تفسير آية (٨٦) من سورة النساء من خلال أحسن التفسير

 

تفسير آية (٨٦) من سورة النساء من خلال أحسن التفسير

 

السلام على من اتَّبع ما حيَّانا (دَعَوْنا) به الله تعالى (القرءان الكريم).

 

هذه الآية لا تعني لا من قريب ولا من بعيد كما زعم أكثر الناس أنَّه إذا سلَّم عليكم أحد فردّوا السلام وقولوا له: "وعليك السلام ورحمة الله" أو إذا دعي لكم بطول الحياة والبقاء والسلامة "فحيوا بأحسن منها أو ردُّوها" وادعوا لمن دعا لكم بذلك بأحسن مما دعا لكم أو "ردّوها" أو ردّوا التحية.

إخوتي وأخواتي الكِرام تعالوا معًا نتبيَّن معنى هذه الآية الكريمة من خلال أحسن البيان (القرءان الحكيم).

* سورة النساء
مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ﴿٨٥﴾ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴿٨٦﴾ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴿٨٧﴾.

لقد بدأ الله تعالى آية (٨٥) لكي يُعلِمُنا أنَّ عمل الإنسان هو فقط وحدهُ الّذي يُدخِلُهُ الجنَّة أو جهنَّم وذلك يكون باتِّباعه للقرءان العظيم (تحيَّة الله) وتطبيقه (إقامة الصلاة ) فإذا كان عملُهُ حسنًا يَكُون نصيبُهُ الجنَّة، وإذا كان عملُهُ سيِّئًا يَكُون كِفلُهُ، أي نصيبُهُ جهنَّم، لذلك قال تعالى في آية (٨٦): "وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا..." أي إذا دعانا شخص ما إلى أيّ معلومة خارج النصّ القرءاني ينبغي علينا أن نُحَيِّ بأحسن منها، أي يجب علينا أن نرجع إلى كتاب الله ونتأكدّ من صحَّة هذه المعلومة أو نردُّها ولا نأخذ بها على الإطلاق حتى لا نُحرِّف الكَلِمَ عن مواضعه ونتبيَّن أن نُصيب قومًا بجهالة فنصبح على ما فعلنا نادمين، أي لكي لا نندم في الآخرة، أي لكي لا يكون مصيرنا جهنَّم، ولذلك خَتَمَ تعالى آية (٨٧) بقوله: "... وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا".

"... فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا..." = فادعوا بآيات القرءان العظيم.

* سورة الزمر
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴿١٧﴾ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿١٨﴾.

والبُرهان المُبين على أنَّ معنى كلمة حيَّا تعني الدعوة إلى شيء ما نجده في آية (٨) من سورة المُجادلة:

* سورة المجادلة
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿٨﴾.

"... وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ..." أي إذا جاءوك دعوك بما لم يدعيك به الله، أي إذا جاءوك دعوك الذين يتناجون بالإثم والعدوان إلى الإعراض عن كتاب الله، أي إذا جاءوك دعوك إلى اتِّباع مِلَّتهم، أي إلى اتِّباع أديانهم الباطلة والخبيثة، والدليل نجده في السُوَر التالية:

* سورة البقرة
وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴿١٢٠﴾.

* سورة الأنعام
قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٧١﴾.

* سورة غافر
وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ﴿٤١﴾ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ﴿٤٢﴾.

وآيات أُخرى كثيرة.

والسلام على من اتَّبع الهُدى والعذاب على من كذَّب وتولَّى.

566 Apr 4 2019