بيان وحقيقة البعث الجسدي/ الجزء الثاني والأخير

بيان وحقيقة البعث الجسدي
الجزء الثاني والأخير

 

(١٠): من الّذي سوف يخلد في الجنة ومن الّذي سوف يخلد في جهنم؟
كيف نستطيع أن نفوز بالجنة وأن نبتعد عن جهنم؟
ومن الّذي سوف يشفع لنا؟
هل صحيح بأنّ كل أمة سوف تدخل الجنة بشفاعة أنبيائها أو بشفاعة الملائكة أو بشفاعة أوليائها؟

أسئلة أطرحها عليكم وسوف أعطيكم جوابها من خلال ما علّمني الله تعالى في كتابه العزيز.
أريد أن أُؤكدّ لكم من القرءان الكريم بأنه لا يمكن أن يُعطي أحد شفاعته لأحد إلاّ الله، فلا شفاعة لمحمد ولا لعيسى (عليهما السلام) ولا لغيرهم من دون الله، فالله الّذي خلقنا هو الّذي سوف يشفع لنا، فالمُلك (الجنة أو جهنم) هما بيد (أي بقوة) الله، والغفران والرحمة والعقاب لا يكونوا إلاّ بمشيئة الله، والأمر كله يرجع إلى الله.

ولكن مشيئة الله في إعطاء الجنة مُتصلة بمشيئة الإنسان وخيارِهِ في تطهير نفسه بفعل الخير والإصلاح والإحسان وعدم التكبر ونشر العدل في الأرض ومحاربة الظلم والفساد، وكما ذكرت سابقًا، فإن حياتنا في هذه الأرض هي الفرصة الوحيدة الّتي أعطاها الله تعالى لنا لِكي نُطهِّر أنفسنا ونتعلم من خلال كتابه معنى الخير والإصلاح، ولذلك أرسل الله تعالى لنا بالرُّسُل والكتب السماوية الّتي جمعها لنا في كتاب واحد وحفظها بعد أن حُرِّفت عبر الزمن، وهذا الكتاب هو "القرءان الكريم".

فالقرءان هو داعِيَ الله لأنه يدعونا إلى الإيمان بالله وفعل الخير والإصلاح وينهانا عن الكفر بالله وعن الظلم والفساد، فمن استجاب له وآمن به وعمل به وطبَّقه في حياته فسوف يشفع له عند الله ويُعيده إلى جنة الخلد، ومن لم يؤمن به فلن يشفع له وسيعيده إلى جهنم الخلد، إذًا فإنَّ قول وحديث وأمر وقانون الله تعالى الّذي هو القرءان، هو شفيعنا الوحيد وهو الكتاب الّذي سوف يشهد علينا يوم القيامة. مع ملاحظة هامة أنّ القرءان هو لجميع الأمم لأنه يجمع ويضمّ جميع كتب الله من توراة إلى إنجيل إلى غيرها من الرسالات الّتي أنزلها الله تعالى على جميع رُسُله، ولذلك سمّاه الله تعالى بالقرءان، لأّنه الكتاب الّذي يقرأ جميع رسالات الله.

هناك آيات في القرءان لا تُعدّ ولا تُحصى تنفي شفاعة محمد أو عيسى أو غيرهم و تُثبت شفاعة الله (أي شفاعة القرءان)، سوف أذكر بعضًا منها:

* سورة البقرة
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿٤٧﴾ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴿٤٨﴾.

* سورة البقرة
وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿١١١﴾ بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿١١٢﴾.

نجد في تلك الآيات البيِّنات (١١١) و(١١٢) أنَّ الّذي سوف يُشفعُ لهُ بدخول الجنة هو فقط الإنسان الّذي "يُسلِمُ وجههُ لله وهو مُحسِنْ"، أي هو فقط الإنسان الّذي يؤمن بالله ويعمل الصالحات.

* سورة البقرة
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴿٢١٤﴾.

* سورة البقرة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٢٥٤﴾.

* سورة المائدة
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١٧﴾ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ۖ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴿١٨﴾.

آية (١٨): تدلّنا على أنَّ الله تعالى هو وحدهُ الّذي لَهُ "مُلكُ السماواتِ والأرض وما بينهما وإليه المصير"، مِمّا يُثبت لنا أنَّ الشفاعة، أي دخول الجنة أو جهنم هِيَ مُلكٌ لله وحدهُ.

آية (١٧): "ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء وهو على كل شيءٍ قدير"، تدلّنا على أنَّ الله تعالى هو وحدهُ، وفقط وحده الّذي يملك أن يُدخلنا الجنة أو أن يُدخلنا جهنم، مِمّا ينفي الشفاعة.

* سورة المائدة
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴿٧٥﴾ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ۚ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٧٦﴾.

إنَّ قول الله تعالى في آية (٧٦): "قُلۡ أَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَڪُمۡ ضَرًّا وَلَا نفعًا..." يدلنا على أنَّ عبادتهم لِمريم وعيسى عليهما السلام من خلال دينهم الباطل لن تنفعهم بشيء، لأنَّ مريم وعيسى أو الّذين حرَّفوا الإنجيل بِأسمائِهم، لا يملكون لهم ضرًا ولا نفعًا، أي لا يملكون أن يُدخِلونهم جهنم أو الجنة، الضُّرّ يعني جهنم، والنفع يعني الجنة، إذًا لا شفاعة لمريم ولا لِعيسى ولا لِبطرس ولا لمرقص ولا للرهبان ولا لبابا الفاتيكان ولا لِأحد، إلاَّ لله.

* سورة المائدة
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴿١١٦﴾ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنْتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿١١٧﴾ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿١١٨﴾.

إنَّ قول الله تعالى عن عيسى عليه السلام في تلك الآيات البيِّنات في يوم البعث والحساب في الآخرة هو أكبر دليل على أنَّ عيسى عليه السلام لا يستطيع أن يشفع لقومه يوم القيامة، لأنَّهُ لا يَملك لهم أي شيء، لأنَّ المُلك يكون لله الخالق وليس للمخلوق. فالله تعالى هو وحده الّذي يستطيع أن يُعذِّب أو يرحم عباده.

* سورة النساء
مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ۖ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ﴿٨٥﴾.

في تلك الآية البيِّنة نجد دليلاً واضحًا على أنَّ عمل الإنسان هو فقط وحدهُ الّذي يُدخِلُهُ الجنة أو جهنم، فإذا كان عملُهُ حسنًا يَكُون نصيبُهُ الجنة، لذلك قال الله تعالى: "من يشفع شفاعةً حسنة يكُن لهُ نصيبٌ منها..."، وإذا كان عملُهُ سيِّئًا يَكُون كِفلُهُ (أي نصيبُهُ) جهنم، ولذلك قال الله تعالى: "... ومن يشفع شفاعةً سيِّئةً يَكُنْ لهُ كِفلاً منها"، إنَّ هذه الآية البيِّنة تُعطينا المعنى والمفهوم للشفاعة، ألا وهِيَ أعمال الإنسان نفسُهُ، وهذا ما ذكرته لكم سابقًا، أنَّ الإنسان هو الّذي يستطيع بإرادتِهِ أن يُدخِلَ نفسهُ الجنة أو أن يُدخِلَ نفسهُ جهنم.

* سورة النساء
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿١٧﴾ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿١٨﴾.

إذا تدبرنا آية (١٧)، نجد أنَّ التوبة على الله (أي شفاعة الله بإدخالنا الجنة) هِيَ فقط للإنسان الّذي "يتوب من قريب"، أي يُبدِّل سيِّئاته حسنات خلال حياتِهِ في هذه الأرض، هذا النوع من الإنسان يتوبُ الله عليهِ، أي يَشفع لهُ فيُدخِلُهُ الجنة في الآخرة، أمّا إذا تدبّرنا آية (١٨)، نجد فيها أنَّ الله تعالى لا يتوب (أي لا يشفع، أي لا يُدخِل الجنة) على الإنسان الّذي عمل السيِّئات في هذه الأرض، ومن ثُمَّ وقت يحضرهُ الموت يُريد أن يتوب، حتّى ولو نطق الشهادتين لحظة موتِهِ فلن يغفِرَ الله لَهُ، مِمّا يدُلُّنا على أنَّ أحاديث جهلاء الدين كاذبة، وعلى أنَّ حُكمْ الله تعالى بإدخالنا الجنة أو جهنم يكون لحظة حضور الموت إلينا، وفي هذه اللحظة تكون فرصتنا للتوبة قد انتهت، وهذه الآية تدلّنا أيضًا على أنَّه لا شفاعة لمحمد عليه السلام لِقومِهِ في الآخرة.

* سورة النساء
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴿١٢٢﴾ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴿١٢٣﴾ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴿١٢٤﴾.

سورة النساء من آية (١٢٢) إلى (١٢٤) هيدي الآيات واضحة، ما بدّا تفسير.

* سورة يونس
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿١٨﴾.

نجد في تلك الآية أنَّ الإيمان بغير شفاعة الله وحدها تؤدّي بالإنسان إلى الإشراك بالله، إذًا فإنَّ كل إنسان يؤمن بشفاعة أو خلاص عيسى، أو بشفاعة وخلاص محمد، أو بشفاعة وخلاص أهل البيت، أو بشفاعة وخلاص الحاكم بأمر الله في الدين الدرزي الباطل، بعد أن جاءهُ علم وهدى الله، يكون إنسانًا مُشركًا بالله لِأقصى حدود الإشراك، ولنْ يُدخِلُهُ الله تعالى الجنة أبدًا، كما أخبرنا تعالى في سورة النساء في آية (٤٨) وآية (١١٦).

* سورة النساء
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ﴿٤٨﴾.

* سورة النساء
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴿١١٦﴾.

* سورة الأنعام
وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ۚ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴿٦٦﴾ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٦٧﴾.

إذا كان محمد عليه السلام ليس وكيلاً على قومِهِ في الدنيا، فكيف يكون وكيلاً عليهم في الآخرة؟

* سورة الأنعام
قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴿١٠٤﴾ وَكَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿١٠٥﴾ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٠٦﴾ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴿١٠٧﴾.

* سورة الزمر
قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٣٩﴾ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴿٤٠﴾.

أين شفاعة محمد لِقومِهِ او لأمّنه؟

* سورة الزمر
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ ۚ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ ﴿٤٣﴾ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ۖ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٤٤﴾.

"قُل لِّلَّهِ ٱلشَّفَـٰعَةُ جَمِيعًا‌ لَّهُ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ‌ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ".

* سورة الزمر
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ﴿١٩﴾.

إنَّ هذه الآية هي آية غيبية أنزلها الله تعالى وفيها رسالة مُوجَّهة لقوم محمد عليه السلام من بعد وفاتِهِ إلى يوم القيامة، ولقد أنزلها الله تعالى لأنه عَلِمَ مُسبقًا أنهم سوف يفترون عليه وعلى محمد الكذِبْ بأحاديثهم الباطلة ويقولون أنَّ محمدًا سوف يشفع لأمَّتِهِ.

بالله عليكم أخبروني، كيف يستطيع محمد عليه السلام أن يشفع لقومه، أو أن يطلُب من الله الشفاعة لِقومِهِ فيُجيبه الله: "إشفع تُشفَّع" وأنَّ محمدًا سوف يدخلُ النار ويُنقذ أمَّته إلى آخر إنسان ظالم وفاسق يشهد "أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمداً رسوله"؟

بالله عليكم مرة أخرى، كيف تستطيعون أن تُصدِّقوا أحاديث بخاري ومسلم الكاذبة والحقيرة، ألا ترون أنَّ بُخاري ومُسلِم شياطين يستهزؤن بكم لِكَيْ يُردوكم في جهنم عن سبق إصرار وترصَّدْ؟

يا قوم محمد، ألا تخافون من جهنم وعذاب الله؟
يا قوم محمد، ألا تتقون الله؟
يا قوم محمد، ألا يكفيكُم الله؟
يا قوم محمد ألا تُحبون الله؟
يا قوم محمد، ألا تُقدِّرون الله؟
يا قوم محمد، أتشُكّون في رحمة الله؟
يا قوم محمد، ألا تُحبون أن يغفر الله لكم؟
يا قوم محمد، ألا ترون الأبالسة والشياطين واضحون وضوح الشمس وموجودون أمامكم في كل مسجد وفي قومكم وفي شعبكم وفي عشيرتكم وفي آباءكم وفي أولادكم وفي جيرانكم وفي أصدقائكم؟

نصيحة منّي لكم خالصة لِوجه الله، إنتبهوا إنتبهو إنتبهوا، لأنَّ هؤلاء الشياطين أئمة الكفر يرَونكم من حيثُ لا ترونهم، ولكن إذا انتبهتوا وفتحتوا عقولكم وقلوبكم لآيات الله العلِيّْ العظيم، فصدِّقوني، سوف ترونهُم بِكُل وضوح وسوف تنتصرون عليهم.

أليست هذه الآية في سورة الزمر وحدها كافية أن تنفي لكم شفاعة محمد عليه السلام أو غيرِهِ من الأنبياء عليه السلام؟

* سورة غافر
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ۚ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴿١٨﴾.

إذا كان محمد عليه السلام قد أنذر قومه أنَّ الظالمين منهم لن يدخلوا جهنم، فكيف يستطيع عليه السلام أن يُخالِف هذه الآية وأن يشفع لأمَّتِهِ بظلمهم؟

* سورة آل عمران
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴿١٢٨﴾ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿١٢٩﴾.

إذا كان الأمر ليس للرسول محمد عليه السلام، فكيف سوف يشفع لأمتِّهِ إذًا، إستيقِظوا يا نائِمين، عسى الله أن يتوبَ عليكُم.

* سورة الأنعام
قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴿٥٠﴾ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ۙ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿٥١﴾.

"قُل لا أقولُ لكُم عِندي خزائِنُ الله..."، نرى هنا وبكل وضوح أنَّ محمدًا عليه السلام لا يملُك خزائِن الله، أي لا يملُك رحمة الله، أي لا يملُك الخير أو الآخرة لأنه ليس الله، أي لا يملك الشفاعة بإدخال قومه الجنة، فكيف سوف يُدخِل أمته الجنة؟

"... ولا أعلمُ الغيب..."، أي لا يعلم عِلم الآخرة، أي ليس هو الّذي لديهِ القرار بإدخال الناس الجنة أو جهنم، بما معناه، ليس محمد هو الّذي يُقرِّر في الآخرة من سوف يدخل الجنة أو من سوف يدخُل جهنم.

"... ولا أقولُ لكُم إنّي مَلَك..."، هنا نجد أنَّ محمدًا عليهِ السلام رفض أن يقول لِقومِهِ أنَّهُ يستطيع أن يشفع لهُم في الآخرة ويُدخِلهم الجنة، أي رفض في دين الله أن يُأمِّلُهُمْ أو يعِدُهُمْ بشفاعتِهِ لهُمْ في الآخرة كدينهم الباطل الّذي كانوا يؤمنون بِهِ، لأنهم كانوا يؤمنون بشفاعة الملآئِكة لهم، ولذلك أراد الرسول محمد عليه السلام وبوحيٍ من الله تعالى أن يُبعِد قومه عن الإشراك، وأن يحثُّهُم على عبادة الله الواحد الأحد، وأن يُعلِمَهُمْ بأنّهم سوف يدخُلون الجنة أو جهنم فقط بأعمالِهِمْ، وعلى أنَّ الأعمى والبصير لا يستويانِ عند الله، أي لا يُدخِلُ الله تعالى الإنسان السيّء مع الإنسان الصالح الجنة، فإمّا الجنة أو جهنم، ولذلك أكمل الله تعالى هذه الآية بقولِهِ: "إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ‌ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِى ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ‌ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ"، لأنَّ قومهُ كانوا يُريدون من محمد عليه السلام أن يشفع لهم عند الله وأن يعدهم بدخول الجنة لِكَيْ يؤمنوا بِهِ وبالقرءان، مهما فعلوا من سيِّئات.

إذا كان الرسول محمد عليه السلام لم يقُل لِقومِهِ أنَّ عندهُ خزائن الله (أي أنه هو الّذي يستطيع أن يرحمهم فيُدخلهم الجنة)، وإذا كان الرسول محمد لم يقُلْ لهم أنَّهُ يعلمُ الغيب (أي أنه يعلم أو يُقرِّرْ من سوف يدخُل الجنة ومن سوف يدخُل جهنم)، وإذا كان الرسول محمد لم يقُلْ لهم أنَّهُ ملك (أي أنَّهُ يستطيع أن يشفع لهُم يوم القيامة كالملائِكة)، فمن أين جاءوا بقصصهم وأحاديثهم الكاذبة بقولهم فيها، "قال الرسول"، إذا لم يكن الرسول محمد عليه السلام قد قالها؟

آية (٥١): هذه الآية تُبيِّن لنا أنَّ القرءان هو ولِيُّنا وشفيعنا الوحيد، أي هو "الباسبور" لِدُخولنا الجنة، وليس لدينا من دونِهِ ولِي ولا شفيع.

* سورة الأنعام
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا ۖ لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴿٧٠﴾.

* سورة الأعراف
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿١٨٨﴾.

إذا كان محمد عليه السلام لا يملك كرسول أن يُدخِلَ نفسه الجنة أو جهنم إلاَّ بإذن الله، فكيف يملك محمد الشفاعة لقومه؟

* سورة الإسراء
وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا ﴿١٣﴾ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴿١٤﴾ مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ﴿١٥﴾.

* سورة الإسراء
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴿٥٣﴾ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ۖ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۚ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ﴿٥٤﴾ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴿٥٥﴾ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ﴿٥٦﴾ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴿٥٧﴾.

* سورة مريم
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا ﴿٨٥﴾ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا ﴿٨٦﴾ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا ﴿٨٧﴾.

"لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَـٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ عَهۡدًا"، أي إنَّ الإنسان لا يملك الشفاعة إلاَّ إذا عاهد الله تعالى على اتّباع كتابِهِ وتطبيقه في هذه الحيواة الدنيا، عندها يُملكُّهُ الله تعالى الشفاعة (أي دخول الجنة) مُسبقًا في هذه الأرض.

* سورة الشعراء
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٩٠﴾ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ﴿٩١﴾ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ﴿٩٢﴾ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ ﴿٩٣﴾ فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ﴿٩٤﴾ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ﴿٩٥﴾ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ﴿٩٦﴾ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿٩٧﴾ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٩٨﴾ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ﴿٩٩﴾ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ﴿١٠٠﴾ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴿١٠١﴾.

* سورة النمل
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴿٨٣﴾ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٨٤﴾ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ ﴿٨٥﴾.

إذا كان الله تعالى سوف يحشُرُ "من كل أمَّةٍ فوجًا" ويُدخلهم جهنم، فكيف إذًا تُصدّقون أنّ أمّة محمد لن تدخل جهنم؟

* سورة فاطر
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَنْ تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴿١٨﴾.

في هذه الآية نجد كلام الله عزَّ وجلّ واضح وصريح. لا أحد يُحاسب بدلاً من الآخر، ولا أحد يستطيع أن يأخذ حِمْل أو وِزر الآخر ولَو كان ذا قربى، أي ولو كان أباهُ أو أمَّهُ أو صاحبته أو أخاهُ أو أختهُ أو أقرباءه أو أصدقاءه أو عشيرته. فأين هي الشفاعة إذًا؟

* سورة الزخرف
وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿٨٦﴾.

الشفاعة هي فقط للّذي يشهد بالحق وهو يعلم، أي لِلّذي فقط يشهد بالقرءان وهو على عِلْم، أي على إيمان وتطبيق لجميع آياتِهِ.

* سورة المدثر
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴿٣٨﴾ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ ﴿٣٩﴾ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ ﴿٤٠﴾ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ﴿٤١﴾ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴿٤٢﴾ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴿٤٣﴾ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ﴿٤٤﴾ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴿٤٥﴾ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴿٤٦﴾ حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ ﴿٤٧﴾ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴿٤٨﴾.

أي فما تنفعهم شفاعة الملائِكة أو عيسى أو محمد أو أهل البيت، أو أي إنسان يظنون في دينهم الباطل أنَّهُ سوف يشفع لهم في الآخرة.

* سورة طه
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ﴿١٠٥﴾ فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ﴿١٠٦﴾ لَا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ﴿١٠٧﴾ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ ۖ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴿١٠٨﴾ يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴿١٠٩﴾ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴿١١٠﴾ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴿١١١﴾ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ﴿١١٢﴾ وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴿١١٣﴾.

في آية (١٠٩)، نجد أنَّ الشفاعة في الآخرة (أي دخول الجنة) لا تكون "إلاَّ من أذِنَ له الرحمن ورَضِيَ له قولاً"، أي لا تكون إلاَّ لِلّذي رَضِيَ الله تعالى عنه، أي على أعمالِهِ في هذه الأرض. لذلك أكمل الله تعالى آياتِهِ بقوله في آية (١١٢) لِكي يُعلمنا أنَّ الّذي "يعمل من الصالحات في هذه الأرض وهو مؤمنٌ" هو الإنسان الّذي"سوف يأذِنَ له الرحمن بالشفاعة (أي بدخول الجنة) "وسوف يرضى له قولاً".

* سورة الجاثية
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ﴿٢٧﴾ وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ۚ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٨﴾ هَٰذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٩﴾ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴿٣٠﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴿٣١﴾.

نجد في تلك الآيات البيّنات أنَّ كُلّْ أمة سوف تُدعى إلى كِتابِها الّذي أنزله الله تعالى على رسولِهِ الّذي أرسله إليها، وسوف تُحاسب على أعمالِها من خلال كِتاب الله، أي من خلال حُكم الله الّذي وضعه لها في آياتِهِ، وسوف تُحاسب من خلال أعمالها الّتي سوف تشهدها وتراها وتجدها مكتوبة في كل آية من آيات الكِتاب. فمن أين جاءوا بالكذب وقالوا أنَّ أمة محمد سوف تدخل الجنة؟

وإنَّ قول الله تعالى في آية (٣٠) و(٣١) ينفي لنا نفيًا قاطعًا جميع أحاديث الشفاعة الكاذبة.

* سورة الإنشقاق
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ﴿٧﴾ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴿٨﴾ وَيَنْقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴿٩﴾ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ﴿١٠﴾ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ﴿١١﴾ وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا ﴿١٢﴾.

في آية (٧): إنَّ الّذي "أوتِيَ كتابه بِيمينِهِ" هو الّذي أوتِيَ القرءان بالحق، وفي آية (١٠): إنَّ الّذي "أوتِيَ كتابهُ وراء ظهرِهِ" هو الّذي "أوتِيَ كتابه بِشِمالِهِ"، أي هو الّذي أوتِيَ القرءان بالباطل، تمامًا كما قال الله تعالى في سورة الفرقان آية (٣٠) وفي سورة الحاقة من آية (١٩) إلى (٢١)، ومن آية (٢٥) إلى (٢٧) وفي سورة الجمعة آية (٥). 

فأين شفاعة محمد أو غيرِهِ إذًا في تلك الآيات البيِّنات من سورة الإنشقاق؟

* سورة الفرقان
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْءانَ مَهْجُورًا ﴿٣٠﴾.

* سورة الحاقة
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴿١٩﴾ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴿٢٠﴾ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ﴿٢١﴾ ... وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ﴿٢٥﴾ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ﴿٢٦﴾ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ﴿٢٧﴾.

* سورة الجمعة
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿٥﴾.

* سورة الفرقان
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا ﴿٢٥﴾ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَٰنِ ۚ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ﴿٢٦﴾ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴿٢٧﴾ يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴿٢٨﴾ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴿٢٩﴾ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴿٣٠﴾.

"المُلكُ يومئِذٍ الحق للرحمن..." وليس لمحمد أو عيسى أو أهل البيت أو غيرهم. و إذا كان الرسول محمد عليه السلام سوف يتبرّأ من قومِهِ في الآخرة، بقولِهِ لِربِّهِ: "يا ربِّ إنَّ قومي اتخذوا هذا القرءان مهجورًا"، فبالله عليكم أخبروني، كيف سيشفع لأمَّتِهِ وهو قد تبرّأ منهم؟

يا أيُّها الّذين آمنوا، لِماذا تُغيِّبونَ عقولكم عن رؤية الحقيقة؟

* سورة الحديد
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴿١٦﴾.

 

(١١): ما هو ورود النار ومن سوف يرِدها؟
يقولون في كتب الأحاديث الباطلة أنَّ كل إنسان مسلم سوف يرِد النار (أي سوف يدخل النار) ويتعذب فيها قليلاً، وبعدها سوف يدخل الجنة بشفاعة محمد (عليه السلام)، ويقولون أيضًا بأنَّ جميع أمّة محمد سوف ترِدِ النار، وأنَّ ورود جهنم هو ليس دخولها، ولكن زيارتها فقط، المرور عليها مرور الكرام. هذه الأحاديث الباطلة أتت من خلال تحريف السلف الطالح أئِمّة الكُفر والضلالة لآيات في سورة مريم، على الرغم من أنّهم درسوا ما فيه وعَلِموا أنَّ الله تعالى حدّد لهم إمّا دخول الجنة وإمّا دخول جهنم، وأنَّه تعالى أخبرهم بأن المؤمن لا يسمع حسيس جهنم، وأنَّه تعالى أخبرهم أنَّ فقط الكافر هو الّذي سوف يَرِدُها.

الآيات الّتي تُثبت بأنّ المؤمن لا يدخل جهنم ولا يقربُها ولا يَرِدُها، وأنّ الكافر لا يدخل الجنة ولا يقربها، وأنّ الله تعالى ذكر لنا إمّا الجنة وإمّا جهنم نجدها في عدة سُور:

* سورة هود
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴿٩٦﴾ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ۖ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴿٩٧﴾ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ﴿٩٨﴾.

إذا كان ورود جهنم هو ليس عذاب جهنم والخلود فيها، إذًا فإنّنا نستطيع أن نقول أنَّ فرعون وملإيْه عندما يَرِدون النار كما قال الله في آية (٩٨)، لن يتعذَّبوا فيها، وسوف يخرجون بعدها إلى الجنة.

* سورة مريم
وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ﴿٦٦﴾ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ﴿٦٧﴾ فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ﴿٦٨﴾ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا ﴿٦٩﴾ ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيًّا ﴿٧٠﴾ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴿٧١﴾ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴿٧٢﴾.

في آية (٦٦)، بدأ الله تعالى حديثه عن الإنسان بشكل عام ولم يُخصِّص أمّة محمد، ولقد حدَّدَ الله تعالى هذا الإنسان ووضعه في قائمة الّذين لا يؤمنون بالبعث الجسدي، وبعدها أكمل تعالى حديثه في آية (٦٨) و(٦٩) و(٧٠) عن عقابِهِ لهُم ولِشياطينهم الّذين أضلّوهم بإدخالهم جهنم، وبعد ذلك أنذرهم تعالى بورودِهِم جهنم هُمْ وشياطينهم بقوله تعالى لهم في آية (٧١): "وإن منكم إلاَّ وارِدُها كان على ربِّكَ حتمًا مقضِيًّا"، هذه الآية هِيَ الّتي حرَّفها أئِمّة الكفر والضلالة ونسبوها بالكذِب للرسول محمد عليه السلام، بحجّة أنَّهُ سوف يرِدُ النار هو أيضًا، أي سوف يدخل النار ويخرج منها، ثُمَّ يعود إلى دخولها وبعدها الخروج منها طوال الوقت لِكي يُخرِج أمته من النار إلى أن يُخرِج آخِر إنسان من أمتِّهِ فسد وظلم وعمل السيِّئات بحجّة أنه قال: "لا إله إلاَّ الله، محمد رسوا الله".

والآن وبعد أن تبيَّنَ لكم من خلال تفصيل وترابط تلك الآيات البيِّنات، فبالله عليكم أخبروني: من هُمُ الّذين قال الله تعالى عنهم في آية (٧١): "وإن منكم إلاَّ واردها...

أمّا بالنسبة لقول الله تعالى في آية (٧٢): "ثمَّ نُنجّي الّذين اتقَواْ"... فهِو أكبر دليل على أنَّ الّذين اتَّقَواْ لن يدخلوا أبدًا جهنم، لأنَّ نجاة المؤمن لا تكون إلاَّ بإبعادِهِ كُلِيًّا عن جهنم وإدخاله الجنة، وأمّا بالنسبة لقول الله تعالى في آخر آية (٧٢): "... ونذرُ الظالمينَ فيها جِثِيًّا" فهو أكبر دليل على أنَّ الله تعالى عندما يُدخِلُ الظالم جهنم لن يُخرِجَهُ منها أبدًا وأنّه سوف يخلد فيها ما دامت السماوات والأرض، فكيف سوف يُخرج محمد عليه السلام قومه من جهنم إلى الجنة؟

هناك آيات مُتشابهة للآيات الّتي ذكرتها في سورة مريم، تدلّنا بل تُثبت لنا أنَّ نجاة المؤمن هِيَ بعدم إدخاله جهنم، نجد تلك الآيات في سورة الزمر وسورة النمل:

* سورة الزمر
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ﴿٦٠﴾ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٦١﴾.

يوجد تشابه كبير بين آية (٦١) من سورة الزمر وآية (٧٢) من سورة مريم، مِمّا يدلّنا على أنَّ المؤمن لا يمسه السوء ولا يحزن، أي لا يدخل أبدًا جهنم.

* سورة النمل
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴿٨٩﴾ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٩٠﴾.

إنَّ قول الله تعالى في آية (٨٩): "... وهُمْ من فزعٍ يومئِذٍ ءامِنون" هو أكبر دليل على أنَّ الّذي آمن وعمل الصالحات يؤمنه الله تعالى من الفزع، أي من عذاب جهنم أو حتّى من رؤية هذا العذاب، فكيف إذًا سوف يَرِد جهنم؟

إذًا فالإنسان يدخل الجنة أو جهنم بِأعمالِهِ وليس بشفاعة أحد، ولذلك ختم الله تعالى آية (٩٠) بقوله: "... هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ".

الدليل على أنَّ المؤمن لا يَرِد النار أبدًا، وعلى أنَّ نجاته هِيَ بإبعاده عن جهنم وبإدخاله الجنة نجدُهُ في سورة الأنبياء.

* سورة الأنبياء
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿٩٧﴾ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴿٩٨﴾ لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا ۖ وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٩٩﴾ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ ﴿١٠٠﴾ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴿١٠١﴾ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴿١٠٢﴾ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴿١٠٣﴾.

إنَّ تلك الآيات البيّنات تنفي نفيًا قاطعًا الأكذوبة الوسِخة على أنَّ كل إنسان من أمّة محمد سوف يَرِد جهنم. في آية (١٠١) نجد أنَّ الّذين حكم الله تعالى عليهم بالحُسنى (أي بالجنة) مُسبقًا عندما كانوا يعيشون في هذه الأرض، سوف يُبعدهم الله تعالى نِهائِيّا عن جهنم في الآخرة. ونجد أيضًا قول الله تعالى في آية (١٠٢): "لا يسمعون حسيسها..."، إذا كان المؤمنون لا يسمعون حسيس جهنم، فكيف سوف يدخلوا جهنم أو يرِدوها أو حتّى يقتربوا منها؟

أمّا بالنسبة للقصص الكاذبة عن ورود جهنم أو العذاب في جهنم وبعد ذلك الخروج منها إلى الجنة، فأرجوا منكم أن تتابعوا معي ثلاث آيات في سورة البقرة من آية (٨٠) إلى (٨٢):

* سورة البقرة
وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ۚ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ ۖ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٨٠﴾ بَلَىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٨١﴾ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٨٢﴾.

تلك الآيات البيِّنات تنفي نفيًا قاطعًا ورود جهنم ثمَّ الخروج منها، وتنفي نفيًا قاطعًا الشفاعة، وتؤكدّ لنا أنَّ الإنسان الّذي يعمل السيِّئات يدخل جهنم ويخلد فيها، والإنسان الّذي يعمل الحسنات يدخل الجنة ويخلد فيها، وإنَّ قول الله تعالى في آية (٨٠): "وقالوا لن تمسّنا النارُ إلاَّ أيامًا معدودة..." تدلُّنا على صناعة أهل الكِتاب السابقين الّذين كفروا، لِكُتُب أحاديث وقصص كاذبة تُخبرهم في صفحاتِها بأنّهم سوف يدخلون جهنم ويتعذبون قليلاً فيها وبعدها سوف تكون لهم الشفاعة فيخرجوا من جهنم ويدخلوا الجنة، وما شآء الله على العرب الأفاضل قوم الرسول، لقد حسدوا أهل الكتاب برجائِهِم للشفاعة، فتكبروا عليهم وسبقوهم بالكفر والإشراك والضلالة، فصنعوا أحاديثًا وقصص باطلة أقوى وأعظم في كُفرِها ووساختِها من أحاديث وقصص أهل الكتاب الباطلة، فقالوا مثل ما قال الأولون أنّهم سوف يتعذبون في جهنم وقتًا قصيرًا ومن ثم يخرجون بشفاعة محمد إلى الجنة، الله لا يُبارك فيهِم، وإن شآء الله يَرِدون جهنم وبِئس المصير خالدين فيها أبدًا.

* سورة مريم
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا ﴿٨٥﴾ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا ﴿٨٦﴾.

يعني يا إما الجنة، يا إما جهنم. في آية (٨٦) نجد بأنَّ المُجرمين هُمْ الّذين سوف يَرِدون النار. وإذا كانت أمّة محمد بأكملها سوف تَرِد النار، فهذا يعني أنَّ أمَّة محمد بأكملها هِيَ أمَّة مُجرمة، فهل تقبلون أنتم يا أمَّة محمد بهذا الكلام؟

* سورة الزمر
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿٦٩﴾ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿٧٠﴾ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿٧١﴾ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴿٧٢﴾ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴿٧٣﴾.

نجد في تلك الآيات البيِّنات أنَّ الله تعالى وفّى كُلُّ نفس ما عَمِلت، وبعدها أدخلها إمّا من أبواب الجنة وإمّامن أبواب جهنم، مِمّا يدلّنا على أنَّ الله تعالى قد حكم على الإنسان بدخوله إمّا الجنة وإمّا جهنم قبل أن يُدخِلَه في أبوابها.

* سورة النساء
لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴿١٢٣﴾.

آية واضحة مثل الشمس.

* سورة الشورى
وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْءانًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴿٧﴾.

"... فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير" واضحة.

بعد أن أثبتُّ وبيَّنَتُ لكم من خلال هذا الكمّ الهائِل من آيات الذِّكر الحكيم أنَّه لا شفاعة لأحد في الآخرة إلاَّ شفاعة الله، وأنَّ شفاعتهُ أعطانا سًبحانهُ إيّاها مُسبقًا بتنزيل القرءان، لأنَّ القرءان هو الطريق المُستقيم الّذي إذا اتّبعناهُ فسوف يُصلِح أعمالنا ويغفر ذنوبنا فيُدخلنا الجنة، أريد أن أختم موضوع الشفاعة وأقولُ لكم ما قاله الله تعالى لي ولكم في كثير من آياتِهِ ، وهو أنّ الّذي يؤمن بالله ويعمل الصالحات هو الّذي يملُكْ شفاعة الله عزّ وجلّ.

 

(١٢): إنّ أكثر الناس يؤمنون بشفاعة أديانهم الباطلة، وأكثر الناس لا يؤمنون بالبعث الجسدي، وأكثر الناس لا يؤمنون بالآخرة الّتي ذكرها الله تعالى لنا في القرءان، وأنا أطلب من جميع هؤلاء الأصناف من البشر.

أولاً: أن يتفكَّروا في خلقهم ووجوديتهم.

وثانيًا: أن يسألوا أنفسهم سؤالاً مُهمًا: هل يُعقل أن يتساوى الخير والشر بوجود الموت من دون البعث؟
وهل يُعقل أن يتساوى الخير والشَّر بإدخال جميع أنواع الناس الصالح منهم والطالح الجنة؟
فإنّ كان هذان الأمران صحيحان، فما معنى وجودية الإنسان إذًا في هذه الأرض؟

وإن كان هذان الأمران صحيحان، فسوف يؤدّيان حتمًا بالإنسان أن يفعل ما يشاء في الأرض، إمّا لأنَّه يظن أنّ وجوديته سوف تنتهي بمجرد موته فلن يُحاسب بذلك على أعمالِهِ ويدخل جهنم، أو لأنه سوف يدخل الجنة مهما فعل من ظلم وفساد وسفك دمآء في هذه الأرض، فيهرُب بذلك من عذاب جهنم، وفي كلتا الحالتين لن يهرب من عذاب جهنم جسديًا ونفسيًا، إن كانا هذان الأمران صحيحان بظن أكثر الناس، فإنهُما يُوصِلانا لِنتيجة واحدة، وهي أنَّ وجودية السماوات والأرض ووجوديتنا تصبح عبثًا أو لهوًا، أي باطلة، فيُصبِح الله الإله الخالق أيضًا باطلاً (وحاشى لله أن يكون كذلك). هذا ما أخبرنا الله تعالى بِهِ في عدة سُور:

* سورة الأنبياء
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴿١٦﴾ لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ﴿١٧﴾ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴿١٨﴾.

* سورة ص
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴿٢٧﴾.

* سورة الدخان
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴿٣٨﴾ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٣٩﴾.

إذا تدبّرنا آيات القرءان، نجد أنَّ أكثرها تدلّنا بل تؤكدّ لنا أنَّ الله تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق، وأنَّهُ هو الحق وأنَّ ما يدعون من دونِهِ هو الباطل وأنَّه هو العلِيُّ الكبير، سوف أبدأ بسورة الجاثية:

* سورة الجاثية
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴿٢١﴾ وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿٢٢﴾ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴿٢٣﴾ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴿٢٤﴾ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿٢٥﴾ قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٢٦﴾.

إنَّ قول الله تعالى في آية (٢١)، هو أكبر دليل على أنَّهُ لو كان لا يوجد بعث جسدي أو آخرة، يتساوى الكافر الّذي يعمل السيِّئات مع المؤمن الّذي يعمل الصالحات في الحيواة والموت، فيُصبح بذلك الخير والشر واحد لا فرق بينهما، أي يُصبح الخير كالشر والشر كالخير، فإمّا يدخُل الصالح والطالح الجنة، أو تنتهي حياتهم بالموت لِكَيْ يتساووا بِهِ، فيُصبِح بذلك خَلْق السماوات والأرض باطلاً، وهذا أمرٌ مُستحيل، ولذلك أكمل الله تعالى هذه الآية بقولِهِ: "... سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ"، وأكمل بالآية الّتي تليها بقولِهِ في آية (٢٢):

وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿٢٢﴾.
في آية (٢٥) ما معنى قول الّذين كفروا "... وما كانت حُجّتهم إلاَّ أن قالوا إئتوا بآيائِنا إن كُنتُم صادقين

عندما كان الرسول محمد عليه السلام والّذين آمنوا معهُ يُبيِّنون للّذين لا يؤمنون بالآخرة، أي بالبعث الجسدي من خلال آيات الله، ما كان حُجّة الّذين كفروا إلاَّ أن طلبوا من محمد والّذين معه أن يُعطوهُم الأدلة و يُثبتوا لهُم البعث الجسدي من خلال دين آبآئِهِم الباطل، لأنهم يُريدون إثباتًا للبعث من خلال كُتُب وأحاديث أولِيآئهم وليس من خلال القرءان، فإذا استطاعوا أن يأتوا لهُم بالأدلّة من كُتُب أحاديث آبآئهم، فسوف يؤمنون بالبعث الجسدي. وهذه كانت حركة مراوغة ولَفّ ودوران وذريعة لهُم لِكَيْ لا يؤمنوا بالقرءان حتّى ولو رأوا البيان واضح من آياتِهِ، وهُم يعلمون تمام العِلْم أنَّ الرسول والّذين معهُ لن يأتوا لهُمْ بالأدلّة من أديانهم الباطلة.

أولًا: لأنها أديان من صنع البشر لم يُنزِّلُ الله تعالى بها من سلطان.

وثانيًا: لأنَّ دينهُم هو دينٌ باطل وكاذِبْ، والمؤمن لا يؤمن إلاَّ بدينِ الله الحق، هذه الألاعيب والحِجج كانت بمثابة رفض وكُفر مُباشَر لعدم الإيمان بالله والآخرة، أي كانت بمثابة رفض لِعدم إيمانهم بالقرءان الكريم، ولذلك أجابهم الله تعالى تأكيدًا منهُ عن خلقِهِ للسماوات والأرض بالحق، أي تأكيدًا منهُ لوجودية الآخرة والحساب بقولِهِ لهُم في آية (٢٦):

* سورة الجاثية
قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٢٦﴾.

* سورة المؤمنون
قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ﴿١١٢﴾ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ﴿١١٣﴾ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿١١٤﴾ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴿١١٥﴾.

آية (١١٥): تدلّنا على أنَّهُ لو لم يكُن هناك رجوع لله، أي آخرة وحساب، يُصبِح خلقَنا عبثًا، أي تُصبِح وجوديَّتنا ليس لها أي معنىً.

* سورة القيامة
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴿٣٦﴾ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ ﴿٣٧﴾ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ ﴿٣٨﴾ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ ﴿٣٩﴾ أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ﴿٤٠﴾.

في آية (٣٦): "أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَن يُتۡرَكَ سُدًى"، أي أيحسبُ الإنسانُ أن يفعل ما يشآء في الأرض من ظلم وفساد وشر، وبعدها يموت فتنتهي بذلك حيواتُهُ، ولا يُبعث لِكي يُحاسب على أعماله؟

وإنَّ قول الله تعالى في آية (٣٧) و(٣٨) و(٣٩) و(٤٠) هو أكبر دليل على أنَّهُ كما خلقنا أوَّلَ مرَّة ذكور وإناث وأعطانا الوجودية، فإنَّهُ سُبحانهُ يستطيع أن يخلقنا ويُحيينا ويبعثنا مرَّةً ثانية في الآخرة لِكَي نُحاسب على أعمالنا.

إنّ القرءان الكريم يُعطينا الجنة ويُبعدنا عن جهنم، فهو الكتاب الوحيد الّذي يُرينا طريق الخير ويُبعدنا عن طريق الشر، هناك كثير من الناس عندما يقرأون آيات جهنم وتفصيل طريقة العذاب فيها يظنون ظنًا خاطئًا بالله ظنَّ الجاهلية، ويقولون بأنّ الله لا يوجد لديه رحمة، ولكنهم لا يعلمون بأنّ الله تعالى قد فَصَّلَ لنا طريقة عذاب جهنم بهدف أن يُخوِّفُنا منهُ فيُبعدنا عنه، وهذا التفصيل هو أكبر رحمة للإنسان.

* سورة الزمر
... قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴿١٥﴾ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ۚ ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ۚ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴿١٦﴾.

* سورة الكهف
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ۜ ﴿١﴾ قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ﴿٢﴾ مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴿٣﴾.

لماذا قال الله تعالى في آية (٢) "قيِّمًا"؟ لأنَّ قيمة القرءان الّتي أكثر الناس لا يُقدِّرونها هِيَ، إنذارِهِ بجهنم لِكَيْ نبتعِد عنها، وتبشيرِهِ بالجنة لِكَيْ نتقرَّبَ منها.
 

(١٣): ما هِيَ مشيئة الله؟ وما معنى إنَّ الله يهدي من يشآء ويُضِلُّ من يشآء؟

الهداية هي مشيئة الله تعالى في دخول الجنة، والضلالة هي مشيئة الله تعالى في دخول جهنم، لأنَّ مشيئة الله تعالى هِيَ أن يُدخِلْ الإنسان المؤمن الجنة، وأن يُبعِدْ الإنسان الكافر عن الجنَّة ويُدخِلُهُ جهنم، ولقد وضع الله تعالى لنا مشيئتهُ وأخبرنا عنها في كُلِّ آية من آيات القرءان الكريم.

إنَّ مشيئة الله تعالى هِيَ الهدف والسبب الّذي خلقنا الله تعالى من أجلِهِ، ألا وهو أن نكونَ أمَّةً واحدة، أي أن نعيشَ جميعًا بخيارنا الّذي أعطانا الله تعالى إيّاه وبكاملِ إرادتنا حيواة خُلود بالخير والسلام والمحبة والإحسان والعدل، أي أن ندخُل جميعًا الجنة ونعيش فيها بسلام، وليست مشيئتُهُ سُبحانَهُ أن نعيش بالاختلافات مع بعضنا في الجنة بالشر والظلم والفساد والأنانية والتكبرّ، ولذلك منع الكافر من دخول الجنة، ووضع مشيئتَهُ بإدخالِهِ جهنم بدلاً من الجنة، فالله تعالى قادر كإله إذا أراد أن يغفر لنا ويُدخِلَنا جميعًا الجنة (الشرير مع الخيِّر)، ولكِنَّهُ يعلم سُبحانَهُ أنَّ الإنسان الشرير سوف يعود لِظُلمِهِ في الأرض مرَّةً ثانية ويطغى على غيره، ويَظلُم غيرَهُ، ويَفسُد ويفعل السيِّئات، فلا يُصبِحْ هناك معنىً لِعدل الإله أو لِخيره أو لِرحمته، فما ذنب الإنسان الصالح أن يعيش حيواة خلود في الظلم والفساد إلى أبدِ الآبدين؟

فهل هذا عدل أو رحمةً من الله العادل الرحمن الرحيم؟

وهل هذا في حال حدث ولن يحدُثْ، يُعتبر خيرًا من الله أم شر؟ تعالى اللهُ مُطلَقُ الخيرِ ربُّ السماواتِ والأرض عمّا يَصِفون في أديانهم الباطلة!!!

هل من الرحمة والعدل أن يعيش الظالم والفاسد والمُجرم، مع العادل والصالح والمُسلِم في الجنة؟
هل يستوي الأعمى والبصير؟
وهل تستوي الظلمات والنور؟
وهل يستوي الخير والشرّْ؟

أليست أكبر رحمة وعدل للإنسان الصالح أن يُبعده الله ويفصله عن الإنسان الفاسد لكي يستطيع أن يعيش بأمان وسلام وخير مُطلق؟
أليست أكبر رحمة للإنسان الظالم والفاسد أن يتوب ويرجِعْ عن ظُلمِهِ وفسادِهِ؟

لقد عَلِمَ الله تعالى قبل أن يخلق الإنسان في الأرض أنّ أكثر الناس الّذين سوف يخلقهم سوف يفسدوا ويظلموا في الأرض ويتكبروا عليه، وعلى الرغم من ذلك خلقهم من أجل إعطاءهم الفرصة للتوبة لِكَيْ يُدخِل جميع الناس الجنَّة، لأنَّ الله تعالى لم يَحظُر عطاءَهُ، أي رحمتَهُ، أي الجنة على أحدٍ في هذه الأرض كفرصة للتوبة (لا على الظالم ولا على الصالح)، كما قال لنا في سورة الإسرآء من آية (١٨) إلى (٢٠):

* سورة الإسراء
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ﴿١٨﴾ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴿١٩﴾ كُلًّا نُمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴿٢٠﴾.

ولكنَّ الإنسان هو الّذي رفض جنة ورحمة الله، وأبى أن يعيش إلاَّ بالشرَّ وأن يموتَ بالشرّْ وأن يُبعثَ بالشرَّ، ولكن لو كان هناك إنسان واحد فقط في هذه الأرض يُريد أن يتوب، لخلق الرَّحمن السماوات والأرض والجنة من أجلِهِ، أليس الله بأرحم الرّاحمين؟

والآن سوف أبيّن مجموعة من الآيات تُفصِّلْ وتُحكِم معنى مشيئة الله سُبحانهُ وتعالى، وسأبدأ بسورة هود:

* سورة هود
وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴿١١٧﴾ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿١١٨﴾ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿١١٩﴾.

في تلك الآيات البيِّنات يُعرِّفنا الله تعالى عن مشيئته، في آية (١١٨) يُخبرنا الله تعالى أنّه يستطيع أن يجعلنا أمَّةً واحدة إذا شآء، أي أنّه تعالى يستطيع أن يغفر لِجميع الناس ويُدخلهم جميعًا الجنة إذا شآء (الإنسان الصالح والإنسان الظالم) لِكَيْ يعيشوا جميعًا بالسلام الأبدي، ولكنَّهُ لو فعل ذلك فسوف يبقى الناس على اختلافاتهم، أي سوف يبقى الظالم على ظلمه وطغيانه في الجنة، فيظلم بذلك أخيه الإنسان وتُصبح الجنة بدلاً من تكون أرضًا للسلام، تُصبح أرضًا للظلم والفساد، ولذلك قال تعالى: "وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ"، ولكنَّ الله تعالى حتّى لو أراد بمشيئتِهِ أن يغفر للظالم بإدخالِهِ الجنة، فلن يفعل ذلك، لأنَّ الله الرحمن الرحيم خلقنا لِكَيْ يرحمنا، أي لِكَيْ يُعطينا حيواة مليئة بالخير والسلام، ولم يخلُقَنا لِكَي يُعطينا حيواة مليئة بالشرّْ والظلم والفساد، ولذلك قال تعالى في آية (١١٩): "إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ‌ وَلِذَالِكَ خَلَقَهُم...".

إذا عاش المُفسِد مع المُصلِح، فهل يكون الله، رحمن رحيم؟

وهل يكون هذا عدلاً من الله للإنسان المُصلِح؟ ولذلك أكملَ الله تعالى بآية (١١٩) بقولِهِ: "... وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ"، لأنَّ كلمة الله هي الرحمة والصِّدق والعدل، ولذلك سوف يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين، لأنَّ أكثر الجن والإنس سوف يكونوا من الظالمين، فتُصبح رحمةُ الله وعدلُهُ هو بإبعادهم عن الجنة وبإدخالهم جهنم. نجد الدليل لِمعنى "كلمة الله" في سورة الأنعام آية (١١٥) وفي آية (١٢).

* سورة الشورى
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴿٨﴾ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۖ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٩﴾.

في هذه الآية البيِّنة نجد أنَّ الله تعالى لو أراد لاستطاع أن يُدخِلْ جميع الناس الجنة، ولكنَّه لم يُرِدْ ذلك لأنَّ الظالمين لن يتوبوا بل سوف يعودوا للظلم مرة أخرى في الجنة، لذلك فإنَّ إرادتَهُ ومشيئته هِيَ أن يُدخِل الإنسان الصالح الجنة، أمّا الظالمون فلن يكونَ لهم من ولِيٍّ ولا نصير، أي لن يستطيع أحد من أوليآئهم أن يشفعوا لهم ويُدخلونهم الجنة، ولذلك أكمل تعالى هذه الآية بقوله لهم في آية (٩): "أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۖ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، لأنه هو وحدهُ الّذي يملك دخولهم الجنة أو جهنم وليس أولِيآئهم، مِمّا ينفي شفاعة محمد.

* سورة يونس
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴿٩٩﴾ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴿١٠٠﴾.

لقد قال الله تعالى لمحمد عليه السلام في آية (٩٩) أنَّه لو أراد لاستطاع أن يجعل جميع الناس في الأرض يؤمنون، أي لأدخل جميع من في الأرض الجنة، وقال له: "... أفأنتَ تكره الناس حتّى يكونوا مؤمنين"، أي أفأنت يا محمد تريد أن تُدخِل الناس الجنة بالقوَّة؟ ولقد أكمل الله تعالى آية (١٠٠) ووضع فيها شرطًا أساسيًا لِلإيمان، أي لدخول الجنة بقوله...، "وما كان لنفسٍ أن تدخُلَ الجنة إلاَّ بِإذن الله"، أي بكتابِهِ، أيْ بِمشيئته، أي بالقرءان، لأنَّ إذن الله هو ما أذن بِهِ ووضعهُ لنا في آياتِهِ، ألا وهو أن لا يدخُل الجنة إلاَّ المؤمن، أمّا الرجس، أي جهنَّم فسوف يجعلها على الّذين لا يعقلون.

* سورة القصص
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴿٥٦﴾.

هذه الآية تخبرنا أنَّ محمدًا عليه السلام لا يستطيع أن يهدي، أي أن يُدخِلِ الجنة من يُحِب، ولكِنَّ الله هو الّذي يستطيع أن يهدي من يشآء، أي الله هو الّذي يستطيع أن يُدخل الجنة من يشآء، ومشيئتهُ هِيَ أن يُدخِل الجنة فقط الإنسان الّذي يريد أن يهتدي إليه، إنَّ الله تعالى هو أعلم بمن سوف يُدخِلُهُ الجنة وليس محمد، لأنَّهُ هو أعلم من محمد بالمُهتدين، أي هو أعلم من محمد بالّذين يستحقّون دخول الجنة.

* سورة البقرة
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿٢١٣﴾.

"كان الناس أمة واحدة..."، لأنَّ الله تعالى عندما بدأ خلق آدم، أي الإنسان، أي البشر وأسكنهم في هذه الأرض أعطاهُم هدايَتَهُ وكانوا يعيشون مع بعضهم بسلام وخير وإصلاح، ولذلك كانت هذه الأرض جنة، ولكنهم فسقوا وطغوا وظلموا واختلفوا وصنعوا أديانًا باطلة تتناسب مع أهواءِهِم لكي تشفع لهم وتُدخِلهم الجنة في الآخرة ولو فعلوا الشر، ولذلك بعث الله تعالى بالنبيين مبشرين بالجنة الإنسان الّذي يتوب، ومُنذرين بجهنم الإنسان الّذي لا يريد أن يتوب، من خلال تنزيل الكتاب بالحق لكي يرجعوا لدين الله فيتوبوا عن عمل السيِّئات، لأنَّ الجنة هي حقٌ على المؤمن، وجهنم هي حقٌ على الكافر.

فالّذين آمنوا تاب الله عليهم وهداهم إلى الجنة بِإذنِهِ، أي بِمشيئتِهِ، أي بِكتابِهِ، ولقد اختلفوا وتفرّقوا إلى أمم، وكل أمة بغت على الأخرى بهدف السيطرة والتكبر وبظنها أنها هي الّتي سوف يغفر الله لها ويُدخلها الجنة مهما فعلت من سيِّئات، لأنها بظنها هي الأمة المُفضلة عند الله، لذلك أنزل الله تعالى الكتاب بالحق، لِكَيْ يحكُمَ بينهم بمشيئتِهِ، فتكون لهم إمّا الجنة وإمّا جهنم.

* سورة الإنسان
إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ﴿٢٩﴾ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿٣٠﴾ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿٣١﴾.

في آية (٢٩) نجد خيار الإنسان في اتّباعِهِ سبيل الله بقولِهِ تعالى: "... فمن شآء اتخذ إلى ربِّهِ سبيلاً"، وفي آية (٣٠) نجد أنَّ مشيئتنا باتّباعنا سبيل الله لا تكون إلاَّ بمشيئة الله، أي لا تكون إلاَّ باتّباعنا كتابُهُ، لأنَّهُ إذا أراد الإنسان أن يمشي في سبيل الله لا يستطيع ذلك إلاَّ من خلال كتابِهِ، أي من خلال القرءان الكريم، لأننا لا نستطيع أن نعلم سبيل الله ونجِدُهُ إلاَّ من القرءان، ولذلك ختم الله تعالى هذه الآية بقولِهِ: "... إنَّ الله كان عليمًا حكيمًا"، لأنَّ الله تعالى هو وحدهُ الّذي يستطيع أن يُعطينا العِلم والحكمة (أي معرفة الحق)، وذلك من خلال آياتِهِ.

في آية (٣١) نجد أنَّ الله تعالى هو الّذي يحكُم في الآخرة، فهو الّذي "يُدخِلُ من يشآءُ في رحمتِهِ..."، أي يُدخِلُ الإنسان الصالح جنَّتَهُ لأنَّ مشيئته أن يُدخِل فقط الصالح لِكَيْ يعيش في الجنة، أمّا الظالمون فلن يُدخلهم الجنة لأنَّ مشيئَتَهُ هِيَ عدم إدخال الظالم الجنة لأنه يعلم أنه سوف يفسُدُ فيها، ولذلك سوف يُدخِلُهُم جهنم بقولِهِ: "... والظالمين أعدَّ لهُمْ عذابًا أليمًا".

* سورة السجدة
وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿١٣﴾.

نجد في هذه الآية الكريمة أنَّ الله تعالى إذا شآءَ يستطيع أن يؤتي كُلَّ نفسٍ هُداها (المُسلِم والمُفسِدْ)، أي يستطيع إذا أراد أن يغفر لكل نفس أعمالها السيِّئة ويُدخِلْها الجنَّةْ، ولكنَّهُ سُبحانهُ ليس من رحمتِهِ أن يفعلَ ذلك، لأنَّهُ لا يكون حق أو عدل، ولذلك أكمل هذه الآية بقولِهِ: "ولكن حقَّ القولُ منّي..."، لأنَّ عدم دخول الظالمين مع الصالحين الجنة ودخول الظالمين مع الظالمين جهنم هو قُمَّةُ الحق والعدل والرحمة.

* سورة البقرة
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٢٨٤﴾.

إنَّ قول الله تعالى في تلك الآية: "... يغفر لِمن يشآء ويُعذٍّبُ من يشآء" هِو تمامًا كقولِهِ تعالى: "يَهدي من يشآء ويُضِلُّ من يشآء"، إذًا فإنَّ مشيئة الله تعالى في الهداية هي الغُفران، أي إدخال الإنسان الصالح الجنة، ومشيئة الله تعالى في الضلالة هِيَ العذاب، أي إدخال الإنسان الفاسِدْ جهنم، وعندما يقول الله تعالى لنا: "يغفر لمن يشآء و يُضِلُّ من يشآء"، فإنَّ الله تعالى يُريد أن يُعلمنا أنّه هو الّذي بيدِهِ الحُكم إمّا بإدخالنا الجنة أو بإدخالنا جهنم، لأنّه كما قال لنا في هذه الآية: "لله ما في السماواتِ وما في الأرض، وإن تُبدوا ما في أنفُسِكُم أو تخفوه يُحاسِبكُم الله..."، لأنَّ الله تعالى هو وحدهُ يملُك الحساب في الآخرة، وليس محمد أو عيسى أو موسى أو الملائِكة أو الأوليآء أو الأئِمة أو أهل البيت أو غيرهم من البشر، وإذا قرأتم بتدبرّ جميع الآيات الّتي ذكر الله تعالى لنا فيها أنه "يهدي من يشآء ويُضلُّ من يشآء"، فإنَّكُم سوف ترونَ بوضوح أنَّ الله تعالى يُعلِمنا فيها أنَّ دخول الجنة أو جهنم لا يكون إلاّ بمشيئتِهِ، أي أنهُ تعالى هو وحدَهُ الّذي يملُك أن يعطينا هدايتهُ، أي الجنة أو ضلالتًهُ، أي جهنم.

هناك كثير من الآيات البيِّنات تدُلُّنا على أنَّ مشيئة الله هي في دخول الجنة أو جهنم، مِمّا ينفي لنا أيضًا شفاعة محمد، لأنَّ الله تعالى هو وحدهُ الّذي يملُك الآخرة، سوف أبدأ بسورة آل عمران:

* سورة آل عمران
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿١٢٩﴾.

* سورة النساء
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ﴿٤٨﴾ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ۚ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴿٤٩﴾ انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُبِينًا ﴿٥٠﴾.

* سورة النحل
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴿٣٦﴾ إِنْ تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ ۖ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴿٣٧﴾ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ ۚ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٣٨﴾.

آية (٣٦): "... فمنهم من هدى الله..."، أي منهُم من آمن فحكم الله عليهِ بدخولِهِ الجنة "ومنهم من حقت عليه الضلالة"، أي منهُم من سوف يُدخِلُهُ جهنم بالحق والعدل، لذلك أكمل الله تعالى هذه الآية بقولِهِ: "... فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المُكذِّبين"، لِكي يؤكد لهم أنَّهُم لن يدخلوا الجنة كما كانوا يظنون ويتمّنون، بل سوف يتعذّبون في النار.

آية (٣٧): في هذه الآية يُعلمنا الله تعالى بأنَّ محمدًا عليه السلام إذا كان حريصًا على هُدى قومه، أي إذا كان حريصًا على دخول قومه الجنة "... فإنَّ الله لا يهدي من يُضِلّْ..."، أي إنَّ الله تعالى لا يُدخِل الجنة من كان ضالاً، أي من كان يعمل السيِّئات.

آية (٣٨): هذه الآية هي أكبر دليل على أنهم كانوا يؤمنون بالله ولكنهم أشركوا بِهِ دينًا آخر أخبرهم أنهم لن يُبعثوا جسديًّا لِكي يُحاسبوا على أعمالهم، ولقد أشركوا هذا الدين بالله لِكَيْ يهربوا من عذاب جهنم، ولِكَيْ يُعطيهم رسولهم الشفاعة أو الخلاص في جنة روحانية في ملكوت الله بزعمهم، تمامًا كالدين المسيحي الباطل أو غيره من الأديان الأخرى الباطلة.

* سورة الرعد
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ﴿٢٧﴾ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴿٢٨﴾.

لماذا أجاب الله تعالى الّذين كفروا بقولِهِ في آية (٢٧): "... قُل إنَّ الله يُضِلُّ من يشآء ويهدي إليه من أناب"، لأنَّ قوم محمد عليه السلام طلبوا منه أن يأتيهم بآية، أي أن يأتيهم بدين من نفسِهِ غير دين الله يشفع لهم بالجنة في الآخرة، بمعنىً أصحْ لقد وضعوا شرطًا أساسِيًّا على محمد لكي يؤمنوا بِهِ كرسول، أن يأتيهِم بدليل من الله أنَّهُ يستطيع أن يشفع لهم عند الله في الآخرة، أي اشترطوا على محمد لكي يؤمنوا به أن يُدخِلهم الجنة في الآخرة، ولذلك أجابهم الله تعالى أنَّهُ هو الّذي يحكم بينهم في الآخرة وليس محمد، فيُضِلُّ الظالم، أي يُدخِلُهُ جهنم، ويهدي التآئب، أي يُدخِلُهُ الجنة، والتائِب هو الإنسان الّذي يطمئن بّذِكرِ الله، لأنه يعلم تمام اليقين أنَّ ذكر الله، أي دين الله، أي القرءان سوف يُعطي قلبه الطُمأنينة لِدُخولِهِ الجنة في الآخرة، أمّا دين البشر فلن يطمئنَّ قلبهُ بِهِ، لأنه لا يستطيع أن يشفع لهُ بل سوف يؤدي بِهِ حتمًا إلى جهنم.

إنَّ جميع تلك الآيات البيِّنات عن مشيئة الله وعن عدل الله وعن رحمة الله، هي في الحقيقة جواب لكل إنسان يظن ظنَّ السوء بالله، بحجّة أنَّ وجود الآخرة والحساب وجهنم والعذاب هو ظُلم من الله للإنسان وليس عدلاً ولا يوجد فيه أي رحمة، وأنا أقولُ لهم بأنهم ليسوا أرحم من الله ولا أعلم من الله ولا أحكم من الله ولا أعدل من الله، وأقولُ لهم أنَّ وجود جهنم هو قمة العدل والرحمة وهو الحق، وأنَّ عدم وجود جهنم هو قمة الظلم وعدم الرحمة والعدل وهو الباطل.

فهل هؤلاء الناس يقبلون أن يعيشوا مع الظالمين والفاسدين والمُجرمين في أرض واحدة، إذا كانوا هُمْ فعلاً مُصلِحين؟

ويا للعجب، هؤلاء الناس يضعون ويسنّون القوانين في هذه الأرض، وهم كبشر لهم كامل الحق أن يُحاكِموا الظالمين والفاسدين والمُجرمين، وهُمْ مخلوقات ضعيفة لا قيمة لهم، وهذا في نظرهم ليس ظلمًا، أمّا الله تعالى الخالق المُبدع الحق العدل الرحمن الّذي خلقهم وأعطاهم الوجودية، فلا يحق له أن يُحاكِمَ أحدًا، وإلاَّ يًصبِحُ ظالِمًا، يا لِهذه المُعادلة الفاشلة والوقِحة!!!

إنَّ كل آية من آيات القرءان الكريم تدلّنا على عدلِ الله ورحمتِهِ العظيمة وكرمِهِ لأنها تفصل بين الجنة وجهنم، أي تفصل بين الخير والشرّْ، فتكون بذلك أرض الخير والسلام لمُحبّي الخير والسلام، وتكون بذلك أرض الظلم والفساد لمُحبّي الظلم والفساد، وهذا هو قُمَّة العدل والرحمة.

إخوتي وأخواتي الكِرام سأختم موضوع حقيقة الحيواة، الموت والبعث بهذه الآيات البيّتات.

* سورة البقرة
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٣٠﴾.

* سورة الأنعام
قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴿٥٠﴾.

* سورة هود
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ۚ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴿٢٤﴾.

* سورة النحل
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ۖ هَلْ يَسْتَوُونَ ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٧٥﴾ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿٧٦﴾.

* سورة السجدة
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا ۚ لَا يَسْتَوُونَ ﴿١٨﴾ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿١٩﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴿٢٠﴾.

* سورة ص
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴿٢٨﴾ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٢٩﴾.

* سورة الزمر
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٢٩﴾ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴿٣٠﴾ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴿٣١﴾.

* سورة غافر
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ ۚ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ ﴿٥٨﴾ إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٥٩﴾.

* سورة الجاثية
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴿٢١﴾ وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿٢٢﴾.

* سورة القلم
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿٣٤﴾ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ﴿٣٥﴾ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴿٣٦﴾ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ﴿٣٧﴾ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ﴿٣٨﴾ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۙ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ﴿٣٩﴾.

 

أدعوا الله تعالى أن يبعثنا مقامًا محمودًا والسلام عليكم.

https://www.youtube.com/watch?v=ODESWpTLsGM

https://www.youtube.com/watch?v=PSTxHZ3kLyc

https://www.youtube.com/watch?v=zuO3lJZ8kTI

https://www.youtube.com/watch?v=zuO3lJZ8kTI

https://www.youtube.com/watch?v=GLRVZipl_J0

97 November 13, 2016