معنى آية ٤٥ في سورة المائدة وآية ١٢٦ في سورة النحْل من خلال ترابط آيات الله البيّنات

 

معنى آية ٤٥ في سورة المائدة وآية ١٢٦ في سورة النحْل من خلال ترابط آيات الله البيّنات

 

"النفس بالنفس والعين بالعين". سورة المائدة، آية (٤٥).
"وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦ‌". سورة النحْل، آية (١٢٦).

السلام على من عاقب فقط بكتاب الله جلّ في علاه.
 

* سُوۡرَةُ المَائدة
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلۡكُفۡرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِأَفۡوَاهِهِمۡ وَلَمۡ تُؤۡمِن قُلُوبُهُمۡ‌ۛ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ‌ سَمَّـٰعُونَ لِلۡڪَذِبِ سَمَّـٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِينَ لَمۡ يَأۡتُوكَ‌ۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِۦ‌ۖ يَقُولُونَ إِنۡ أُوتِيتُمۡ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمۡ تُؤۡتَوۡهُ فَٱحۡذَرُواْ‌ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتۡنَتَهُ فَلَن تَمۡلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا‌ۚ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمۡ‌ۚ لَهُمۡ فِى ٱلدُّنۡيَا خِزۡىٌ وَلَهُمۡ فِى ٱلۡأَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٤١) سَمَّـٰعُونَ لِلۡكَذِبِ أَڪَّـٰلُونَ لِلسُّحۡتِ‌ۚ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحۡكُم بَيۡنَہُمۡ أَوۡ أَعۡرِضۡ عَنۡہُمۡ‌ۖ وَإِن تُعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيۡـًٔا وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَيۡنَہُم بِٱلۡقِسۡطِ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ (٤٢) إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَٮٰةَ فِيہَا هُدًى وَنُورٌ يَحۡكُمُ بِہَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ وَڪَانُواْ عَلَيۡهِ شُہَدَآءَ‌ۚ فَلَا تَخۡشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِـَٔايَـٰتِى ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ (٤٤) وَكَتَبۡنَا عَلَيۡہِمۡ فِيہَآ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ وَٱلۡعَيۡنَ بِٱلۡعَيۡنِ وَٱلۡأَنفَ بِٱلۡأَنفِ وَٱلۡأُذُنَ بِٱلۡأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ ڪَفَّارَةٌ لَّهۥ‌ۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡڪُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ (٤٥) وَقَفَّيۡنَا عَلَىٰٓ ءَاثَـٰرِهِم بِعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَٮٰةِ‌ۖ وَءَاتَيۡنَـٰهُ ٱلۡإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَٮٰةِ وَهُدًى وَمَوۡعِظَةً لِّلۡمُتَّقِينَ (٤٦) وَلۡيَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ‌ۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡڪُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ (٤٧) وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡڪِتَـٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِ‌ۖ فَٱحۡڪُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ‌ۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّ‌ۚ لِكُلٍّ۬ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةً وَمِنۡهَاجًا وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَڪُمۡ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِى مَآ ءَاتَٮٰكُمۡ‌ۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَاتِ‌ۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُڪُمۡ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَہُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَ‌ۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَہُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِہِمۡ‌ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَـٰسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَـٰهِلِيَّةِ يَبۡغُونَ‌ۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمًا لِّقَوۡمٍ يُوقِنُونَ (٥٠).

(١): آية (٤٤): "إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَٮٰةَ فِيہَا هُدًى وَنُورٌ يَحۡكُمُ بِہَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ وَڪَانُواْ عَلَيۡهِ شُہَدَآءَ‌".

لقد أنزل الله عزّ وجلّ التوراة في السابِق لكي يحكُم بها النبييون الّذين دخلوا في دين الله الإسلام للّذين هادوا (أي للّذين يُريدون أن يهتدوا بالتوراة العظيمة فيدخلوا في دين الله الإسلام)، ولكي يحكم من بعدهم الربّانييون والأحبار (أولي الأمر، أي أولي الألباب، أي المؤمنون الّذين درسوا علم التوراة)، ولكن حُكمُهُم بالتوراة يجب أن يكون فقط بالحق وبالعدل تمامًا كما إئتمنهم الله في آيات التوراة وكما عاهدوا الله على الصبر والحِفاظ عليها وكما قبِلوا تحمّلهم مسؤولية توصيل هذه الأمانة بالحق والعدل لا بالباطل والظلم والتكذيب وتبديل كلام الله عن مواضِعِهِ (تحريف التوراة)، ولذلك قال الله تعالى: "بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ وَڪَانُواْ عَلَيۡهِ شُہَدَآءَ‌"، وأكمل الآية بقولِهِ: "وَلَا تَشۡتَرُواْ بِـَٔايَـٰتِى ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ".
 

(٢): السؤال: ما هو قانون الله الّذي استحفظهم وائتمنهم عليه في كتابه العزيز (التوراة)، وعلى ماذا كانوا شُهدآء؟
وما هو الدليل على أنَّ حُكمهم بالتوراة يجب أن يكون بالحق والعدل والخير والإحسان؟

الجواب نجده في قول الله العظيم الّذي وضعه لنا في الآية التالية، آية (٤٥):
"وَكَتَبۡنَا عَلَيۡہِمۡ فِيہَآ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ وَٱلۡعَيۡنَ بِٱلۡعَيۡنِ وَٱلۡأَنفَ بِٱلۡأَنفِ وَٱلۡأُذُنَ بِٱلۡأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ ڪَفَّارَةٌ لَّهُ...".

لقد قال الله عزّ وجلّ: "وَكَتَبۡنَا عَلَيۡہِمۡ فِيہَآ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ وَٱلۡعَيۡنَ بِٱلۡعَيۡنِ وَٱلۡأَنفَ بِٱلۡأَنفِ وَٱلۡأُذُنَ بِٱلۡأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ".
هذا يعني أنَّ الله عزّ وجلّ قد "كتبَ عليهِم فيها"، أي وضع قانون التوراة وفرضهُ عليهم وأمرهم بأن يحكموا بالتوراة بالحق والعدل والخير والإصلاح من دون أي تبديل لقانونه، وهذا يعني أيضًا أنَّهُ كما قال تعالى لهم في التوراة عليهم أن يقولوا بالمثل، وكما أراهُم تعالى في التوراة عليهم أن يروا بالمثل، وكما فرض عليهم قانونه في التوراة عليهم أن يُقيمونه تمامًا كما فرضهُ عليهم.

أي يجب عليهم أن يحكموا بالتوراة لأنفسهم ولجميع الناس والأمم تمامًا كما أمرهم الله تعالى في كل آية من آيات التوراة، من دون تبديل أو تحريف أو زيادة أو نُقصان، أي عليهم أن يحكموا بجميع كتب الله الّتي أنزلها على جميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ السابقين وحفظها في التوراة، لأنَّ جميع رسالات الله وكُتُبه واحدة، لأنَّ دين الله واحد للجميع. ولذلك قال الله تعالى في آية (٤٤): "بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ وَڪَانُواْ عَلَيۡهِ شُہَدَآءَ‌". فهُم عندما يحكمون بالتوراة يكونوا بذلك يحكمون بكُتُب ورسالات ودين جميع الأنبياء السابقين.
 

(٣): لقد خلقنا الله تعالى جميعًا بالعدل والميزان، وخلقنا جميعًا من نفسٍ واحدة، فكما خلقني من نفس، خلق الآخر أيضًا من نفس، وكما خلق لي عين وأنف وأذن وسِنّ، خلق أيضًا الإنسان الآخر بعين وأنف وأُذُن وسِنّ.

إذًا فكما أُحِبُّ لنفسي عليّ أن أحبّ لغيري مثل ما أحبّ لنفسي، وكما أحبّ الخير لنفسِي عليّ أن أحبّ الخير لغيرِي مثل ما أحبّ الخير لنفسي، وكما أحبّ أن آخذ لنفسي عليَّ أن أحبّ أن أُعطي لغيري مثل ما أخذتُ لنفسي، وكما أتمنّى لنفسي عليَّ أن أتمنّى لغيري مثل ما أتمنّى لنفسي، وكما رزقني الله تعالى من مال وعلم عليَّ أن أرزق هذا المال والعلم لغيري بمثل ما رُزِقتُ بِهِ، وكما علَّمني الله تعالى في كتابِهِ علّيَّ أن أُعلِّم غيري بمثل ما علَّمنِيَ الله، أي كما عاقبتُ في كتاب الله علَيَّ أن أُعاقِب بمثلِ ما عوقِبتُ بِهِ من كتابِ الله (قولاً وفعلاً، لِنفسي وللآخرين)، أي كما آتاني الله من علم علّيَّ أن آتي غيري بمثل ما أوتيتُ بِهِ من عِلْم، لا بالتحريف والتضليل والكذب والإفك والغش والخداع والظلم والفساد والباطل.

هذا ما بيَّنه الله تعالى لنا في الآيات التالية:

* سُوۡرَةُ آل عِمرَان
إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ‌ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (٥٩) ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ (٦٠) فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَہِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡڪَـٰذِبِينَ (٦١) إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّ‌ۚ وَمَا مِنۡ إِلَـٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُ‌ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (٦٢) فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ (٦٣) قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ ڪَلِمَةٍ سَوَآءِۭ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡـًٔا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ‌ۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ (٦٤).

هذا هو مثل من الأمثال، يُفسِّر ويُبيِّن معنى قول الله تعالى: "النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن"، وهو أنَّ الدعوة إلى دين وقانون واحد يدعوا ويهدف إلى الإصلاح لجميع الناس، وهذا هو قُمَّة العدل والحق والخير والرحمة.

* سُوۡرَةُ الرُّوم
ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ‌ۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُكُم مِّن شُرَڪَآءَ فِى مَا رَزَقۡنَـٰڪُمۡ فَأَنتُمۡ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمۡ كَخِيفَتِڪُمۡ أَنفُسَكُمۡ‌ۚ ڪَذَالِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأَيَـٰتِ لِقَوۡمٍ يَعۡقِلُونَ (٢٨) بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَهۡوَآءَهُم بِغَيۡرِ عِلۡمٍ فَمَن يَہۡدِى مَنۡ أَضَلَّ ٱللَّهُ‌ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ (٢٩) فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡہَا‌ۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِ‌ۚ ذَالِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَڪۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِڪِينَ (٣١) مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَڪَانُواْ شِيَعًا كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡہِمۡ فَرِحُونَ (٣٢).

* سُوۡرَةُ النّحل
وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ فِى ٱلرِّزۡقِ‌ۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّى رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَڪَتۡ أَيۡمَـٰنُہُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌ‌ۚ أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ (٧١) وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَاجِڪُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ‌ۚ أَفَبِٱلۡبَـٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ (٧٢).

* سُوۡرَةُ فُصّلَت
قُلۡ أَٮِٕنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِى خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِى يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُ أَندَادًا‌ۚ ذَالِكَ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيہَا رَوَاسِىَ مِن فَوۡقِهَا وَبَـٰرَكَ فِيہَا وَقَدَّرَ فِيہَآ أَقۡوَاتَہَا فِىٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآٮِٕلِينَ (١٠).

* سُوۡرَةُ المُلک
ٱلَّذِى خَلَقَ سَبۡعَ سَمَـٰوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَىٰ فِى خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ مِن تَفَـٰوُتٍ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (٤).

* سُوۡرَةُ الرَّحمٰن
ٱلرَّحۡمَـٰنُ (١) عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ (٢) خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ (٣) عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ (٤) ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٍ (٥) وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ (٦) وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ (٧) أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِى ٱلۡمِيزَانِ (٨) وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ (٩).

* سُوۡرَةُ الحَدید
لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَـٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِ‌ۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٌ شَدِيدٌ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ  وَرُسُلَهُ بِٱلۡغَيۡبِ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ (٢٥).

* سُوۡرَةُ المَائدة
وَكَتَبۡنَا عَلَيۡہِمۡ فِيہَآ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ وَٱلۡعَيۡنَ بِٱلۡعَيۡنِ وَٱلۡأَنفَ بِٱلۡأَنفِ وَٱلۡأُذُنَ بِٱلۡأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ ڪَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمۡ يَحۡڪُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ (٤٥).

* سُوۡرَةُ النّحل
وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦ‌ۖ وَلَٮِٕن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٌ لِّلصَّـٰبِرِينَ (١٢٦).

السلام على من عاقب فقط بكتاب الله جلّ في علاه.
 

(٤): إنَّ الله تعالى لم يخلقنا جميعًا بهدف العدل والميزان أو بالعدل والميزان فحسب، بل خلق أيضًا كل إنسان مِنّا بمفرده بالعدل والميزان، لكي يجعل كل إنسان منّا منذ نشأته حين ينظر إلى نفسهُ وإلى طريقة خلقه، يتذكَّر أنَّ الله تعالى خلقه بالعدل والميزان كعبرة لهُ لِكَيْ يكون عادلاً مع نفسِهِ أولاً، ولكي يستطيع أن يعدِل مع الآخرين ثانِيًا، فكما يفعل الإنسان تفعل نفسه مثل عملِهِ، وكما ترى عينه اليُمنى ترى في نفس الوقت عينه اليُسرى مثل ما ترى اليُمنى، وكما تشُمُّ فتحة أنفه الأيمن تشمّ في نفس الوقت فتحة أنفه اليُسرى مثل الفتحة اليُمنى، وكما تسمع أذنه اليُمنى تسمع في نفس الوقت أذنه اليسرى مثل ما تسمع اليُمنى، وكما تفعل أسنانه العُليا تفعل في نفس الوقت أسنانه السُفلى مثل ما تفعل العُليا.

إذًا من خلال جميع ما ذكرتُ لكم، فعلى الإنسان أن يُقيم الحق والعدل على نفسِهِ، أي أن يحكم على نفسه بالحق والعدل، وعليه أن يُقيم الحق والعدل على الآخرين، أي أن يحكم على الآخرين بالحق والعدل، وهذا الحق وهذا العدل لا يُمكن ولا بشكلٍ من الأشكال أن يُطبَّق أو يحدُث إلاَّ من خلال تطبيق حُكم الله سُبحانه وتعالى وقانونه الواحد الأحد على الجميع، تمامًا كما أمرنا في جميع كُتُبِهِ الّتي هي كتابٌ واحِد.

إذًا فإنَّ هذا الحُكم كتَبَهُ الله علينا (أي فرضهُ علينا وأمرنا بِهِ) في جميع كُتُبِهِ الّتي أنزلها على جميع أنبيائه ورُسُلِهِ، وليس فقط في التوراة، ومن لم يَحكُم بما أنزل الله فقد ظلم نفسه وحسابه عند الله.
 

(٥): ومن هو الإنسان الّذي لا يُريد أن يحكم بما أنزل الله أي ب: "النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن
هو الّذي رفض اتّباع دين الله وحُكمهُ وقانونه العادل، ورفض تطبيق الحق والعدل والخير والإصلاح تمامًا مثل ما أمرهُ الله، فهجر دين الله وقانونه، وبدَّلهُ بدينٍ أو قانون آخر، وصنع كُتُب فيها أحكام وقوانين باطلة وظالمة تتناسب مع أهوائِهِ ومجتمعه وعاداته وتقاليده، فحرَّف بذلك كتاب الله (التوراة) وجعل الحق باطلاً والباطل حق.
 

(٦): إنَّ قول الله تعالى في تلك الآية (آية 45): "وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصٌ"، هو أكبر دليل على أنَّ الّذي يريد أن يُحرِّف أو يُبدل أو يُفسِد أو يُعيب حُكم ودين وقانون الله أو ينقص منه أو يزيد عليه، وأنَّ الّذي لا يريد أن يحكم بما فرض الله عليه في التوراة بأنَّ النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن، فسوف يكون له قصاص عند ربِّهِ.

ما معنى كلمة الجروح في اللغة العربية؟
جرح الشيء يعني عابَه وتنقَّصَه وأفسدهُ.
يُقال جرح الشهادة أي أسقطها، وجرَّحَ الشهادة يعني ردَّها.
إستجرَحَ الشيء يعني صار ذا عيبٍ وفساد.

إذًا فالجروح هي الإنقاص من التوراة وإفسادِها ومعيبتها، أي هي تبديل كتاب الله ودينه بتحريف الكلم عن مواضِعِهِ. لذلك فهي "قِصاص"، والقصاص هو الجزاء على الذنب، ومُحاسبة المُذنِب. ولذلك ختم الله تعالى هذه الآية بقوله:

"وَمَن لَّمۡ يَحۡڪُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ". أمّا الّذي يُريد أن يحكم ويتصدَّقَ بما فرض الله عليه في كتابه أنَّ النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن، فسوف يكون "كفّارةً لهُ" أي سوف يكون تصدُّقهُ بكتاب الله مُساعدةً لهُ للتكفيرِ عن ذنوبه وطهارة نفسه، لِذلك أكمل تعالى آية (٤٥) بقوله: "فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ ڪَفَّارَةٌ لَّهُ".
إذًا فإنّ عدم تحريف كُتُبِ الله، والحُكم فيها بالعدل، والتصدُّق بها (من توراة إلى إنجيل إلى قرءان) هو الّذي يُكفِّرُ عنّا ذُنوبنا ويُدخلنا الجنة.
 

(٧): وكيف نتصدَّق بالتوراة والإنجيل في زمننا وهي مُحرَّفة منذ زمنٍ بعيد؟
الجواب هو: نتصدَّق بها في القرءان وبالقرءان، لأنَّ القرءان الكريم صدَّقَ بها وإئتمن عليها أي حفظها من أي تحريف.
لذلك قال الله تعالى لمحمد في الآية السابقة آية (٤٢): "وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَيۡنَہُم بِٱلۡقِسۡطِ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ".

ولذلك أكمل تعالى بآية (٤٦) إلى (٤٩):
وَقَفَّيۡنَا عَلَىٰٓ ءَاثَـٰرِهِم بِعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَٮٰةِ‌ۖ وَءَاتَيۡنَـٰهُ ٱلۡإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَٮٰةِ وَهُدًى وَمَوۡعِظَةً لِّلۡمُتَّقِينَ (٤٦) وَلۡيَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ‌ۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡڪُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ (٤٧) وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡڪِتَـٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِ‌ۖ فَٱحۡڪُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ‌ۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّ‌ۚ لِكُلٍّ۬ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةً وَمِنۡهَاجًا وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَڪُمۡ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِى مَآ ءَاتَٮٰكُمۡ‌ۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَاتِ‌ۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُڪُمۡ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَہُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَ‌ۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَہُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِہِمۡ‌ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَـٰسِقُونَ (٤٩).

ولذلك ختم تعالى جميع تلك الآيات بقولِهِ في آية (٥٠): "أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَـٰهِلِيَّةِ يَبۡغُونَ‌ۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمًا لِّقَوۡمٍ يُوقِنُونَ".

لأنَّ حُكم الجاهلية هو حُكم الأديان الباطلة كالدين اليهودي والمسيحي والسني والشيعي واالدرزي والبوذي والهندوسي والزردشتي والعلماني والمُلحد والدارويني وغيرها من الأحكام والقوانين البشرية الظالمة والمُفسِدة، أي هو حكم التفرقة بين الأنبياء والرُسُل والكتاب والدين والشريعة والسنّة، ولقد بيّن الله تعالى لنا اختلاف الأمم في كتابه العزيز:

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ‌ۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَـٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡ‌ۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦ‌ۗ وَٱللَّهُ يَهۡدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسۡتَقِيمٍ (٢١٣).

* سُوۡرَةُ المؤمنون
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَـٰلِحًا‌ۖ إِنِّى بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هَـٰذِهِۦۤ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا۟ رَبُّڪُمۡ فَٱتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَہُمۡ زُبُرًا‌ۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡہِمۡ فَرِحُونَ (٥٣).

* سُوۡرَةُ الشّوریٰ
شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًا وَٱلَّذِىٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦۤ إِبۡرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ‌ۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ‌ۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِ‌ۚ ٱللَّهُ يَجۡتَبِىٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَہۡدِىٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ (١٣) وَمَا تَفَرَّقُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَہُمۡ‌ۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِىَ بَيۡنَہُمۡ‌ۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِى شَكٍّ مِّنۡهُ مُرِيبٍ (١٤).

* سُوۡرَةُ البَیّنَة
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

لَمۡ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأۡتِيَہُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ (١) رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتۡلُواْ صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (٢) فِيہَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣) وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡہُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ (٤).

 

(٨): * سُوۡرَةُ النّحل
ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِ‌ۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحۡسَنُ‌ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ‌ۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ (١٢٥) وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦ‌ۖ وَلَٮِٕن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٌ لِّلصَّـٰبِرِينَ (١٢٦) وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِ‌ۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِى ضَيۡقٍ مِّمَّا يَمۡڪُرُونَ (١٢٧) إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ (١٢٨).

* سُوۡرَةُ الحَجّ
وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوٓاْ أَوۡ مَاتُواْ لَيَرۡزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزۡقًا حَسَنًا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدۡخِلَنَّهُم مُّدۡخَلاً يَرۡضَوۡنَهُ ۥ‌ۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩) ذَالِكَ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) ذالِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِى ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِى ٱلَّيۡلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ (٦١) ذَالِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَـٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِىُّ ٱلۡڪَبِيرُ (٦٢).

إذا تدبّرنا آيات سورة النحل والحج، نجد المعنى الحقيقي لكلمة "عاقب".

يقول جهلاء الدين في كتب التفاسير الباطلة، أنَّ الله تعالى سمح لنا بأن نُعاقِبْ الظالم والمعتدي بالمثل، تمامًا كما ظلمنا واعتدى علينا، ومن دون أن نُزايد أو نُبالغ في عقابنا لهُ، تمامًا كما كذَّبوا وقالوا أنَّ آية (٤٥) من سورة المآئدة الّتي ذكرتها لكم والّتي تقول أنَّ "النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن"، هي أيضًا تسمح لنا ان نُجازي الظالم والمعتدي بالمثل.

وكما بيَّنتُ لكم المعنى الحقيقي لآية "النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن"، فسوف أبيِّنُ لكم المعنى الحقيقي لمعنى كلمة "عاقب".

إنَّ كلمة عاقب الّتي وردت في سورة النحل وفي سورة الحج، استخدمها جهلاء الدين من أجل مصلحتهم وحرَّفوا معناها على هواهم، فقالوا أنَّ كلمة "عاقَبَ" فيها دلالة لمعنى "عِقاب"، ونحن إذا تدبَّرنا تلك الكلمة بمعناها اللغوي ومن خلال بيان آيات القرءان الكريم، نجد معنىً آخر ليس له أي دعوة بالعِقاب.

المعنى الحقيقي لكلمة عاقب في سورة النحل والحج.
كلمة عاقب هي من فعل عَقَبَ.
وعقَبَ عقبًا وعُقوبًا وعاقِبةً الرجُل أو مكان الرجُل يعني خلفهُ وجاءَ بعدَهُ.
عقَّبَهُ يعني جاءَ بِعقِبِهِ.
عاقبَهُ مُعاقبَةً يعني جاءَ بِعقِبِهِ. وعاقبَهُ في الراحلة يعني ناوبَهُ، ركِبَ هو عُقبَةً وركِبَ الآخر عُقبةً أي نوبةً.
أعقبَهُ يعني خلفهُ.
أعقبَ فُلانٌ يعني ماتَ وخلَّفَ عقِبًا أي ولدًا. تعقَّبَهُ يعني تتبَّعَهُ.
تعاقَبَ الرجُلان أو الّيل والنهار يعني عقب أحدُهُما الآخر.
تعاقب الرجلان على الراحلة يعني تناوبا.
تعاقب القوم في الشيء والأمر يعني تداولوهُ وتناوبوهُ.
تعاقبوا على فلان بالضرب يعني تعاونوا على ضربِهِ.
العاقب هو الّذي يخلف السيِّد، وهو الّذي يخلف من كان قبلهُ في الخير.
العَقوب هو الّذي يخلف من كان قبله في الخير.
والعقيب هو المُعاقِب أي التالي.

باختصار مُفيد، إنَّ كلمة عاقب باللغة العربية تعني جاء بِعَقِب الآخر أو تناوب عن الآخر أو خلف الآخر، وتعاقب الرجلان أو تعاقب الّيل والنهار تعني عَقَبَ أحدُهُما الآخر، أو تناوب عنه، أو خلفه.

ونحن إذا تابعنا بتدبرّ آيات القرءان الكريم الّتي وردت فيها كلمة عاقب، نجد أنَّ الله تعالى يأمرنا فيها أن ننشر رسالة القرءان بنفس الطريقة الّتي جاء بها القرءان، بمعنى أصحّ، علينا أن ننشر رسالة القرءان تمامًا كما علّمنا الله تعالى في القرءان وأن نقول مثل ما قاله الله وأن نفعل ما أمرنا الله وأن نُبلِّغ بمثل ما بلَّغنا بِهِ الله، وعلينا أن نخلف القرءان ونخلف بعضنا البعض في رسالة القرءان من دون أي تحريف، أي من دون أي زيادة أو نقصان، أي من دون تضليل.
 

(٩): والآن سوف أبدأ بسورة النحل، وسوف نرى كيف فسَّرها المُفسِّرون لنا في كتب التفاسير الباطلة، وكيف فسَّرها الله العليم الحكيم لنا في كتابِهِ العظيم الّذي هو القرءان الكريم.

* سُوۡرَةُ النّحل
ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِ‌ۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحۡسَنُ‌ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ‌ۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ (١٢٥) وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦ‌ۖ وَلَٮِٕن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٌ لِّلصَّـٰبِرِينَ (١٢٦) وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِ‌ۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِى ضَيۡقٍ مِّمَّا يَمۡڪُرُونَ (١٢٧) إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ (١٢٨).

يقول المُفسرون في آية (١٢٦):
"وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِ"، أي إن عاقبتم أيها المؤمنين مَنْ ظلَمَكُم واعتدى عليكم فعاملوهُ بالمثل ولا تُزايِدوا، قال المفسِّرون: نزِلت في شأن "حمزة بن عبد المطلب" لمّا بقر المشركون بطنه يوم أحُد، فقال النبي: لئن أظفرني الله بهم لأمثلنَّ بسبعين منهم.

"وَلَٮِٕن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٌ لِّلصَّـٰبِرِينَ"، أي ولئن عفوتم وتركتم القصاص فهو خيرٌ لكم وأفضل، وهذا ندبٌ للصبر، وترك عقوبة من أساء، فإنَّ العقوبة مباحة وتركها أفضل.
 

(١٠): تفسير الله العليم الحكيم لآيات سورة النحل:

* سُوۡرَةُ النّحل
ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِ‌ۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحۡسَنُ‌ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ‌ۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ (١٢٥) وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦ‌ۖ وَلَٮِٕن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٌ لِّلصَّـٰبِرِينَ (١٢٦) وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِ‌ۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِى ضَيۡقٍ مِّمَّا يَمۡڪُرُونَ (١٢٧) إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ (١٢٨).

إذا تدبّرنا آيات سورة النحل البيّنات، نجد وبكل وضوح أنَّ الله تعالى يأمرنا في آية (١٢٦):
أنّه إذا عاقبنا بالقرءان أي بنشر رسالة القرءان وبتبليغه وإقامته فعلينا أن نُعاقِب بمثل ما عوقِبنا بِهِ، أي علينا أن ننشر ونبلّغ ونُقيم رسالة القرءان تمامًا كما أمرنا الله تعالى في القرءان، أي علينا أن نُبيِّن ونُفسِّر القرءان تمامًا كما بيَّنَهُ وفسَّرَهُ الله تعالى لنا في آياتِهِ من دون أي تحريف، أي من دون أي زيادة على بيان وتفسير الله للقرءان ومن دون أي نقصان من بيان وتفسير الله للقرءان، أي علينا أن نُعاقب بتطبيق ما أمرنا الله تعالى بِهِ بالعدل والحق والميزان والخير والإصلاح والرحمة من دون زيادة أو نقصان، أي علينا أن نوفي الكيل والميزان تمامًا كما أمرنا الله تعالى في كتابِهِ من دون أن نبخس الناس أشياءهم أو أن نعثوا في الأرض مُفسِدين.

لذلك قال الله تعالى في الآية السابقة آية (١٢٥):
"ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِ‌ۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحۡسَنُ‌ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ‌ۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ". هذه الآية تُبيِّن لنا معنى الآية الّتي تليها آية (١٢٦) الّتي تقول: "وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦ‌ۖ وَلَٮِٕن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٌ لِّلصَّـٰبِرِينَ".

إنَّ الدعوة إلى سبيل ربّنا بالحكمة والموعظة الحسنة في آية (١٢٥) هي الدعوة إلى القرءان الكريم، فسبيل الله هو سبيل الهداية أي طريق الجنة، وسبيل الهداية لا يكون إلاَّ بالحكمة والموعظة الحسنة الّتي هي بالتأكيد القرءان، والدعوة إلى سبيل الله بالقرءان تكون بالّتي هي أحسن، أي تكون بالدعوة والحثّ إلى الجنة من خلال آيات القرءان، لأنَّ كل آية من آيات القرءان الكريم فيها من الحكمة والموعظة ما يحثّنا ويدفعنا ويوصلنا إلى الجنة، لذلك فعلينا في حال عاقبنا أي في حال تعلّمنا الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فعلينا أن نُعاقِب بمثل ما عوقبنا بِهِ أي بالعدل، وهذا يعني أنَّهُ إذا خَلَفْنا من كان قبلنا بالحكمة والموعظة الحسنة أي بالقرءان، فعلينا أن ندعوا نحنُ أيضًا بالحكمة والموعظة الحسنة كما دعانا الله عزّ وجلّ في القرءان، وكما دعانا الرسول محمد عليه السلام بالقرءان، وكما دعا المؤمنون أيضًا بالقرءان، ولذلك أكمل الله تعالى بقولِهِ في آية (١٢٦):

"وَلَٮِٕن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٌ لِّلصَّـٰبِرِينَ"، كدعوة منه تعالى لكي نصبر على الدعوة إليه، تمامًا كما علَّمنا، حتى لا نقع في الضلالة، وبأن لا نترك هذا الأمر مهما حصل، ولذلك أكمل تعالى بقوله في آية (١٢٧) و(١٢٨):
"وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِ‌ۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِى ضَيۡقٍ مِّمَّا يَمۡڪُرُونَ (١٢٧) إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ (١٢٨)".
 

(١١): من خلال تلك الآيات البيِّنات من سورة النحل نجد أنَّ الله تعالى يأمرنا بتبليغ وتوصيل رسالة القرءان أي رسالة التوراة ورسالة الإنجيل وجميع رسالات الله العظيمة، لأنها حُفِظت في القرءان، مع الصبر والحِفاظ والمُداومة على العهد، ونجد أيضًا أنّ كل إنسان يتعلمّ القرءان فعليه أن يُقيمه لجميع الناس في هذه الأرض وبمثل ما أمره الله عزّ وجلّ، أي عليه أن يَخلُفْ بإعطاء وتبليغ وتوصيل وتطبيق القرءان، والحُكم بِقانونه في هذه الأرض من دون تحريفه أو تبديله بدين أو قانون آخر، لذلك كان قول الله عزّ و جلّ لداوود عليه السلام في آية (٢٦) من سورة ص:

* سُوۡرَةُ صٓ
يَـٰدَاوُ ۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَـٰكَ خَلِيفَةً فِى ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ‌ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ (٢٦).
 

(١٢): أمّا بالنسبة لآيات سورة الحج:

* سُوۡرَةُ الحَجّ
ذَالِكَ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) ذالِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِى ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِى ٱلَّيۡلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ (٦١) ذَالِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَـٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِىُّ ٱلۡڪَبِيرُ (٦٢).

إنَّ أكثر التفاسير لهذه الآية آية (٦٠) تقول: "أنه من جازى الظالم بمثل ما ظلمه، ثم اعتدى الظالم عليه ثانيًا، لينصُرَنَّ الله ذلك المظلوم"، وهذا تفسير باطِل وكاذِب.

وكما ذكرتُ لكم سابقًا، فإنّ كلمة عاقب باللغة العربية تعني جاء بِعَقِب الآخر أو تناوب عن الآخر، وتعاقب الرجلان أو تعاقب الّيل والنهار تعني عَقَبَ أحدُهُما الآخر، أو تناوب عنه.

إذًا في هذه الآية يريدنا الله تعالى أن نُعاقب في إعطاء الرسالة تمامًا كما عوقبنا بها، مهما بغى الآخرون علينا، أي علينا أن ننشر رسالة القرءان بنفس الطريقة الّتي علَّمنا الله تعالى إيّاها وفرضها علينا في كِتابِهِ العزيز، لذلك أكمل الله تعالى آية (٦٠) بآية (٦١):
"ذالِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِى ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِى ٱلَّيۡلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ (٦١)"، لكي يُعطينا المعنى الحقيقي لكلمة "عاقب".

إذًا على المؤمنين أن ينشروا رسالة القرءان تمامًا كما علّمهم الله عزّ وجلّ حتّى ولو تعرَّضوا للبغي والظلم من الآخرين، هذه الآيات تثبيت للمؤمن لكي يخلف برسالة القرءان تمامًا كما علَّمه الله تعالى إيّاها من دون أي تحريف أو زيادة أو نقصان أو ضلالة أو فسق أو فجور أو نفاق أو تلاعب، ومهما تعرَّض له من بغي أو ظُلم فالله تعالى سوف ينصُرَهُ على أعدائِهِ وسوف يعفوا عنهُ ويغفِرَ له، أي سوف يُدخله الجنة في الآخرة، لذلك أكمل تعالى هذه الآية بقولِهِ: "ثُمَّ بُغِىَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ".
 

أدعوا الله تعالى أن نُعاقب بكتابه العظيم كتعاقب اليل والنهار.

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ يَتۡلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦۤ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ‌ۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ (١٢١).

 

111 November 13, 2016