من هم النصارى واليهود في القرءان الحكيم؟

 

من هم النصارى واليهود في القرءان الحكيم؟

 

السلام على من نصر الله ورسله من خلال القرءان الكريم (أي بيّن الحقّ).

* سُوۡرَةُ الحَدید
لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَـٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِ‌ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٌ شَدِيدٌ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ  وَرُسُلَهُ بِٱلۡغَيۡبِ‌ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ (٢٥).

 

(١): إنّ معنى كلمة نصارى ليس لها أية دعوة في لغة القرءان بما يفترون، إنَّ كلمة نصارى هي من فعل نصرَ، ونصر تعني أعان على النصر، والنصارى في لغة القرءان هُم المؤمنون الّذين أعانوا المسيح على النصر في رسالة الإنجيل. أي هُم الّذين نصروا المسيح أي نصروا كلمة الله الإنجيل الكريم في السابق في زمن المسيح واستمروا بنصرتِهِ بعد موتِهِ.

وهُم الّذين نصروهُ مرَّةً أخرى حين نزول القرءان وبعد نزوله وذلك عندما صدَّقوا وآمنوا بأنَّ الإنجيل العظيم الحقيقي محفوظ في القرءان بلسانٍ عربي مٌبين، وعندما آمنوا حقًّا بعيسى كلمة الله، أي بالإنجيل الحقيقي الّذي ذكره القرءان، أي عندما آمنوا بأنَّ عيسى هو ابن مريم وليس ابن الله، وأنه رسول الله تمامًا كما ذكره القرءان، أي عندما آمنوا بأنَّ عيسى هو بشر مثله مثل باقي الأنبياء والرُسُل، وأنَّهُ مات كما مات باقي الأنبياء والرُسُل، وأنه سوف يُبعث في الآخرة يوم تقوم الساعة كما سيُبعث باقي الأنبياء والرسل وجميع الناس، وأنَّ رسالة الله وشريعته الّتي أنزلها عليه هي تمامًا كرسالته وشريعته الّتي أنزلها على محمد وعلى جميع الأنبياء والرُسُل السابقين.

والنصارى أيصًا هُم الّذين نصروا المسيح في القرءان الّذي هو الإنجيل بلسانٍ عربيٍّ مبين، وهم الّذين لم ينصروا فقط المسيح ولكنهم نصروا أيضًا محمدًا وجميع الأنبياء والرُسُل من خلال إيمانهم الصادق وتصديقهم للإنجيل أي للقرءان، وإقامتهم وتطبيقهم له.

 

(٢): لقد أتت كلمة نصارى ويهود في سياقات مُختلفة، لقد أتت بمعنى الديانة والعقيدة المسيحية، وأتت أيضًا بمعنى فئة وفريق المؤمنين الّذين نصروا المسيح سابقًا ونصروه في القرءان لاحقًا، ولقد أتت بمعنى الديانة والعقيدة اليهودية، والدليل على ذلك نجده في الآيات التالية.

أرجوا منكم إخوتي وأخواتي الكرام أن تتابعوا تلك الآيات البيّنات والّتي ذُكِرت فيها كلمة نصارى ويهود بسياقات ومعاني مُختلفة، بتدبر شديد:

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَقَالُواْ لَن يَدۡخُلَ ٱلۡجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوۡ نَصَـٰرَىٰ‌ تِلۡكَ أَمَانِيُّهُمۡ‌ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَـٰنَڪُمۡ إِن ڪُنتُمۡ صَـٰدِقِينَ (١١١) بَلَىٰ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٌ فَلَهُ أَجۡرُهُ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ (١١٢) وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ لَيۡسَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ عَلَىٰ شَىۡءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ لَيۡسَتِ ٱلۡيَهُودُ عَلَىٰ شَىۡءٍ وَهُمۡ يَتۡلُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ‌ كَذَالِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ مِثۡلَ قَوۡلِهِمۡ‌ فَٱللَّهُ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ (١١٣).

"إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوۡ نَصَـٰرَىٰ" = إلاَّ من كان هودًا، أي يتّبع الديانة اليهودية أو كان نصارى، أي يتّبع العقيدة المسيحية.

"وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ لَيۡسَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ عَلَىٰ شَىۡءٍ": المقصود باليهود في هذه الآية هو الأمة اليهودية، الّذين يتّبعون الدين اليهودي الباطل.

"وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ لَيۡسَتِ ٱلۡيَهُودُ عَلَىٰ شَىۡءٍ": المقصود بالنصارى في هذه الآية هو الأمة المسيحية، الّذين يتّبعون الديانة أو العقيدة المسيحية الباطلة.

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَہُودُ وَلَا ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَہُمۡ‌ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰ‌ وَلَٮِٕنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِى جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ‌ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِىٍّ وَلَا نَصِيرٍ (١٢٠).

المقصود باليهود والنصارى في هذه الآية هم الّذين يتّبعون ملَّة اليهود ومِلَّة النصارى، أي هم الّذين يتّبعون الدين اليهودي الباطل والدين المسيحي الباطل، ولذلك أكمل الله تعالى هذه الآية بقولِهِ: "قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰ‌ وَلَٮِٕنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِى جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ‌ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِىٍّ وَلَا نَصِيرٍ".

إذًا فإنَّ اتّباع أهواء اليهود واتّباع أهواء النصارى هو اتّباع مِلَّتَهُم الباطلة الّتي صنعوها حسب أهوائهم، أي هو اتّباع دينهم الباطل الّذي ابتدعوه لكي يتناسب مع أهوائهم ومصالحهم.

* سُوۡرَةُ البَقَرَة
وَقَالُواْ ڪُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَـٰرَىٰ تَہۡتَدُواْ‌ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَاهِـۧمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ (١٣٥).

"وَقَالُواْ ڪُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَـٰرَىٰ تَہۡتَدُواْ‌": أي قالوا اتّبعوا ملة اليهود أي دين اليهود وملة النصارى أي دين النصارى تهتدوا، فأجابهم الله تعالى بقولِهِ: "قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَاهِـۧمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ"، لأنَّ ملة ودين اليهود والنصارى الّذي يؤمنون به ويتّبعونه هو دين إشراك، هذه الآية هي أكبر دليل على أنَّ الديانة اليهودية والديانة المسيحية أو النصرانية هي ديانة كفر وإشراك وهي ليست من عند الله ولم يأمر الله بها، وهي تدلّنا أيضًا على أنَّ إبراهيم عليه السلام لم يكن على دين اليهود أو النصارى أي لم يكن يتّبع الدين اليهودي أو المسيحي، بل كان على دين الإسلام أي كان حنيفًا مُسلِمًا ولم يكن من المُشركين، والدليل على انّ إبراهيم لم يكن يهوديًا أو نصرانيًا نجده في آية (٦٧) من سورة آل عمران.

* سُوۡرَةُ آل عِمرَان
مَا كَانَ إِبۡرَاهِيمُ يَہُوديًّا وَلَا نَصۡرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسۡلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ (٦٧).

* سُوۡرَةُ المَائدة
وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ نَحۡنُ أَبۡنَـٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّـٰٓؤُهُ قُلۡ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم‌ بَلۡ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنۡ خَلَقَ‌ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ‌ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا‌ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ (١٨).

"وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ نَحۡنُ أَبۡنَـٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّـٰٓؤُهُ" = وقالت اليهود والنصارى، أي كتب الأمة اليهودية والأمة المسيحية المُحرَّفة، أي في دينهم الباطل أنهم أبنآؤا الله وأحبّآؤهُ.

* سُوۡرَةُ التّوبَة
وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِ‌ ذَالِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَاهِهِمۡ‌ يُضَـٰهِـُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ ڪَفَرُواْ مِن قَبۡلُ‌ قَـٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ‌ أَنَّىٰ يُؤۡفَڪُونَ (٣٠) ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَـٰنَهُمۡ أَرۡبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَـٰهًا وَاحِدًا‌ لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ‌ سُبۡحَـٰنَهُ عَمَّا يُشۡرِڪُونَ (٣١).

قالت اليهود، وقالت النصارى، في دينهم اليهودي والنصراني (المسيحي)، أي في كتبهم المُحرَّفة الكاذبة الّتي صنعوها.

* سُوۡرَةُ المَائدة
وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَـٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَـٰقَهُمۡ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُڪِّرُواْ بِهِۦ فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَـٰمَةِ‌ وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا ڪَانُواْ يَصۡنَعُونَ (١٤).

"وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَـٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَـٰقَهُمۡ": أي قالوا سابقًا في زمن عيسى عليه السلام أنهم آمنوا بِهِ، وأنهم أنصارهُ إلى الله، وأنهم سوف ينصروهُ برسالة الإنجيل.

لقد قالوا إنَّهم نصارى بأفواههم، أي عاهدوا الله بأفواههم بأن يؤمنوا بالإنجيل وأن يكونوا أنصار عيسى إلى الله فيُقيموا الإنجيل بعد موت عيسى عليه السلام، ولكن قلوبهم لم تؤمن، فبدّلوا قول الله الّذي جاءهم به رسولهم عيسى (كتاب الله الإنجيل)، وصنعوا أقاويلاً، أي أناجيل أخرى مُختلفة ونسبوها بالكذب إلى المسيح عيسى الآب والإبن والروح القدس وإلى مريم والدة الإلآه بزعمهم، ولذلك أكمل الله تعالى بقوله: "فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَـٰمَةِ‌ وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا ڪَانُواْ يَصۡنَعُونَ"، "لأنَّ الأحزاب اختلفوا فيما بينهم" "وفرَّقوا دينهم وكانوا شِيعًا كُلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون" فأصبحوا أعداءً وسوف يبقون كذلك إلى يوم القيامة بسبب اختلافاتهم وتفرقّهم في دينهم، كالأرثوذكس والكاثوليك والبروتيستانت وشهود يهوا وغيرهم من الفرق والأحزاب المسيحية المُختلفة. لقد أتت كلمة نصارى في هذه الآية بمعنى إيجابي، ولكنَّ قوم المسيح وأتباعه لم يكونوا فعلاً نصارى من بعد ما عاهدوا الله عليه، فلم يوفوا بعهدهم وينصروا نبيهم ورسولهم وكتابهم.

* سُوۡرَةُ المَائدة
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ‌ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَـٰرَىٰ‌ ذَالِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانًا وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَڪۡبِرُونَ (٨٢) وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعۡيُنَهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلۡحَقِّ‌ يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ (٨٣) وَمَا لَنَا لَا نُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡحَقِّ وَنَطۡمَعُ أَن يُدۡخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلصَّـٰلِحِينَ (٨٤) فَأَثَـٰبَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّـٰتٍ تَجۡرِى مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيہَا‌ وَذَالِكَ جَزَآءُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (٨٥).

"لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ‌": اليهود هم الّذين يتّبعون الدين اليهودي.

الّذين أشركوا هم الّذين يؤمنون بأنَّ المسيح هو إبن الله (كقوم عيسى أو "النصارى")، وهُم أيضًا الّذين يؤمنون بأنّ الملآئِكة هم بنات الله (كقوم محمد)، ولقد سمّاهم الله تعالى في هذه الآية "بالّذين اشركوا" ولم يُسمّيهم "بالنصارى" نسبة إلى دينهم النصراني المُشرِك كما في الآيات السابقة، لأنَّهُ سُبحانهُ وتعالى أراد أن يُفرِّقَ بين الّذين لقَّبوا أنفسهم بالنصارى لاتّباعهم للدين المسيحي المُشرِك الّذي ابتدعوه، وبين الّذين لقَّبهُم الله تعالى بالنصارى لاتّباعهم لدين الله ورسولُهُ عيسى ابن مريم، والّذي هو دين الإسلام الحق.

وإنَّ هؤلآء الّذين لقَّبهم الله تعالى في آية (٨٢) بالنصارى هُم النصارى الحقيقيين الّذين نصروا المسيح سابقًا من خلال الإنجيل الصحيح الّذي كان لِسان عيسى الأعجمي، وهُم الّذين نصروا المسيح لاحقًا من خلال الإنجيل الصحيح الّذي حُفِظ في القرءان بلسان عيسى من خلال لِسان محمد العربي، لذلك قال الله تعالى:

"وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَـٰرَىٰ‌ ذَالِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانًا وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَڪۡبِرُونَ، وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعۡيُنَهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلۡحَقِّ‌ يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ، وَمَا لَنَا لَا نُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡحَقِّ وَنَطۡمَعُ أَن يُدۡخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلصَّـٰلِحِينَ".

فالنصارى الحقيقيين الّذين نصروا المسيح والإنجيل هُم القسّيسين والرُهبان، أي المُتَّقين والمؤمنين حقًّا من أهل الكتاب الّذين لم يستكبروا على عبادة الله الواحد الأحد ولم يُشركوا بِهِ المسيح، ولذلك إذا ما سمعوا ما أُنزِلَ إلى الرسول محمد من إنجيل في القرءان تفيض أعينهم من الدمع، لأنهم علموا أنَّ هذا الإنجيل (المحفوظ في القرءان) هو إنجيلهم، أي كتابهم الحقّ ودينهم الإسلام الحقّ الّذي أُنزل في السابق على عيسى ابن مريم.

 

(٣): * سُوۡرَةُ البَقَرَة
قُلۡ أَتُحَآجُّونَنَا فِى ٱللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّڪُمۡ وَلَنَآ أَعۡمَـٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَـٰلُكُمۡ وَنَحۡنُ لَهُ مُخۡلِصُونَ (١٣٩) أَمۡ تَقُولُونَ إِنَّ إِبۡرَاهِـۧمَ وَإِسۡمَـٰعِيلَ وَإِسۡحَـٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوۡ نَصَـٰرَىٰ‌ قُلۡ ءَأَنتُمۡ أَعۡلَمُ أَمِ ٱللَّهُ‌ وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَـٰدَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ‌ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ (١٤٠).

إنَّ آية (١٤٠) هي أكبر دليل على أنَّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط لم يكونوا يتّبعون الدين اليهودي أو دين النصارى، بل كانوا على دين الإسلام، مِمّا يُثبت بل يؤكدّ لنا أنَّ الديانة اليهودية أو عقيدة النصارى هي ديانة بشرية وليست ديانة إلآهية.

وهذه الآية تدلّنا أيضًا على أنَّ هناك فرق كبير عند الله ما بين الأمة اليهودية (قوم اليهود) والأمة النصرانية (قوم وأتباع المسيح)، وما بين الديانة (الملة) اليهودية وعقيدة النصارى، فإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا من الأمة اليهودية ولكنَّ دينهم كان دين الإسلام، ولذلك أكمل الله تعالى بقوله:
"قُلۡ ءَأَنتُمۡ أَعۡلَمُ أَمِ ٱللَّهُ‌ وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَـٰدَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ‌ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ".

فالله سُبحانه وتعالى ليس بغافلٍ عمّا يعملون، أي ليس بغافل عمّا يُكذبون ويُحرفون ويكفرون ويُشركون دين الله الإسلام بدين آخر سمّوهُ بالدين اليهودي أو بدين النصارى.

 

(٤): في الختام إنَّ كل إنسان يؤمن بهذا القرءان يكون من النصارى، أي من الّذين آمنوا بالله وبالتوراة والإنجيل والقرءان وبموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام، فيُصبِح على دين الله الإسلام الحقّ، فلا ينتمي إلاّ لهذا الدين.

* سُوۡرَةُ الصَّف
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّـۧنَ مَنۡ أَنصَارِىٓ إِلَى ٱللَّهِ‌ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ‌ فَـَٔامَنَت طَّآٮِٕفَةٌ مِّنۢ بَنِىٓ إِسۡرَاءِيلَ وَكَفَرَت طَّآٮِٕفَةٌ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَـٰهِرِينَ (١٤).

أدعوا الله تعالى أن نكون من النصارى لكي ننصر الله ورسله (أي نُبينّ الحقّ) من خلال قرءانه العظيم، والسلام عليكم.

23 oct 31, 2016