِّقَوۡمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) وَمِنۡ ءَايَـٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفُ أَلۡسِنَتِڪُمۡ وَأَلۡوَانِكُمۡ‌ إِنَّ فِى ذَالِكَ لَأَيَـٰتٍ لِّلۡعَـٰلِمِينَ (٢٢).

* سُوۡرَةُ المؤمنون
وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةٍ مِّن طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلۡنَـٰهُ نُطۡفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ (١٣).

* سُوۡرَةُ فَاطِر
أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَاتٍ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَانُہَاۚ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٌ وَحُمۡرٌ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَانُہَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَانُهُۥ كَذَالِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨).

لقد أمر الله تعالى آدم (الإنسان) من خلال قوانينه في الكتاب عندما أسكنه الجنَّة (الأرض) أن يتقاسم ثروات الأرض وعلومها وأرزاقها ويتشارك فيها مع أخيه الإنسان لكي يعيشوا بالخير والإصلاح، وأن لا يقربا الشجرة (المال والسلطة)، أي أن لا يحتكر لنفسه خيرات الأرض وعلومها فيحبسها عن الفقراء والضّعفاء والمحتاجين طمعًا في المال والسلطة فيصبح من الظالمين، والبرهان المُبين على أنَّ الشجرة هي كناية عن المال والسلطة نجده في آية (١٢٠) من سورة طه.

* سُوۡرَةُ طٰه
فَوَسۡوَسَ إِلَيۡهِ ٱلشَّيۡطَـٰنُ قَالَ يَـٰٓـَٔادَمُ هَلۡ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلۡخُلۡدِ وَمُلۡكٍ لَّا يَبۡلَىٰ (١٢٠).

(٨): آية (٣٦): "فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَـٰنُ عَنۡہَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ‌ وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمۡ فِى ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرٌّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ".

لقد كانت هذه الأرض منذ بدايتها جنّة لأنَّ الإنسان الشرير، أي إبليس، أي الجن القاسط، أي الإنسان ذو القدرة العقلية القوية لم يكن بعد قد ظلم فيها وسفك الدماء وعاث فيها فسادًا، فكانت طاهرة وكان السلام في البداية منتشرًا بين الخلق الأول الّذي خُلِق من تراب (آدم)، ولذلك كان الإنسان القوي يعيش فيها في أحسن تقويم مع أخيه الإنسان الضعيف، ولكن بعد مدة فَسد هذا الإنسان (بدايةً إبليس، وبعد ذلك آدم الّذي اتّبع خطوات إبليس) وسفك الدماء وعاش بعداوة مع أخيه الإنسان، ولذلك أخرجه الله تعالى من مستواهُ الخُلُقي العالي الرفيع الّذي كان يعيش فيه والّذي هو العيش المشترك في الخير والمحبة والسلام والأخلاق والعقل والفكر والمنطق إلى مستوى هابط متدنّي سافل منحطّ والّذي هو العيش المشترك في العداوة والبغضاء والكره والظلم والفساد والشر وعدم الأخلاق والفحشاء والمنكر والبغي والجهل وتدنّي المستوى العقلي والفكري إلخ.

مرة ثانية لقد عاش آدم (الخلق الأوّل) مدّة من الزمن لا يعلمها إلَّا الله مُنعّمًا مُرفّهًا بنعم الله وخيراته في جنّة الأرض، إّلا أّن ثباته على حاله لم يدم للأسف، أمام انغماسه في فتنٍ عظيمة تتمثّل في المال والسلطة وبمباركة شياطين الإنس والجنّ الظالمين المتكبّرين الذين ضَلُّوا وأضلّوا فطمعوا واحتكروا الخيرات ونشروا الفساد وسفكوا الدّماء، فآستحقّوا غضب الله عليهم وإخراجهم من جنّة السّلام والرّضى التي كانوا فيها آمنين مطمئنين إلى أرض الذلّ والشّقاء.

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ‌ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَـٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡ‌ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦ‌ وَٱللَّهُ يَهۡدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسۡتَقِيمٍ (٢١٣)

* سُوۡرَةُ طٰه
وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِڪۡرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحۡشُرُهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ أَعۡمَىٰ (١٢٤).

* سُوۡرَةُ الرُّوم
ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِى ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ (٤١).

* سُوۡرَةُ النُّور
وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِى ٱلۡأَرۡضِ ڪَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَہُمُ ٱلَّذِى ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّہُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنًا يَعۡبُدُونَنِى لَا يُشۡرِكُونَ بِى شَيۡـًٔا وَمَن ڪَفَرَ بَعۡدَ ذَالِكَ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ (٥٥).

(٩): آية (٣٧): "فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَـٰتٍ فَتَابَ عَلَيۡهِ‌ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ".
إنَّ كلمة آدم تعني الإنسان التوّاب، إنَّ عِبرة آدم هي عبرة لِكل إنسان (آدم أو بني آدم) عصى الله ثُم أراد أن يتوب ويّتبع كتاب الله، والملائِكة تسجُد فقط للإنسان التَّواب، ولكنها لا تسجد للإنسان الّذي يعصي الله ولا يُريد أن يتوب، ولقد طلب الإنسان التوبة من الله، فتقبلّ الله تعالى توبته ولذلك أرسل الأنبياء والرُسُل لهدايته في هذه الأرض.

(١٠): آية (٣٨) و(٣٩): "قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡہَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡہِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ (٣٨) وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَـٰتِنَآ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِ‌ هُمۡ فِيہَا خَـٰلِدُونَ (٣٩)".

آية (٣٨): "قلنا اهبطوا منها جميعًا"، أي جميع خلق آدم من ذكور وإناث، ومن ألوان مختلفة، ومن أمم مختلفة، وليس آدم وحواء والشيطان والحيَّة، كما تقول كتب التفاسير الباطلة، والهبوط ليس بمعنى الهبوط من الجنّة إلى الأرض، بل الهبوط من أحسن تقويم إلى أسفل سافلين، أي هبوط المستوى المعنوي، أي المستوى العقلي للإنسان، وهبوط المستوى الماديّ، أي المستوى المعيشي للإنسان، نجد الدليل في:

* سُوۡرَةُ التِّین
لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ فِىٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدۡنَـٰهُ أَسۡفَلَ سَـٰفِلِينَ (٥) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٍ (٦).

آية (٥): "ثم رددناه أسفل سافلين"، لأنّ الإنسان بخياره أعرض عن ذكر الله جلّ في علاه، فأصبح في أسفل السافلين، أي هبط مستواه المعنوي والمادّي إلى أدنى مستوى، ومصيره بالتأكيد سوف يكون في جهنّم.

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَڪُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدًا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَـٰيَـٰكُمۡ‌ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلاً غَيۡرَ ٱلَّذِى قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ (٥٩) وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَ‌ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنًا قَدۡ عَلِمَ ڪُلُّ أُنَاسٍ مَّشۡرَبَهُمۡ‌ ڪُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِى ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ (٦٠) وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَـٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآٮِٕهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِہَا وَبَصَلِهَا‌ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِى هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِى هُوَ خَيۡرٌ‌ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرًا فَإِنَّ لَڪُم مَّا سَأَلۡتُمۡ‌ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡڪَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ‌ ذَالِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ‌ ذَالِكَ بِمَا عَصَواْ وَّڪَانُواْ يَعۡتَدُونَ (٦١).

* سُوۡرَةُ المَائدة
وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَـٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِيكُمۡ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَءَاتَٮٰكُم مَّا لَمۡ يُؤۡتِ أَحَدًا مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (٢٠) يَـٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِى كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَارِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَـٰسِرِينَ (٢١) قَالُواْ يَـٰمُوسَىٰٓ إِنَّ فِيہَا قَوۡمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (٢٢) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡہِمَا ٱدۡخُلُواْ عَلَيۡہِمُ ٱلۡبَابَ فَإِذَا دَخَلۡتُمُوهُ فَإِنَّكُمۡ غَـٰلِبُونَ‌ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (٢٣) قَالُواْ يَـٰمُوسَىٰٓ إِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَآ أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا‌ فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَـٰتِلَآ إِنَّا هَـٰهُنَا قَـٰعِدُونَ (٢٤) قَالَ رَبِّ إِنِّى لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِى وَأَخِى‌ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَـٰسِقِينَ (٢٥) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡہِمۡ‌ أَرۡبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى ٱلۡأَرۡضِ‌ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَـٰسِقِينَ (٢٦).

آية (٢٦): قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡہِمۡ‌ أَرۡبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى ٱلۡأَرۡضِ‌ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَـٰسِقِينَ (٢٦).
"يتيهون في الأرض" = سوف يعيشون في أدنى مستوى، أي في الظلم والفساد، كحال معيشتنا الآن، لأننا هجرنا القرءان الكريم، واتّبعنا الأحاديث الباطلة.

* سُوۡرَةُ الاٴعرَاف
وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِىٓ ءَاتَيۡنَـٰهُ ءَايَـٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَـٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوۡ شِئۡنَا لَرَفَعۡنَـٰهُ بِہَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخۡلَدَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَٮٰهُ‌ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلۡڪَلۡبِ إِن تَحۡمِلۡ عَلَيۡهِ يَلۡهَثۡ أَوۡ تَتۡرُڪۡهُ يَلۡهَث‌ ذَّالِكَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَـٰتِنَا‌ فَٱقۡصُصِ ٱلۡقَصَصَ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦).

بسبب انسلاخ الإنسان بخياره عن آيات الله، وخلوده إلى الأرض، واتّباع هواه، أي اتّباع أديان أرضية باطلة، ظهر الظلم والفساد، وأصبحت معيشته ضنكًا، وتدنّى مستواه إلى أدنى مستوى من الإنحطاط الفكري.

* سُوۡرَةُ طٰه
فَأَڪَلَا مِنۡہَا فَبَدَتۡ لَهُمَا ا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡہِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِ‌ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ (١٢١) ثُمَّ ٱجۡتَبَـٰهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيۡهِ وَهَدَىٰ (١٢٢) قَالَ ٱهۡبِطَا مِنۡهَا جَمِيعَۢا‌ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّڪُم مِّنِّى هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ (١٢٣) وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِڪۡرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحۡشُرُهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ أَعۡمَىٰ (١٢٤).

وبما أنَّ الإنسان يستطيع أن يتوب فإنَّ هذا كان سببًا لبعث الله تعالى بالأنبياء والرُسُل عبر الزمن لهداية الإنسان الّذي يُريد أن يتوب ويرجع عن أعماله السيِّئة ويهتدي، وهذه وفرصة له لكي يعود إلى الجنة ويخلد فيها، إذًا فمن اتَّّبع هُدى الله فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، والّذين كذّبوا بآيات الله أولآئك أصحاب النار هم فيها خالدون.

في الختام ملاحظة هامَّة:
إنّ قصة آدم منذ بدء الخليقة إلى نهايتها تختصر قصّة الخَلْق لأنَّ النفس البشرية واحدة تلهث إلى حب المال والسلطة، سيظل الإنسان يفسد ويظلم ويحتكر خيرات الأرض، وسيزداد الظلم والفساد والعداوة والبغضاء (يأجوج ومأجوج) بين الناس حتى اقتراب الوعد الحق.

* سُوۡرَةُ الاٴنبیَاء
وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَـٰهَآ أَنَّهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ (٩٥) حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتۡ يَأۡجُوجُ وَمَأۡجُوجُ وَهُم مِّن ڪُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ (٩٦) وَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ فَإِذَا هِىَ شَـٰخِصَةٌ أَبۡصَـٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَـٰوَيۡلَنَا قَدۡ ڪُنَّا فِى غَفۡلَةٍ مِّنۡ هَـٰذَا بَلۡ ڪُنَّا ظَـٰلِمِينَ (٩٧).

إبليس هو كناية عن الشيطان والجن (الإنسان ذو القدرة العقلية) الّذي لا يريد أن يتوب وسوف يهلك في جهنم، وهو الإنسان المتكبرّ على الله والّذي يرفض أن يتبّع ما أمره الله بأن يتواضع أمام آدم (أمام الإنسان التوابّ الّذي هو أضعف منه)، وإبليس هو الإنسان الّذي يعلم الحق وعلى الرغم من ذلك يُريد أن يُضلّ الإنسان عن سبق إصرار وترصدّ تكبرًّا على الله وتحدّيًا له بظنّه أنه أقوى من الله ويستطيع بقوته أن يفعل ما يشاء من دون أن يأخذ أوامره من الله.

آدم هو كناية عن الإنسان الّذي يريد أن يتوب ويرجع عن ذنوبه ويتواضع أمام الله ويتّبع قانونه، والجن يستطيع أن يتوب ويتواضع فيُصبح في نفس مستوى آدم ومثله عندما يقبل أن يسجد لله وبالتالي لآدم التواب، فيُصبح جنًَّا مؤمنًا.

ودمتم يا بني آدم على اتّباع خطوات آدم، والإبتعاد عن خطوات إبليس والشيطان والجنّ القاسط، حفظكم الله تعالى ورعاكم من أبالسة وشياطين العالم أجمعين.

 

201 feb 19 2017