ما هو مفهوم الأمانة أو الأمانات في القرءان الكريم؟ 

 

ما هو مفهوم الأمانة أو الأمانات في القرءان الكريم؟ 
 

السلام على من حمل أمانات الله وائتمن عليها.

* سُوۡرَةُ النِّسَاء
إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦۤ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرًا (٥٨).

 

(١): في هذه الآية يأمرنا الله تعالى "أن نؤدّي الأماناتِ إلى أهلها". "الأمانات" هي "الصلوات" أي هي جميع الكُتُب السابقة الّتي حُفِظَتْ في القرءان، ولقد سمّاها الله تعالى بالأمانات لأنه إئتمن عليها في القرءان الكريم، إنَّ أمْر الله تعالى لنا في آية (58) "أن نؤدّي الأمانات إلى أهلها" هو في الحقيقة أمر أن نوصِلْ رسالة التوراة إلى أهل التوراة، ورسالة الإنجيل إلى أهل الإنجيل، وجميع الرسالات إلى جميع الناس لكي نُظهِرْ لهم دينهم الحق الّذي أصبح باطلاً لأنه حُرِّفَ عبر الزمن وقبل نزول القرءان فنُعطيهم بذلك دينًا واحدًا للجميع، لكي نُظهِرُهُ على الدين كُلِّهِ، وهذا هو عين المساواة والعدل، لذلك قال الله تعالى في سورة الفتح و سورة التوبة:

* سُوۡرَةُ الفَتْح
لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّ‌ۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ‌ۖ فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَالِكَ فَتۡحًا قَرِيبًا (٢٧) هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ‌ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا (٢٨).

* سُوۡرَةُ التّوبَة
وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِ‌ۖ ذَالِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَاهِهِمۡ‌ۖ يُضَـٰهِـُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ مِن قَبۡلُ‌ۚ قَـٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ‌ۚ أَنَّىٰ يُؤۡفَڪُونَ (٣٠) ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَـٰنَهُمۡ أَرۡبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَـٰهًا وَاحِدًا‌ۖ لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ‌ۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِڪُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَاهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوۡ ڪَرِهَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ (٣٢) هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ ڪُلِّهِۦ وَلَوۡ ڪَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ (٣٣).

لقد أخبرنا الله تعالى في تلك الآيات البينات من سورة التوبة أنَّ اليهود والنصارى أشركوا بالله عُزَيْرْ، والمسيح عيسى ابن مريم، وأحبارهم، ورهبانهم، وذلك بعبادتهم وتأليهِهِمْ لهُم، أي بتحريفهم للتوراة والإنجيل، أي تحريفهم لدينِهِم الإسلام الحق من خلال كُتُبْ أحاديث وأقاويل كاذبة كُتِبت من آبائِهِمْ الأوّلين على أساس أنها من عند الله وما هي من عند الله.

لقد بدَّلوا دينهم الحق الإسلام وصنعوا أديانًا باطلة يهودية، ومسيحية ما أنزل الله بها من سُلطان، لقد أرادوا بذلك "أن يُطفِئوا نور الله بأفواهِهِمْ"، أي أن يُبطِلوا التوراة والإنجيل الحق بِمَحْوِهِم له من خلال تحريفِهِم الباطل، "ولكنَّ الله يأبى إلاَّ أنْ يُتِمَّ نوره ولو كره الكافرون"، فأنزل التوراة والإنجيل لمحمد عليه السلام باللغة العربية وحفظهم في القرءان ومنع تحريفِهِم من خلال حِفظِهِ للقرءان، لكي يُظهِرْ دين الحق ويمحوا دين الباطل، لذلك قال الله تعالى في آية (32) و(33) من سورة التوبة، وفي آية (9) من سورة الحِجْر:

* سُوۡرَةُ التّوبَة
يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَاهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوۡ ڪَرِهَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ (٣٢) هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ ڪُلِّهِۦ وَلَوۡ ڪَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ (٣٣).

* سُوۡرَةُ الحِجر
إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ (٩).

(٢): للأسف لقد اتَّبَعَ أكثر المسلمين خُطى الّذين كفروا من أهل الكتاب، ولقد أشرك المسلمون أيضًا بالله، لقد قسّموا دينهم الحق، وبدلاً من أن يعبدوا الله وحده مُخلصين له الدين، أي بدلاً من أن يتّبعوا القرءان وحده فقط لا كتاب آخر شريك له، عبدوا محمدًا، وأبو بكر، وعمر، وعلي، وفاطمة، وعائشة، وخديجة، والحسن، والحسين، وبخاري، ومسلم، والكافي، وجهلاء الدين من الأئِمَّة والمفتِيِّين، إلخ...، عبدوا كُلّْ هؤلاء من خلال تحريفِهِم للقرءان بواسطة تفاسير باطلة ووحي السنة لكي "يُطفِئوا نور الله بأفواهِهِم"، ولكن الله تعالى أتَمَّ نوره بِحِفٍظِهِ للقرءان من أي تحريف ولو كره المُشرِكون، لقد وصف الله تعالى إشراكهم من خلال آيات سورة يوسف، والإسراء، والزمر، وغافر:

* سُوۡرَةُ یُوسُف
وَمَا يُؤۡمِنُ أَڪۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ (١٠٦).

* سُوۡرَةُ الإسرَاء
وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَيۡنَكَ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسۡتُورًا (٤٥) وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِہِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِہِمۡ وَقۡرًا‌ۚ وَإِذَا ذَكَرۡتَ رَبَّكَ فِى ٱلۡقُرۡءَانِ وَحۡدَهُۥ وَلَّوۡاْ عَلَىٰٓ أَدۡبَـٰرِهِمۡ نُفُورًا (٤٦).

* سُوۡرَةُ الزُّمَر
وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأَخِرَةِ‌ۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۤ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ (٤٥).

* سُوۡرَةُ غَافر
ذَالِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ڪَفَرۡتُمۡۖ وَإِن يُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُواْۚ فَٱلۡحُكۡمُ لِلَّهِ ٱلۡعَلِىِّ ٱلۡكَبِيرِ (١٢).

وآيات أُخرى كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى.

 

(٣): إذًا كيف نستطيع "أن نؤدّي الأماناتِ إلى أهلها" كما أمرنا الله تعالى في آية (58) في سورة النساء؟

نستطيع أن نفعل ذلك من خلال "الصلواة الوسطى"، أي من خلال القرءان، ولقد سمّى الله تعالى القرءان "بالصلواة الوسطى" لكي يُذكِّرُنا أنَّ "الصلوات" هي "الصلواة الوسطى"، فنحن لا نستطيع أن نُحافظ على "الصلوات" إلاّ إذا حافظنا على "الصلواة الوسطى"، أي إلاَّ إذا حافظنا على القرءان، لأنَّ القرءان يُساوي ويَعدل بين جميع رسالاتِهِ وأنبياءِهِ ورُسُلِهِ لأنه حافظ على جميع تلك الرِّسالات فيه، فهو الكتاب الوحيد الّذي يُعطينا دينًا  واحدًا، أي قانونًا واحدًا لا غير ألا وهو دين وقانون الوسط، أي دين وقانون العدل لأنه يعدلْ ويُساوي بين جميع الناس، ولأنه يجمع جميع الأمم لتكون أمَّةٍ واحدة من دون أن يُفرِّق بينهم، فنستطيع بذلك أن نُطبِّق قانون واحد على الجميع، ألا وهو قانون الله الواحِدْ الّذي يُساوي ويعدل بين جميع خَلْقِهِ، ولأنه يأمر بالخير والعدل والإحسان وينهى عن الشَّرّْ والظلم والفساد، ولذلك أكمل الله تعالى قوله في تلك الآية: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل".

* سُوۡرَةُ المؤمنون
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَـٰلِحًا‌ۖ إِنِّى بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هَـٰذِهِۦۤ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا۟ رَبُّڪُمۡ فَٱتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَہُمۡ زُبُرً۬ا‌ۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡہِمۡ فَرِحُونَ (٥٣).

 

(٤): الدليل على أنَّ القرءان إئتمن على جميع الرسالات نجده في سورة المائدة آية (٤٤) ومن آية (٤٦) إلى (٤٩):

* سُوۡرَةُ المَائدة
إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَٮٰةَ فِيہَا هُدًى وَنُورٌ يَحۡكُمُ بِہَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ وَڪَانُواْ عَلَيۡهِ شُہَدَآءَ‌ۚ فَلَا تَخۡشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِـَٔايَـٰتِى ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ (٤٤).

* سُوۡرَةُ المَائدة
وَقَفَّيۡنَا عَلَىٰٓ ءَاثَـٰرِهِم بِعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَٮٰةِ‌ۖ وَءَاتَيۡنَـٰهُ ٱلۡإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَٮٰةِ وَهُدًى وَمَوۡعِظَةً لِّلۡمُتَّقِينَ (٤٦) وَلۡيَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ‌ۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡڪُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ (٤٧) وَأَنزَلۡنَا إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡڪِتَـٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِ‌ۖ فَٱحۡڪُم بَيۡنَهُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ‌ۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاءَهُمۡ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّ‌ۚ لِكُلٍّ۬ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةً وَمِنۡهَاجًا وَلَوۡ شَاءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَڪُمۡ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِى مَا ءَاتَٮٰكُمۡ‌ۖ فَاسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَاتِ‌ۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُڪُمۡ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَہُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَ‌ۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَہُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِہِمۡ‌ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَـٰسِقُونَ (٤٩).

إنَّ قول الله تعالى في آية (٤٨): "وأنزلنا إليك... بما أنزل الله" هو أكبر دليل على أنَّ الأمانات الّتي ذكرها الله تعالى في آية (٥٨) من سورة النساء هي الكُتُب الّتي إئتمن عليها القرءان.

"وأنزلنا إليك الكتاب بالحق" أي القرءان، لماذا بالحق؟

لأنه "مُصدِّقًا لِما بين يديه من الكتاب" أي مُصدِّقًا لما بين يديه من التوراة والإنجيل وجميع كُتُبِ الله، "ومُهيمنًا عليه"، أي "مؤتمِنًا عليه"، أي مؤتمنًا على التوراة والإنجيل وجميع كُتُب الله، ولقد حفظها الله تعالى في القرءان أمانة لِكي نؤدّيها إلى أهلها.

إذًا فالقرءان هو جميع الصلوات الّتي صلاَّها الله تعالى وملائِكته على جميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ، وهو أيضًا "الصلواة الوسطى" لأنَّ الله تعالى أعطى جميع الناس دينًا واحدًا ولم يُفرِّق بين أنبيآئِهِ ورُسُلِهِ، فساوى بذلك بين جميع الأمم وعَدَلَ بينهم وأمرهم أن يَعدلوا بين بعضهم البعض، والدليل أنّ الله تعالى شرع دينًا واحدًا وحفظه في كتب قيّمة وحفظ تلك الكتب القيّمة في القرءان نجده في:

* سُوۡرَةُ الشّوریٰ
شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًا وَٱلَّذِىٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦۤ إِبۡرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ‌ۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ‌ۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِ‌ۚ ٱللَّهُ يَجۡتَبِىٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَاءُ وَيَہۡدِىٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ (١٣).

* سُوۡرَةُ البَیّنَة
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

لَمۡ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأۡتِيَہُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ (١) رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتۡلُواْ صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (٢) فِيہَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣).

وآيات أُخرى كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى.

أمّا بالنسبة لقولِهِ تعالى في آية (48) من سورة المائدة: "فاحكُم بينهم بما أنزل الله" فهو أكبر دليل لقولِهِ تعالى في آية (58) من سورة النساء: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" على أنَّ "الحُكم بالعدل" هو "الحُكم بما أنزل الله"، أي "الحُكم بالقرءان".

* سُوۡرَةُ الاٴحزَاب
إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَہَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡہَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَـٰنُۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً (٧٢) لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَـٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَـٰفِقَـٰتِ وَٱلۡمُشۡرِڪِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَـٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمَۢا (٧٣).

 

(٥): الأمانة هي كتاب الله تعالى ورسالاتُهُ الّتي أنزلها على جميع أنبيآئِهِ ورُسُلِهِ، وإنَّ قبول الإنسان أو النفس بحمل هذه الأمانة هو بهدف أن يظلُم، ويطغى، ويبغي، ويُسيطر في الأرض باسم الدين أو القانون، بواسطة استخدام هذا الإنسان تلك الأمانة من أجل مصلحته الشخصية بتحريفها وبصناعة أديان باطلة نفاقًا وإشراكًا بها، وبصناعة قوانين بشرية باطلة من خلال سرقة واستغلال علمها الّذي وضعهُ الله تعالى فيها، وإذا نظرنا بالتاريخ القرءاني نجد أنَّ الإنسان منذ بدأ الخلق وعبر الزمن إلى يومنا هذا، قد حرَّف جميع رسالات وكُتُب الله، وألحدَ، وكفرَ، وأشركَ، وظلَمَ بها من خلال استغلالِهِ لِجميع علوم الله العظيمة التّي وضعها فيها.

إذًا فإنَّ قبول الإنسان لحمل هذه الأمانة هو من أجل نفسه، أي من أجل اتّباع أهواءِهِ ورغباتِهِ من خلال استخدام العلم الإلآهي أو تحريفِه من أجل مصالِحِهِ بهدف السيطرة في الأرض، و لقد بيَّنَ الله تعالى لنا هذا الأمر بقولِهِ:

"وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَـٰنُۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً"، أي حملها الإنسانُ لِكَيْ يظلم ويجهَل بِها، ولذلك أكمل الله تعالى هذه الآية بآية (٧٣) بقولِهِ: "لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَـٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَـٰفِقَـٰتِ وَٱلۡمُشۡرِڪِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَـٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمَۢا"، لِكي يُعلمنا بأنَّ المُنافقين والمنافقات والمشركين والمُشركات الّذين حمَّلَهُم الله تعالى الأمانة وعرضها عليهم هُم الّذين حملوا الأمانة وظلموا وجهلوا بها وسوف يُدخِلُهُم الله جهنم، أمّا فئة المؤمنين والمؤمنات الّذين حُمِّلوا هذه الأمانة كان فيها منفعة لهم وغفران ورحمة لأنّها ساعدتهم على الغفران والتوبة، وهذه الفئة لم تظلم أو تجهل بها وسوف يُدخلها الله تعالى الجنة.

 

(٦): إذا قرأنا آية (5) من سورة الجمعة نجد فيها أيضًا تفسيرًا لِقبول الإنسان حمل هذه الأمانة.

* سُوۡرَةُ الجُمُعَة
مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَٮٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢا‌ۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ‌ۚ وَٱللَّهُ لَا يَہۡدِى ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (٥).

لقد حمل الإنسان الظالم والجاهل هذه الأمانة بالتكذيب بها، أي بتحريفها، لذلك أكمل الله تعالى هذه الآية بقولِهِ:

"... بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ‌ۚ وَٱللَّهُ لَا يَہۡدِى ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ"، لذلك وصفهم الله تعالى بالحمار الّذي يحمل الكُتُبْ على ظهرِهِ ولكنَّهُ لا يفقه شيئًا منها، ولا يعقلها، ولا يعمل بها، بل يلغيها برفضهِ لها وتكذيبِهِ وتحريفِهِ بها بهدف أن يظلم الآخرين، فتصبح هذه الكُتُب أو هذه الأمانة بلا قيمة.

 

أدعوا الله تعالى أن يجعلنا من الذين يُحافظون على أماناته.

https://www.youtube.com/watch?v=m_cEPh4qtME

https://www.youtube.com/watch?v=mPa1D7Ep6t4

62 November 02, 2016