مفهوم أمّ الكتاب من سورة الرعد

 

مفهوم أمّ الكتاب من سورة الرعد

 

السلام عليكم.

* سُوۡرَةُ الرّعد
وَكَذَالِكَ أَنزَلۡنَـٰهُ حُكۡمًا عَرَبِيًّا وَلَٮِٕنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَمَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِىٍّ وَلَا وَاقٍ (٣٧) وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلاً مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِىَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ‌ۗ لِكُلِّ أَجَلٍ ڪِتَابٌ (٣٨) يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُ‌ۖ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلۡڪِتَـٰبِ (٣٩).

إنَّ هذا القرءان هو أمّ الكتاب، وهذا يعني أنَّهُ النسخة الأصلية الإلاهية بلغته العربية وبأحرفِهِ الأبجدية المذكورة في آياتِهِ، وإنَّ المفهوم والمعنى والمغزى من "قرءانًا عربيًّا" هو أنَّ هذا القرءان هو في الحقيقة جميع كتب ورسالات الأنبياء والرُسُل ولكن باللغة العربية، ولذلك فهو أمّ الكتاب أي الكتاب الأصل أي النسخة الأصليَّة لجميع كُتُب الله عزّ وجلّ ووحيٌ مباشر منه كالتوراة والإنجيل وجميع كُتُبِ ورسالات الله، ولذلك فإنَّ هذا القرءان هو علِيٌّ حكيم لأنَّهُ في أم الكتاب، لأنَّ فيه التوراة الأمّ والإنجيل الأمّ وفيه جميع النسخات الأصلية لجميع الرسالات من الله العلي الحكيم.

نجد الدليل على ذلك في سُورة الزخرف، الرعد، يوسف، فصلت، مريم، الشعراء، الدخان، النساء، هود، الأنعام والأحقاف:

* سُوۡرَةُ الزّخرُف
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

حمٓ (١) وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّڪُمۡ تَعۡقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِىٓ أُمِّ ٱلۡكِتَـٰبِ لَدَيۡنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ (٤).

"حم والكتاب المُبين"، لأنَّ القرءان مُبين، ففيهِ جميع رسالات الأنبياء والرُسُل باللغة العربية، ولذلك بدأ الله تعالى تلك الآيات بقوله في آية (1): "حم"، وأكمل بآية (3) و(4).

* سُوۡرَةُ الرّعد
وَكَذَالِكَ أَنزَلۡنَـٰهُ حُكۡمًا عَرَبِيًّا وَلَٮِٕنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَمَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِىٍّ وَلَا وَاقٍ (٣٧) وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلاً مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِىَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ‌ۗ لِكُلِّ أَجَلٍ ڪِتَابٌ (٣٨) يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُ‌ۖ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلۡڪِتَـٰبِ (٣٩).

"حكمًا عربيًّا": لأنَّ الله عزّ وجلّ أعاد تنزيل جميع كُتُبِهِ ورسالاته السابقة بجميع أحكامها في القرءان باللغة العربية، لأنَّهُ سُبحانهُ وتعالى عنده أم الكتاب أي عنده أصل جميع الرسالات والكتب الّتي أنزلها على جميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ، ولذلك مهما حاول الناس تحريف ومحو رسالاته وكُتُبه وأحكامه الّتي وضعها في جميع كُتُبه لجميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ، فلن يستطيعوا أن يمحو أمّ الكتاب أي أصل الكتاب أي النسخة الأصلية الغير مُحرَّفة، لأنها موجودة فقط عند الله وبعِلمِهِ، فهو وحده عنده أم الكتاب، أي وحده عنده الطبعة الأصلية لجميع كُتُبِهِ ورسالاتِهِ وأحكامِهِ وشرائِعِهِ وسُننِهِ، لذلك فهو وحده سُبحانهُ الّذي يستطيع أن يمحو الكُتُب المُحرَّفة ويُثبت كُتُبِهِ بجميع أحكامها وشرائِعها الأصلية، ولقد أثبتها من خلال إعادة تنزيلها في القرءان بلغته العربية الأصل، وحفظها من خلال حفظه للقرءان بلغته العربية وبوضعه لتلك الأحرف الأبجدية العربية فيه كآيات.

* سُوۡرَةُ یُوسُف
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

الٓر‌ۚ تِلۡكَ ءَايَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُبِينِ (١) إِنَّآ أَنزَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ (٢) نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن ڪُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَـٰفِلِينَ (٣) إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ... (٤) ... (١١١).

"قرءانًا عربيًّا": لأنَّ فيه قصة أي رسالة يوسف عليه السلام باللغة العربية، لذلك قال الله تعالى في آية (٣): "نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ"، وأكمل تعالى بقوله في آية (4): "إذ قال يوسُفُ...".

* سُوۡرَةُ النَّمل
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦) إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦۤ إِنِّىٓ ءَانَسۡتُ نَارًا سَـَٔاتِيكُم مِّنۡہَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِيكُم بِشِہَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ (٧). 

إذًا، فالقرءان هو ما حصلَ مع موسى وفرعون وقومِهِ، أي هو رسالة الله ووحيه الّذي أوحاهُ لموسى، أي هو التوراة الّتي أوحاها الله لِموسى في السابق والّتي تلقّاها محمد من الله لاحِقًا، سلامٌ على موسى ومحمد، هذا ما بيَّنه الله تعالى لنا بقولِهِ: "وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ، إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ...".

* سُوۡرَةُ فُصّلَت
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

حمٓ (١) تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (٢) كِتَـٰبٌ فُصِّلَتۡ ءَايَـٰتُهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا لِّقَوۡمٍ يَعۡلَمُونَ (٣).

لقد فصَّلَ الله عزّ وجلّ لنا آيات القرءان عندما أنزله وجعلهُ قرءانًا عربيًّا، وهذا يعني أنَّ القرءان مُفصَّل لأنَّ فيه جميع قصص ورسالات وكُتُبْ وعِبَر وأمثال جميع الأنبياء والرُسُل باللغة العربية، ولذلك بدأ الله تعالى آية (١) بقوله: "حم" وأكمل آية (٢) بقوله: "تنزيلٌ من الّرّحمن الرّحيم" لأنَّ من رحمتِهِ أن يُعيد تنزيل جميع كُتُبِهِ ورسالاته الّتي حُرِّفت في السابق ويحفظها في القرءان فيُصبح بذلك القرءان للناس كافة، وهذه رحمة منه لكي يُدخل ليس فقط أمّة محمد الجنة، ولكن جميع الأمم من دون استثناء.

* سُوۡرَةُ مَریَم
فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَـٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلۡمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِۦ قَوۡمًا لُّدًّا (٩٧).

لقد يسَّرَ الله عزّ وجلّ القرءان أي التوراة والإنجيل وجميع كُتُبِهِ بلسان محمد، ممّا يدلّنا على أنَّ هذا القرءان هو الطبعة الأصلية الّتي أُنزلت على محمد بلِسانِهِ أي بلُغتِهِ العربيِّة.

* سُوۡرَةُ الشُّعَرَاء
وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ (١٩٣) عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ ٱلۡأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ ءَايَةً أَن يَعۡلَمَهُ عُلَمَـٰٓؤُاْ بَنِىٓ إِسۡرَآءِيلَ (١٩٧) وَلَوۡ نَزَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيۡهِم مَّا ڪَانُواْ بِهِۦ مُؤۡمِنِينَ (١٩٩) كَذَالِكَ سَلَكۡنَـٰهُ فِى قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ (٢٠٠) لَا يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ (٢٠١).

"بلسانٍ عربيٍّ مُّبين": لأنَّ القرءان نزل بلسان محمد عليه السلام أي بلُغتِهِ العربية، "وإنَّهُ لفي زُبُرِ الأوَّلين": هذا أكبر دليل على أنَّ القرءان كان في كُتُبِ الأوَّلين أي أنَّ جميع ما ذكرهُ الله عزّ وجلّ في هذا القرءان كان في السابق موجودًا في جميع الكُتُب الّتي أنزلها الله على جميع الأنبياء والرُسُل، مِمّا يدُلُّنا على أنَّ الله تعالى أعاد تنزيل جميع رسالاته وحفظها في القرءان، ولذلك أكمل تعالى بقولِهِ في آية (١٩٧): "أَوَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ ءَايَةً أَن يَعۡلَمَهُ عُلَمَـٰٓؤُاْ بَنِىٓ إِسۡرَآءِيلَ"، لأنَّ عُلماء بنو إسرآئيل هُم رجال الدين الّذين درسوا القرءان جيِّدًا وعلِموا أنَّهُ التوراة بلسانٍ عربيٍّ مُّبين، أي علِموا أنَّ توراتهم الّتي بين أيديهِم مُحرَّفة، وأنَّ توراتهم الّتي بين يدَيْ القرءان هي التوراة الصحيحة، وعلى الرُغم من ذلك لم يؤمنوا بها لِقولِهِ تعالى في آية (١٩٨) و(١٩٩): "وَلَوۡ نَزَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِينَ، فَقَرَأَهُ عَلَيۡهِم مَّا ڪَانُواْ بِهِۦ مُؤۡمِنِينَ"، هُنا يُريد الله تعالى أن يُخبرنا أنَّهُ حتّى لو نزَّلَ هذا القرءان بلِسان بعض الأعجمين (لغة قوم اليهود) فلن يؤمنوا بِهِ بحجَّة أنَّهُ كتابٌ لِسانُهُ أعجمي، فكيف يستطيع رسولهم محمد عليه السلام أن يقرأهُ عليهم وهو لِسانُهُ عربي ولذلك يُصبِح في نظرِهِم وظنِّهِم الكاذِب كتابٌ غير مُفصَّل أي ناقِص، ولكن عدم إيمانهم بِهِ هو في الحقيقة ليس بسبب حجَّتهم هذه، فهي حُجَّة داحِضة، ولكن بسبب كُفرِهِم وإشراكهم واختلافِهِم في الكتاب الّذي أُنزِلَ على موسى في السابِق، فإذا لم يؤمنوا في السابِق بكتاب موسى بِلِسانِهِ، فكيف سوف يؤمنون بكتاب موسى بِلِسان مُحمَّد، ولذلك وصفهم الله تعالى بالمُجرمين وبقولِهِ عنهم في آية (٢٠٠) و(٢٠١): "كَذَالِكَ سَلَكۡنَـٰهُ فِى قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ، لَا يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ"، هذا ما بيَّنَهُ الله تعالى لنا من خلال تشابُه تلكما الآيتان آية (١٩٨) و(١٩٩) بآية (٤٤) و(٤٥) من سورة فُصِّلت الّتي ذكرتها لكم سابقًا في أعلاه:

سُوۡرَةُ الشُّعَرَاء: وَلَوۡ نَزَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيۡهِم مَّا ڪَانُواْ بِهِۦ مُؤۡمِنِينَ (١٩٩).

سُوۡرَةُ فُصّلَت: وَلَوۡ جَعَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا أَعۡجَمِيًّا لَّقَالُواْ لَوۡلَا فُصِّلَتۡ ءَايَـٰتُهُ ءَا۠عۡجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ... (٤٤) وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِ‌ۗ وَلَوۡلَا ڪَلِمَةٌ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيۡنَهُمۡ‌ۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِى شَكٍّ مِّنۡهُ مُرِيبٍ (٤٥).

* سُوۡرَةُ الدّخان
فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَـٰهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَڪَّرُونَ (٥٨).

"يسَّرَهُ الله تعالى بِلِسان محمد": أي أعاد تنزيل جميع كُتُبِهِ ورسالاته السابقة ويَسَّرَها بلغة القرءان العربية، أي جمعها جميعها ووضعها في كتابٍ واحد (القرءان الكريم) وبيَّنها بِلِسان محمد عليه السلام من خلال لغة القرءان العربية، تذكرةً لجميع الناس ولجميع الأمم بجميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ وكُتُبِهِ ورسالاتِهِ. ولذلك قال تعالى في سورة النحل:

* سُوۡرَةُ النّحل
وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُّوحِىٓ إِلَيۡہِمۡ‌ۚ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ (٤٣) بِٱلۡبَيِّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِ‌ۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّڪۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡہِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤).

"فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ بِٱلۡبَيِّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِ‌": "أهل الذكر" هُم الأنبياء والرُسُل السابقين، كيف نسألهم بالبيِّنات والزُبُر، أي برسالات الله وكُتُبِهِ الّتي أنزلها عليهم في السابق؟

نسألهم من خلال كُتُبهم ورسالاتهم الّتي أنزلها الله تعالى وحفظها في القرءان بلسان القرءان (أي باللغة العربية)، أي نسألهم عن رسالاتهم من القرءان، أي نسأل عمّا قال موسى في التوراة من توراة موسى الّتي حُفِظت في القرءان، ونسأل عمّا قال عيسى في الإنجيل من إنجيل عيسى الّذي حُفِظ في القرءان، ولذلك أكمل الله بقولِهِ في آية (٤٤): "وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّڪۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡہِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ"، لِكَيْ يُعلمنا أنَّهُ تعالى أنزل إلى محمد الذِّكر أي القرءان بما فيهِ من توراة وإنجيل وجميع كُتُب ورسالات الله السابقة، لِكَيْ يُبيِّنَ للناسِ أي لجميع الناس والأمم، ما نُزِّلَ إليهم أي ما نُزِّل إلى ءابآئِهِم وأمَّتِهِم في السابق من توراة وإنجيل وجميع رسالات وكُتُب الله، إذًا فالقرءان (الذِّكر) هو الّذي يُبيِّن لجميع الناس ما نُزِّلَ إليهم (جميع كُتُبِهِم السابقة)، لأنّ جميع تلك الكُتُب كانت قد حُرِّفت عبر الزمن قبل نزول القرءان، ولذلك أعاد الله تنزيلها وحفظها لجميع الناس في القرءان. ولذلك ختم تعالى بقولِهِ: "وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ".

* سُوۡرَةُ النّحل
وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِى ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ‌ۙ وَهُدًى وَرَحۡمَةً لِّقَوۡمٍ يُؤۡمِنُونَ (٦٤).

لقد أنزل الله تعالى القرءان لكي يُبيِّنَ للناس الّذي اختلفوا فيه، أي لكي يُبيِّنَ للناس التوراة والإنجيل وجميع رسالاتِهِ لأنهم اختلفوا فيها في السابق، ولذلك وضع الله تعالى أداة شرط "إلاّ" بقولِهِ: "وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِى ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ‌ۙ"، إذًا فإنَّ السبب في تنزيل الكتاب من الله تعالى لمحمد له هدفٌ واحد فقط، ألا وهو تبيان رسالات جميع الأنبياء والرُسُل السابقة.

وإذا أكملنا الآيات التالية، نجد الدليل على أنَّ هذا القرءان هو كتابٌ من عند الله أنزله الله تعالى بعلمِهِ، إذًا فهو الكتاب الأصل بلسانٍ عربيٍّ مُّبين:

* سُوۡرَةُ النِّسَاء
لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشۡہَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيۡكَ‌ۖ أَنزَلَهُ بِعِلۡمِهِۦ‌ۖ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ يَشۡهَدُونَ‌ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَہِيدًا (١٦٦).

* سُوۡرَةُ هُود
أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَٮٰهُ‌ۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِعَشۡرِ سُوَرٍ مِّثۡلِهِۦ مُفۡتَرَيَـٰتٍ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِينَ (١٣) فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ‌ۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ (١٤).

* سُوۡرَةُ الاٴحقاف
قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرۡتُم بِهِۦ وَشَہِدَ شَاهِدٌ مِّنۢ بَنِىٓ إِسۡرَآءِيلَ عَلَىٰ مِثۡلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ‌ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَہۡدِى ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (١٠) وَقَالَ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡ كَانَ خَيۡرًا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيۡهِ‌ۚ وَإِذۡ لَمۡ يَهۡتَدُواْ بِهِۦ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفۡكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَـٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامًا وَرَحۡمَةً وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُحۡسِنِينَ (١٢).

"وشهِد شاهِدٌ من بني إسرآءيل على مِثِلِهِ فآمن": لأنَّهُ شهِدَ على أنَّ التوراة مثل القرءان، وهذا يعني أنَّهُ شهِدَ على أنَّ التوراة هي القرءان، ولذلكَ آمن بالتوراة الصحيحة الّتي حُفِظت بلِسان القرءان في القرءان، وآمن بالقران أنَّهُ التوراة، وبالتالي آمن بالقران، لأنَّ القرءان كما قال الله تعالى في آية (١٢): هو "كِتابٌ مُصدِّقٌ لِسانًا عربِيًّا"، إذًا فالقرءان مُصِّدق للتوراة ولكن بلِسانٍ عربي، مِمّا يدلّنا بل يؤكدّ لنا أنَّ هذا القرءان هو التوراة بِلِسانٍ عربي، أي هو التوراة باللغة العربية.

لقد أراد الله عزّ وجلّ أن يُعلِمنا أنَّ الّذي شهد من بني إسرائيل على كتاب موسى الّذي أنزله الله تعالى ووضعه في القرءان، يكون قد ءامن بالقرءان وشهِدَ على التوراة، أمّا قوم الرسول محمد الّذين هم مُقرَّبين منه ولسانهم في الأصل عربي، فقد استكبروا وصدّوا عنهُ فلم يؤمنوا بِهِ ولم يشهدوا على مثلِهِ أي على التوراة أنَّها القرءان بالّلغة العربية.

أتمنى من الله تعالى أن يجعلنا من الذين يتّبعون فقط أمّ الكتاب (القرءان الكريم).

76 November 02, 2016