البيان الحقيقي للبرزخ من خلال أحسن البيان

 

البيان الحقيقي للبرزخ من خلال أحسن البيان

 

السلام على من اتّبع هدى الله سبحانه وتعالى

(١): سوف أبدأ مقالتي هذه ببيان حقيقة البرخ من القرءان، جميعُنا قد سَمِعَ بقصة عذاب القبر والبرزخ، وأنا لا أريد أن أخوض في تفاصيل تلك القصة، لأني إذا استطعت أن أُبرهن وأبيِّنَ لكم من آيات القرءان الكريم حقيقة البرزخ، تُصبِحْ بذلك تلك القصة مهما جاء فيها، أساطير الأوّلين.

* سورة الفرقان
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ۗ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ﴿٢١﴾ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ﴿٢٢﴾ وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴿٢٣﴾ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴿٢٤﴾.

إنَّ قول الله تعالى في آية (٢٢): "يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا" يُعطينا دليلاً واضحًا على أنَّ الحِجْر المحجور هو مَنْع الّذين "... استكبروا في أنفُسِهِم وعَتَوْ عُتُوًا كبيرًا" من دخول الجنة، لقد حَجَرَ الله تعالى عليهم دخول الجنة بِقولِهِ: "...لا بُشرى يومئِذٍ للمجرمين ويقولونَ حِجرًا محجورًا"، وبقولِهِ أيضًا في آية (٢٣) و(٢٤): "وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴿٢٣﴾ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴿٢٤﴾"

إذًا فإنَّ الحِجْر المحجور هو مَنْع المُجرِمين من دخول الجنة.

(٢): إذا تدبّرنا آية (٥٣) في سورة الفرقان، نجد تعريفًا وتفسيرًا من الله تعالى للحِجْر المحجور:

* سورة الفرقان
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ﴿٥٣﴾.

في هذه الآية البيِّنة نجد أنَّ الحِجْر المحجور هو البرزخ الّذي يفصُل بين البحرين، العذب الفرات والملح الأجاج، إذًا فإنَّ البرزخ هو الفصل بين الخير والشرّْ، بِما معناه، إنَّ البرزخ هو منع دخول الكافر الجنة، فلو أدخل الله تعالى الكافر مع المؤمن الجنة، يُصبح المؤمن والكافر مُتساويين، وتُفسَدُ الجنة من جديد بسبب بغي الكافر على المؤمن، ولكنَّ الله تعالى وضع برزخًا للكافِرْ لكي لا يستطيع أن يدخل مع المؤمن الجنة، أي حَجَرَ الله تعالى على الكافِرْ دُخولِهِ الجنة مع المؤمن، تمامًا كما حَجَرَ الله تعالى اختلاط البحر العذب (الّذي هو كناية عن الخير)، مع البحر الأجاج (الّذي هو كناية عن الشر) بِجعلِهِ بينهُما برزخًا، لِكَيْ لا يبغي البحر المالِح على البحر العذب ويُفسِدُهُ.

إذًا من خلال آيات سورة الفرقان البيِّنات، نجد المعنى الحقيقي للبرزخ، ألا وهو الفصل بين الشر والخير، أي الفصل بين الجنة وجهنم وحَجْر الجنة على الكافر، مِمّا يدُلُّنا على أنَّ البرزخ هو فقط للإنسان الكافر وليس للإنسان المؤمن، ومِمّا ينفي لنا أسطورة البرزخ وعذاب القبر.
لذلك قال الله تعالى في سورة الرحمن آية (١٩) و(٢٠):

* سورة الرحمن
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ﴿١٩﴾ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ﴿٢٠﴾.

(٣): وإذا قرأنا سورة فاطر آية (١٢):

* سورة فاطر
وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ۖ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ۖ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿١٢﴾.

إذا تدبرنا تلك الآية نتساءل، إذا كان البحران (أي العذب الفرات الّذي هو كناية للخير، والملح الأجاج الّذي هو كناية للشرّْ) لا يتساويان عند الله، فلماذا قال الله تعالى لنا: "... وَمِن كُلٍّ۬ تَأۡڪُلُونَ لَحۡمًا طَرِيًّا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةً تَلۡبَسُونَهَا...

بمعنى أصح، لماذا لم يمنعنا الله تعالى أن نأكُل من البحر الّذي مُلحُهُ أجاج والّذي هو مجاز للشر؟
وكيف يُعطينا البحر الأجاج "الّلحم الطري والحلية" مثل البحر العذب، أي كيف يُعطينا الشر الخير، مثلما يُعطينا الخير الخير؟

الجوابُ كالتالي: إنَّ وجود آية البحر الأجاج يؤدّي بنا لِتقدير البحر العذب، أي لِتقدير الخير والسير في طريقِهِ، فالله تعالى لو لم يُخبرنا ويُعلمنا عن طريق الشر، لا نستطيع مَنْع أنفسنا من التأثر بِهِ لِكي نبتعد عنه أو لِكي نسكُنْ فيه دون أن يؤثر علينا.

إذًا فإنَّ وجود الشر ومعرفته فيه منفعة وهداية لنا لِطريق الخير، هذا يدلّنا على أنَّ وجود آيات جهنم في القرءان فيها منفعة وخير وهداية لنا تمامًا كآيات الجنة، وإنَّ بيان وتفصيل شر النفس البشرية أو الشيطان أو إبليس في آيات القرءان هو أكبر هداية لنا لِطريق الجنة، لذلك أعطانا الله تعالى الخير في البحرين، وأمرنا أن نأكل منهُما وأن نستخرج منهما حلية نلبَسُها، ولكنَّ الأكل من هذين البحرين لا يكون إلاَّ بهدف الإبتغاء من فضل الله، أي بهدف إتّباع قانونه بتطبيق ما أمرنا به من خير وإحسان وبرّ وتقوى، وليس بهدف فعل الشر والظلم والفساد، لذلك ختم الله تعالى هذه الآية بِقولِهِ: "... ولعلَّكمْ تشكُرون"، الدليل على ما ذكرت نجده في:

* سورة الإسراء
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ﴿١٢﴾.

آية (١٢): "وجعلنا الّيل والنهار آيتين...": أي لقد جعل الله تعالى لنا الّيل والنهار عبرتين. الّيل هو عبرة لطريق الظلام الّذي يؤدّي إلى جهنم، والنهار هو عبرة لطريق النور الّذي يؤدّي إلى الجنة.

"فمحونا آية الّيل...": أي لقد محى الله تعالى طريق الظلام، أي محى الله من خلال كُتُبِهِ الّتي أنزلها إلينا الأسباب الّتي تؤدّي بنا إلى جهنم.

"... وجعلنا آية النهار مبصرة...": أي جعل الله تعالى لنا طريق النور واضح، أي بيَّنَ الله تعالى من خلال كُتُبِهِ الّتي أنزلها إلينا الأسباب الّتي تؤدّي بنا إلى الجنة، لذلك أكمل الله تعالى تلك الآية بقولِهِ: "... وكل شيءٍ فصلناه تفصيلاً"، لأنَّ الله تعالى فصّلَ لنا في جميع كتبه الطُرُقْ الّتي تُبعِدُنا عن طريق الظلام والطُّرُقْ الّتي تأخذنا في طريق النور.

* سورة الأنعام
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴿١﴾.

لقد جعلَ الله تعالى لنا الظُلُمات والنور لِكَيْ نستطيع أن نفرق بين الحقّْ والباطل فنستطيع بذلك أن نبتعد عن طريق الظلام ونهتدي إلى طريق النور، لذلك بدأ الله تعالى هذه الآية بقولِهِ: "الحمدُ لله..."، أي العِبادة والتسبيح والصلواة تكون فقط لله ولهُ وحدَهُ، لأنَّهُ جَعَلَنا نرى الفرق بين الحق والباطل من خِلال الوحي الذي أنزلَهُ على جميع أنبياءِهِ ورُسُلِهِ، لذلك قال الله تعالى لنا في سورة الدُّخان من آية (١) إلى (٦):

* سورة الدخان
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

حم ﴿١﴾ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴿٣﴾ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴿٤﴾ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴿٥﴾ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٦﴾.

إنَّ قول الله تعالى في آية (٤): "فيها يُفرقُ كُلُّ أمرٍ حكيم"، هو رحمةٌ من ربِّنا كما قال الله تعالى في آية (٦)، لأنَّهُ أعطانا العِلْمْ الكافي من خلال آياتِهِ لِكَيْ نستطيع بِهِ أن نفرُقْ بين الحق والباطل، فنبتعِدْ بذلك عن الباطل.

* سورة يونس
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴿٦٧﴾.

"هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ..."، أي لكي نسكن في الظلمات ولا نمشي فيها، والسكن في اليل فيه منفعة وعِبرة للإنسان لكي يبتعد عن طريق الظلم والفساد، تمامًا كالأكل من البحر الأجاج.

(٤): * سورة الأعراف
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ﴿٤٠﴾ ....... وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴿٤٤﴾ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ ﴿٤٥﴾ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴿٤٦﴾ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿٤٧﴾ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ﴿٤٨﴾ أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴿٤٩﴾ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿٥٠﴾.

من خلال تلك الآيات البيِّنات، نجد دليلاً واضحًا على أنَّ البرزخ أو الحِجْر المحجور هو الحجاب أو الفصل بين الجنة وجهنم بِهدف منع أصحاب النار الّذين كذّبوا بآيات الله واستكبروا عنها دخول الجنة مع أصحاب الجنة، هذا ما بيَّنهُ الله تعالى لنا بقوله في آية (٤٠) و(٤٦) و(٥٠).

إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ﴿٤٠﴾ ... وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴿٤٦﴾... وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿٥٠﴾.

(٥): * سورة المؤمنون
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴿٩٦﴾ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ﴿٩٧﴾ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴿٩٨﴾ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿٩٩﴾ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿١٠٠﴾.

نجد من خلال آية (٩٩) و(١٠٠) أنَّ البرزخ هو منع الشيطان (الذي هو الإنسان الكافر) من أن يرجع إلى الحياة عندما يحضُرَهُ الموت لِكَيْ يُبدِّل سيِّئاته حسنات بهدف أن يدخل الجنة في الآخرة، إذًا فالبرزخ هو مَنْع الإنسان الظالم والفاسِد حين يأتيهِ الموت من العودة إلى الحياة لِكي يتوب.

وإنَّ قول الله تعالى في آية (١٠٠): "كلاَّ إنّها كلمةٌ هو قائلها..."، هو أكبر دليل على أنَّ البرزخ هو الحاجز أو الحِجْر المحجور الّذي حَكَمَ الله تعالى بِهِ على هذا الإنسان وقتَ موتِهِ بِعَدَمْ إعطائِهِ الفرصة لدخولِ الجنة إلى يوم البعث، لأنَّهُ بمجرَّد أن لا يُوقِفّ الله تعالى أو يُذهِب عنهُ الموت، فهذا يعني أنَّهُ تعالى قد وضع له برزخًا، أي منعهُ من الجنة وحَكَمَ عليه بِجهنم من وقت موته إلى يوم البعث، إذًا فبمجرَّد أن يموت الكافر فهو يُعتبر أنه قد دخل جهنم.

(٦): هناك آية في القرءان يقولون من خلال تحريفِهِم لها أنها تُثبِتْ أنَّ المؤمن يشعُرْ في القبر ولا يتعذَّب فيه، مِمّا يُثبِت وجود البرزخ أو عذاب القبر، تلك الآية في سورة آل عمران، وإذا تدبّرنا مفهوم تلك الآية مع آيات أخرى، نجد أنَّ تلك الآية ليس لها أية دعوة بما يفترون.

* سورة آل عمران
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴿١٦٩﴾ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿١٧٠﴾ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٧١﴾.

في تلك الآيات البيِّنات أعطانا الله تعالى عِلمْ الغيب عَمّا يشعر بِهِ الإنسان المؤمن حين يذهب للقتال في سبيلِهِ وهو يعلم أنَّ الموتَ قريبٌ منه، وأخبرنا عن ثقة المؤمن الخالصة وإيمانه بِما سوف يحدُث لهُ في الآخرة وهو يعلم تمام اليقين أنَّهُ سوف يدخل الجنة وأنَّهُ سوف يكون فرِحًا بِالفضل الّذي سوف يُعطيه الله تعالى إيّاه حين يدخل الجنة.

من خلال تلك الآيات يُريد الله تعالى أن يُعْلِمنا أنَّ الّذي يؤمن بالله لا يخاف أبدًا من الموت في سبيلِهِ بل يتمنّاهُ لِنفسِهِ ولِكُلّْ إنسان يأتي من بعدِهِ يؤمن أيضًا بالله، لأنَّهُ يعلم مُسبقًا تمام اليقين أنَّ مصيره ومصير كل إنسان يموت في سبيل الله سوف يكون الجنة، تمامًا كما أعطانا الله تعالى عِلْم الغيب عن مصير الإنسان الكافر حين موتِهِ وعن البرزخ الّذي وضعهُ الله تعالى لمنعه من دخول الجنة، وعن كيفية شعوره حين الموت ويوم البعث، لقد أرانا الله تعالى في كثير من آياتِهِ عِلْم الآخرة يقينًا وكأنَّهُ يحدث الآن.

في آية (١٦٩) يُخبرنا الله تعالى أنَّ الّذين قُتِلوا في سبيله هُمْ في الحقيقة لم يموتوا، لأنه سوف يُدخِلُهم الجنة في الآخرة، تأكيدًا منه بأنَّ الجنة ستكون للمؤمن.

في آية (١٧٠) و(١٧١) يُخبرنا الله تعالى عن إيمان المؤمن وسعادته واسبشارَهُ لِنفسِهِ بِنِعمةٍ من الله وفضل، أي بالجنة، ويُخبرنا عن استبشارِهِ بالجنة أيضًا لِكل إنسان مؤمن يأتي بعد زمنٍ من بعدِهِ يُقتل في سبيل الله، لأنَّه على يقين تام:

أولاً، أنَّ الموت ليس النهاية له أو لأي إنسان مؤمن يموتُ من بعدِهِ، لأنه يؤمن بالبعث الجسدي.

وثانيًا، أنَّهُ لا خوف أو حُزْن عليه وعلى كل مؤمن يوم يقوم الحساب، لأنَّ الله تعالى أعطاهُ عِلْم الآخرة وأخبره ووعدَهُ في كِتابِهِ "... أنَّهُ لا يضيع أجر المؤمنين"، أي أنَّهُ لا يُدخِل المؤمنين جهنم، بل يُدخِلُهُم دار السلام ويُعطيهم حياة مليئة بالفرح والسعادة في جنة الخُلد.

هذه الآية هي في الحقيقة آية غيبية أرانا الله تعالى من خلالها عمّا يكتنف نفس المؤمن (في الدنيا وفي الآخرة) من شعور، ومن تفكير، ومن ثقة في الله عزّ وجلّ في الموت والبعث، بهدف أن يُشجّعنا ويُعطينا الثقة والأمان كما أعطاهُ أيضًا في السابق لِهذا المؤمن الّذي قُتِلَ في سبيلِهِ، وكأنَّ هذا المؤمن الّذي سَبَقنا في الموت يدعونا إلى الجنة من خلال إيمانِهِ الصادق وثقته بالله ومعرفته المُطلقة للموت والبعث، وكأنَّ هذا المؤمن حين يذهب للقتال في سبيل الله يرى الجنة أمامهُ ويرى نفسهُ يدخُلُها ويعلم أنَّهُ حين يدخُلُها سوف يكون هو السابق، وأنَّ الّذي آمن من بعدِهِ سوف يكون هو اللّاحِق.

إخوتي وأخواتي الكِرام أدعوا الله تعالى أن يُدخلنا برحمته في عباده الصالحين، والسلام عليكم.

 

حقيقة الحيواة، الموت والبعث - 9:7

هذه هي الحلقة الثالثة عن حقيقة الموت. هذه الحلقة تنفي نفيًا قاطعًا عذاب القبر أو البرزخ، وتثبتُ لنا من خلال آيات الله البينات أنَّ الموت هو تمامًا كالنوم، و...
YOUTUBE.COM

 

91 November 09, 2016