تفسير آية (٩٦) إلى (١٠٢) في سورة يونس من خلال أحسن التفسير

 

تفسير آية (٩٦) إلى (١٠٢) في سورة يونس من خلال أحسن التفسير

 

تحيّة من عند الله مُباركة طيّبة لكل إنسان سجد (آمن وخضع) بآيات الله جلّ في علاه.

* سُوۡرَةُ یُونس
إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡہِمۡ ڪَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ (٩٦) وَلَوۡ جَآءَتۡہُمۡ ڪُلُّ ءَايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ (٩٧) فَلَوۡلَا كَانَتۡ قَرۡيَةٌ ءَامَنَتۡ فَنَفَعَهَآ إِيمَـٰنُہَآ إِلَّا قَوۡمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفۡنَا عَنۡہُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡىِ فِى ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَتَّعۡنَـٰهُمۡ إِلَىٰ حِينٍ (٩٨) وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَأَمَنَ مَن فِى ٱلۡأَرۡضِ ڪُلُّهُمۡ جَمِيعًا‌ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ (٩٩) وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تُؤۡمِنَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ‌ وَيَجۡعَلُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ (١٠٠) قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ‌ وَمَا تُغۡنِى ٱلۡأَيَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡمٍ لَّا يُؤۡمِنُونَ (١٠١) فَهَلۡ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثۡلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِهِمۡ‌ قُلۡ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ (١٠٢).

(١): إذا قرأنا بتدبرّ آيات سورة يونس من آية (٩٦) إلى آية (١٠٢) نجد من خلالها أنّ إكراه الله تعالى لجميع الناس على الإيمان بِهِ سوف يكون في الآخرة عندما سوف يرَونَ العذاب الأليم، أي عندما سوف يُدخِلُهُم الله تعالى جهنم بالقوة من دون إرادتهم أو حُبّهم لِدخول جهنم، أي عندما سوف يضطرُّهُم في الآخرة إلى السجود لَهُ بالقُوَّة، حينئِذٍ سوف يسجدون له ويعترفون بوجوديَّتِهِ ويُطيعونهُ من دون إرادتِهِم بحُكمِهِ لهم بِدخول جهنم وهُم مُكرهين.

في تلك الآيات البيّنات يريد الله تعالى أن يُعلِمُنا أنَّه أعطى جميع الناس الخيار والحرية المُطلقة في الكُفر أو الإيمان بتسييرِهِ لهم في هذه الأرض، وهذا يعني أنَّ الإنسان في هذه الأرض له الحق والحرية المُطلقة (الديمقراطية الحقيقية) في سُجودِهِ أو عدم سجودِهِ لله، أمّا في الآخرة فسوف يكون الحُكم والأمر كُلُّهُ لله وحدَهُ سُبحانَهُ ولن يكون لديهم الحرية بأن يختاروا أو أن لا يختاروا تسيير الله لهم، لأنَّ الله تعالى سوف يُسيِّرُهُم من دون إرادتِهِم أي مُكرهين، أي سوف يدعوهم في الآخرة إلى السجودِ له بالقوة لأنهم لن يستطيعوا أن يسجدوا لهُ بكامل إرادتهم، لأنَّ سجودهم هذا معناه قبولهم بحُكْم الله عليهم في دخولهم جهنم والعذاب فيها.

 

(٢): الدليل على أنَّ تسيير الله تعالى لهم في الآخرة معناهُ إكراههم على السجود والطاعة في دخولهم جهنم والعذاب فيها نجدُهُ في سورة القلم، والكهف، والناس:

* سورة القلم
يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ (٤٢) خَـٰشِعَةً أَبۡصَـٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٌ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَـٰلِمُونَ (٤٣).

 "يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٍ...": تعني يوم يُكشفُ عن عمل.
متى يُكشفُ عن عمل أو عن أعمال الناس؟
يُكشفُ عنها في الآخرة عندما "... يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ"، أي عندما يُدعون في الآخرة إلى أن يسجدوا لله ولكِتابِهِ الّذي فيه حَكَمَ الله تعالى عليهم بِدخولهم جهنم والعذاب والخلود فيها ولكنهم "لا يستطيعون"، لأنَّ سجودهم لله في الآخرة معناه طاعته في تنفيذ حُكْمِهِ الّذي أصدرهُ عليهم ألا وهو العذاب والخلود في جهنم، لذلك أكمل الله تعالى هذه الآية بقولِهِ في الآية الّتي تليها: "خَـٰشِعَةً أَبۡصَـٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٌ..."، لأنَّهم عَلِموا أنَّ الحُكْم والأمر والمشيئة والخيار في الآخرة هو لله وحده وليس لهم وأنَّ مصيرهم سوف يكون جهنم وأنَّهُ "لا مفرَّ من هذا المقر".

"... وقد كانوا يُدعون إلى السجود وهُم سالمون"، أي عندما كانوا يعيشون في هذه الأرض وعندما كان لديهم الخيار في أن يسجدوا لله بالإيمان بِهِ والعمل الصالح، ولكن هُم للأسف رفضوا هذا السجود بكامل إرادتهم عندما كانت الفرصة مُتاحة أمامهم.

* سورة الكهف
وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡ‌ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡ‌ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِہِمۡ سُرَادِقُهَا‌ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِى ٱلۡوُجُوهَ‌ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا (٢٩) إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ مَنۡ أَحۡسَنَ عَمَلاً (٣٠).

نجد في تلك الآيات البيّنات أنَّ الله تعالى أعطى الإنسان في هذه الأرض الخيار والحرية والقرار في الإيمان بالحق (القرءان الحكيم) أو في الكفر بِهِ، ولكنَّ المشيئة والحُكْم والقرار في دخول جهنم أو الجنة في الآخرة سوف يكون لهُ تعالى وليس للإنسان.

* سورة الإنسان
هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَـٰنِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ يَكُن شَيۡـًٔا مَّذۡكُورًا (١) إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٍ نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَـٰهُ سَمِيعَۢا بَصِيرًا (٢) إِنَّا هَدَيۡنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (٣) إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَـٰفِرِينَ سَلَـٰسِلَاْ وَأَغۡلَـٰلاً وَسَعِيرًا (٤) إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ يَشۡرَبُونَ مِن كَأۡسٍ كَانَ مِزَاجُهَا ڪَافُورًا (٥).

نجد في تلك الآيات البيّنات أنَّ الله تعالى أعطى الإنسان في هذه الأرض الخيار والحرية والقرار في الشُّكر له بقبولِهِ اتّباع سبيله (القرءان العظيم) أو في الكفر به برفضِهِ اتّباع سبيله، أمّا المشيئة والحُكْم والقرار في دخول جهنم أو الجنة في الآخرة فسوف يكون لهُ تعالى وليس للإنسان.

 

(٣): في الختام أدعوا الله تعالى أن يجعلنا من المؤمنين الساجدين بقرءانه العظيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

9:4a - حقيقة الحيواة، الموت والبعث

في هذه الحلقة ما زلنا في حقيقة الحيواة. هل الإنسان مُسير أم مُخيَّر؟ وعلى من تقع مسئولية دخول الإنسان الجنة أو جهنم؟ ما معنى طوعًا وكرهًا؟ ما معنى طوعًا أو كرهًا؟...

YOUTUBE.COM

82 November 08, 2016