حقيقة لسان (لغة) القرءان الكريم (الجزء الثاني والأخير)

حقيقة لسان (لغة) القرءان الكريم (الجزء الثاني والأخير)

 

هل لسان القرءان الكريم عربي أم أرامي أم سرياني (أعجمي) أم ماذا سيقولون بعد؟

السلام عليكم إخوتي وأخواتي الكرام.

(١١): إنَّ هذا القرءان هو أم الكتاب، وهذا يعني أنَّهُ النسخة الأصلية الإلآهية بلغته العربية وبأحرفِهِ الأبجدية المذكورة في آياتِهِ. وإنَّ المفهوم والمعنى والمغزى من "قرءانًا عربيًّا" هو أنَّ هذا القرءان هو في الحقيقة جميع كتب ورسالات الأنبياء والرُسُل ولكن باللغة العربية، ولذلك فهو أم الكتاب أي الكتاب الأصل أي النسخة الأصليَّة لجميع كُتُب الله عز وجل ووحيٌ مباشر منه كالتوراة والإنجيل وجميع كُتُبِ ورسالات الله، ولذلك فإنَّ هذا القرءان هو علِيٌّ حكيم لأنَّهُ في أم الكتاب، لأنَّ فيه التوراة الأم والإنجيل الأم وفيه جميع النسخات الأصلية لجميع الرسالات من الله العلي الحكيم. نجد الدليل على ذلك في سُورة الزخرف، الرعد، يوسف، فصلت، مريم، الشعراء، الدخان، النساء، هود، الأنعام والأحقاف:

* سُوۡرَةُ الزّخرُف
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

حمٓ (١) وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّڪُمۡ تَعۡقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِىٓ أُمِّ ٱلۡكِتَـٰبِ لَدَيۡنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ (٤).

حم والكتاب المُبين، لأنَّ القرءان مُبين، ففيهِ جميع رسالات الأنبياء والرُسُل باللغة العربية، ولذلك بدأ الله عز وجل تلك الآيات بقوله في آية (١): "حم"، وأكمل بآية (٣) و(٤).

* سُوۡرَةُ الرّعد
وَكَذَالِكَ أَنزَلۡنَـٰهُ حُكۡمًا عَرَبِيًّا وَلَٮِٕنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَمَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِىٍّ وَلَا وَاقٍ (٣٧) وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلاً مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَاجًا وَذُرِّيَّةً۬ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِىَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ‌ لِكُلِّ أَجَلٍ ڪِتَابٌ (٣٨) يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُ‌ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلۡڪِتَـٰبِ (٣٩).

"حكمًا عربيًّا": لأنَّ الله عز وجل أعاد تنزيل جميع كُتُبِهِ ورسالآتِهِ السابقة بجميع أحكامها في القرءان باللغة العربية، لأنَّهُ سُبحانهُ وتعالى عنده أم الكتاب أي عنده أصل جميع الرسالات والكتب الّتي أنزلها على جميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ، ولذلك مهما حاول الناس تحريف ومحو رسالاته وكُتُبه وأحكامه الّتي وضعها في جميع كُتُبه لجميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ، فلن يستطيعوا أن يمحوا أم الكتاب أي أصل الكتاب أي النسخة الأصلية الغير مُحرَّفة، لأنها موجودة فقط عند الله وبعِلمِهِ، فهو وحده عنده أم الكتاب، أي وحده عنده الطبعة الأصلية لجميع كُتُبِهِ ورسالاتِهِ وأحكامِهِ وشرائِعِهِ وسُننِهِ، لذلك فهو وحده سُبحانهُ الّذي يستطيع أن يمحو الكُتُب المُحرَّفة ويُثبت كُتُبِهِ بجميع أحكامها وشرائِعها الأصلية، ولقد أثبتها من خلال إعادة تنزيلها في القرءان بلغته العربية الأصل، وحفظها من خلال حفظه للقرءان بلغته العربية وبوضعه لتلك الأحرف الأبجدية العربية فيه كآيات.

* سُوۡرَةُ یُوسُف
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

الٓر‌ تِلۡكَ ءَايَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُبِينِ (١) إِنَّآ أَنزَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ (٢) نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن ڪُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَـٰفِلِينَ (٣) إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ ... (٤) ...... (١١١).

"قرءانًا عربيًّا": لأنَّ فيه قصة، أي رسالة يوسف عليه السلام باللغة العربية، لذلك قال الله تعالى في آية (٣): "نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ"، وأكمل تعالى بقوله في آية (٤): "إذ قال يوسُفُ...".

* سُوۡرَةُ النَّمل
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦) إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦۤ إِنِّىٓ ءَانَسۡتُ نَارًا سَـَٔاتِيكُم مِّنۡہَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِيكُم بِشِہَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ (٧).

إذًا، فالقرءان هو ما حصلَ مع موسى وفرعون وقومِهِ، أي هو رسالة الله ووحيه الّذي أوحاهُ لموسى، أي هو التوراة الّتي أوحاها الله لِموسى في السابق والّتي تلقّاها محمد من الله لاحِقًا، سلامٌ على موسى ومحمد، هذا ما بيَّنه الله تعالى لنا بقولِهِ: "وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ، إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ...".

* سُوۡرَةُ فُصّلَت
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

حمٓ (١) تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (٢) كِتَـٰبٌ فُصِّلَتۡ ءَايَـٰتُهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا لِّقَوۡمٍ يَعۡلَمُونَ (٣)

لقد فصَّلَ الله عز وجل لنا آيات القرءان عندما أنزله وجعلهُ قرءانًا عربيًّا، وهذا يعني أنَّ القرءان مُفصَّل لأنَّ فيه جميع قصص ورسالات وكُتُبْ وعِبَر وأمثال جميع الأنبياء والرُسُل باللغة العربية، ولذلك بدأ الله تعالى آية (١) بقوله: "حم" وأكمل آية (٢) بقوله: "تنزيلٌ من الّرّحمن الرّحيم" لأنَّ من رحمتِهِ أن يُعيد تنزيل جميع كُتُبِهِ ورسالاته الّتي حُرِّفت في السابق ويحفظها في القرءان فيُصبح بذلك القرءان للناس كافة، وهذه رحمة منه لكي يُدخل ليس فقط أمة محمد الجنة، ولكن جميع الأمم من دون إستثناء.

* سُوۡرَةُ مَریَم
فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَـٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلۡمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِۦ قَوۡمًا لُّدًّا (٩٧).

لقد يسَّرَ الله عز وجل القرءان أي التوراة والإنجيل وجميع كُتُبِهِ بلسان محمد، مما يدلنا على أنَّ هذا القرءان هو الطبعة الأصليه الّتي أُنزلت على محمد بلِسانِهِ أي بلُغتِهِ العربيِّة.

* سُوۡرَةُ الشُّعَرَاء
وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ (١٩٣) عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ ٱلۡأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ ءَايَةً أَن يَعۡلَمَهُ عُلَمَـٰٓؤُاْ بَنِىٓ إِسۡرَآءِيلَ (١٩٧) وَلَوۡ نَزَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيۡهِم مَّا ڪَانُواْ بِهِۦ مُؤۡمِنِينَ (١٩٩) كَذَالِكَ سَلَكۡنَـٰهُ فِى قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ (٢٠٠) لَايُؤۡمِنُونَ بِهِۦ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ (٢٠١).

"بلسانٍ عربيٍّ مُّبين": لأنَّ القرءان نزل بلسان محمد عليه السلام أي بلُغتِهِ العربية."وإنَّهُ لفي زُبُرِ الأوَّلين": هذا أكبر دليل على أنَّ القرءان كان في كُتُبِ الأوَّلين أي أنَّ جميع ما ذكرهُ الله عز وجل في هذا القرءان كان في السابق موجودًا في جميع الكُتُب الّتي أنزلها الله عز وجل على جميع الأنبياء والرُسُل، مِمّا يدُلُّنا على أنَّ الله تعالى أعاد تنزيل جميع رسالآتِهِ وحفظها في القرءان، ولذلك أكمل تعالى بقولِهِ في آية (١٩٧): "أَوَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ ءَايَةً أَن يَعۡلَمَهُ عُلَمَـٰٓؤُاْ بَنِىٓ إِسۡرَآءِيلَ"، لأنَّ عُلماء بنو إسرآئيل هُم رجال الدين الّذين درسوا القرءان جيِّدًا وعلِموا أنَّهُ التوراة بلسانٍ عربيٍّ مُّبين. أي علِموا أنَّ توراتهم الّتي بين يديهِم مُحرَّفة، وأنَّ توراتهم الّتي بين يدَيْ القرءان هي التوراة الصحيحة، وعلى الرُغم من ذلك لم يؤمنوا بها لِقولِهِ تعالى في آية (١٩٨) و(١٩٩): "وَلَوۡ نَزَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِينَ، فَقَرَأَهُۥ عَلَيۡهِم مَّا ڪَانُواْ بِهِۦ مُؤۡمِنِينَ".

هُنا يُريد الله تعالى أن يُخبرنا أنَّهُ حتّى لو نزَّلَ هذا القرءان بلِسان بعض الأعجمين (لغة قوم اليهود) فلن يؤمنوا بِهِ بحجَّة أنَّهُ كتابٌ لِسانُهُ أعجمي، فكيف يستطيع رسولهم محمد عليه السلام أن يقرأهُ عليهم وهو لِسانُهُ عربي ولذلك يُصبِح في نظرِهِم وظنِّهِم الكاذِب كتابٌ غير مُفصَّل أي ناقِص، ولكن عدم إيمانهم بِهِ هو في الحقيقة ليس بسبب حجَّتهم هذه، فهي حُجَّة داحِضة، ولكن بسبب كُفرِهِم وإشراكهم واختلافِهِم في الكتاب الّذي أُنزِلَ على موسى في السابِق، فإذا لم يؤمنوا في السابِق بكتاب موسى بِلِسانِهِ، فكيف سوف يؤمنون بكتاب موسى بِلِسان مُحمَّد؟

ولذلك وصفهم الله تعالى بالمُجرمين وبقولِهِ عنهم في آية (٢٠٠) و(٢٠١): "كَذَالِكَ سَلَكۡنَـٰهُ فِى قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ، لَا يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ"، هذا ما بيَّنَهُ الله تعالى لنا من خلال تشابُه تلكما الآيتين (١٩٨) و(١٩٩) من سورة الشعراء بآية (٤٤) و(٤٥) من سورة فُصِّلت الّتي ذكرتها لكم سابقًا في أعلاه:

* سُوۡرَةُ الشُّعَرَاء
وَلَوۡ نَزَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيۡهِم مَّا ڪَانُواْ بِهِۦ مُؤۡمِنِينَ (١٩٩).

* سُوۡرَةُ فُصّلَت
وَلَوۡ جَعَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا أَعۡجَمِيًّا لَّقَالُواْ لَوۡلَا فُصِّلَتۡ ءَايَـٰتُهُ ءَا۠عۡجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ ... (٤٤) وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِ‌ وَلَوۡلَا ڪَلِمَةٌ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيۡنَهُمۡ‌ وَإِنَّهُمۡ لَفِى شَكٍّ مِّنۡهُ مُرِيبٍ (٤٥).

* سُوۡرَةُ الدّخان
فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَـٰهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَڪَّرُونَ (٥٨).

"يسَّرَهُ الله تعالى بِلِسان محمد": أي أعاد تنزيل جميع كُتُبِهِ ورسالاته السابقة ويَسَّرَها بلغة القرءان العربية، أي جمعها جميعها ووضعها في كتابٍ واحد (القرءان الكريم) وبيَّنها بِلِسان محمد عليه السلام من خلال لغة القرءان العربية، تذكرةً لجميع الناس ولجميع الأمم بجميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ وكُتُبِهِ ورسالاتِهِ، ولذلك قال تعالى في سورة النحل:

* سُوۡرَةُ النّحل
وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُّوحِىٓ إِلَيۡہِمۡ‌ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ (٤٣) بِٱلۡبَيِّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِ‌ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّڪۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡہِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤).

"فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ بِٱلۡبَيِّنَـٰتِ والزبُرِ‌": "أهل الذكر" هُم الأنبياء والرُسُل السابقين. كيف نسألهم بالبيِّنات والزُبُر، أي برسالات الله وكُتُبِهِ الّتي أنزلها عليهم في السابق؟

نسألهم من خلال كُتُبهم ورسالاتهم الّتي أنزلها الله تعالى وحفظها في القرءان بلسان القرءان (أي باللغة العربية) أي نسألهم عن رسالاتهم من القرءان، أي نسأل عمّا قال موسى في التوراة من توراة موسى الّتي حُفِظت في القرءان، ونسأل عمّا قال عيسى في الإنجيل من إنجيل عيسى الّذي حُفِظ في القرءان، ولذلك أكمل الله بقولِهِ في آية (٤٤): "وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّڪۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡہِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ"، لِكَيْ يُعلمنا أنَّهُ تعالى أنزل إلى محمد الذِّكر أي القرءان بما فيهِ من توراة وإنجيل وجميع كُتُب ورسالات الله السابقة، لِكَيْ يُبيِّنَ للناسِ أي لجميع الناس والأمم، ما نُزِّلَ إليهم أي ما نُزِّل إلى ءابآئِهِم وأمَّتِهِم في السابق من توراة وإنجيل وجميع رسالات وكُتُب الله.

إذًا فالقرءان (الذِّكر) هو الّذي يُبيِّن لجميع الناس ما نُزِّلَ إليهم (جميع كُتُبِهِم السابقة)، لأنّ جميع تلك الكُتُب كانت قد حُرِّفت عبر الزمن قبل نزول القرءان، ولذلك أعاد الله تنزيلها وحفظها لجميع الناس في القرءان، ولذلك ختم تعالى بقولِهِ: "وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ".

* سُوۡرَةُ النّحل
وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِى ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ‌ وهُدًى وَرَحۡمَةً لِّقَوۡمٍ يُؤۡمِنُونَ (٦٤).

لقد أنزل الله تعالى القرءان فقط لكي يُبيِّنَ للناس الّذي اختلفوا فيه، أي لكي يُبيِّنَ للناس التوراة والإنجيل وجميع رسالاتِهِ لأنهم اختلفوا فيها في السابق، ولذلك وضع الله تعالى أداة شرط "إلاّ" بقولِهِ: "وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِى ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ‌"، إذًا فإنَّ السبب في تنزيل الكتاب من الله تعالى لمحمد له هدفٌ واحد فقط، ألا وهو تبيان رسالات جميع الأنبياء والرُسُل السابقة.

وإذا أكملنا الآيات التالية، نجد الدليل على أنَّ هذا القرءان هو كتابٌ من عند الله أنزله الله تعالى بعلمِهِ، إذًا فهو الكتاب الأصل بلسانٍ عربيٍّ مُّبين:

* سُوۡرَةُ النِّسَاء
لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشۡہَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيۡكَ‌ أنزَلَهُ بِعِلۡمِهِ وَٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ يَشۡهَدُونَ‌ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَہِيدًا (١٦٦).

* سُوۡرَةُ هُود
أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَٮٰهُ‌ قُلۡ فَأۡتُواْ بِعَشۡرِ سُوَرٍ مِّثۡلِهِۦ مُفۡتَرَيَـٰتٍ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِينَ (١٣) فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ‌ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ (١٤).

* سُوۡرَةُ الاٴحقاف
قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرۡتُم بِهِۦ وَشَہِدَ شَاهِدٌ مِّنۢ بَنِىٓ إِسۡرَآءِيلَ عَلَىٰ مِثۡلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ‌ إنَّ ٱللَّهَ لَا يَہۡدِى ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (١٠) وَقَالَ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡ كَانَ خَيۡرًا مَّاسَبَقُونَآ إِلَيۡهِ‌ وَإِذۡ لَمۡ يَهۡتَدُواْ بِهِۦ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفۡكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَـٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامًا وَرَحۡمَةً وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُحۡسِنِينَ (١٢).

"وشهِد شاهِدٌ من بني إسرآءيل على مِثِلِهِ فآمن": لأنَّهُ شهِدَ على أنَّ التوراة مثل القرءان، وهذا يعني أنَّهُ شهِدَ على أنَّ التوراة هي القرءان، ولذلكَ آمن بالتوراة الصحيحة الّتي حُفِظت بلِسان القرءان في القرءان، وآمن بالقرءان أنَّهُ التوراة، وبالتالي آمن بالقرءان، لأنَّ القرءان كما قال الله تعالى في آية (١٢): "كِتابٌ مُصدِّقٌ لِسانًا عربِيًّا"، إذًا فالقرءان مُصِّدق للتوراة ولكن بلِسانٍ عربي، مِمّا يدلنا بل يؤكد لنا أنَّ هذا القرءان هو التوراة بِلِسانٍ عربي، أي هو التوراة باللغة العربية.

لقد أراد الله عز وجل أن يُعلِمنا أنَّ الّذي شهد من بني إسرآءيل على كتاب موسى الّذي أنزله الله تعالى ووضعه في القرءان، يكون قد ءامن بالقرءان وشهِدَ على التوراة، أمّا قوم الرسول محمد الّذين هم مُقرَّبين منه ولسانهم في الأصل عربي، فقد استكبروا وصدّوا عنهُ فلم يؤمنوا بِهِ ولم يشهدوا على مثلِهِ أي على التوراة أنَّها القرءان بالّلغة العربية.
 

(١٢): إذا انتقلنا إلى سورة الشورى من آية (١) إلى (٣):

* سُوۡرَةُ الشّوریٰ
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

حمٓ (١) عٓسٓقٓ (٢) كَذَالِكَ يُوحِىٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (٣).

إذا قرأنا تلك الآيات من سورة الشورى مع التركيز على آية (٣)، نجد بأن الله تعالى قد أوحى القرءان بنفس الطريقة الّتي أوحى بها جميع كُتُبِهِ السماوية إلى جميع أنبياءِهِ ورُسُلِهِ في السابق، ولذلك بدأ هذه السورة بقوله: "حم" في آية (١) و"عسق" في آية (٢) وأكمل بقوله في آية (٣) "كذالك يوحي إليك وإلى الّذين من قبلِك"، هذا يعني أنَّ الله عز وجل قد أوحى إلى محمد عليه السلام القرءان ب"حم" وب"عسق" أي بوضع الأحرف الأبجدية كآيات في بداية سُور القرءان، وكذالك أوحى جميع الكُتُب الّتي أنزلها في السابق على جميع الرُسُل والأنبياء الّذين كانوا قبل محمد بوضعه أيضًا الأحرف الأبجدية كآية في بداية كل كتاب أنزله وبلغة هذا الكتاب، لِقولِهِ في آية (٣): "كَذَالِكَ يُوحِىٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ" مما يدلُّنا على أنَّ الله تعالى كما أوحى إلى محمد أوحى سابقًا إلى جميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ الّذين كانوا قبل محمد نفس الوحي وبنفس الطريقة.

وهذا يعني أنّ كل كتاب في السابق أُنزِلَ بوحي من الله بدأت سُوَرُهُ تمامًا كالقرءان بآية الأحرف الأبجدية المُختصَّة بلغة هذا الكتاب ولو كان بلغة أعجمية، مثالاً على ذلك الرسالات السابقة الّتي أنزلها الله تعالى بِلِسان أنبياءِها ورُسُلِها والّتي حُرِّفت ومُحِيت وزالت عبر الزمن، كرسالات نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل، ولذلك أعاد الله تنزيلها مرة أخرى وأثبتها وحفظها في القرءان الكريم وبلغتِهِ العربية.

وإنَّ سورة الشورى هي السورة الوحيدة دونًا عن سائِر سُور القرءان الّتي وضع الله تعالى لنا في بدايتها آيتان آية (١) و(٢) وفيها أحرف أبجدية، السبب في ذلك لكي يُنبِّهنا إلى ما قاله لمحمد في آية (٣)، لكي يُبيِّن لنا أنَّهُ أوحى جميع كُتُبِهِ السابقة بنفس الأسلوب القرءاني بوضعِهِ في بداية كل كتاب أحرفه الأبجدية الّتي ألَّفت لُغة هذا الكتاب.

نجد تأكيدًا لما ذكرته في آية (٤) من سورة إبراهيم، وأيضًا في حلقات حقيقة الإسلام من القرءان تحت عنوان "ما معنى قرءان"، من حلقة رقم (٢:١) إلى حلقة رقم (٢:٧):

* سُوۡرَةُ إبراهیم
وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡ‌ فيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِى مَن يَشَآءُ‌ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (٤).
 

(١٣): في الختام، بما أن الله عز وجل لم يذكر لنا في آياته بأن تلك الأحرف هي أحرف آرامية أو سريانية، وبما أنّ الله عز وجل أخبرنا في آية (٢٢) من سورة الروم بأنَّ اختلاف الألسنة هو آية من آياته، فتُصبح بذلك آيات تلك الأحرف في القرءان الكريم آيات أحرف أبجدية بحتة متعلقة فقط باللغة العربية القرءانية كلغة عربية إلاهية وكآيةٍ من آيات الله في كتابه الكريم، وهدفها أن تُذكِّرَنا بأنَّ هذا القرءان لا يُفهم إلاّ بِلُغتِهِ العربية، وأنَّ هذا القرءان هو أم الكتاب، أي النسخة الأصلية الإلآهية، وأنَّ جميع كُتُبِهِ ورسالآته السابقة أعاد تنزيلها في القرءان وحفظها من خلال حفظه للقرءان بِلُغتِهِ الأم، وأنَّ وجود تلك الأحرف الأبجدية في القرءان تمنع أن يُترجم هذا القرءان إلى لُغة أخرى، وبالتالي أن يُحرَّف فيُنسب لغير الله ورسولِهِ محمد الأمين، وأنَّ أساس هذا القرءان أو أساس لغة هذا القرءان هو لُغته العربية الّتي أُسِّست بواسطة تلك الأحرف الأبجدية ومن خلالها.

وإنَّ وجود تلك الأحرف الأبجدية كآيات في بداية سُور القرءان وكإسم من أسماء السُّور هو أكبر دليل وإثبات على أنَّ هذا القرءان هو كتاب إلآهي وليس كتابًا بشريًا، وإنَّ كل كتاب يقولون عنهُ بالكذِب أنَّهُ كتاب مُقدَّس، أي أنَّهُ كتاب من عند الله إفتراءً على الله الكذب وعلى رُسُلِهِ، ككُتُب العهد القديم والعهد الجديد والتوراة المُحرَّفة والإسرائيلِيّات وغيرها، هي في الحقيقة ليست كُتُب إلآهِيَّة على الإطلاق.

وإنَّ أكبر دليل وإثبات على ذلك هو عدم وجود آيات أحرف أبجديَّةْ فيها تدُلُّنا وتُثبِت لنا لغة تلك الكُتُب الأم الأصلِيَّة الصحيحة الّتي أُنزِلَت بها، ولذلك تجدون أنَّ تلك الكُتُب لها عديد من النسخات ومُترجمة إلى كثير من الّلغات من دون أن تجدوا النسخة الأصلية أي الّلغة الأصلية أو الّلغة الأم لهذا الكتاب من بين جميع تلك الّلغات.

لذلك نحن لدينا كامل الحق أن نسأل بل أن نُشكِّك بجميع تلك الكُتُب المُفتراة على الله "إلاَّ القرءان الكريم" فنقول:
ما هي الّلغة الأصلية الأم الأعجمية لكتاب التوراة ولكتاب العهد القديم والعهد الجديد؟
وما هِيَ أحرفها الأبجدية الّتي كُتِبَت بواسطتها تلك الكُتُب والّتي كانت الأساس لجميع كلماتِها وآياتِها وسُورِها؟
وأين الإثبات على لُغة تلك الكُتُب الأصلية؟

وما يُدرينا ماذا كانت اللغة الأم لكل كتاب من تلك الكُتُب والّتي أُنزلت بها قبل تحريفها، فالله عز وجل سمّاها بالّلغة الأعجمية ولم يُفصِّل لنا أصلها أو فصلها أو نوعها، إذًا، كتاب الله لا يكون إلاَّ بوجود آيات أحرف أبجدية فيه كالقرءان الكريم كدليلاً على لغة هذا الكتاب، أمّا كتاب البشر فلا يكون إلاَّ بعدم وجود آيات أحرف أبجديَّة فيه ككتابَي العهد القديم والعهد الجديد والتوراة والتلموذ والإسرائيليات وغيرها من الكُتُب الخبيثة الّتي قالوا بأنَّها كُتُب مُقدَّسة إفتراءً على الله الكذب وعلى ملآئِكتِهِ وعلى كُتُبِهِ وعلى أنبيائِهِ ورُسُلِهِ وعلى اليوم الآخر.

أدعوا الله تعالى أن يجعلنا من الذين يتدبرون القرءان العظيم من خلال لغته العربية الأصلية ومن خلال ربطنا لآياته البينات، حفظكم الله تعالى ورعاكم وزادكم عِلْمًا من حُكمِه العربي.

 

56 November 02, 2016