تفسير آية (١٣) في سورة الحديد من خلال أحسن التفسير

 

تفسير آية (١٣) في سورة الحديد من خلال أحسن التفسير

 

* سورة الحديد
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴿١٣﴾.

السلام على من اتّبع فقط نور الله المُبين (القرءان العظيم).

(١): هذه الآية فيها جوابٌ صريحٌ وبيِّنٌ من الله عزّ وجلّ لكل إنسان يظنّ ظنَّ السوء بِهِ بقولِهِ أنَّ وجود العذاب الجسدي أو جهنم والفصل بين الجنة وجهنم هو ظلم من الله ولا يوجد فيه عدل ولا رحمة.

إذا تدبّرنا قولَ الله تعالى: "... فَضُرِبَ بَيۡنَہُم بِسُورٍ لَّهُ بَابُۢ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَـٰهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ"، نجد أنَّ الله تعالى وضع حاجزًا بين أصحاب الجنة وأصحاب جهنم، أي فصل بينهما، السور هو البرزخ أو الحِجْر المحجور أو الحاجز الّذي يفصل بين الجنة وجهنم والّذي يمنع أصحاب جهنم من دخول الجنة، وباب السور هو باب الفصل بين الجنة وجهنم وهذا الباب هو المدخل لجهنم، إذًا فإنَّ باب الفصل بين الجنة وجهنم هو وجودية جهنم والعذاب فيها.

لماذا قال الله تعالى أنَّ السور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهِرُهُ من قِبلِهِ العذاب؟
لأنَّه إذا نظرنا في باب السور الّذي يفصل بين الجنة وجهنم والّذي هو المدخل لدخول جهنم والعذاب فيها، نجد أنَّ هذا الفصل بين الجنة وجهنم بدخول أصحاب النار من باب جهنم فيه سببٌ أو هدفٌ أو مغزىً باطنيٌ ألا وهو الرحمة، ونجد أنَّ وجود هذا الباب أو هذه الرحمة هو الّذي أدّى إلى وجود جهنم والعذاب فيها، وأنَّ هذا العذاب هو عذابٌ ظاهرٌ، أي عمليٌ، أي حاصلٌ على أرض الواقع.

إنَّ الله تعالى يريد أن يُعْلِمنا من خلال هذه الآية أنَّ الإنسان إذا تفكَّر في ظاهر جهنم ودخولها من دون أن يتفكَّرّ في باطن هذا الأمر فهو يراهُ عذابًا وشقاءً وعدم رحمة، أمّا إذا تفكَّرَ في باطن هذا الأمر الّذي ظاهرُهُ من قِبلِهِ العذاب، أي إذا تفكَّر في باطن هذا العذاب، أي في السبب أو المعنى أو المغزى لوجود هذا العذاب فسوف يجد فيه رحمة كبيرة لا تدُلّ إلاَّ على وجود عدل ورحمة إلآهية مُطلقة من الله الرحمن الرحيم ليس لها مثيل، في هذه الآية يريد الرحمن أن يُعلمنا أنَّ وجود جهنم هو ظاهرٌ فيه العذاب وباطنٌ فيه الرحمة، أي أنَّ ظاهر العذاب في جهنم في باطنِهِ رحمة، أي أنَّ وجود عذاب جهنم هو في الباطن رحمة للإنسان ولِوجوديَّتِهِ حتّى لو كان عذابًا في الظاهر لكي يبتعد عن الظلم والفساد، إذًا فعلينا أن نرى أو أن نأخذ بباطن الظاهر لا أن نأخذ فقط بالظاهر، أي علينا أن نرى الرحمة من وراء هذا العذاب.

إنَّ السور أو الحاجز الّذي ضربهُ الله تعالى بين الّذين آمنوا والمُنافقين والمنافقات فيه عذاب للمنافقين والمنافقات بإدخالهم جهنم من باب هذا السور، ولكن في المقابل فيه رحمة للمؤمنين بإبعادهم عن هؤلآء المنافقين والمنافقات.

إنَّ كل إنسان ينظر إلى الحيواة بظاهرها فقط ولا ينظر إليها بظاهرها وباطنها يكون له الظاهر في الآخرة، أي العذاب في جهنم، وإنَّ كل إنسان لا ينظر إلى الحيواة بظاهرها فقط ولكن ينظر إليها بظاهرها وباطنها يكون له الباطن في الآخرة، أي يُعطيه الله تعالى رحمته بإدخالِهِ الجنة مع أصحاب الجنة وبإبعادِهِ عن جهنم وعن أصحاب جهنم.
 

(٢): إنّ تفصيل الله تعالى لجهنم وعذابها (الظلمات)، وللجنة ونعيمها (النور) هو أكبر رحمة للإنسان المجرم لكي يبتعد عنها ويُبدلّ سيّئاته إلى حسنات، ولتستبين سبيله، والدليل نجده في:

* سورة الأنعام
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴿١﴾.

"... وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور..." = الفرق بين الحق والباطل = الفرق بين جهنم والجنة = لكي نحذر من الآخرة (عذاب جهنم) ونرجوا رحمة ربّنا (جنة الخلد).

* سورة الزمر
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٩﴾.

* سورة الزمر
قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴿١١﴾ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ﴿١٢﴾ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿١٣﴾ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ﴿١٤﴾ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ ۗ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴿١٥﴾ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ۚ ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ۚ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴿١٦﴾.

* سورة الأنعام
وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿٥٤﴾ وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴿٥٥﴾.

* سورة الحديد
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴿٩﴾.

إنّ عالم الغيب عَلِمَ من قبل أن يخلق الإنسان أنه سوف يفعل الشَّرّْ مِمّا سوف يؤدّي بِهِ إلى جهنم، لذلك حضَّر الله تعالى له الكتاب وبَيَّن له فيه الخير من الشر لِكي يُبعِدُهُ عن طريق جهنم ويُعطيهِ طريق الجنة، لقد أرانا الله تعالى طريق الظلمات وطريق النور وفَصَلَ بينهما بهدف أن نعرف ما هو الحق وما هو الباطل، لِكَيْ نستطيع أن نَفْرُق بينهما بهدف أن نتّبع طريق الحق لِكَيْ نفوز بالجنة ونبتعد عن جهنم.

* سورة لقمان
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴿٢٠﴾.
 

(٣): في الختام، أدعوا الله تعالى أن يتمم علينا نورنا ويغفر لنا ويُدخلنا برحمته في عباده الصالحين.

* سورة الحديد
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ۖ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴿١٩﴾.

* سورة التحريم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٨﴾.

 

159 Dec 2, 2016