تفسير آية (١٣) في سورة الرعد من خلال أحسن التفسير

 

تفسير آية (١٣) في سورة الرعد من خلال أحسن التفسير

 

السلام على من اتّبع أحسن التفسير

* سُوۡرَةُ الرّعد
وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِہَا مَن يَشَآءُ وَهُمۡ يُجَـٰدِلُونَ فِى ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ (١٣).

* سُوۡرَةُ الرّعد
سَوَآءٌ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّيۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّہَارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّبَـٰتٌ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِہِمۡ‌ۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٍ سُوٓءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ (١١) هُوَ ٱلَّذِى يُرِيڪُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِہَا مَن يَشَآءُ وَهُمۡ يُجَـٰدِلُونَ فِى ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ (١٣) لَهُ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّ‌ۖ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىۡءٍ إِلَّا كَبَـٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَـٰلِغِهِۦ‌ۚ وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَـٰفِرِينَ إِلَّا فِى ضَلَـٰلٍ (١٤) وَلِلَّهِ يَسۡجُدُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعًا وَكَرۡهًا وَظِلَـٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأَصَالِ (١٥).

إخواني الكرام، إذا تدبرَّتَم آيات سورة الرعد من آية (١٠) إلى (١٥) وضربتوها ببعضها، تجدوا من خلالها تفصيلاً وتبيانًا لمعنى آية (١٣).

آية (١٠) و(١١): "سَوَآءٌ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّيۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّہَارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّبَـٰتٌ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُ  مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِہِمۡ‌ۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٍ سُوٓءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ".

في تلك الآيتين البيِّنتين يُعلمنا الله تعالى أنَّهُ يعلم ما في نفس كل إنسان، أي يعلم ما نقول في السِّر، وما نقول في العلن، وما نفعل من أعمال في الّيل (في الخفاء)، وما نفعل من أعمال في النهار (على الملأ)، وإنَّ كل عمل سئ نقوم بِهِ سوف يُحاسبنا الله عز وجل عليه في الدنيا والآخرة، ولا يستطيع أحد أن يرُدَّ عذاب الله، لأنَّه وكما قال تعالى في آية (١١):
"..... وإذا أراد بقومٍ سوءًا فلا مردَّ لهُ  ما لهُم من دونِهِ من والٍ".

إنَّ هذا السوء هو للقوم الّذين يقومون بفعل السيِّئات في السرّ والعلن، وفي الّيل والنهار، وهُم يظنون أنَّ الله لا يعلم سِرَّهم ونجواهم، لذلك أكمل الله عزّ وجلّ بقولِهِ لهؤلآء في آية (١٢):
"هُوَ ٱلَّذِى يُرِيڪُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ".
هذه الآية هي تحذير وإنذار من الله عزّ وجلّ بالعذاب، لكي يُنبِّهنا منه فيُبعِدنا عنهُ.

في آية (١٢)، أراد الله تعالى أن يُعلمنا بأنَّهُ يُرينا آية العذاب أي دليلاً لعذابِهِ، فهو سُبحانه يستطيع أن يُرينا إيّاهُ بواسطة البرق، فالبرق هو عبارة عن عذاب يُرسله الله، أي هو عبرة وإثبات لعذاب الله، لأنّهُ هو سُبحانهُ وحده الّذي يستطيع أن يتحكَّم في الطبيعة ويُسيِّرُها كما يشآء، فيُرينا إيّاها كعبرة لنا لكي نتَّعِظ فنتوب عن فِعْل السئّات لكي لا يُعذِّبنا في الدنيا والآخرة.

إذًا إنَّ رؤيتنا للبرق وللسحاب الثقال فيه هدفين لا ثالث لهما، الهدف الأول هو إنذار وتحذير من الله لكي نخاف ونحذر عذابه في الدنيا والآخرة فنبتعد عن طريق الشرّ في الدنيا وعن طريق جهنم في الآخرة، والهدف الثاني فيه رحمة من الله لنا لكي نأخذ الخير منه في الدنيا، أي لكي نطمع بخير الله الّذي هو السلام والإصلاح في الدنيا، ولكي نطمع بخير الله أي في دخولنا دار السلام وأرض الإصلاح في جنة في الآخرة.

إذًا البرق والسحاب الثقال فيه إفادة للأرض لأنه يستطيع تعالى بواسطته أن يُنزلّ الماء فيُحيي الأرض، وبالتالي الإنسان، وفيه العذاب الّذي في البرق وفي السحاب الثقال والّذي يستطيع تعالى بواسطته أن يُغرِق ويُهلِك الأرض، وبالتالي الإنسان.

ولذلك أكمل الله تعالى بآية (١٣):
"وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِہَا مَن يَشَآءُ وَهُمۡ يُجَـٰدِلُونَ فِى ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ".

لقد أكمل الله تعالى بهذه الآية لكي يُعلمنا بأنَّه هو الّذي يُرسل بعذابه البرق والرعد والصواعق، فيُصيب بها (أي يُعذِّب بها) من يشآء، أي الظالمين والمجرمين والّذين ذكرهم الله في الآيات السابقة، لأنَّ مشيئته هي أن يُعذِّب الإنسان الظالم والفاسد، الّذي يُجادل في الله والّذي يكفر بالله والّذي يُشرك بالله فيتّبع أديانًا باطلة بظنه أنَّ دينه هذا هو دين الحق وسوف يشفع له في الآخرة مهما عمل من سيِّئات في هذه الأرض، ولذلك أكمل هذه الآية بقولِهِ:
"..... وَهُمۡ يُجَـٰدِلُونَ فِى ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ".

وأكمل أيضاً بالآية الّتي تليها بآية (١٤) بقوله:
"لَهُ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّ‌ۖ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىۡءٍ إِلَّا كَبَـٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَـٰلِغِهِۦ‌ۚ وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَـٰفِرِينَ إِلَّا فِى ضَلَـٰلٍ".

إنَّ قول الله تعالى في آية (١٣):
"وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِہَا مَن يَشَآءُ.....".
له معنى مجازي، يُعلمنا من خلاله أنَّ الملآئكة والرعد يُسبحون بحمده، أي يخافون عذابه فيُطيعونه، أي يفعلون ما يؤمرون في كل أمر يأمرهم الله تعالى بِهِ.

ومثلاً لهذه الطاعة، هو قبولهم بتسيير الله لهم بتعذيبهم للقرى الظالمة وللناس، وذلك من خلال إرساله الصواعق بواسطة الرعد والملآئكة، ولذلك علينا أن نخشاهم، وفي الحقيقة علينا أن نخشى الله أولاً وأخيرًا، لأنَّ البرق والملآئكة يسجدون لله، أي يعملون بأمره جلَّ في علاه.

لقد أراد الله تعالى من خلال هذه الآية أن يُعطينا عبرة، بأنَّ الرعد (قوة الطبيعة)، والملآئكة (أقوى خلقه) يفعلون ما يؤمرون، أمّا الإنسان (أضعف خلق الله) لا يخاف الله ولا يُسبِّح الله (أي لا يعمل بما يأمره الله)، وأراد أيضًا أن يُعلمنا تعالى أنّه خلق الرعد، والملآئكة، والبرق، والسحاب الثقال، كوسيلة من الوسائل الّتي يستطيع تعالى أن يُعذِّب بواسطتها الظالمين، بهدف أن ينتهوا عن فعل الشر ويتّجهوا لفعل الخير، لذلك أكمل تعالى بآية (١٥):

"وَلِلَّهِ يَسۡجُدُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعًا وَكَرۡهًا وَظِلَـٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأَصَالِ".
الهدف من هذه الآية هو أن يُعلمنا أنَّ جميع ما خلق تعالى في السماوات والأرض من مادّة، ومن ملآئِكة، ومن نبات، وشجر، ودوابّ، ونجوم، وكواكب، يسجد له "طوعًا وكرهًا"، أي بخيارهم وقبولهم بتسيير الله لهم، أي بفعلهم ما يأمرهم الله تعالى به.

هذه الآية هي عبرة لجميع الناس، أنَّ كل ما خلق الله تعالى يسجد له أي يُطيعه، إلاَّ الإنسان، فلا يسجد له ولا يقبل بل يرفض بكامل إرادته تسيير الله له، لأنه يُريد ويرغب بكامل إرادته وقواه العقلية بتسيير مُجتمعه ودينه الباطل له.

إخواني الأعزّاء، اقرأوا قول الله جلّ وعلا في الآيات التالية:

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
أَوۡ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَـٰتٌ وَرَعۡدٌ وَبَرۡقٌ يَجۡعَلُونَ أَصَـٰبِعَهُمۡ فِىٓ ءَاذَانِہِم مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ‌ۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَـٰفِرِينَ (١٩) يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَـٰرَهُمۡ‌ۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡہِمۡ قَامُوا وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَـٰرِهِمۡ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىۡءٍ قَدِيرٌ (٢٠).

* سُوۡرَةُ الرُّوم
وَمِنۡ ءَايَـٰتِهِۦ يُرِيڪُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحۡىِۦ بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآ‌ۚ إِنَّ فِى ذَالِكَ لَأَيَـٰتٍ لِّقَوۡمٍ يَعۡقِلُونَ (٢٤).

إذاً الله عزّ وجلّ هو الّذي يتحكمّ في الرعد، والسحاب الثقال، والبرق، والملآئكة، أي في كل عنصر من عناصر الخلق والطبيعة، وهم في الحقيقة عبرة لعذاب الله الّذي يستطيع أن يُرسله على من يشآء، أو أن يصرفه عن من يشآء.

هذا ما بيَّنه الله تعالى لنا أيضًا في الآيات التالية من سورة النور:

* سُوۡرَةُ النُّور
أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَـٰٓفَّـٰتٍ كُلٌّ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسۡبِيحَهُ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ‌ۖ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ (٤٢) أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزۡجِى سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيۡنَهُ ثُمَّ يَجۡعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَـٰلِهِۦ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيہَا مِنۢ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ وَيَصۡرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ‌ۖ يَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ يَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَـٰرِ (٤٣) يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ‌ۚ إِنَّ فِى ذَالِكَ لَعِبۡرَةً لِّأُوْلِى ٱلۡأَبۡصَـٰرِ (٤٤).

ودمتم إخواني الكرام على تسبيح الله، أي السجود لله، أي إقامة الصلاة لله من خلال آياته العظيمة، أي نشر الخير والإصلاح في مسجد الله، (الأرض)، ومحاربة الظلم والفساد.

138 November 14, 2016