الأمّة الواحدة في القرءان العظيم

الأمّة الواحدة في القرءان العظيم

 

السلام عليكم يا أولي الألباب.

* سورة هود
وَمَا ڪَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٍ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ (١١٧) وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ‌ۚ وَلِذَالِكَ خَلَقَهُمۡ‌ۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ (١١٩).

(١): إنَّ مشيئة الله تعالى هِيَ أن يجعل الناس أمَّةً واحدة، أي أن يجعلهم بخيارهم وبكامل إرادتهم يعيشون مع بعضهم البعض مُتَّحدين ومُتَّفقين على كلمة سواء، ودين واحد، وقانون واحد، ألا وهو دين وقانون الإسلام الّذي هو دين الإيمان بالله والعمل الصالح بهدف المحبة والسلام والإصلاح والخير في هذه الأرض وفي الجنة في الآخرة، ولكنَّ الإنسان رفض مشيئة الله واختلف مع أخيهِ الإنسان واتبع مشيئتَهُ هو وهواهُ.

في آية (١١٨)، يُعلمنا الله تعالى أنَّهُ لو شآء لجعل جميع الناس أمة واحدة أي لأعطاهم الفرصة في هذه الأرض أن يفعلوا الخير والإصلاح لِكَي لا يُعذِّبَهُم في الدنيا والآخرة، ولكي تكون لهم الجنة في الآخرة، ولكن حتى لو شآء الله أن يجعلهُم أمَّةً واحدة فلن تنفعُهُم مشيئَتَهُ لأنهم لن يأخُذوا أو يعملوا بِها لأنهم لا يزالون مُختلفين، أي سوف يبقون مُستمرّين في خلافهم مع بعضهم البعض بغيًا وتكبُّرًا بينهم في هذه الحيواة الدنيا وفي الجنة في الآخرة، مِمّا سوف يؤدّي بِهم إلى الشر والظلم والفساد في الأرض وفي الآخرة.

باختصار مُفيد، يريد الله تعالى أن يُخبرنا من خلال هذه الآية أنَّهُ حتّى لو شآء أن يجعل الناس أمَّةً واحدة لِكَيْ يُدخِلُهُم جميعًا الجنة فسوف يبقون ويُصِرّون على اختلافِهِم فيرفضوا أن يتّبعوا دينه وقانونه الّذي وضعهُ لهم، إذًا فالتَّكبُّر الّذي أدّى إلى الشر والظلم والفساد في الأرض هو من الإنسان وليس من الله، وعلى الإنسان أن يتحملّ مسؤلية أعمالِهِ وقراراتِهِ كاملة إلى يوم القيامة.
 

(٢): إذا ضربنا آيات سورة هود ببعضها:

سورة هود
فَلَا تَكُ فِى مِرۡيَةٍ مِّمَّا يَعۡبُدُ هَـٰٓؤُلَآءِ‌ۚ مَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبۡلُ‌ۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمۡ نَصِيبَہُمۡ غَيۡرَ مَنقُوصٍ (١٠٩) وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡڪِتَـٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِ‌ۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيۡنَہُمۡ‌ۚ وَإِنَّہُمۡ لَفِى شَكٍّ مِّنۡهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّہُمۡ رَبُّكَ أَعۡمَـٰلَهُمۡ‌ۚ إِنَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١) فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْ‌ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢) وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَڪُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (١١٣) وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّہَارِ وَزُلَفًا مِّنَ ٱلَّيۡلِ‌ۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَـٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ‌ۚ ذَالِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ (١١٤) وَٱصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (١١٥) فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنۡہَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلاً مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡ‌ۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ (١١٦) وَمَا ڪَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٍ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ (١١٧) وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ‌ۚ وَلِذَالِكَ خَلَقَهُمۡ‌ۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ (١١٩).

نجد من خلال تلك الآيات البّينات أنَّ الله تعالى يدعونا إلى إقامة الإصلاح والنهي عن الفساد، أي يدعونا إلى إقامة الصلواة بتطبيق كتابِهِ، ويُعلِمنا أنَّ الإختلاف، أي عدم اتّباع قانون الخير والعدل، واتّباع قانون الشر والظلم والفساد في الأرض هو مشيئة الإنسان وخيارُهُ وليس مشيئة الله، كما أخبرنا تعالى أيضًا في:

* سورة الروم
ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِى ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ (٤١) قُلۡ سِيرُواْ فِى ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلُ‌ۚ كَانَ أَڪۡثَرُهُم مُّشۡرِكِينَ (٤٢).

* سُوۡرَةُ الحَجّ
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَـٰبٍ مُّنِيرٍ (٨) ثَانِىَ عِطۡفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ‌ۖ لَهُ فِى ٱلدُّنۡيَا خِزۡىٌ وَنُذِيقُهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ (٩) ذَالِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلۡعَبِيدِ (١٠).

* سُوۡرَةُ الشّوریٰ
وَمَآ أَصَـٰبَڪُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٍ (٣٠).
 

(٣): إنَّ الدليل المؤكدّ على أنَّ الناس لا يزالون مُختلِفين في هذه الحيواة الدنيا وفي الآخرة حتّى لو شآء الله تعالى أن يكونوا جميعًا أمَّةً واحدة، وحتّى لو شآء تعالى أن يغفر لهم ويُعطيهم فرصة ثانية فيدخلهم جميعًا الجنة في الآخرة، نجده في:

* سورة يونس
وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلَّآ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخۡتَلَفُواْ‌ۚ وَلَوۡلَا ڪَلِمَةٌ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيۡنَهُمۡ فِيمَا فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ (١٩).

* سورة البقرة
كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ‌ۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَـٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡ‌ۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦ‌ۗ وَٱللَّهُ يَهۡدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسۡتَقِيمٍ (٢١٣).

لقد خلق الله تعالى آدم، أي الخلق الأول من البشر ذكورًا وإناثًا، وجعلهم جميعًا أمَّةً واحدةً، أي مؤمنين بِهِ وبأسمآئِهِ، أي بِعِلمِهِ الّذي وضعهُ لهُم في آياتِهِ منذ بداية خلقهم، تمامًا كما خلق الله تعالى عيسى عليه السلام وجعله مؤمنًا بالإنجيل منذ بداية خلقه وهو في المهد، وهذا يعني أنَّ الله تعالى عندما خلق الناس في البداية جعلهم أمَّةً واحدة، وكان جميع هؤلآء البشر يعيشون مع بعضهم البعض في هذه الأرض بالإصلاح من خلال قانون ودين واحد ألا وهو قانون ودين الله عزَّ وجلّْ، ولذلك كانت هذه الأرض في بداية خلق الإنسان جنة، ولكنهم بعد ذلك اختلفوا مِمّا أدى بهم إلى العيش بالعداوة والبغضاء مع بعضهم البعض، وبدلاً من أن تكون هذه الجنة أرضًا للسلام أصبحت أرضًا للشقاء، أي للظلم والفساد، وبدلاً من أن يعيش الإنسان فيها في أحسن تقويم هبط وتدنّى مُستواهُ الإنساني والمَعيشي وأصبح في أسفل سافلين، وهذا كان السبب الأول والأخير لأن يضع الله تعالى كلمته، أي مشيئته بالحقّ والعدل كفرصة للإنسان للتوبة ولدخوله الجنة في الآخرة، وهي الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربِّهِ فتاب عليه، أي هي الكلمات الّتي تلقّاها الإنسان من الله عزَّ وجلّْ للإستغفار والتوبة، وهذه الكلمات هي كلمة الرحمة الّتي كتبها الله تعالى على نفسِهِ كفرصة للإنسان للتوبة ودخول الجنة، وهي أن يبعث بالنبيين ومعهم الكتاب والهُدى مبشرّين بالجنة الإنسان الّذي يريد أن يتوب (أي آدم التواب)، ومُنذرين بجهنم الإنسان الّذي لا يُريد أن يتوب (أي إبليس أو الشيطان المطرود من الجنة)، بِهدفِ أن يعيش هذا الإنسان مرة أخرى وأن ينعم بالخير والسلام الأبدي في الآخرة، كما أخبرنا تعالى في عدة سُوَر منها:

* سورة البقرة
وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِينَ (٣٤) وَقُلۡنَا يَـٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَـٰنُ عَنۡہَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ‌ۖ وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمۡ فِى ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرٌّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَـٰتٍ فَتَابَ عَلَيۡهِ‌ۚ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (٣٧) قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡہَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡہِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ (٣٨) وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَـٰتِنَآ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِ‌ۖ هُمۡ فِيہَا خَـٰلِدُونَ (٣٩).

* سورة الأنعام
وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَـٰتِنَا فَقُلۡ سَلَـٰمٌ عَلَيۡكُمۡ‌ۖ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ‌ۖ أَنَّهُ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوٓءَۢا بِجَهَـٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٥٤) وَكَذَالِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأَيَـٰتِ وَلِتَسۡتَبِينَ سَبِيلُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ (٥٥).

* سورة الأنبياء
وَلَقَدۡ ڪَتَبۡنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّـٰلِحُونَ (١٠٥) إِنَّ فِى هَـٰذَا لَبَلَـٰغًا لِّقَوۡمٍ عَـٰبِدِينَ (١٠٦) وَمَآ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةً لِّلۡعَـٰلَمِينَ (١٠٧).

في تلك الآيات البّينات من سورة الأنبياء، نجد أنَّ الله تعالى أرسل الرسول محمد عليه السلام رحمة للعالمين، لأنَّهُ تعالى أرسلَهُ بالكتاب أي بالزبور، وكتَب، أي حكَمَ فيه أنَّ الإنسان الصالح هو فقط الّذي سوف يرِثُ الأرض، أي الجنة في الآخرة، إذًا فإنَّ الرحمة من إرسال الرسول محمد عليه السلام للعالمين هي لِإصلاح جميع الناس ولهدايتهم بالقرءان بهدف إدخالهم الجنة في الآخرة.
 

(٤): * سُوۡرَةُ هُود
وَمَا ڪَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٍ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ (١١٧) وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ‌ۚ وَلِذَالِكَ خَلَقَهُمۡ‌ۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ (١١٩).

تلك الآيات في سورة هود فيها جواب لِكُل إنسان يسأل: لماذا لم يخلق الله تعالى جميع الناس في هذه الأرض مُصلِحين ومؤمنين؟
وفيها أيضًا جواب لِكُل إنسان يسأل: لماذا لا يغفر الله تعالى لجميع الناس يوم الحساب فيُدخلهم الجنة في الآخرة؟
 

(٥): الجواب واضح وتجدونهُ في الآيات السابقة من سورة يونس والبقرة الّتي ذكرتها لكم بقول الله تعالى في آية (١٩) من سورة يونس:
"وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلَّآ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخۡتَلَفُواْ‌"

وبقولِهِ في آية (٢١٣) من سورة البقرة:
"كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ‌ۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَـٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡ‌".

وبِقولِهِ في آيات سورة البقرة من آية (٣٤) إلى (٣٩):
وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِينَ (٣٤) وَقُلۡنَا يَـٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَـٰنُ عَنۡہَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ‌ۖ وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمۡ فِى ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرٌّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَـٰتٍ فَتَابَ عَلَيۡهِ‌ۚ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (٣٧) قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡہَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡہِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ (٣٨) وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَـٰتِنَآ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِ‌ۖ هُمۡ فِيہَا خَـٰلِدُونَ (٣٩).

وتجدون أيضًا الجواب واضح في آية (١١٨) من سورة هود بقول الله تعالى فيها:
"وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ"
 

(٦): لقد خلقنا الرَّحمن لكي يرحمنا، أي لكي يُعطينا حيواة مليئة بالخير والسلام، ولم يخلقنا لكي يُعطينا حيواة مليئة بالشر والظلم والفساد، ولذلك قال تعالى في آية (١١٩) من سورة هود:
"إلاَّ من رحِمَ ربُّكَ ولذلك خلقهُم"
 

(٧): وأكمل تعالى هذه الآية بقولِهِ:
"وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ"، لأنَّ كلمة الله كما ذكرتُ لكم في آية (٣٧) إلى (٣٩) من سورة البقرة هي الهُدى أي كتابُهُ أي قانونُهُ.
فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَـٰتٍ فَتَابَ عَلَيۡهِ‌ۚ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (٣٧) قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡہَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡہِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ (٣٨) وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَـٰتِنَآ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِ‌ۖ هُمۡ فِيہَا خَـٰلِدُونَ (٣٩).
 

(٨): * سورة الشورى
حمٓ (١) عٓسٓقٓ (٢) كَذَالِكَ يُوحِىٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (٣) لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِ‌ۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِىُّ ٱلۡعَظِيمُ (٤) تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَاتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّ‌ۚ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّہِمۡ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِى ٱلۡأَرۡضِ‌ۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ (٥) وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِيَآءَ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيۡہِمۡ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡہِم بِوَكِيلٍ (٦) وَكَذَالِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَتُنذِرَ يَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ لَا رَيۡبَ فِيهِ‌ۚ فَرِيقٌ فِى ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى ٱلسَّعِيرِ (٧) وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمۡ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن يُدۡخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رَحۡمَتِهِۦ‌ۚ وَٱلظَّـٰلِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِىٍّ وَلَا نَصِيرٍ (٨) أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِيَآءَ‌ۖ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡوَلِىُّ وَهُوَ يُحۡىِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىۡءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِيهِ مِن شَىۡءٍ فَحُكۡمُهُ إِلَى ٱللَّهِ‌ۚ ذَالِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّى عَلَيۡهِ تَوَڪَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ (١٠) فَاطِرُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ‌ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَاجًا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَـٰمِ أَزۡوَاجًا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِ‌ۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَىۡءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ‌ۖ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُ‌ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىۡءٍ عَلِيمٌ (١٢) شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًا وَٱلَّذِىٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦۤ إِبۡرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ‌ۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ‌ۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِ‌ۚ ٱللَّهُ يَجۡتَبِىٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَہۡدِىٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ (١٣) وَمَا تَفَرَّقُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَہُمۡ‌ۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِىَ بَيۡنَہُمۡ‌ۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِى شَكٍّ مِّنۡهُ مُرِيبٍ (١٤) فَلِذَالِكَ فَٱدۡعُ‌ۖ وَٱسۡتَقِمۡ ڪَمَآ أُمِرۡتَ‌ۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ‌ۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن ڪِتَـٰبٍ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُ‌ۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡ‌ۖ لَنَآ أَعۡمَـٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَـٰلُڪُمۡ‌ۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ‌ۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَا‌ۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ (١٥).

في آية (٨) من سورة الشورى، نجد أنَّ الله تعالى لو شآء لجعل الناس أمَّةً واحدة، أي لجعلهم يؤمنون بدينٍ واحد لِكَيْ يُدخِلُهُم جميعهم الجنة، ولكنَّهُ حتّى لو شآء ذلك فهو سُبحانه يعلم أنَّ الظالمين لن يتّبعوا دينه وسوف يختلفون، وأنّهم لن يتوبوا عن فعل الظلم والفساد لا في هذه الأرض ولا في أرض الجنة في الآخرة، لذلك فإنَّ إرادتَهُ ومشيئَتَهُ هي أن يُدخل فقط الإنسان الصالح الجنة.

وإذا تابعنا بتدبرّ آيات سورة الشورى من آية (١) إلى (١٥)، نجد من خلال تلك الآيات البّينات أنَّ معنى ومفهوم الأمّة الواحدة هو اتّباع دين واحد وشريعة واحدة أنزلها الله تعالى وشرعها على جميع أنبيآئِهِ ورُسُلِهِ بهدف أن يعيش الناس مع بعضهم البعض بالخير والمحبة والسلام فيدخلوا جميعهم الجنة في الآخرة، ونجد أنَّ الظالمين هُم الّذين رفضوا مشيئة الله واتّباعهم لِدينِهِ الواحد وتفرَّقوا فيه بغيًا بينهم واختلفوا وصنعوا أديانًا ومذاهب أرضية باطلة، واتّبعوا أوليآء فأشركوا بالله. تلك الآيات تُعطينا الدليل القاطع على عدم وجود أديان ومذاهب مُختلفة، وتؤكِّد لنا أنَّ رسالات الله الّتي أنزلها على جميع أنبياءِهِ ورُسُلِهِ هي رسالات واحدة، وهِيَ دينُهُ، أي شريعتُهُ الواحدة الّتي شَرَعَها لجميع الأمم من دون إستثناء.

ودمتم على الإيمان وعلى اتّباع القرءان الحكيم الذي من خلاله نكون أمّة واحدة.

141 November 14, 2016