تبيان معنى "زُينّ للناس حبّ الشهوات" في سورة آل عمران

 

تبيان معنى "زُينّ للناس حبّ الشهوات" في سورة آل عمران

 

السلام على من أراد أن يتّقي الله ويبتعد عن حبّ الشهوات.

* سُوۡرَةُ آل عِمرَان
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَـٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ وَٱلۡحَرۡثِ‌ۗ ذَالِكَ مَتَـٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا‌ۖ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ (١٤) قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٍ مِّن ذَالِڪُمۡ‌ۚ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٌ تَجۡرِى مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضۡوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ‌ۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ (١٥).

إخواني الكرام، هل المقصود بآية: "زُيِّنَ للناسِ حب الشهوات" هم الرجال والنساء على حدٍّ سواء؟ نعم القصود هُمْ الرجال والنساء.

ولكن السؤال هنا، ما هو حُبّْ الشهوات الّذي زُيِنَ للناس؟ الجواب هو: "مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَـٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ وَٱلۡحَرۡثِ‌ۗ".

ومن هُمُ فئة الناس الّذين زُيِّنَ لهم حُبّْ جميع تلك الشهوات؟ الجواب: هُم الناس الّذين لا يتَّقونَ الله، بسبب شهواتهم وحُبِّهم للحيواة الدنيا.

إذًا نستطيع أن نفهم من هذه الآية أنّ الشهوات هي ليست فقط من النساء، ولكنها أيضًا جميع الشهوات المذكورة في هذه الآية، لذلك بدأ الله تعالى هذه الآية بقوله: "زُيّن للناس"، أي من النساء والرجال.

هل كلمة "من النِساء" مقصود بها الشهوات الجنسية؟ الجواب هو: أجل، ولكن كلمة "من النساء" هِيَ سلبية على الرجل وليست في صالحه، بينما هي إعطاء النساء قيمتهن في الحياة، بمعنى أنهن لسن للشهوات، ولقد خصَّصها الله تعالى لِكُلّ رجُل لا يتَّقي الله ويبتغي زينة الحيواة الدنيا، لأنَّ الرجُل الّذي لا يتَّقي الله ينظر للمرأة كشهوة جنسية.
لقد أراد الله تعالى من خلال هذه الآية أن يَحُثّ الرجال على التقوى وإلى احترامهم للنساء، لِكَيْ لا يَنظُروا إليهنّ من خلال شهواتهم الجنسية، أي لِكَيْ لا ينظروا إلى المرأة على أساس أنّها شهوة جنسية خلقها الله من أجل إرضاء غريزتهم.

ولذلك أكمل الله تعالى آية (١٤) بآية (١٥) بقولِهِ:

"قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٍ مِّن ذَالِڪُمۡ‌ۚ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٌ تَجۡرِى مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضۡوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ‌ۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ"

هذه الآية الكريمة تُثبت لنا أنَّ الّذي "زُيِّنَ لهُ حب الشهوات من النساء" هو في الحقيقة إنسان (ذكر) لا يتَّقي الله، وكذلك فإنّ الذي زُيّن له حبّ الشهوات "من ٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَـٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ وَٱلۡحَرۡثِ‌ۗ" هو أيضًا إنسان (ذكر أو أُنثى) لا يتّقي الله.

وإنّ قول الله تعالى: "لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٌ تَجۡرِى مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضۡوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ‌"، هو أكبر دليل على أنّ الناس في الجنّة لن يتّبعوا "حبّ الشهوات" التي دفعت أكثر الناس وأدّت بهم إلى الظلم والفساد والفواحش في أرض الحياة الدنيا، لذلك سوف تكون أرض الجنة أرضًا طاهرة وسوف يكون فيها أزواج، أي أنواع مُطهّرة، وكُلّْ ما سوف يخلقه الله تعالى فيها لن يلحقه الفساد، ولذلك سوف يرضى الله تعالى عن جميع الناس ذكورًا كانوا أم إناثًا. هذا ما بيّنه الله تعالى بقوله: "ورضوان من الله".

نجد الدليل أيضًا على طهارة أرض الجنّة في سورة البقرة والنساء:

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أَنَّ لَهُمۡ جَنَّـٰتٍ تَجۡرِى مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ‌ۖ ڪُلَّمَا رُزِقُواْ مِنۡہَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزۡقًا قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِى رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُ‌ۖ وَأُتُواْ بِهِۦ مُتَشَـٰبِهًا وَلَهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمۡ فِيهَا خَـٰلِدُونَ (٢٥).

* سُوۡرَةُ النِّسَاء
وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٍ تَجۡرِى مِن تَحۡتِہَا ٱلۡأَنۡہَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيہَآ أَبَدًا‌ۖ لَّهُمۡ فِيہَآ أَزۡوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدۡخِلُهُمۡ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧).

إنَّ تلك الآيتان في سورة آل عمران هما عِلْم نفس لِكُلّ إنسان يعيش من خلال أهواءِهِ (حبّ الشهوات)، لأنّ الهوى هو الذي يؤدّي بالإنسان إلى اتّباع أديان (قوانين) خبيثة، وبالتالي إلى الظلم والفساد والفواحش، وهما أيضًا حثّْ ودافع لِكُلّْ إنسان يتّبع شهواته (معصية الله وفعل الشرّ) إلى التوبة وتطهير نفسِهِ، لكي يستطيع أن يعيش بطهارة في أرض الجنة.

في الختام أريد أن أبيّن معنى الأزواج المطهّرة من القرءان العظيم.

إخواني الكرام، أرجوا منكم ان تقرأوا وتتابعوا الآيات التالية بتدبرّ شديد.
سوف أبدأ بسورة القيامة والنجْم:

* سُوۡرَةُ القِیَامَة
أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَن يُتۡرَكَ سُدًى (٣٦) أَلَمۡ يَكُ نُطۡفَةً مِّن مَّنِىٍّ يُمۡنَىٰ (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ (٣٨) فَجَعَلَ مِنۡهُ ٱلزَّوۡجَيۡنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ (٣٩).

آية (39) من سورة القيامة: "... الزوجين الذكر والأنثى" = النوعين الذكر والأنثى.

* سُوۡرَةُ النّجْم
وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوۡجَيۡنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰ (٤٥) مِن نُّطۡفَةٍ إِذَا تُمۡنَىٰ (٤٦).

آية (45) من سورة النجم: "وأنّه خلق الزوجين الذكر والأنثى" = النوعين الذكر والأنثى.

وسوف أنتقل إلى سورة محمد والنحْل والبقرة:

* سُوۡرَةُ محَمَّد
مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَ‌ۖ فِيہَآ أَنۡہَـٰرٌ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٍ وَأَنۡہَـٰرٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُ وَأَنۡہَـٰرٌ مِّنۡ خَمۡرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّـٰرِبِينَ وَأَنۡہَـٰرٌ مِّنۡ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمۡ فِيہَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغۡفِرَةٌ مِّن رَّبِّہِمۡ‌ۖ كَمَنۡ هُوَ خَـٰلِدٌ فِى ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمۡعَآءَهُمۡ (١٥).

* سُوۡرَةُ النّحل
وَٱللَّهُ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِہَآ‌ۚ إِنَّ فِى ذَالِكَ لَأَيَةً لِّقَوۡمٍ يَسۡمَعُونَ (٦٥) وَإِنَّ لَكُمۡ فِى ٱلۡأَنۡعَـٰمِ لَعِبۡرَةً نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهِۦ مِنۢ بَيۡنِ فَرۡثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآٮِٕغًا لِّلشَّـٰرِبِينَ (٦٦) وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلۡأَعۡنَـٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَڪَرًا وَرِزۡقًا حَسَنًا‌ۗ إِنَّ فِى ذَالِكَ لَأَيَةً لِّقَوۡمٍ يَعۡقِلُونَ (٦٧) وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحۡلِ أَنِ ٱتَّخِذِى مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعۡرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِى مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ فَٱسۡلُكِى سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِّلنَّاسِ‌ۗ إِنَّ فِى ذَالِكَ لَأَيَةً لِّقَوۡمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩).

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أَنَّ لَهُمۡ جَنَّـٰتٍ تَجۡرِى مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ‌ۖ ڪُلَّمَا رُزِقُواْ مِنۡہَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزۡقًا قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِى رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُ‌ۖ وَأُتُواْ بِهِۦ مُتَشَـٰبِهًا وَلَهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمۡ فِيهَا خَـٰلِدُونَ (٢٥).

آية (25) من سورة البقرة:: "... ڪُلَّمَا رُزِقُواْ مِنۡہَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزۡقًا قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِى رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُ‌ۖ وَأُتُواْ بِهِۦ مُتَشَـٰبِهًا..." = كلّما رُزقوا من الماء واللبن والخمر والعسل... في الجنّة، "قالوا هذا الذي رُزقنا من قبل" = من آية (65) إلى آية (69) من سورة النحْل: الماء واللبن والسَكرْ (الخمر) والعسل في الأرض.

"... وأُتوا به متشابهًا..." = الماء واللبن والخمر والعسل في الجنّة = الماء واللبن والسَكرْ (الخمر) والعسل في الأرض.
نفس الخيرات في الأرض = نفس الخيرات في الجنّة.

آية (25) من سورة البقرة: "... وَلَهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ..." = آية (15) من سورة محمد: "... ولهم فيها من كلّ الثمرات..."

أزواج مطهّرة = أنواع مطهرّة من الأكل والشرب والثمرات، إلخ... وليس من النساء كما تقول كتب الأحاديث الخبيثة، لقد جعل السلف الطالح وأئمّة الكفر والضلالة جنّة الله الطاهرة أماكن للدعارة، تعالى الله عمّا يصفون، إن شاء الله جهنّم لهم بالمرصاد.

آيات مُحكمات مُفصّلات ومُبيّنات لا جدال فيها.

أتمنّى من كلّ إنسان يُريد أن يعيش بطهارة في هذه الأرض وفي أرض الجنة أن يبتعد عن حب الشهوات.

101 November 14, 2016