تبرأة الله عزّ وجلّ لرسوله الأمين محمد عليه السلام من قصة زيد وامرأته ونفي تحريم التبنّي

 

تبرأة الله عزّ وجلّ لرسوله الأمين محمد عليه السلام من قصة زيد وامرأته ونفي تحريم التبنّي

 

إخواني وأخواتي الكرام، السلام عليكم.

* سُوۡرَةُ یُوسُف
لَقَدۡ كَانَ فِى قَصَصِہِمۡ عِبۡرَةٌ لِّأُوْلِى ٱلۡأَلۡبَـٰبِ‌ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفۡتَرَىٰ وَلَـٰڪِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِى بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ ڪُلِّ شَىۡءٍ وَهُدًى وَرَحۡمَةً لِّقَوۡمٍ يُؤۡمِنُونَ (١١١).

* سُوۡرَةُ یُونس
وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن يُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِى بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا رَيۡبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (٣٧) أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَٮٰهُ‌ۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِسُورَةٍ مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِينَ (٣٨) بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِہِمۡ تَأۡوِيلُهُ ۥ‌ۚ كَذَالِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ‌ۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ (٣٩).

* سُوۡرَةُ آل عِمرَان
ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ (٦٠) فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَہِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡڪَـٰذِبِينَ (٦١) إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّ‌ۚ وَمَا مِنۡ إِلَـٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُ‌ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (٦٢).

كلّنا سمعنا بقصة الرسول محمد عليه السلام مع زيد وإمرأة زيد، هذه القصة فيها إساءة عظيمة لرسولنا الأمين محمد صلوات الله عليه، وفيها تشويه عظيم لِسُمعتِهِ الطاهرة، وفيها إشاعة للفاحشة في رسول الله وخاتم النبيّين، وفيها أيضًا إساءة عظيمة وتشويه عظيم لسمعة إمرأة زيد المؤمنة الّتي لم يذكر الله تعالى إسمها والّتي أصبحت زوجة للرسول محمد بعد أن قضى زيد منها وطرًا، إنَّ قصة الرسول محمد مع زيد وزوجته المذكورة في كتب التراث الخبيثة هي تُهمة باطلة وإفك وبهتان عظيم، برَّأ الله العلِي العظيم رسوله محمد الأمين وزوجته المؤمنة في القرءان الكريم من جميع التهم الّتي نُسِبَت إليهما.

فالقرءان الكريم كافٍ للدفاع عن الرسول محمد ولتبرأته هو وجميع أنبياء الله ورسله وأيضًا المؤمنين والمؤمنات، لأنه يُظهر الحق ويمحوا الباطل الّذي صنعوه في أحاديثهم الباطلة بهدف الأذِيَّة والإساءة إلى الله وإلى جميع رُسُلِهِ وإلى المؤمنين والمؤمنات، والقرءان الكريم هو القَصَص الحق، وهو ليس بحديثٍ يُفترى، فما كان لهذا القرءان أن يُفترى من دون الله، ولذلك فهو وحده كفيل بتبيان قصة الرسول محمد عليه السلام مع زيد وامرأته، وتبيان ما حصَل مع الرسول آنذآك.

أمّا بالنسبة لمن هو زيد؟ وما كان أصله وفصله؟ وما كان نسبه؟ ومن كانت زوجته الّتي زوجّها الله عزّ وجلّ للرسول من بعدِهِ؟ وما كان إسمها؟ وما كان أصلها وفصلها؟ وما كان نسبها؟ فجميع تلك الأسئلة لا تخصّنا في شئ، وليس لنا أيّ دعوة بها، لأنَّ القرءان الكريم لم يذكرها لنا قطعيًا لأنَّه اعتبرها ليست من شأننا.

إذا تابعنا الأيات المُختصَّة في هذا الموضوع فسوف نجد الجواب على قصة زيد في آيات سورة الأحزاب وِفقًا لما أرادنا الله عزّ وجلّ أن نعلمه عن هذه القصة، لا أكثر ولا أقل:

* سُوۡرَةُ الاٴحزَاب
وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلاً مُّبِينًا (٣٦) وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِىٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِى فِى نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَٮٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٌ مِّنۡہَا وَطَرًا زَوَّجۡنَـٰكَهَا لِكَىۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٌ فِىٓ أَزۡوَاجِ أَدۡعِيَآٮِٕهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡہُنَّ وَطَرًاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولاً (٣٧) مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ مِنۡ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُۖ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِى ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرًا مَّقۡدُورًا (٣٨) ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَـٰلَـٰتِ ٱللَّهِ وَيَخۡشَوۡنَهُ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبًا (٣٩) مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَىۡءٍ عَلِيمًا (٤٠).

إذا نظرنا لُغويًّا في معنى كلمة أدعياء، نجد أنها تأتي من فعل دعا.
ودعا دُعاءً ودعوى فُلان وبِفُلان يعني سَمّاهُ بِهِ.
وأدعى إدعاءً يعني صيَّرَهُ يُدعى إلى أبيه.
وإدَّعى إلى غير أبيه يعني إنتسبَ إلى غير أبيه.
والدَعِيّ جمع أدعياء هو من تبنّيتَهُ أي جعلته لك إبنًا، أو هو المُتَّهَم في نسبِهِ، أو هو الّذي يدَّعي غيرَ أبيهِ أو غيرَ قومِهِ.

من خلال تلك الآيات البيّنات من سورة الأحزاب، نعلم أنّ زيدًا كان رجُلاً أنعم الله عليه بوضعِهِ في طريق محمد، وأنعم الرسول محمد عليه بجعله واحدًا من الملازمين له ومن المقربّين إليه بهدف مساعدته وتعلَّم القرءان، لدرجة أنَّ قوم الرسول محمد ظنّوا أنَّ زيدًا هو بمثابة الإبن لمحمد وأنَّ محمدًا هو بمثابة الأب له، فأصبح زيد منسوبًا إلى الرسول محمد وأصبح من أدعياء الرسول، فالأدعياء في زمن الرسول كانوا من المُلازمين للرسول وللمؤمنين وكانوا من المُقرَّبين إليهم بهدف المساعدة الإنسانية وبهدف تعلّم القرءان، فأصبحوا بمثابة الأبناء لهم.

هذه الآية (٣٧) في سورة الأحزاب هي الآية الوحيدة في القرءان الّتي ذكر الله تعالى فيها إسم إنسان غير أسماء الرُسُل والأنبياء، ولقد ذكر الله إسم زيد تبرأةً للرسول ولزوجته المؤمنة، لكي يُعلمنا: بأنَّ زيدًا الّذي كان ملازمًا للرسول ومُقرَّبًا منه لم يتَّقِ الله في زوجته المؤمنة، وأنَّ زيدًا لم يكن إبنًا للرسول محمد أو ينتسب إليه، وأنَّ الناس هُم الّذين نسبوا زيدًا إلى محمد، وأنَّ الرسول محمد لم يقع في غرام إمرأة زيد فطلَّقها مِن زيد لكي يتزوجها هو، وأنَّ إمرأة زيد لم تكن ذات حسب ونسب ومتكبرة على زيد وتعامله معاملة سيّئة لأنها أفضل منه نسبًا، وأنَّ زيدًا لم يكن مؤمنًا يتّق الله، كما تقول الأحاديث الكاذبةً.

لقد قال الله تعالى في آية (٣٧): "وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِىٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ ۖ وَتُخۡفِى فِى نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَٮٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٌ مِّنۡہَا وَطَرًا زَوَّجۡنَـٰكَهَا لِكَىۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٌ فِىٓ أَزۡوَاجِ أَدۡعِيَآٮِٕهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡہُنَّ وَطَرًاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولاً"

في آية (٣٧) نجد وبوضوح تام أنَّ الرسول محمد أمر زيدًا بأن يُمسِك عليهِ زوجه وأن يتّقي الله فيها، أي أن يُمسكها بمعروف فلا يُطلِّقها وأن يُعاملها بمعروف وبمودّة ورحمة، ولكنَّ زيد لم يتَّقِ الله ولم يُرِد أن يُمسِكها عليه لأنه لم يعد يرغبها زوجةً لهُ "بعد أن قضى منها وطرًا"، فزيد لم يعد يرغبها ولم يعد يُريدها زوجًا لهُ من بعد أن نال حاجته وبُغيتَهُ منها، من أجل ذلك زوَّجها الله عزّ وجلّ للرسول محمد بعد أن طلَّقها زيد بكامل إرادتِهِ، وسوف نعلم السبب لاحقًا.

في آية (٣٧) نجد أنَّ زيدًا لم يتَّقِ الله في زوجته المؤمنة، فكفر وخرج بذلك عن الإسلام، فأصبحت زوجته المؤمنة تحلّ للرسول، لذلك أنزل الله تعالى هذه الآية لكي يُعلمنا أنَّ المؤمن يستطيع ويحلُّ له أن يتزوج من أزواج الأدعياء (المنسوب قولاً إليه) إذا كان هؤلاء الأدعياء لم يتَّقوا الله في أزواجهم فطلَّقوهُنَّ ولم يعودوا يرغبونَ بهنَّ، وإذا كانت تلك الزوجات مؤمنات صالحات، فأدعياء الرُسُل والمؤمنين هم ليسوا أبناءهم ولا يُنسبون إليهم، وبالتالي لا يُعتبر هذا الزواج من المُحرّمات، والدليل على أنَّ زوجة زيد لم تكن إنسانة سيِّئة ومتكبرة وتُعامل زيدًا معاملة سيِّئة بسبب حسبها ونسبها كما تصفها الأحاديث الكاذبة، هو أنَّ الله تعالى سمح لرسولِهِ محمد بالزواج منها في آية (٣٧)، مِمّا يدلّنا بل يُثبت لنا أنَّ زوجة زيد كانت إمرأة مؤمنة وصالحة، وأنَّ زيدًا هو الّذي كان غير صالح وكان يعاملها معاملة سيِّئة ولم يتَّقِ الله فيها.

وإنَّ آية (٣٧) تدلّنا أنَّ زيدًا تزَّوَّج امرأته لِكي ينال منها حاجة أو بُغية أو غاية أو مصلحة لم يُخبرنا الله تعالى عنها، مِمّا يعطينا عبرة وموعظة تدلّنا على أنَّ كل إنسان يتزوّج إمرأة بهدف أن ينال منها حاجة أو بُغية أو مصلحة فهو إنسانٌ لا يتَّقي الله فيها، ويكون زواجه هذا خارجًا عن مرضات الله، وسوف يُحاسبه الله في الآخرة لأنه يُصبح في حُكم الّذين كفروا.

لقد أراد الله عز وجل أن يُعلمنا أيضًا من خلال هذه الآية الكريمة (آية ٣٧) أنَّ أدعياء المؤمنين هُم ليسوا أبناءهم، لذلك برّأ الله عزّ وجلّ رسوله الأمين محمد صلوات الله عليه من خلال تلك الآيات، لأنَّ قوم الرسول في ذلك الوقت إنتقدوهُ لزواجه من إمرأة زيد بعد أن كفر زيد وطلَّقها، بحجّة أنَّ زيدًا هو بمثابة الإبن للرسول محمد بعد أن نسبه الناس إليه، والدليل هو الأحاديث السيِّئة الّتي وصلت إلينا والموجودة حاليًا عندنا، الّتي تقوَّلوا فيها الأقاويل بالسوء على الرسول، والّتي تقول أنّ الرسول محمد رأى زوجة زيد في خيمتها وكانت نصف عارية فأعجبته ووقع في غرامها فجعل زيدًا يُطلِّقُها لكي يتزوجها بدلاً منهُ، فقالت له عائشة تلك المقولة الشهيرة الباطلة والكافرة: "أرى أنَّ الله يُسارعُ في هواك".

ومن أجل تلك الأحاديث الوسخة والساقطة على محمد الّذي هو رسول الله وخاتم النبيّين، والّذي هو برئ منها، أنزل الله تعالى تلك الآيات وبرّأهُ من خلالها بقوله في آية (٣٧):
"وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِىٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِى فِى نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَٮٰهُ"

وبقوله أيضًا في آية (٣٧): "فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٌ مِّنۡہَا وَطَرًا زَوَّجۡنَـٰكَهَا لِكَىۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٌ فِىٓ أَزۡوَاجِ أَدۡعِيَآٮِٕهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡہُنَّ وَطَرًاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولاً"

وبقوله في آية (٤٠): "مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَىۡءٍ عَلِيمًا"

لكي يُعلمنا تعالى أنَّ محمدًا لم يكُن أبا أحدٍ من رِجال قومِهِ فهو لم يكُن أبًا لِزيد ولا لِغير زيد من الرجال، ولكي يُعلمنا أيضًا أنَّ زيدًا لم يكن يُلازم محمدًا كأبّ، ولكن كرسول حامل لرسالة الله بقولِهِ: "وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ"، مِمّا يُثبت بل يؤكدّ لنا أنَّ محمدًا عليه السلام كان يُساعد زيدًا ويدعوه إلى كتاب الله كرسول، وهذا ينفي لنا نفيًا قاطعًا أنَّ زيدًا كان إبنًا لمحمد ومنسوب إليه بالتبنّي.

ولقد قال الله عزّ وجلّ في آية (٣٧): "لِكَىۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٌ فِىٓ أَزۡوَاجِ أَدۡعِيَآٮِٕهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡہُنَّ وَطَرًا".

في هذه الآية ذكر الله تعالى فئة خاصَّة من الناس وهُم فئة "المؤمنين"، ولم يذكر جميع الناس، فليس جميع الناس هم مؤمنون ولديهم أدعياء يُلازمونهم بهدف تعلَّم رسالة الله، مِمّا يدلّنا بل يُثبت لنا أنَّ الأدعياء هُم الشباب أو الرجال الّذين كانوا يُلازمون الرسول والمؤمنين في زمنهم لتعلمّ القرءان، وكان زيدٌ واحدًا منهم.

إنَّ تلك الآيات في "سورة الأحزاب" لم تُحرِّمُ التبنّي وليس لها أي علاقة بموضوع التبنّي، ولكنَّها في الحقيقة أعطتنا شرعًا أحلَّت من خلاله للمؤمنين الزواج من أزواج أدعيآءِهم المؤمنات بعد طلاقِهِنَّ من أزواجهِنَّ الّذين خرجوا عن صراط الله المستقيم ولم يعودوا يرغبونَ فيهنَّ، وهذا الشرع يكون فقط في حال أراد هذا المؤمن الزواج بها، فلا يُعتبر زواجه حرامًا أمام المُجتمع.

إنَّ أمر الله جلّ في علاه أي قانونه وسّنته وشريعته الّتي وضعها وأمر بها وفرضها على محمد عليه السلام في القرءان، فرضها أيضًا في السابق "على الّذين خلَوا من قبل" أي على جميع الأمم السابقة، ولذلك قال تعالى في آية (٣٨) و(٣٩):
"مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ مِنۡ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُۖۥ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِى ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرًا مَّقۡدُورًا (٣٨) ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَـٰلَـٰتِ ٱللَّهِ وَيَخۡشَوۡنَهُ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبًا (٣٩)".

وهذا القانون والشرع أو السنّة هو قانون وشرع الله الّذي أحلَّهُ على كل مؤمن ومؤمنة وعلى جميع الأمم، لأنَّ سنة الله وشريعته وقانونه هو أمر الله، وأمر الله هو واحد للجميع، وباستطاعة الجميع أن يعملوا بِهِ، "وكان أمر الله مفعولاً". هذا يدلّنا على أنَّ الله لم يكن يُحرِّم الزواج من أزواج الأدعياء في السابق، لأنَّ سّنته وشريعته الّتي فرضها على محمد في الزواج من أزواج الأدعياء إذا قضوا منهُنَّ وطرًا، فرضها أيضًا على الّذين خَلوا من قبل (جميع الأمم السابقة)، لذلك ختم تعالى آية (٣٨) بقولِهِ:

"وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرًا مَّقۡدُورًا"، لأنَّ أمر الله هو سنّته، وسنّته هي شريعته، وشريعته كانت قدرًا مقدورًا، أي كان لها سبب وحكمة وهدف قدَّرَهُ الله سُبحانه وتعالى قبل أن يخلق السماوات والأرض.

أمّا بالنسبة لمعنى الأدعياء، فهم ليسوا الأولاد بالتبنّي ولا دخل لهم أصلاً بموضوع التبنّي من حيث مبدأ التبنّي، ولكن الأدعياء لهم علاقة بالنسب، كالإنتساب إلى غير ءآبائِهِم، أو كالإدّعاء عليهم بأبٍ آخر غير أبيهم، أو كاتهامهم في نسبهم، ودليلي على ذلك هو قول الله تعالى في أوَّل الآيات من سورة الأحزاب نفسها:

* سُوۡرَةُ الاٴحزَاب
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

يَـٰٓأَيُّہَا ٱلنَّبِىُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَـٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِينَ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ ڪَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (١) وَٱتَّبِعۡ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرًا (٢) وَتَوَڪَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ‌ۚ وَڪَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً (٣) مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلۡبَيۡنِ فِى جَوۡفِهِۦ‌ۚ وَمَا جَعَلَ أَزۡوَاجَكُمُ ٱلَّـٰٓـِٔى تُظَـٰهِرُونَ مِنۡہُنَّ أُمَّهَـٰتِكُمۡ‌ۚ وَمَا جَعَلَ أَدۡعِيَآءَكُمۡ أَبۡنَآءَكُمۡ‌ۚ ذَالِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَاهِكُمۡ‌ۖ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ يَهۡدِى ٱلسَّبِيلَ (٤) ٱدۡعُوهُمۡ لِأَبَآٮِٕهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ‌ۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَانُڪُمۡ فِى ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمۡ‌ۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡڪُمۡ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡ‌ۚ وَڪَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (٥) ٱلنَّبِىُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِہِمۡ‌ۖ وَأَزۡوَاجُهُ  أُمَّهَـٰتُہُمۡ‌ۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُہُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٍ فِى ڪِتَـٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفۡعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآٮِٕكُم مَّعۡرُوفًا ڪَانَ ذَالِكَ فِى ٱلۡڪِتَـٰبِ مَسۡطُورًا (٦).

إنّ تلك الآيات البيّنات من آية (٤) إلى (٦) من سورة الأحزاب هي تبرأة للرسول محمد، ودليل على معاملة زيد السيّئة لامرأته، ونفي لفكرة الإعتقاد السائد بأنّ الله حرّم التبنّي.

لقد قال الله عزّ وجلّ في آية (٤): "مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلۡبَيۡنِ فِى جَوۡفِهِ".
وهذا دليل على أنَّ الرسول محمد عليه السلام لم يقع في غرام أو حبّ إمرأة زيد كما يقولون في أحاديثهم وتفاسيرهم الساقطة والرخيصة والدنيئة، إفتراءً وكذبًا عليه.

وقال تعالى أيضًا في آية (٤): "وَمَا جَعَلَ أَزۡوَاجَكُمُ ٱلَّـٰٓـِٔى تُظَـٰهِرُونَ مِنۡہُنَّ أُمَّهَـٰتِكُمۡ".
وهذا دليل على أنَّ زيدًا كان يُظاهِرُ من إمرأته، أي يُعاديها أو يُعاملها بالسوء أو يُدير لها ظهرَهُ أو يتحدث بالسوء عنها أو يقف ضدَّها في الدين أو لا يعطيها أي اعتبار كزوجة لها حقوق وواجبات عنده، مختصر مفيد لم يكن يُعاملها بمودّة ورحمة، وهذه نتيجة طبيعية لأنَّهُ تزوجها فقط لكي يقضي منها وطرًا، أي تزوجها فقط من أجل حاجة وغاية أراد أن ينالها منها، والله لم يُخبرنا في تلك الآيات بالتحديد عن هذه الغاية، أو بالتفصيل عن كيفية معاملة زيد السّيئة لزوجته، ولا يهمّنا وليس من شأننا أن نعلم تفاصيل ما كان يحدث بين زيد وزوجته، فالله أخبرنا بشكل عام أنَّ زيدًا لم يكُن يتَّقِ الله في زوجته، وأنه طلَّقها بعد أن قضى منها وطرًا، ولقد أعطانا الله تعالى مثلاً لمعاملة زيد السيِّئة لزوجته في سورة المجادلة:

* سُوۡرَةُ المجَادلة
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِى تُجَـٰدِلُكَ فِى زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِىٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ (١) ٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآٮِٕهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَـٰتِهِمۡ‌ۖ إِنۡ أُمَّهَـٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰٓـِٔى وَلَدۡنَهُمۡ‌ۚ وَإِنَّہُمۡ لَيَقُولُونَ مُنڪَرًا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورًا‌ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢) وَٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِن نِّسَآٮِٕہِمۡ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّا‌ۚ ذَالِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦ‌ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَہۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّا‌ۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينًا ذَالِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ‌ۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ‌ۗ وَلِلۡكَـٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٤) إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ‌ۚ وَقَدۡ أَنزَلۡنَآ ءَايَـٰتِۭ بَيِّنَـٰتٍ وَلِلۡكَـٰفِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (٥).

* سُوۡرَةُ الاٴحزَاب
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

يَـٰٓأَيُّہَا ٱلنَّبِىُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَـٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِينَ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ ڪَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (١) وَٱتَّبِعۡ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرًا (٢) وَتَوَڪَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ‌ۚ وَڪَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً (٣) مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلۡبَيۡنِ فِى جَوۡفِهِۦ‌ۚ وَمَا جَعَلَ أَزۡوَاجَكُمُ ٱلَّـٰٓـِٔى تُظَـٰهِرُونَ مِنۡہُنَّ أُمَّهَـٰتِكُمۡ‌ۚ وَمَا جَعَلَ أَدۡعِيَآءَكُمۡ أَبۡنَآءَكُمۡ‌ۚ ذَالِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَاهِكُمۡ‌ۖ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ يَهۡدِى ٱلسَّبِيلَ (٤) ٱدۡعُوهُمۡ لِأَبَآٮِٕهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ‌ۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَانُڪُمۡ فِى ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمۡ‌ۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡڪُمۡ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡ‌ۚ وَڪَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (٥) ٱلنَّبِىُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِہِمۡ‌ۖ وَأَزۡوَاجُهُ أُمَّهَـٰتُہُمۡ‌ۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُہُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٍ فِى ڪِتَـٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفۡعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآٮِٕكُم مَّعۡرُوفًا ڪَانَ ذَالِكَ فِى ٱلۡڪِتَـٰبِ مَسۡطُورًا (٦).

وقال تعالى أيضًا في آية (٤) من سورة الأحزاب: "وَمَا جَعَلَ أَدۡعِيَآءَكُمۡ أَبۡنَآءَكُمۡ‌ۚ ذَالِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَاهِكُمۡ‌ۖ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ يَهۡدِى ٱلسَّبِيلَ"

هذه الآية هي أكبر دليل على أنَّ الله لم يكن سامحًا للأدعياء في السابق بأن يكونوا أبناءً للمؤمنين بالنسب لا في زمن الرسول ولا قبل زمن الرسول أيضًا، ولكن هذا كان قولهم وظنّهم الخاطئ بأفواههم، ولذلك أكمل الله آية (4) بقوله:
"وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ يَهۡدِى ٱلسَّبِيلَ"

وأكمل تعالى آية (٤) بآية (٥) بقوله فيها: "ٱدۡعُوهُمۡ لِأَبَآٮِٕهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ‌ۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَانُڪُمۡ فِى ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمۡ‌بهدف تبرأةً الرسول محمد عليه السلام من إنتساب زيد إليه (فزيد ليس إبن الرسول محمد من صُلبِهِ حتّى لو كانوا يدعونه بزيد ابن محمد)، وبهدف إعلامنا أنَّ هؤلآء الأدعياء كان لهم ءابآء أي نسب ينتسبون إليهم، وعلى المؤمنين أن يدعوهم بِإسم ءابآئهم لأنَّهُ أقسط عند الله، أمّا إذا لم يكونوا يعلمون من هُم ءابآؤهم أي ما هو نسبهم، فعليهم أن يتَّخذونهم إخوانًا لهم في الدين ومواليهم أي أن يتولّوا أمرهم، وإنَّ قول الله تعالى: "ٱدۡعُوهُمۡ لِأَبَآٮِٕهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ‌" هو أكبر دليل على أنَّ الموضوع ليس له دعوة بتحريم التبنّي، فالله تعالى عبَّرَ لنا عن إرادته في قوله "ٱدۡعُوهُمۡ لِأَبَآٮِٕهِمۡ"، إذًا فإنَّ إرادة الله هي أولّاً وأخيرًا تحريم إنتسابهم إلى ءابآءٍ غير ءابآئهم، لا تحريم التبنّي، وهذا واضح وضوح الشمس من الآية، فهم لهم أهل وءابآء ينتسبون إليهم.

إنَّ قول الله تعالى في آية (٤) وآية (٥) تُعطيانا الدليل المُحكم على أنَّ هؤلآء الأدعياء كان لديهم ءابآء (أب وأم) أي نسب، فإن لم يكن معلوم ءابآءهم أي نسبهم فهُم إخوان الرسول والمؤمنين في الدين ومواليهم، وهذا يدلّنا بل يؤكدّ لنا أنَّ هؤلآء الأدعياء هُم ليسوا بأطفال صغار كان الرسول والمؤمنين يتبّنونهم وينسبونهم إليهم في ذلك الزمن، فهم لهم ءابآء وكانوا إخوان الرسول والمؤمنين في الدين ومواليهم، أي كانت تربطهم بالرسول والمؤمنين رابطة الأخوّة "في الدين" الّتي هي أخوّة المؤمن للمؤمن، وكان الرسول والمؤمنون يتولَّونهم في كتاب الله، أي يفعلون إليهم معروفًا ويساندونهم وينصرونهم في كتاب الله، كما أمر الله في كتابه، ولذلك أكمل تلك الآيات بآية (٦) بقوله فيها:
"ٱلنَّبِىُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِہِمۡ‌ۖ وَأَزۡوَاجُهُ أُمَّهَـٰتُہُمۡ‌ۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُہُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٍ فِى ڪِتَـٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفۡعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآٮِٕكُم مَّعۡرُوفًا ڪَانَ ذَالِكَ فِى ٱلۡڪِتَـٰبِ مَسۡطُورًا".

وكما قال تعالى في سورة الحجرات والتوبة والشعراء ومريم:

* سُوۡرَةُ الحُجرَات
إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٌ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡ‌ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ (١٠).

* سُوۡرَةُ التّوبَة
وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٧١).

* سُوۡرَةُ مَریَم
وَإِنِّى خِفۡتُ ٱلۡمَوَالِىَ مِن وَرَآءِى وَڪَانَتِ ٱمۡرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبۡ لِى مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَ‌ۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦).

(الموالي هُم الأدعياء الّذين يتولاهم الرُسُل والمؤمنين في كتاب الله، وذلك بدعوتهم لهم إلى كتاب الله).

* سُوۡرَةُ الشُّعَرَاء
كَذَّبَتۡ قَوۡمُ نُوحٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ (١٠٥) إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّى لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) ..... كَذَّبَتۡ عَادٌ ٱلۡمُرۡسَلِينَ (١٢٣) إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّى لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) ..... كَذَّبَتۡ ثَمُودُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ (١٤١) إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ صَـٰلِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّى لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) ..... كَذَّبَتۡ قَوۡمُ لُوطٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ (١٦٠) إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّى لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢).

* سُوۡرَةُ مَریَم
فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُ ۥ‌ۖ قَالُواْ يَـٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡـًٔا فَرِيًّا (٢٧) يَـٰٓأُخۡتَ هَـٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٍ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨).

لم يُحرِّم الله التبنّي، بل على العكس، لقد سمح لنا بالتبنّي بهدف الخير، رحمةً وحكمةً منه لكل طفل صغير أو لكل ولد بحاجة إلى مساعدة إنسانية وإلى حماية، تمامًا كما حمى سُبحانهُ وتعالى يوسف وموسى عليهما السلام، والبرهان نجده في الآيات التالية:

* سُوۡرَةُ یُوسُف
وَقَالَ ٱلَّذِى ٱشۡتَرَٮٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦۤ أَڪۡرِمِى مَثۡوَٮٰهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا‌ۚ وَڪَذَالِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلۡأَرۡضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِ‌ۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَـٰكِنَّ أَڪۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ (٢١).

* سُوۡرَةُ طٰه
وَلَقَدۡ مَنَنَّا عَلَيۡكَ مَرَّةً أُخۡرَىٰٓ (٣٧) إِذۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰٓ (٣٨) أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِى ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِى ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوٌّ لِّى وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةً مِّنِّى وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِىٓ (٣٩).

* سُوۡرَةُ القَصَص
وَقَالَتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ عَيۡنٍ لِّى وَلَكَ‌ۖ لَا تَقۡتُلُوهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ (٩).

* سُوۡرَةُ الشُّعَرَاء
قَالَ أَلَمۡ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثۡتَ فِينَا مِنۡ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) ..... (٢١) وَتِلۡكَ نِعۡمَةٌ تَمُنُّہَا عَلَىَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِىٓ إِسۡرَاءِيلَ (٢٢).

إنَّ قول الله تعالى في آية (٣٧) من سورة الأحزاب: "وَتُخۡفِى فِى نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَٮٰهُ"

هو أكبر تبرأة للرسول محمد عليه السلام، لقد أخفى الرسول محمد صلوات الله عليه في نفسِهِ أمرًا، وهو زواجه من امرأة زيد، بعد أن علم من الله أنَّ زيدًا لن يَتَّقِ الله في زوجته وسوف يُطلِّقها وسوف يتزوجها هو بأمرٍ من الله، ولقد أخفى الرسول محمد هذا الأمر خشية أن يقول الناس (الكفار والمنافقين من قومِهِ) أنَّه تزوَّج زوجة زيد الّذي كان بمثابة الإبن لهُ، وخشية اتهامه بأنه هو السبب في طلاق زيد، وخشية اتهامه بأنه أراد أن يتزوَّج إمرأة زيد حُبًّا وغرامًا بها، وخشية اتهامه بأنه أمر زيدًا بأن يُطلِّقها لكي يتزوجها منه، ولذلك عندما علِم علآم الغيوب ما سوف يعتري نفس محمد وما سوف يشعر بِهِ من خشية وخجل أمام الناس عندما يأمره بالزواج من إمرأة زيد لكي يُشرِّع قانونًا للمؤمنين يختصّ بالزواج من أزواج الأدعيآء، أنزل تعالى تلك الآيات البيّنات ومنها آية (٣٧) وفيها إثبات على أنَّ الرسول أراد أن يُصلِح بين زيد وزوجته بقوله له: "أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ"، مِمّا يدلّنا على أنَّ محمدًا لم يكُن في نِيَّتِهِ أن يتزوج زوجة زيد لا قبل أن يُطلّقها زيد ولا حتّى بعدَ طلاقها من زيد، وبسبب خشية الرسول محمد عليه السلام من كلام الناس في حال تزوّج طليقة زيد، أنزل علآم الغيوب تلك الآيات البيّنات في سورة الأحزاب وذكر فيها إسم زيد تبرأةً للنبي من أقاويل الناس، وقال له في آية (١) إلى (٤) من سورة الأحزاب:

* سُوۡرَةُ الاٴحزَاب
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

يَـٰٓأَيُّہَا ٱلنَّبِىُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَـٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِينَ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ ڪَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (١) وَٱتَّبِعۡ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرًا (٢) وَتَوَڪَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ‌ۚ وَڪَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً (٣) مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلۡبَيۡنِ فِى جَوۡفِهِۦ‌ۚ وَمَا جَعَلَ أَزۡوَاجَكُمُ ٱلَّـٰٓـِٔى تُظَـٰهِرُونَ مِنۡہُنَّ أُمَّهَـٰتِكُمۡ‌ۚ وَمَا جَعَلَ أَدۡعِيَآءَكُمۡ أَبۡنَآءَكُمۡ‌ۚ ذَالِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَاهِكُمۡ‌ۖ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ يَهۡدِى ٱلسَّبِيلَ (٤).

وبسبب خشية الرسول من كلام الناس، وضع الله تعالى أيضًا آية (36) من سورة الأحزاب وأكمل بقصة زيد بِدءًا من آية (37)، بقوله:

* سُوۡرَةُ الاٴحزَاب
وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلاً مُّبِينًا (٣٦) وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِىٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِى فِى نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَٮٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٌ مِّنۡہَا وَطَرًا زَوَّجۡنَـٰكَهَا لِكَىۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٌ فِىٓ أَزۡوَاجِ أَدۡعِيَآٮِٕهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡہُنَّ وَطَرًاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولاً (٣٧).

إذا كان التبنّي مُحرَّمًا كما يدَّعي جهلاء الدين في كتب التراث الساقطة، فلماذا لم يُخبرنا الله عزّ وجلّ عن ذلك في تلك الآيات من سورة الأحزاب أو في كتابه العظيم؟

فنحن نجد من خلال آيات سورة الأحزاب أنَّ الله تعالى أعاد سنّته الّتي أنزلها في السابق "في الّذين خلَوا من قبل"، لِكَيْ يفرضها ويسُنُّها على الرسول ويُحلّلها على المؤمنين، ونجد أيضًا أنَّ الله تعالى حرَّمَ إنتساب الأدعيآء إلى الرسول وإلى المؤمنين، ولكننا لا نجد تحريم التبنّي من حيث المبدأ، وإذا كان الله عزّ وجلّ قد حرَّم التبنّي، يُصبح تحريم التبنّي شرعًا من شريعته، وبالتالي يًصبح وجوب هذا التحريم على جميع الأنبياء والرسل والأمم والناس كافَّة، وليس فقط على الرسول محمد وأمّته، وللأسف إنَّ صُنّاع الأحاديث والتراث لم يستطيعوا أن يُفرِّقوا شرعًا بين تحريم التبنّي وبين تحريم الإنتساب إلى أبٍ غير الأب الحقيقي.

لماذا حرَّمَ الله عز وجل علينا الإنتساب إلى أبٍ أو أمٍ غير أباؤنا وأمهاتنا، أو إلى نسبٍ (أب وأم) غير نسبنا؟

الجواب باختصار شديد هو، لكي لا يُصبح هناك فوضى إجتماعية تؤدّي إلى عدم معرفة الآبآء (أبًا وأمًا) أو الأخوة، هذه الفوضى تؤدّي إلى الغش والخداع، وإلى العداوة في المجتمع، وإلى أكل حقوق الناس بالباطل، وإلى إحتمالية التزاوج بين الأخوة من دون عِلم، مِمّا يؤدّي بنا إلى عدم إقامة القسط والعدل في المُجتمع، من أجل ذلك قال الله عز وجل في آية (٥):
"ٱدۡعُوهُمۡ لِأَبَآٮِٕهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ‌ۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَانُڪُمۡ فِى ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمۡ‌ۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡڪُمۡ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡ‌ۚ وَڪَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا".

إذا عدنا لقول الله تعالى في آية (٣٧): "وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِىٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ"

نجد أنَّ الله تعالى أنعم على زيد لأنه جعله من أدعياء الرسول، وإذا كان معنى الأدعياء هو الأبناء بالتبنّي وكان الله قد حرَّمَ التبنّي كما يقولون في كتبهم الباطلة، فهذا يوقعهم في خطأ فادح، فمن المستحيل أن يقبل الله (يُحِلّ) بأن ينعم على زيد في البداية ويجعله من أدعياء الرسول ويسمح (يُحِلّ) للرسول بأن يأخذ زيدًا إبنًا له بالتبنّي ويعتبر هذا التبنّي نعمةً منه لزيد وشرعًا منهُ، وفي الوقت نفسه وفي نفس الآيات يُحرمّ هذه النعمة (نعمة التبنّي) على زيد بهدف أن يسنّ شرعًا آخر فتُصبح هذه النعمة فيها كفر وإلحاد.

من خلال جميع تلك الآيات البيّنات ومن خلال منطق تلك الآيات، أستطيع أن أتوصَّل إلى قولي هذا فأقول، أنَّ قصة الأدعياء الّتي ذُكرت في سورة الأحزاب في القرءان الكريم ليس لها أيّ دعوة بموضوع التبنّي، وأنّنا إذا أخذنا موضوع الأدعياء كما أعلمنا الله عنه وكما بيَّنه لنا وربطناه بموضوع التبنّي، فأستطيع أن أعطي نفسي الحقّ بأن أقول أنَّ التبَنّي للأطفال أو الأولاد الصغار هو ليس مُحرَّمًا من حيث المبدأ إذا كان من وراءِهِ خير وحكمة وإصلاح، ولكن بشرط أن نُعرِّف المُجتمع وهؤلاء الأطفال إذا بلغوا الحُلم (عندما يُصبحون راشدين) عن نسبهم الحقيقي الّذي ينتسبونَ إليه، لأنَّه من حقّهم علينا أن نفعل ذلك، وإذا كُنّا لا نعلم نسبهم فمن حقّهم علينا أيضًا أن نُعلِمهم بذلك، أطلب من الله عزّ وجلّ أن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ولكن ما تعمَّدت قلوبنا، فعسى الله أن يغفر لنا هذا وأن يرحمنا، إنَّهُ هو الغفور الرحيم.

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا‌ۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡہَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡ‌ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَا‌ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرًا كَمَا حَمَلۡتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِنَا‌ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦ‌ۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآ‌ۚ أَنتَ مَوۡلَٮٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡڪَـٰفِرِينَ (٢٨٦).

(ونِعمَ بالله).

لماذا ذكر الله تعالى قصة زيد مع ذكر إسمِهِ في هذه القصة دونًا عن سائر الأسماء (من الّذين عايشوا الرسول في زمنه)؟

الجواب هو: لأنَّ قصة زيد من غير كتاب القرءان الكريم فيها إساءة كبيرة، أولاً لله سُبحانه وتعالى، وثانيًا لمحمد الأمين رسول الله وخاتم النبيّين، وثالثًا لزوجة الرسول، ولقد أراد الله سُبحانه وتعالى أن يُعطينا من خلال قصة زيد مثلاً نأخذ منه عبرة، وأراد أن يُبرِّأ رسوله من الأحاديث والأقاويل الكاذبة عن قصة زيد وزوجته المنسوبة إليه والّتي أساءت إليه في السابق وما زالت تُسيء إليه حتّى يومنا هذا، تمامًا كما برَّأ الله عزّ وجلّ موسى من الأحاديث والقصص والأقاويل الّتي افتراها قومه من بني إسرآءيل عليه، كمثال لذلك قصة "موسى العريان والحجر"، المأخوذة من كتب الإسرائيليات والموجودة في صحيحي بخاري ومُسلِم الفاسِقَين، ولقد وصل كفرهم وفجورهم وإساءتهم إلى الله ورسوله موسى الأمين في حديثهم هذا، إلى أن يُحرِّفوا في المعنى أو بالأحرى في الغاية من آية (٦٩) من سورة الأحزاب فيضعوا لها (كذبًا وإفتراءً على الله) أسباب نزول بهدف أن يُخفوا فجورهم ويُأكِّدوا حديثهم، فيضعوا التُهمة على الله بقولهم في حديثهم أنَّ الله أنزل هذه الآية كدليل لحديث موسى العريان والحجر، بحجة أنَّ الله برَّأ موسى مِمّا قاله بني إسرائيل عنه بواسطة هذا الحديث، ودليلهم على هذا الرسول محمد.

تعالوا معًا نقرأ هذا الحديث عن موسى العريان والحجر في صحيحَي بُخاري ومُسلم:
الحديث أخرجه البخاري في صحيحه من طريق الحسن ومحمد وخلاس عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن موسى كان رجلا حييا ستيرا، لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده: إما برص، وإما أدرة، وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرّأه ممّا قالوا، فخلا يوما وحده، فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا، فذلك قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها).

ويقولون في كتبهم الباطلة: للحديث طرق أخرى عن أبي هريرة -رضي الله عنه- حيث أخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد، وابن حبان، من طريق معمر بن راشد عن همام بن منبه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر، فذهب مرة يغتسل، فوضع ثوبه على حجر، ففرّ الحجر بثوبه، فخرج موسى في إثره يقول: ثوبي يا حجر، حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى، فقالوا: والله ما بموسى من بأس، وأخذ ثوبه، فطفق بالحجر ضربا، فقال أبو هريرة: والله إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة ضربا بالعصا".

إنَّ قصة موسى العريان والحجر هي واحدة من القصص الّتي افتروها عليه، فهناك قصص أخرى كثيرة عن موسى عليه السلام، ولقد برّأ الله عزّ وجلّ رسولهُ موسى الأمين في السابق في التوراة الّتي حُفِظت في الإنجيل (قبل أن يُحرَّف) من جميع القصص الباطلة المُفترية عليه والّتي أساءت إليه، وبرَّأهُ لاحقًا في التوراة الّتي حُفِظت في القرءان وفي كل آية من آيات القرءان الّتي ذكرها الله تعالى عنهُ إلى أن تقوم الساعة، تمامًا كما برّأ الله تعالى رسوله محمد الأمين في القرءان العظيم من قصة زيد ومن جميع القِصص الباطلة المُفترية عليه والّتي أساءت إليه، وتبرأته نراها في كل آية من آيات القرءان الكريم.

وكذلك، برّأ الله عزّ وجلّ في القرءان الكريم جميع أنبياءه ورسله، من أجل ذلك ختم تعالى هذه السورة (سورة الأحزاب) بآية (٦٩) الّتي لم يكن أسباب لنزولها كما يفترون، بل أنزلها الله تبرأةً لمحمد من الحديث (التهمة) المنسوبة إليه عن قصة زيد وامرأته، وتبرأة لموسى من أحاديث (تُهَمْ) بني إسرائيل عنه، وتبرأته أيضًا من أحاديث (تُهَمْ) بخاري ومُسلم المنسوبة إليه عن قصة إغتساله عريانًا والحجر، وعن جميع القصص الأخرى الفاسقة المُفترية عليه، وذلك بقوله تعالى فيها:

* سُوۡرَةُ الاٴحزَاب
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوۡاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيہًا (٦٩) يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلاً سَدِيدًا (٧٠) يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَـٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا (٧١) إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَہَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡہَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَـٰنُۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً (٧٢).

في النهاية، إنَّ كل شيء أو أمر ذكره الله عزّ وجلّ لنا في قصة الرسول محمد مع زيد وامرأته، علينا أن نكتفي بِهِ حتّى ولو كان في ظنِّنا ناقصًا، فلا نُزايِد عليه، أي علينا أن نأخذ بِهِ تمامًا كما أخبرنا الله تعالى في آياتِهِ، ومن دون أن نُحرِّف فيه، أي من دون أي زيادة أو نقصان على ما قاله الله وحدَّثنا بِهِ.

في الختام، أتمنّى من كل إنسان أن يتّبع فقط قول وحديث وقَصَص الله الّذي وضعه لنا في كتابه العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأنَّهُ تنزيل من حكيمٍ حميد، وأن ينبذ كتب التراث الباطلة خاصّة كتابي الصحيحين النجِسَيْنْ الأعجمِيّين بخاري ومُسلم لعنهم الله وأعدَّ لهم سعيرًا.

* سُوۡرَةُ فُصّلَت
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكۡرِ لَمَّا جَآءَهُمۡ‌ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَـٰبٌ عَزِيزٌ (٤١) لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَـٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦ‌ۖ تَنزِيلٌ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدۡ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبۡلِكَ‌ۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (٤٣) وَلَوۡ جَعَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا أَعۡجَمِيًّا لَّقَالُواْ لَوۡلَا فُصِّلَتۡ ءَايَـٰتُهُ ۥۤ‌ۖ ءَا۠عۡجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ فِىٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٌ وَهُوَ عَلَيۡهِمۡ عَمًى‌ۚ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ يُنَادَوۡنَ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٍ (٤٤) وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِ‌ۗ وَلَوۡلَا ڪَلِمَةٌ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيۡنَهُمۡ‌ۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِى شَكٍّ مِّنۡهُ مُرِيبٍ (٤٥).

98 November 14, 2016