بيان آية "٤٤" من سورة الأعراف من القرءان الكريم

بيان آية "٤٤" من سورة الأعراف من القرءان الكريم

 

* سورة الأعراف
وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴿٤٤﴾.

السلام على أصحاب الجنّة (وهم المؤمنون والمؤمنات فقط في القرءانن الكريم).

(١): في آية (٤٤) يُخبرنا الله عزّ وجلّ عمّا سوف يحدث يوم الحساب، يوم البعث، (يوم القيامة) قبل أن يُدخل هؤلاء المؤمنين الجنة.

آية (٤٤):
وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴿٤٤﴾.

"أَصْحَابُ الْجَنَّةِ": هم جميع المؤمنين الّذين حكم الله تعالى يوم الحساب عليهم بدخول الجنة، ولذلك لُقِّبوا ب "أصحاب الجنة".
"أَصْحَابَ النَّارِ": هم جميع الكفار الّذين حكم الله عزّ وجلّ يوم الحساب عليهم بدخول النار، ولذلك لُقِّبوا ب "أصحاب النار".

إنَّ أصحاب الجنة وأصحاب النار من الّذين كانوا يعرفون بعضهم في الحيواة الدنيا، سوف يتعرّفون على بعضهم يوم البعث {يوم الحساب}، وسوف يكون بينهم شاهِدٍ ومشهود عندما سوف يوضع الكتاب وعندما سوف يُأتى بالنبيين والشهداء.

"وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ": نادى أصحاب الجنة بعد أن علِموا مصيرهم قبل دخولهم الجنة أنهم سوف يدخلون الجنة، وبعد أن علِموا مصير الظالمين أنهم سوف يدخلون النار.

"أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا": لأنَّ أصحاب الجنة وجدوا أنَّ وعد الله الّذي وعدهم به في الكتاب الّذي أنزله عليهم في الأرض هو حق وأصبح قيد التنفيذ، أي أنَّ ما كانوا يؤمنون به مُسبقًا في حياتهم الدنيوية السابقة بأنَّ هناك بعث جسدي قيامة بالجسد} وحساب وجنة وجهنم وفصل بينهما هو حق وأصبح حاضرًا تمامًا كما كانوا يتوقّعونه.

"فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا": لأنَّ أصحاب النار لم يكونوا مؤمنين في حياتهم الدنيا بالبعث الجسدي والحساب، وهنا يريد الّذين ءامنوا أن يكشفوا الغطاء عن أعين الّذين كفروا، فهم لم يستطيعوا في الحياة الدنيا أن يُقنعونهم بالآخرة أي بوعد الله الحق، ولا أن يُرونهم هذا اليوم {يوم الحساب} الّذي أصبح الآن حاضرًا نُصبَ أعينهم.

إنَّ قول أصحاب الجنة هذا لأصحاب النار هو في الحقيقة لوم من أصحاب الجنة لأصحاب النارعلى عدم إيمانهم سابقًا في الأرض وهذا اللوم مقرون براحة ضمير من قِبل أصحاب الجنة فهم ذكّروهم بهذا الوعد عندما كانوا يعيشون بينهم كما يُذّكرونهم اليوم في الآخرة في هذا اليوم من يوم الحساب وكأنهم يقولون لهم: أليس كان من الأفضل والأجدر والأحرى لكم أن تتّبعوا كتاب الله، وأن لا تتكبّروا عليه تعالى وتؤمنوا بهذا الوعد سابقًا قبل أن يُصبح حاضرًا الآن أمامكم؟ هذا الأسلوب في الخطاب هو متشابه لقول الله تعالى عن أصحاب النار في الآيات التالية:

* سورة البقرة
هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور ﴿٢١٠﴾.

* سورة الأنعام
هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا قل انتظروا إنا منتظرون ﴿١٥٨﴾.

* سورة الأعراف
هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ﴿٥٣﴾.

* سورة النحْل
هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴿٣٣﴾.

هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون ﴿٦٦﴾.

* سورة محمد
فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ﴿١٨﴾.

"قالوا نعم": هنا اعترف أصحاب النار بالبعث والحساب لأنه يحصل الآن أمامهم ولأنه واقعٌ بهم، لذلك فهم لم يستطيعوا أن يُجيبوا بكلمة "لا" في هذا الوقت العصيب، كما كانوا يفعلون في السابق ويُنكرون الحساب في حياتهم السابقة في الأرض حينما كان هذا الحساب بعيدًا عنهم، وهم لم يستطيعوا أن يتكبرّوا الآن على الله وعلى أصحاب الجنة كما كانوا يفعلون سابقًا في الأرض.

"فأذّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ": المؤذِّن هو المُنادي الّذي سوف يُناديهم في الآخرة، وهو رسولهم الّذي جاءهم سابقًا بالبيّنات وبالزبر وبالكتاب المنير، كما سوف يفعل الرسول محمد عليه السلام في سورة الفرقان عندما سوف يتبرّأ من قومه في يوم القيامة، وكما أخبرنا تعالى في الآيات التالية:

* سورة الفرقان
وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرءان مهجورًا ﴿٣٠﴾.

* سورة البقرة
إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ﴿١٥٩﴾.

(كما لُعنوا في الدنيا فسوف يُلعنون في الآخرة).

(٢): * سورة التوبة
وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم ﴿٣﴾.

الحج الأصغر هو في الآرض، والحج الأكبر سوف يكون في الآخرة، تمامًا كالفتح، هناك فتح في الدنيا وفتح في الآخرة، وهناك أيضًا عذاب في الدنيا وعذاب في الآخر.

فتح الدنيا وفتح الآخرة نجده في آية (١) إلى (٣) من سورة الفتح، وفي آية (٢٨) و(٢٩) من سورة السجدة.

* سورة الفتح
بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ﴿١﴾ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴿٢﴾ وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ﴿٣﴾.

* سورة السجدة
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿٢٨﴾ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴿٢٩﴾.

عذاب الدنيا وعذاب الآخرة نجده في آية (٢١) من سورة السجد}.

* سورة السجدة
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٢١﴾.

(٣): إنَّ آية (٤٣) و(٤٤) من سورة الأعراف مع الآيات الّتي تليهما هي متشابهة مع آيات سورة الزمر التالية:

* سورة الزمر
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿٦٩﴾ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿٧٠﴾ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿٧١﴾ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴿٧٢﴾ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴿٧٣﴾ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴿٧٤﴾ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ۖ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٧٥﴾.

بارككم الله تعالى أيها المؤمنون والمؤمنات في الدنيا وجعلكم من أصحاب الجنة في الآخرة.

50 November 02, 2016