بيان آية (٣٤) في سورة فُصّلت من خلال القرءان المبين

 

بيان آية (٣٤) في سورة فُصّلت من خلال القرءان المبين
"وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"

 

السلام على الصابرين (أي الصابرين على كتاب الله) وأصحاب الحظّ العظيم (أي أصحاب الجنّة).

أهدي مقالتي إلى جميع المؤمنات والمؤمنين فقط بالقرءان العظيم.

السلام عليكم.

* سورة فصلت
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٣٣﴾ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿٣٤﴾ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿٣٥﴾ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٣٦﴾.

 

(١): لقد قال الله تعالى في آية (٣٣): "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" وأكمل قوله في آية (٣٤): "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، لكي يُعلمنا بأنَّ الدفع بالّتي هي أحسن يكون باتّباع دين الله الحق من خلال الدعوة إليه، أي إلى كتابه القرءان الكريم لقوله تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ"، وتكون بالعمل الصالح لقوله تعالى: "وَعَمِلَ صَالِحًا"، وتكون بالإيمان بآياته وتطبيقها والعمل بها لقوله تعالى: "وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"، وإنَّ الدفع بالّتي هي أحسن تُعطينا الحسنة، أي الجنة في الآخرة.

أمّا السيئة فهي عكس الحسنة وهي جهنم، إنَّ عدم الدفع بالّتي هي أحسن تكون بعدم اتّباع دين الله الحق وباتّباع أديان وكتب أخرى مصنوعة من بشر، وتكون بالعمل السيّئ، وتكون بالكفر بالله وآياته وبعدم تطبيقها أو العمل بها، وبالإيمان بالطاغوت وقوانينه الظالمة والفاسدة وتطبيقها والعمل بها، وإنَّ عدم الدفع بالّتي هي أحسن تُعطينا السيئة أي جهنم في الآخرة.

أمّا قوله تعالى في آية (٣٤): "فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" لكي يُعلمنا أنَّ الدفع بالّتي هي أحسن، أي بدين الله وآياته وكتابه "أي بالقرءان" تحثّ الإنسان المُفسد الكافر الّذي في نفسه شر على اتّباع طريق الله، طريق الخير والإحسان، وتجعله يؤمن بالقرءان ويبدلّ سيئاته حسنات، فيُصبح هذا الإنسان المُفسد الكافر من المؤمنين المسلمين، أي من المُصلحين، فتزول بذلك العداوة الّتي كانت سابقًا بين الإنسان المؤمن وبين هذا الإنسان الكافر، ويُصبح هذا الأخير بالنسبة للإنسان المؤمن "كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"، أي كأنه لم يكُن بينهما عداوة في الأصلْ، فيعيشوا بسلام وأمان ومحبة مع بعضهم البعض في الدنيا، فتكون الحسنة لهما، أي الجنة في الآخرة، ولذلك أكمل الله تعالى بقوله في الآية التالية آية (٣٥): "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم" لكي يُعلمنا أنَّ الحسنة أي الجنة "مَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ"، أي لا تكون إلاّ لِلّذين صبروا على اتّباع القرءان والعمل به، فيكون ذو حظٌ عظيم.

لقد ختم تعالى تلك الآيات بقوله في آية (٣٦): "وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"، لكي يُعلمنا أنَّ الإستعاذة بِهِ، أي اللجوء إلى كتابِهِ وآياته هو الطريق الوحيد الّذي يُخرجنا من فتنة وضلالة وتأثير الشيطان الرجيم ويُبعدنا عنه.

(٢): إذًا الدفع بالّتي هي أحسن هو الّذي يُخرجنا من فتنة الشيطان وطريق الضلآلة، مِمّا يمكن أن يؤدّي بعدوّ المؤمن إلى أن يمشي في طريق الحق فيُصبح كأنّهُ ولِيٌّ حميم، وإنَّ قول الله تعالى في نهاية هذه الآية: "إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" هو دليلٌ لنا على أنَّ الإستعاذة لا تكون إلاَّ بالله وحده أي بكتابه وحده لأنه هو السميع االعليم، أي لأنه هو وحده الّذي يُعطينا العلم من خلال آياتِهِ البينات الّتي أنزلها إلينا، إذًا عِلْم الله عزّ وجلّ، أي آياته هو "الّتي هي أحسن"، وتبليغها والعمل بها هو "الدفع بالّتي هي أحسن"، وكل هذا يُعطينا الحسنة، أي الجنة ويُبعدنا عن السيئة، أي جهنم في الآخرة.

(٣): "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ" = لا يستوي دين الله ولا دين الطاغوت = لا يستوي الخير ولا الشر = لا يستوي الإيمان ولا الكفر = لا يستوي المسلم ولا المفسد = لا يستوي فعل الإصلاح ولا فعل الفساد = لا يستوي المحسن ولا الظالم = لا تستوي الجنة ولا جهنم.

(٤): "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" = ادْفَعْ بالحسنة لا بالسيئة = ادْفَعْ بدين الله لا بدين الطاغوت = ادْفَعْ بالخير والإصلاح لا بالظلم والفساد = ادْفَعْ بالقرءان لا بأي كتاب آخر غيره = ادْفَعْ بالجنة لا بجهنم.

(٥): "فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" = فَإِذَا (الكافر المُفسد) الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ (سابقًا كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (بسبب دفعك إليه بالّتي هي أحسن أي بالقرءان، لأنَّ العداوة تزول ويحل مكانها المحبة والسلام، لأنّ هذا العدو يكون قد آمن وتاب وعمل صالحًا ثمّ اهتدى، فيُصبح أخًا صالحًا للإنسان المؤمن، ويعيش الإنسان المؤمن معه بالخير والإصلاح والإحسان أي بالسلام في الأرض، وبالتالي بالسلام في دار السلام الجنة في الآخرة)، ولذلك أكمل الله تعالى بقوله في الآية التالية آية (٣٥):

(٦): "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" = وَمَا يُلَقَّاهَا، أي الحسنة الّتي هي الجنة دار السلام والأمان والمحبة إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا، أي الحسنة، أي الجنة دار السلام والأمان والمحبة، إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.

 

(٧): نجد أيضًا معنى "الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" في االآيات التالية:

* سورة النحل
ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴿١٢٥﴾.

"وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" = وَجَادِلْهُمْ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ = وَجَادِلْهُمْ بآيات القرءان الحكيمات الواعظات = وَجَادِلْهُمْ بالقرءان الكريم.

لذلك بدأ تعالى هذه الآية بقوله: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ"، وأكمل قوله: "إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ".

* سورة الإسراء
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴿٣٤﴾.

"وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" = وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بالخير والإحسان والعدل = وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بما أمر الله تعالى به في القرءان.

* سورة الإسراء
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴿٥٣﴾.

"وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" = وَقُلْ لِعِبَادِي يقولوا، أي يتّبعوا آيات الله عزّ وجلّ، أي القرءان الكريم ويعملوا بها = وَقُلْ لِعِبَادِي يتّبعوا طريق الحق، طريق الخير والعدل والإصلاح، ويبتعدوا عن طريق الشيطان، طريق الشر والظلم والفساد.

ولذلك أكمل تعالى بقوله: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا".

* سورة المؤمنون
قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ ﴿٩٣﴾ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿٩٤﴾ وَإِنَّا عَلَىٰ أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ﴿٩٥﴾ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴿٩٦﴾ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ﴿٩٧﴾ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴿٩٨﴾.

آية (٩٦): "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ" = ادْفَعْ بآيات الله، السَّيِّئَةَ = ادْفَعْ بآيات القرءان قول الزور وما يصِفون في أحاديثهم الباطلة ودينهم الباطل.

ولذلك أكمل تعالى قوله في هذه الآية: "نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ"، وكذلك أكمل أيضًا قوله في الآيات الّتي تليها: "وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨)"، لأنَّ ما يصِفون وهمزات الشياطين هي أحاديثهم وأقاويلهم الكاذبة في دينهم الباطل، وقوانينهم الباطلة.

* سورة العنكبوت
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿٤٦﴾ وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَٰؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ﴿٤٧﴾.

آية (٤٦): "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" = وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بآيات القرءان الكريم الّتي تدعوهم إلى عبادة الله الواحد واتّباع كتابٌ واحد ودينٌ واحد والإسلام له وبالتالي إلى الجنة = وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بدعوتهم إلى عدم الإشراك وعدم الكفر بالله وإلى الإسلام له = وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بدعوتهم إلى الإنجيل الحق الّذي هو القرءان واتّباعه والإيمان به وعدم الجحود بآياته والكفر بها.

ولذلك أكمل تعالى هذه الآية والآية الّتي تليها بقوله: "وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦) وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَٰؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (٤٧)"، لكي يُعلمنا كيف نجادل أهل الكتاب بالّتي هي أحسن، وماذا نقول لهم، والهدف من تنزيل الكتاب.

ودمتم على على الدفْع بكتاب الله جلّ في علاه، أي بالتي هي أحسن، أي بآيات الله.

31 oct 31, 2016