بيان آية "٢٩" من سورة الفتح من خلال أحسن البيان

 

بيان آية "٢٩" من سورة الفتح من خلال أحسن البيان

 

* سُوۡرَةُ الفُرقان
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةً وَاحِدَةً ڪَذَالِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَ‌ وَرَتَّلۡنَـٰهُ تَرۡتِيلاً (٣٢) وَلَا يَأۡتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَأَحۡسَنَ تَفۡسِيرًا (٣٣).

السلام عليكم أيها الزراع (المؤمنون والمؤمنات).

* سورة الفتح
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿٢٩﴾.

(١): "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ": مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمنوا مَعَهُ = مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالمؤمنين الَّذِينَ مَعَهُ.

(٢): "أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ": أقوياء متكبرين على الكفار تمامًا كما أمرهم الله تعالى في كتابه العزيز = لا يهِنوا ولا يضعفوا ولا يستسلموا أمام شر وظلم وفساد الكفار (أعداء الإسلام) من الّذين يُحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا = يُحاربون ويُجاهدون ضدهم بكل ما آتاهم الله عز وجل من قوة وحجَّة وعلم ومعرفة = يُحاربون الشر والفساد بجميع أنواعه وأشكاله وبكل ما آتاهم الله من قوة.

كما بيَّن تعالى لنا ذلك في آيات كثيرة سوف أذكر بعضاً منها:

* سورة التوبة
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿٧٣﴾.

* سورة التوبة
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴿٢٩﴾.

* سورة التوبة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿١٢٣﴾.

* سورة المائدة
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٣٣﴾ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿٣٤﴾.

* سورة آل عمران
وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿١٣٩﴾.

* سورة الأحزاب
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿٢٣﴾.

* سورة الفرقان
وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴿٥٠﴾ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا ﴿٥١﴾ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴿٥٢﴾.

 

(٣): "رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ": تمامًا كما أمرهم الله تعالى في كتابه العزيز = متواضعين خيّرين مٌحسنين عادلين مسالمين مُصلحين بينهم = يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر = يننشرون الخير والعدل والإحسان بينهم = ينشرون الإصلاح بجميع أنواعه وأشكاله.

(٤): "تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا": تراهم متواضعين خاضعين قانتين طائعين خاشعين عابدين لله، يبتغون بسجودهم وإيمانهم وعملهم الصالح في هذه الأرض فضل الله ورُضوانه عليهم الّذي هو دخولهم الجنة أرض الإصلاح والسلام والخير والمحبة والعطاء في الآخرة.

(٥): "سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ": السيمة هي الصفة الّتي يتّصِف بها الإنسان، وهي عمله إمّا خيره أو شره، وهذه الصفة هي العلامة أو الميزة أو الأثر الّذي يُستدلُّ بها عليه، وصفته (أعماله خيرها أو شرها) تبان في وجهه، وصفة المؤمن هي إيمانه بالله وعمله الصالح.

إذًا، "سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ": تعني علامات وآثار الخير والإصلاح والإحسان بائنة في وجوههم بسبب قنوتهم وإيمانهم وطاعتهم وانصياعهم لأوامر الله، أي آثار السجود والعبادة ظاهرة عليهم من خلال الخير والإحسان وأعمالهم الصالحة.

(٦): "ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ": لأنَّ الله عز وجل وضع لنا مثل الرسول محمد عليه السلام والمؤمنين سابقًا في كتابَي التوراة والإنجيل الّتي أنزلها في السابق على الرسولين موسى وعيسى (عليهما السلام) وعلى المؤمنين الّذين كانوا معهما في زمنهما، وهذا يعني أنَّ إيمان محمد والّذين معه وأعمالهم الصالحة في زمن محمد (بنشرهم الإصلاح ومحاربتهم الظلم والفساد)، هو تمامًا كإيمان موسى وعيسى والّذين معهما سابقًا وكأعمالهم الصالحة في زمن موسى وعيسى (بنشرهم الإصلاح ومحاربتهم الظلم والفساد).

الدليل على ذلك في قول الله تعالى في آية (١١١) من سورة التوبة:

* سورة التوبة
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْءانِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١١١﴾.

وإنَّ قول الله تعالى في آية (٢٩) من سورة الفتح المتشابه مع آية (١١١) من سورة التوبة يدلنا على أنَّ ما أمر الله عز وجل به محمد والّذين معه في القرءان، أمر به سابقًا موسى وعيسى والّذين معهما في التوراة والإنجيل.

ولقد أعطانا الله عز وجل في آية (٢٩) من سورة الفتح مثلاً تشبيهيًّا مجازيًا عن المؤمن نقتدي بِهِ، بيَّن لنا من خلاله نتاج إيمان الرُسُل والمؤمنين ونتاج أعمالهم الصالحة، وبيَّن لنا شعور المؤمن وسعادته وثقته التامة بنِتاج عمله، وبيَّنَ لنا شعور الكافر وغيرته وحسدِهِ واستيائِهِ وغيظِهِ من إيمان المؤمن ومن نتاج عمله الصالح.

وإنَّ مثل الرُسُل والمؤمنين فِي التَّوْرَاةِ وَفِي الْإِنْجِيلِ في آية (٢٩) من سورة الفتح نجده في قول الله تعالى:

"كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَبِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا".

إنَّ زرع المؤمن هو إيمانه وعمله الصالح، أي نشره للإصلاح ووقوفه ضد الظلم والفساد، أي هو أمره بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ونهيِهِ عن الفحشاء والمنكر والبغي.

وإنَّ مثل زرعه هو كالتالي:

(٧): "كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ": كَزَرْعٍ أَخْرَجَ ورقهُ الصغير = كزرعٍ أخرج نبتة صغيرة.

(٨): "فَآزَرَهُ": فالتفّ هذا الورق الصغير حول هذا الزرع فأعطاه القوة للنمو = فعاونت هذه النبتة الصغيرة هذا الزرع وساعدته على النمو.

(٩): "فَاسْتَغْلَظَ": فقَوِيَ = فصار له جذعًا غليظًا = فاشتدَّ شطأهُ فأنبت جذعًا قويًا = فكبر هذا الزرع (هذه النبتة الصغيرة) فأصبح له جذعًا عاليًا وصامدًا وقوِيًّاً يستطيع أن يقِف وينسند عليه وأن يصمد أمام الرياح العاتية فلا يُصبح هشيمًا تذروهُ الرِّياح.

(١٠): "فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ": فاستقام نبات هذا الزرع واعتدل عَلَىٰ جِذعِهِ العالي الصامد القوي، فنضُجَ وأصبح نباتًا قويًّا أخضِرًا يخرج منه حبًّا متراكبًا وثمارًا وخيرًا كثيرًا في الدنيا، دائمًا لا ينقطع خيره في الآخرة. كقوله تعالى في السُور التالية: آية (٢٤) من سورة إبراهيم، وفي آية (٢٦١) من سورة البقرة، وفي آية (٩٩) من سورة الأنعام، وفي آية (١٤١) من سورة الأنعام.

* سورة إبراهيم
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴿٢٤﴾ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿٢٥﴾.

* سورة البقرة
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦١﴾ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٢٦٢﴾ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴿٢٦٣﴾.

* سورة الأنعام
وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انْظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٩٩﴾.

* سُوۡرَةُ الاٴنعَام
وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنشَأَ جَنَّـٰتٍ مَّعۡرُوشَـٰتٍ وَغَيۡرَ مَعۡرُوشَـٰتٍ وَٱلنَّخۡلَ وَٱلزَّرۡعَ مُخۡتَلِفًا أُڪُلُهُ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَـٰبِہًا وَغَيۡرَ مُتَشَـٰبِهٍ۬ ڪُلُواْ مِن ثَمَرِهِۦۤ إِذَآ أَثۡمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوۡمَ حَصَادِهِۦ‌ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْ‌ إنَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ (١٤١).

(١١): "يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ": هذا الزرع الّذي زرعه الزُرّاع (المؤمنون) يُعجِب هؤلاء الزُرّاع أنفسهم لأنه أخرج لهم خيرًا كثيرًا في الدنيا والآخرة، وإنَّ زرعهم هذا هو كناية عن محاربتهم للظلم والفساد في سبيل نشرهم للإصلاح (أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر).

وهذا الزرع الّذي زرعهُ الزُرّاع أخرج خيره الكثير لكي يَغيظ الكُفّار، لأنَّ الكُفّار لا يُريدون ولا يتمنون لزرع المؤمن (إيمانه وعمله الصالح) أن يُخرِج شطأه فيُآزِره فيستغلظ فيستوي على سوقِهِ، أي لا يُريدون ولا يتمنون لزرع المؤمن أن يُعطي خيرًا كثيرًا يُذهِب مصالحهم وفسادهم في الأرض وينتصِر على شرِّهِم،  فلذلك عندما يُخرج هذا الزرع زرعًا طيِّبًا أصله ثابت وفرعه في السماء ويراهُ الكُفّار، فهو وكأنَّهُ يجعلهم ينغاظون من الزُرّاع ومن زرعهم الطيِّب القوي الدائم الصامد الّذي لا يُقهَر والّذي يقومون بزرعه في هذه الدنيا موصولاً وغير مقطوع في الآخرة، لأنهم لا يستطيعون أن ينتصروا على هؤلاء الزُرّاع المؤمنين ويوقفوا زرعهم القوي الصلب المتين ونتاجه.

ولقد بيَّن الله عز وجل غيظ وحسد الكفار من المؤمنين في سُور عديدة، سوف أذكر منها التالي:

* سورة آل عمران
هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿١١٩﴾ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴿١٢٠﴾.

* سورة التوبة
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿١٣﴾ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴿١٤﴾ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿١٥﴾.

* سورة التوبة
مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴿١٢٠﴾.

* سورة الأحزاب
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿٢٣﴾ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿٢٤﴾ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴿٢٥﴾.

* سورة البقرة
مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿١٠٥﴾.

* سورة البقرة
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١٠٩﴾.

* سورة النساء
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا ﴿٥١﴾ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ﴿٥٢﴾ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ﴿٥٣﴾ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴿٥٤﴾ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ ۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ﴿٥٥﴾.

(١٢): لقد أراد الله عز وجل أن يُخبرنا أيضًا من خلال هذه الآية الكريمة من سورة الفتح، أنَّ مثل هؤلاء الزراع أو هذا الزرع الّذي هو محاربة الفساد (أشدّاء على الكفّار) ونشر الإصلاح (رحماء بينهم) موجودٌ في التوراة وفي الإنجيل.

إنَّ هذا المثل التشبيهي أو بالأحرى هذا الوصف التفصيلي العلمي العظيم لكيفية نمو الزرع هو في الحقيقة آية علميَّة أنزلها الله تعالى في القرءان وأيضًا في جميع الكُتُب السابقة، مثالاُ لذلك التوراة والإنجيل الّذين أُنزِلوا في السابق على موسى وعيسى عليهما السلام، وإنَّ هذه الآية العلمية بتفصيلها نجدها في علم النبات ومُدوَّنة في كُتُب علوم البيولوجيا الطبيعية، وصدق الله العليم الحكيم في قوله تعالى في سورة يوسف آية (٧٦):

* سورة يوسف
... وفوق كل ذي عِلمٍ عليم (٧٦).

بارككم الله أيها الزراع (المؤمنون والمؤمنات) وأدخلكم برحمته في عباده الصالحين.

52 November 02, 2016