المفهوم الحقيقي "لملكت الأيمان" باختصار في القرءان العظيم

 

المفهوم الحقيقي لملكت الأيمان باختصار في القرءان العظيم

 

إخوتي وأخواتي الكرام، السلام عليكم.

* سُوۡرَةُ العَنکبوت
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

الٓمٓ (١) أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ (٢) وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ‌ۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَـٰذِبِينَ (٣) أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَسۡبِقُونَا‌ۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ (٤) ....... وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِينَ (١١).

(١): يقول أئمّة الكفر والإشراك في كتب الأحاديث والشريعة الباطلة: إنَّ معنى قوله تعالى: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ في سورة النساء وغيرها، قد يراد به الرقيق عمومًا من الذكور والإناث كما في الآية: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا" (النساء: 36).

وقد يراد به النساء المملوكات خصوصًا ويسمين: الجواري والسراري وملك اليمين، ويجوز لمالكها أن يطأها ويستمتع بها بغير عقد زواج بل بملك اليمين، كما في قوله تعالى في سورة المؤمنون: "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ" (المؤمنون:5-6) ومثلها في سورة المعارج.

ويقول أيضًا هؤلاء الكفرة الفجرة: أباح الإسلام للرجل أن يجامع أمَته سواء كان له زوجة أو زوجات أم لم يكن متزوجًا، ويقال للأمة المتخذة للوطء (سرية) مأخوذة من السِّرِّ وهو النكاح، ودلّ على ذلك القرءان والسنة، وفعله الأنبياء فقد تسرَّى إبراهيم عليه السلام من هاجر فولدت له إسماعيل عليهم السلام أجمعين، وفعله نبينا صلى الله عليه وسلّم، وفعله الصحابة والصالحون والعلماء وأجمع عليه العلماء كلهم ولا يحل لأحد أن يحرّمه أو أن يمنعه ومن يحرمّ فعل ذلك فهو آثم مخالف لإجماع العلماء.

قال الله تعالى : {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا} النساء/ 3، معنى {ملكت أيمانكم}: أي: ما ملكتم من الإماء والجواري.

وقال الله تعالى: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورًا رحيمًا} الأحزاب/ 50.

وقال: {والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} المعارج/ 29 – 31.

قال الطبري: يقول تعالى ذكره: {والذين هم لفروجهم حافظون}، حافظون عن كل ما حرّم الله عليهم وضعها فيه، إلا أنهم غير ملومين في ترك حفظها على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم من إمائهم.

قال ابن كثير: وكان التسري على الزوجة مباحًا في شريعة إبراهيم عليه السلام وقد فعله إبراهيم عليه السلام في هاجر لما تسرى بها على سارة.

وقال ابن كثير أيضًا: وقوله تعالى: {وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك} الأحزاب/ 50، أي وأباح لك التسري مما أخذت من المغانم، وقد ملك صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما وملك ريحانة بنت شمعون النضرية ومارية القبطية أم ابنه إبراهيم عليهما السلام وكانتا من السراري رضي الله عنهما، وقد أجمع العلماء على إباحته.

قال ابن قدامة: ولا خلاف في إباحة التسري ووطء الإماء، لقول الله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين}.

وقد كانت مارية القبطية أم ولد النبي صلى الله عليه وسلّم وهي أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم التي قال فيها "أَعِتَقَها ولدُها"، وكانت هاجر أم إسماعيل عليه السلام سُرِّيَّة إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، وكان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أمهات أولاد أوصى لكل واحدة منهن بأربعمائة، وكان لعلي رضي الله عنه أمهات أولاد، ولكثير من الصحابة، وكان علي بن الحسين والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله من أمهات الأولاد، يعني أنّ هؤلاء الثلاثة علي والقاسم وسالم كانت أمهاتهم من الإماء.

وأم الولد: هي الأمَة التي تلد من سيدها.

وقال الشافعي: قال الله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون -إلى قوله- غير ملومين}، فدلّ كتاب الله عزّ وجلّ على أن ما أباحه من الفروج فإنما أباحه من أحد الوجهين النكاح أو ما ملكت اليمين، ولا رأي للزوجة لا في ملك زوجها للإماء ولا في جماعه لهن.

ألا لعنة الله على الفاحشين الفاجرين.

 

(٢): مفهوم "ملكت أيمانكم" باختصار في القرءان الكريم.

إذا نظرنا في آيات القرءان نجد مفهومًا آخر لقول الله تعالى: "ما ملكت أيمانكم"، هذا المفهوم مُختلف تمامًا عن المفهوم الموجود في كتب الأحاديث والسنة الكاذبة، وأنا لن أدخل الآن في موضوع ملكت اليمين بالتفصيل، لأني سوف آتي لهذا الموضوع في مقالة مُفصَّلة في المُستقبل إن شاء الله، ولكن لكي أُعطيكم فكرة عامة ومُختصرة عن مفهوم ملكت اليمين، أحببتُ أن أُبيِّنَ لكم هذا المفهوم من خلال آيات في سورة النحل والروم:

* سُوۡرَةُ النّحل
وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ فِى ٱلرِّزۡقِ‌ۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّى رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَڪَتۡ أَيۡمَـٰنُہُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآء أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ (٧١) وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَاجِڪُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ‌ۚ أَفَبِٱلۡبَـٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ (٧٢).

إذا تدبّرنا قول الله تعالى في آية (٧١): "وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ فِى ٱلرِّزۡقِ‌ۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّى رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَڪَتۡ أَيۡمَـٰنُہُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌ‌".

نجد أنَّ الله تعالى يحثّنا من خلال هذه الآية الكريمة أن لا نردّ أو نمنع رزقه الّذي رزقنا إيّاهُ وفضَّلنا بِهِ على ما ملكت أيماننا، بل على العكس، علينا أن نُحسِنَ إليهم وأن نكون في هذا الرزق سوآء، أي علينا أن نتقاسمه بالتساوي بيننا وبينهم ونبتعد عن التكبرّ والأنانيّة والطبقيّة، ومن لم يفعل ذلك يكون قد جحد بنعمة الله، لقوله تعالى: "أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ"، هذه الآية تدلّنا بل تؤكدّ لنا أنَّ ملكت أيمانُنا هم اليتامى والمساكين والمحتاجين، لأنَّ فقط اليتيم والمسكين والمحتاج هم الّذين بحاجة إلى رزق الله.

إذًا نستطيع أن نقول من خلال هذه الآية البينة أنَّ ملكت أيماننا هُم كل إنسان مسكين، أو يتيم، أو ضعيف، أو محتاج، رجُل كان أم إمرأة بحاجة إلى رزق الله كمساعدة مادّية أو معنوية من الآخرين الّذين فضّلهم الله عزّ وجلّ عليهم بهذا الرزق لكي يرزقونهم إياه بالتساوي بينهم، لذلك أكمل الله تعالى بالآية التالية آية (72) بقوله فيها: "وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَاجِڪُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ‌ۚ أَفَبِٱلۡبَـٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ"، لكي يُذكّرنا تعالى أنّه أخذ من ظهورنا ذرّيتنا، أي أنّ كل ذرّية أتت من الذرّية الّتي سبقتها، أي أننا جميعًا أتينا من ذرّية بعضنا البعض، إذًا فنحن مُتساوون لا فرق بيننا، والرزق هو إن كان مالاً أم علمًا أم أي شيء يرزقه الله تعالى للإنسان ويُفضّله فيه على غيره.

 

(٣): * سُوۡرَةُ الرُّوم
ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ‌ۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُكُم مِّن شُرَڪَآءَ فِى مَا رَزَقۡنَـٰڪُمۡ فَأَنتُمۡ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمۡ كَخِيفَتِڪُمۡ أَنفُسَكُمۡ‌ۚ ڪَذَالِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأَيَـٰتِ لِقَوۡمٍ يَعۡقِلُونَ (٢٨).

نجد هنا أيضًا (كالآية الّتي سبقتها في سورة النحْل) مفهوم الشراكة والمُشاركة بالتساوي في رزق الله، ما بين الّذي أعطاه الله عزّ وجلّ من رزقه وما بين الّذي يحتاج إلى رزقِهِ الّذين هُم "ملكت أيمانكم"، أي المساكين والمحتاجين والضعفآء.

إذًا فالهدف من إعطاء الله تعالى رزقه ونِعمَهُ لنا ظاهِرةً وباطِنةً، هو أن نأكل ونشرب منها ونُطعِم ونُسقي الضعفاء والمساكين (ملكت أيماننا) فنبتعد بذلك عن التكبرّ والأنانيّة والطبقيّة والإسراف، ولذلك بدأ الله عزّ وجلّ هذه الآية بقوله: "ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ‌"، لكي يُذكّرنا أنَّ الإنسان الآخر الضعيف والمسكين (ملكت أيماننا ذكرًا كان أم أنثى) هو تمامًا مثلنا، لا فرق بينه وبيننا،. وختم الآية بقوله: "ڪَذَالِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأَيَـٰتِ لِقَوۡمٍ يَعۡقِلُونَ".

 

(٤): إذا قارنّا قول الله عزّ وجلّ في آية (٧١) من سورة النحل وفي آية (٢٨) في سورة الروم بقوله تعالى في آية (٩) و(١٠) من سورة فصلت، نجد تشابهًا كبيرًا بينهم يؤكدّ لنا المعنى الّذي ذكرتُ لكم:

* سُوۡرَةُ فُصّلَت
قُلۡ أَٮِٕنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِى خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِى يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُ أَندَادًا‌ۚ ذَالِكَ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيہَا رَوَاسِىَ مِن فَوۡقِهَا وَبَـٰرَكَ فِيہَا وَقَدَّرَ فِيہَآ أَقۡوَاتَہَا فِىٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآٮِٕلِينَ (١٠).

نجد في آية (٩) و(١٠) أنَّ الله عزّ وجلّ قد بارك لجميع الناس في هذه الأرض وقدَّر فيها أقواتها، وأنزل من السماء رزقها وبارك وأخرج من الأرض قوتها وماءها ومرعاها بهدف أن يتقاسمه جميع سُكّان الأرض بالتساوي بينهم، لا بهدف الظلم والفساد والطبقيّة والقتل والطغيان والسيطرة والتملكّ في هذه الأرض.

وإنَّ قول الله تعالى: "وَقَدَّرَ فِيہَآ أَقۡوَاتَہَا... سَوَآءً لِّلسَّآٮِٕلِينَ"، هو أكبر دليل على أنَّ ملكت أيماننا الّذين ذكرهم الله تعالى في آية (٧١) من سورة النحْل وفي آية (٢٨) من سورة الروم هُم السائِلين في آية (١٠) من سورة فصلت، أي هم المساكين والمُحتاجين والضعفاء الّذين يسألون الله من فضله، الّذين هم بحاجة إلى القوت (رزق الله).

 

(٥): الدليل أنَّ ملكت أيماننا هُم ليسوا فقط الضعفاء والمساكين والمحتاجين من النساء بل هم أيضًا الضعفاء والمساكين والمحتاجين من الرجال، نجده في آية (58) من سورة النور:

* سُوۡرَةُ النُّور
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَـٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَـٰثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِ‌ۚ ثَلَـٰثُ عَوۡرَاتٍ لَّكُمۡ‌ۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّ‌ۚ طَوَّافُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُڪُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ كَذَالِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأَيَـٰتِ‌ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٨).

إنَّ قول الله عزّ وجلّ في هذه الآية: "لِيَسۡتَـٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُكُمۡ"، هو أكبر دليل على أنَّ ملكت أيماننا في هذه الآية هُمُ الرجال، لقد قال الله تعالى: "ٱلَّذِينَ" ولم يقُل: "الآتي".

 

(٦): بعد أن بيّنت لكم مفهوم "ملكت أيمانكم" باختصارمن خلال آيات الله البيّنات أريد أن اُعرّفّ لكم معنى "ملكت أيمانكم" لُغويًا:
اليمين جمع أيمُن وأيمان يعني القسم أي العهد، إذًا أيماننا هي العقود، أي العُهود، أي ما ملَّكنا أنفسنا من عهد، أي ما عاهدنا أنفسنا عليه أمام الله عزّ وجلّ.
المَلَك هو ما يملكه الإنسان.
إذا نظرنا في كلمة "ملكت"، نجد أنّها تابعة لأيماننا وليست تابعة للمرأة السّبِيَّة، لقول الله تعالى: "ما ملكت أيمانكم"، إذًا أيماننا هي الّتي ملكت.

"ما ملكت أيماننا" هم كل إنسان تملكه أيماننا، أي هم كل إنسان يملكه عهدنا، أي هم كل إنسان أيماننا ملكتهُ، أي هم كل إنسان عاهدنا أنفسنا كمؤمنين على مساعدته أمام الله، وإنَّ كل إنسان له حقٌّ وعهدٌ علينا يكون من ما ملكت أيماننا، إذًا ما ملكت أيماننا هم الّسائلين والمحتاجين والضعفاء الّذين لهم حقٌ علينا في مساعدتهم.

 

(٧): إذا نظرنا مرة أخرى في القرءان الكريم، نجد أنَّ الله عزّ وجلّ قد أعطانا معنى "ما ملكت أيماننا" من خلال آية (٣٣) من سورة النساء وآية (٧) و(٨) من سورة النساء:

* سُوۡرَةُ النِّسَاء
وَلِڪُلٍّ جَعَلۡنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَالِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ‌ۚ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتۡ أَيۡمَـٰنُڪُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِيبَہُمۡ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ ڪَانَ عَلَىٰ ڪُلِّ شَىۡءٍ شَهِيدًا (٣٣).

عقد يعني أحكم وهو عكس حلَّ.
عقد العهد أو اليمين يعني أحكم العهد ولم يحُلّه.
وعقد البيع أو اليمين يعني أحكمه.
وأحكمه على الشيء يعني عاهدهُ.
وعقدَ له الشيء يعني ضمَنَهُ.

"عقدت أيمانكم" تعني أحكمت عهودكم ولم تحُلَّهُ.
"والّذين عقدت أيمانكم" هُم الّذين أحكمتم عهدكم عليهم بمُساعدتهم ولم تحلّوا هذا العهد أو تتنصّلوا عنه.
إذًا "الّذين عقدت أيمانكم" هُم "الّذين ملكت أيمانكم" وهُم "ما ملكت أيمانكم".

 

(٨): * سُوۡرَةُ النِّسَاء
لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَالِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَالِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَ‌ۚ نَصِيبًا مَّفۡرُوضًا (٧) وَإِذَا حَضَرَ ٱلۡقِسۡمَةَ أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰڪِينُ فَٱرۡزُقُوهُم مِّنۡهُ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلاً مَّعۡرُوفًا (٨).

إذا قارنا آية (٣) من سورة النساء بآية (٧) و(٨) من سورة النساء، نجد تشابهًا كبيرًا بينهم يدلّنا بل يؤكدّ لنا أنَّ "الّذين عقدت أيمانكم" في آية (٣) هُم الّذين "حضر القسمة أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰڪِينُ" في آية (٨)، هذا يُثبت بل يؤكدّ لنا أنَّ "الّذين عقدت أيماننا" هُم أولي القربى المُحتاجين واليتامى والمساكين أي فئة الضعفاء، وبالتالي هُمُ "الّذين ملكت أيماننا" و"ما ملكت أيماننا".

 

(٩): في النهاية أنصح كل إنسان يريد أن يتحدث في القرءان أن لا يتحدث فيه من خلال نفسه وأهوائِهِ وإلاّ سوف يقع في الكفر والضلآلة، لذلك أنصحه نصيحة لوجه الله عزّ وجلّ أن يبتعد عن هذا الطريق، وأن لا يتحدث في القرءان ويجادل في آياته من غير علم ولا هدىً ولا كتاب منير وإلاّ فسوف يكون حسابه عند ربه، "إنه لا يُفلح الكافرون".

وأنصحه مرة ثانية أن يترك رأيَهُ وأهواءه لِنفسه لكي لا يُضِل الآخرين من دون علم، فيكفيه أن يحمل أثقاله بدلاً من أن يحمل أثقالاً مع أثقاله، فيُصبح له ضعف العذاب في الآخرة.

أرجوا منه أن يقرأ الآيات التالية ويفتح أذنيه ويُنصت إليها جيدًا، ربما يأخذ منها عِظة فيتوب ويبتعد عن طريق الضلالة والتكبرّ، لأنه لم يبلغ معشآر ما ءاتاه الله من علمه.

* سُوۡرَةُ العَنکبوت
وَقَالَ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلۡنَحۡمِلۡ خَطَـٰيَـٰكُمۡ وَمَا هُم بِحَـٰمِلِينَ مِنۡ خَطَـٰيَـٰهُم مِّن شَىۡءٍ‌ۖ إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ (١٢) وَلَيَحۡمِلُنَّ أَثۡقَالَهُمۡ وَأَثۡقَالاً مَّعَ أَثۡقَالِهِمۡ‌ۖ وَلَيُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ عَمَّا ڪَانُواْ يَفۡتَرُونَ (١٣).

* سُوۡرَةُ الحَجّ
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَـٰبٍ مُّنِيرٍ (٨) ثَانِىَ عِطۡفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ‌ۖ لَهُ فِى ٱلدُّنۡيَا خِزۡىٌ وَنُذِيقُهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ (٩) ذَالِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلۡعَبِيدِ (١٠).

* سُوۡرَةُ المؤمنون
وَمَن يَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرۡهَـٰنَ لَهُ بِهِۦ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِۦۤ‌ۚ إِنَّهُ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ (١١٧).

* سُوۡرَةُ سَبَأ
وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَآ ءَاتَيۡنَـٰهُمۡ فَكَذَّبُواْ رُسُلِىۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ (٤٥).

أدعوا الله تعالى أن يجعلنا من الذين يتواضعون، ولا يبخلون على "ما ملكت أيمانهم".

79 November 02, 2016