مفهوم الحور العين وقاصرات الطرف من خلال أحسن التفسير

 

مفهوم الحور العين وقاصرات الطرف من خلال أحسن التفسير

 

السلام على أولي الألباب

(١): لقد قال الله الحكيم العليم في سورة فصلت:

* سورة فصلت
كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿٣﴾ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴿٤﴾ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ﴿٥﴾.

إنَّ أمنية أصحاب التراث العفن وأصحاب الشهوات الجنسية هي، أن تكون الحور العين الّتي ذُكرت في القرءان، نساء جميلات خارقات هُنَّ أقرب للصنف الملآئكي من الصنف البشري، وأن تكون تلك الحور بانتظارهم في الجنة. وإنَّ أمنيتهم أيضًا هي، أن تكون الكواعب أترابًا نساء عارمات الثدي.

إنَّ في تلك الأمنيات تحريف لكتاب الله وكفرٌ به، وتزوير لدين الله، وافتراء الكذب على الله وعلى كتابه ورسوله، وصدٌّ عن سبيل الله، وقبول بالفحشاء والمنكر، وعارٌ على دين الله الحق الإسلام وعلى جنّاتِهِ المطهّرة.

إخوتي وأخواتي الكرام المطهَّرون. تعالوا نتدبر معًا المعنى السامي الطاهر العظيم للحور العين ولقاصرات الطرف من القرءان الكريم الّذي هو الكتاب المكنون، والّذي لا يمسَّهُ إلاّ المُطهَّرون.

(٢): سوف أبدأ بسورة الدخان، من آية (51) إلى (57):

سورة الدخان
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ﴿٥١﴾ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴿٥٢﴾ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ ﴿٥٣﴾ كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ﴿٥٤﴾ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ﴿٥٥﴾ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ ۖ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴿٥٦﴾ فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٥٧﴾.

"الْمُتَّقِينَ": هم من الذكور ومن الإناث.

لقد بدأ الله تعالى حديثه عن المتقين أنهم سوف يكونون في الجنة، ذكورًا كانوا أم إناثًا، بقوله في آية (51) و(52): "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ".

ولقد أكمل تعالى بقوله عنهم في آية (53): "يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ" (ذكورًا وإناثًا).

ولقد أكمل أيضًا بقوله عنهم في آية (54): "كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ".

هنا علينا أن نقف ونسأل أنفسنا سؤالاً مهم جدًا ومنطقي، وهو: من هم الّذين زوَّجَهُم الله تعالى بحورٍ عين؟ الجواب واضِح جدًا وجلِيّْ. هُم المُتَّقين ذكورًا كانوا أم إناثًا. ونحن إذا سلّمنا بتفاسير أئمة الكفر والضلالة أنَّ الحور العين هُنَّ نساءً جميلات خارقات أعدَّهُنَّ الله من أجل الشهوات الجنسية، فهذا يعني أنَّ تلك النساء الخارقات هُنَّ لسنَ فقط للمتقين من الرجال ولكنّهُنَّ أيضًا للمتقين من النساء. لأنَّ المتقين في لغة القرءان ومن خلال تلك الآيات البينات هُم ذكور وإناث. فالمتقين هم ليسوا فقط من فئة الذكور (الرجال)، والله تعالى لا يُدخِل المتقين من فئة الذكور فقط الجنة ويستثني المتقين من فئة النساء فيدخلهم جهنم. ونحن لدينا سؤال نرغب في طرحه عليكم: هل تقبلون بأن تكون الحور العين (بمفهوم أئمة الكفر والضلالة) أيضًا للنساء المؤمنات في الجنة؟ بمعنى أصح، هل تقبلون بأن تمارس النساء المؤمنات في الجنة الجنس مع نساء الحور العين؟

وعلينا أيضًا أن نقف هنا ونسأل أنفسنا سؤالاً آخر، وهو: كيف زَوَّجَ الله تعالى المتقين ذكورًا وإناثًا "بحورٍ عينْ"؟ وما معنى الحور العين؟ الجواب أيضًا  بسيط وواضح وجليّ وبيِّن ومُفصّل نجده في الآية التالية، آية (55) في قوله تعالى: "يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ". إذًا لقد زوَّج الله تعالى المتقين ذكورًا وإناثًا بحورٍ عين، يدعون فيها بكلِّ فاكهة آمنين. هذا يعني بأنَّ الله تعالى زوَّجهم بحورٍ عين، أي جعلهم جزء لا يتجزّأ من الجنة ذات الأشجار والثمار والخيرات. وهذا يعني أنَّ الله تعالى زوَّجهم بالجنة أي بخيراتها، أي جعلهم يعيشون جنبًا إلى جنبها يدعون فيها (أي يرغبون) من خيرات تلك الحور العين (الجنة) آمنين أي مطمئنين لدوام وجوديتها معهم من دون انقطاع، ولدوام قربهم منها ووجودهم وعيشهم وإقامتهم فيها إلى أبد الآبدين. ومثالاً للحور العين، جنات فيها كل أنواع الفاكهة. لذلك ربط تعالى آية (54) وآية (55) بقوله: "كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ، يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ". إذًا كيف زوَّجهم الله تعالى بحورٍ عين؟ الجواب هو: يدعون فيها بكلِّ فاكهةٍ آمنين، أي لهم فيها من كل الثمرات.

ولذلك أكمل تعالى بقوله في الآية الّتي تليها، آية (56): "لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ ۖ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ".

وختم جميع تلك الآيات بقوله في آية (57): "فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ". فهل فضل الله تعالى منه للمتقين من الذكور والإناث والفوز العظيم هو ممارسة الجنس مع نساء جميلات خارقات من الصنف الملآئكي؟ حاشى لله أن يكون كذلك، وسبحانه وتعالى عمّا يصِفون.

بعد ربطنا لجميع تلك الآيات البينات من سورة الدخان وتدبرنا لها، نجد الدليل القاطع على أنَّ الحور العين هي جنات فيها من كل الثمرات، ومن جميع أنواع الفاكهة من نخيل وأعناب وغيرها من أنواع الفاكهة المختلفة.

 

(٣): سورة الواقعة، من آية (10) إلى (40):

* سورة الواقعة
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴿١٠﴾ أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴿١١﴾ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿١٢﴾ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ﴿١٣﴾ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ ﴿١٤﴾ عَلَىٰ سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ﴿١٥﴾ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ﴿١٦﴾ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ ﴿١٧﴾ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ﴿١٨﴾ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ ﴿١٩﴾ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ﴿٢٠﴾ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴿٢١﴾ وَحُورٌ عِينٌ ﴿٢٢﴾ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ﴿٢٣﴾ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٢٤﴾ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ﴿٢٥﴾ إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ﴿٢٦﴾ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ﴿٢٧﴾ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ﴿٢٨﴾ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ﴿٢٩﴾ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ﴿٣٠﴾ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ ﴿٣١﴾ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ﴿٣٢﴾ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴿٣٣﴾ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ﴿٣٤﴾ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً ﴿٣٥﴾ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ﴿٣٦﴾ عُرُبًا أَتْرَابًا ﴿٣٧﴾ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ ﴿٣٨﴾ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ﴿٣٩﴾ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ ﴿٤٠﴾.

إذًا تدبرنا جميع تلك الآيات من سورة الواقعة وربطناها ببعضها، نجد بأنَّ الله تعالى يخبرنا فيها عن الجنة وعمّا أعدَّهُ فيها من خيرات للمتقين (ذكورًا وإناثًا)

وإنَّ قوله تعالى "إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً" يدلنا على أنّهُ تعالى أنشأ جنات لا نساء. فالله تعالى يتحدث في تلك الآيات عن الجنة ويصفها لنا، بدليل قوله تعالى: "وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ﴿٢٧﴾ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ﴿٢٨﴾ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ﴿٢٩﴾ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ﴿٣٠﴾ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ ﴿٣١﴾ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ﴿٣٢﴾ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴿٣٣﴾ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ﴿٣٤﴾ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً ﴿٣٥﴾ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ﴿٣٦﴾ عُرُبًا أَتْرَابًا ﴿٣٧﴾ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ ﴿٣٨﴾ ".

صحيح أنَّ الله تعالى أنشأ الإنسان من الأرض، ولكنه لم يُنشئ فقط الإنسان فحسب، ولكنه أنشأ أيضًا جميع أنواع الجنات من الأرض. بدليل قوله تعالى في الآيات التالية:

* سورة الأنعام
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴿١٤١﴾.

* سورة المؤمنون
وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴿١٨﴾ فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿١٩﴾ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ ﴿٢٠﴾.

* سورة الواقعة
أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ﴿٧١﴾ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ ﴿٧٢﴾.

إذًا فالجنات هي الّتي أنشأها الله تعالى إنشاءً، ولقد أنشأها للمتقين أي للمؤمنين والمؤمنات من ذكور وإناث، وليس من ذكور تمتُّعًا بالنساء. مِمّا يدلنا ومن دون أدنى شك على أنَّ الحور العين هي جنات فيها خيرات حسان، لا نساء للشهوات والدعارة.

وإنَّ قوله تعالى "إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً، فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا، عُرُبًا أَتْرَابًا لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ"، هو أكبر دليل على أنَّ الحور العين هي الجنات الّتي أنشأها الله تعالى من الأرض إنشاءً لكي تنبت أشجارًا كثيرة وفاكهة وثمار. ولقد جعل الله تعالى تلك الحور العين (الجنات) أبكارًا عُرُبًا أترابًا، أي لقد أنشأ الله تعالى جميع تلك الجنات فطهَّرها بأن جعلها تخرج من أرض ذات أتراب (تربة) بكر (عُرُبًا) أي جديدة ونظيفة وصافية أي طاهرة لا نجسة، لكي يأكل منها أصحاب اليمين.

ملاحظة هامة: الحور هو الشجر الأخضر الكثيف.

 

(٤): سورة الرحمن، من آية (46) إلى (77):

* سورة الرحمن
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴿٤٦﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٤٧﴾ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ ﴿٤٨﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٤٩﴾ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ﴿٥٠﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٥١﴾ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ﴿٥٢﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٥٣﴾ مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ۚ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ﴿٥٤﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٥٥﴾ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ﴿٥٦﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٥٧﴾ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ﴿٥٨﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٥٩﴾ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴿٦٠﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٦١﴾ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ ﴿٦٢﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٦٣﴾ مُدْهَامَّتَانِ ﴿٦٤﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٦٥﴾ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ ﴿٦٦﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٦٧﴾ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ﴿٦٨﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٦٩﴾ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ﴿٧٠﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٧١﴾ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ﴿٧٢﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٧٣﴾ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ﴿٧٤﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٧٥﴾ مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ﴿٧٦﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٧٧﴾ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴿٧٨﴾.

إذا ربطنا جميع تلك الآيات في سورة الرحمان ببعضها، نجد أنَّ الحور العين وقاصرات الطرف هي الخيرات الحسان الّتي أنشأها الله تعالى في الجنات الّتي وعدها الرحمان للمؤمنين والمؤمنات من الإنس والجان (أي من الناس). تلك الجنات، لم يطمثهُنَّ قبل هؤلآء المؤمنين والمؤمنات إنسٌ ولا جان. هذا يعني أنَّه لم يطمث أي لم يُدنِّس أو يُنجِّس تلك الجنات قبل أن يدخلها المؤمنون والمؤمنات أي أحدٍ من الناس، فالله تعالى أعدَّ تلك الجنات فقط للمتقين (من الذكور والإناث) وليس للكافرين والمشركين والشياطين، فلا أحدٌ من هؤلآء الناس الأشرار (من الإنس والجان) كان قد دخل تلك الجنات لا قبل ولا بعد، أو أقام فيها. ولذلك ما استطاع هذا الإنسان الشرير من الأنس والجان ولن يستطيع أن يدنسّها كما دنّسَ وطغى وتجبَّر وظلم وفسق في جنّات هذه الأرض الّتي نعيش فيها الآن، جنة الحيواة الدنيا.

 

لقد أراد الله تعالى أن يخبرنا من خلال تلك الآيات البينات أنَّ الجنات لا تكون طاهرة إلاّ بوجود أزواج أي أنواع مطهَّرة من الإنس والجان يعيشون فيها، وليس بوجود بشر من الإنس والجان تفسق وتسفك الدماء فيها وتطمثها (أي تدنِّسها). وكذلك تكون طاهرة بوجود أرض ذات تربة طاهرة يخرج منها جميع أنواع الثمرات والمياه والأنهار الطاهرة وغيرها من الخيرات الحِسان.

إنَّ بيان تلك الآيات، يوصلنا لأمر في غاية الآهمية، وهو أنَّ قول الله تعالى "لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ" ليس له أي دعوة بالنساء، ولا علاقة له على الإطلاق بأي نوع من النساء والشهوات الجنسية.

 

(٥): في الختام، لقد صدق الله العزيز الغفور في قوله في السُّور التالية:

* سورة البقرة
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿٢٣﴾ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴿٢٤﴾ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٢٥﴾.

* سورة آل عمران
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿١٤﴾ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴿١٥﴾ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿١٦﴾ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴿١٧﴾.

* سورة النساء
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿٥٦﴾ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا ﴿٥٧﴾.

 

ندعوا الله عزّ وجلّ لنا ولكم، بأن يزوّجنا بالجنة (بحورٍ عين) أي أن يُقرِّبنا منها، وأن لا يُزوجنا بجهنم أي أن يُبعدنا عنها.

والسلام عليكم.

22 oct 31, 2016