بيان سورة العصر

 

بيان سورة العصر

 

إخواني الكرام، السلام عليكم.

* سُوۡرَةُ العَصر
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

وَٱلۡعَصۡرِ (١) إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِى خُسۡرٍ (٢) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ (٣).

(١): في آية (١) يُقسِمُ الله عز وجل "بالعصر"، العصر هو الدهر أو اليوم أو الّيْل والنهار، أي الزمن الّذي عاش فيه الإنسان منذ بداية وجوديته إلى آخر زمن سوف يوجد فيه إلى أن تُفنى هذه الأرض، وصولاً إلى الزمن أو الدهر الّذي سوف يعيش فيه الإنسان حياة خلود في الآخرة (إمّا في جهنم الخلد أو في جنة الخلد)، وهنا يُقسِمُ الله عز وجل بالعصر أو بالدهر الّذي فيه وُجِد الإنسان وعاش لسنوات طويلة وعديدة في هذه الأرض، وبالتالي يُقسم بوجودية العصر الّذي فيه سوف يعيش الإنسان مرَّةً ثانيةً في الآخرة.

(٢): لقد مرَّ على الإنسان أزمان وعُصور كثيرة، ولقد طال عليه العُمُر في هذه الأرض، فالإنسان في جميع العصور وعبر الأزمان كفر وأشرك بالله وفسق وأجرم وفسد وظلم وقتل وسفك الدماء وتكبر وسيطر وطغى، إلاّ الّذين ءامنوا وعملوا الصالحات خلال تلك العصور والأزمان وقليلٌ ما هُم، ولذلك أقسم الله عز وجل بهذا العصر أو الدهر أو اليوم أو الّيل والنهار الّذي خلق تعالى فيه الإنسان وأعطاه وجوديته وابتلاه فأعطاه الحرية والخيار إمّا شاكرًا وإمّا كفورًا، ولكن الإنسان اختار أن يستخدم هذا الزمن أو الدهر أو العصر الّذي عاش فيه في سبيل الشر، ولذلك فسوف تنتهي فرصة الإنسان في هذا العصر زمن الحياة الدنيا، ولكن لن ينتهي وجود عصر ودهر وزمن لهذا الإنسان بانتهاء وجوديته في هذه الأرض، بل على العكس سوف تستمر وجوديته ويبعثه الله ويُعيد خلقه من جديد في عصر ودهر وزمن آخر في الآخرة وهو "العصر" الّذي أقسم الله عزوجل بوجوديته في آية (1) لكي يُحاسبه على أعماله الّتي قام بها عندما كان يعيش في عصر وزمن الحياة الدنيا.

(٣): وهذا يعني أنَّ الله عز وجل أقسم في آية (١) "بالعصر" لكي يُعلمنا أنه سوف يأتي يوم وينتهي هذا العصر الّذي ولد فيه الإنسان وعاش فيه بشرِّهِ وخيرِه، ولكن بالمقابل سوف يأتي عصرٌ آخر جديد يبعث جميع الناس فيه من أول الخلق إلى آخره، وسوف يُعطيهم الوجودية أي عصر ودهر وزمن يعيشون فيه، تمامًا كما خلقهم أوَّل مرّةٍ وأعطاهم الوجودية في عصر ودهر، زمن الحياة الدنيا في هذه الأرض، وكأنَّ الله عز وجل يُقسِمُ بوجودية عصر جديد في أرض فيها عذاب، تأكيدًا منه أنه سوف يخلق الإنسان في هذا العصر الجديد في الآخرة، عصر وزمن جهنم، أي تأكيدًا منه بأنه سوف يوجِد الإنسان في الآخرة وسوف يُعذِّبه في جهنم.

(٤): فكما خلق عصر أو زمن أو دهر أو يوم أو ليل ونهار وأوجد الحيواة الدنيا، يستطيع سُبحانه أن يُعيد خلق عصر أو زمن أو دهر أو يوم أو ليل ونهار جديد من أجل أن يُحاسب الإنسان على أعماله الّتي قام بها سابقًا في هذه الأرض، ولذلك أكمل تعالى بقولِهِ في آية (٢): "إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِى خُسۡرٍ"، تأكيدًا منه على أنه سوف يبعث الإنسان الظالم والفاسد ويُحاسبه على أعماله في عصر أو دهر أو زمن جديد آخر في الآخرة وسوف يعيش فيه "في خُسْرْ"، لأنه سوف يعيش في عصر أرض جهنم دهر خلود إلى أبد الآبدين.

(٥): ومتى يكون الإنسان "في خُسْرْ"؟
بالتأكيد في الآخرة عندما سوف يبعثه الله ويُعيد خلقه من جديد ويُحاسبه على أعماله ويحعله يعيش في أرض وعصر وزمن الخلود في جهنم. باستثناء الإنسان الصالح، فلن يكون "في خُسْرْ" في الآخرة ولن يعيش في عصر أو زمن فيه عذاب، بل سوف يكون في عصر الرحمة في أرض الجنة، لذلك أكمل تعالى بقوله في آية (٣): "إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ".

(٦): في الختام سوف أقارن آيات سورة العصر بآيات في سُور أخرى:

* سُوۡرَةُ العَصر
وَٱلۡعَصۡرِ (١) إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِى خُسۡرٍ (٢) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ (٣).

* سورة الإنسان
هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴿١﴾ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴿٢﴾ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴿٣﴾.

إذا ربطنا آية (١) و(٢) من سورة العصر بآية (١) و(٢) و(٣) من سورة الإنسان، نجد تشابهًا بينها، وهو أنَّ العصر هو الدهر وهو الزمن الّذي خلق وأوجد الله عز وجل فيه الإنسان من نطفة أمشاج وابتلاه فيه وأعطاه الحرية والخيار إمّا بالشكر وإمّا بالكفر.

"ٱلۡعَصۡرِ" = "الدَّهْرِ" = "إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ" = وجودية خلق الإنسان هي من وجودية العصر والدهر.
"إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ" = "هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنْسَانِ" = لقد ذكر الله عز وجل الإنسان في كلتا السورتين.

* سُوۡرَةُ العَصر
وَٱلۡعَصۡرِ (١) إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِى خُسۡرٍ (٢) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ (٣).

* سورة الأنعام
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴿٣١﴾ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٣٢﴾.

* سورة الأعراف
وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٥٢﴾ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ۚ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿٥٣﴾.

* سورة يونس
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ۚ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴿٤٥﴾.

إذا ربطنا آية (٢) من سورة العصر بآية (٣١) من سورة الأنعام وآية (٥٣) من سورة الأعراف وآية (٤٥) من سورة يونس، نجد تشابهًا بينها، وهو أنَّ الإنسان سوف يكون "في خُسْرْ" حين يبعثه الله ويُحاسبه على أعماله في الآخرة.

سورة الإنسان: "إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِى خُسۡرٍ" = سورة الأنعام: "قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً..." (٣١) = سورة الأعراف: "يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ... قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ" (٥٣) = سورة يونس: "وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ... قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وما كانوا مُهتدين" (٤٥).

 

أدعوا الله تعالى أن يجعلنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.

75 November 02, 2016