تفسير آية (٢٩) و(٣٠) من سورة الأحقاف من خلال أحسن التفسير 

 

تفسير آية (٢٩) و(٣٠) من سورة الأحقاف من خلال أحسن التفسير 

 

* سورة الأحقاف
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ﴿٢٩﴾ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿٣٠﴾.

السلام على أُولي النُهى، من الذين لا يؤمنون بالأشباح والأرواح الشريرة والديناصورات الطائرة، والخزعبلات والتفاهات والسخافات.

 

لقد زعم جهلاء الأمَّة الإسلامية، وبعض من الذين يُسمّون أنفسهم بالقرءانيِّين التنوريّين من خلال تفاسير قراطيس سلفهم الطالح الباطلة والخبيثة، وفلسفاتهم السفسطائيَّة، أنَّ الجنّ هم مخلوقات غير مرئيَّة ويستطيعون أن يدخلوا في نفس الإنسان وفي جسده تمامًا كأفلام هوليوود، إلخ... وأنَّهم (أي الجنّ) كانوا يتنصَّتون على أسرار الملائكة في السماوات وكانت الملائكة يقذفونهم بالشهب، إلخ...

من أين جاءوا بهذه التفاسير السخيفة السطحيَّة؟
وما هذا الإنحطاط الفكري الذي وصلوا إليه؟

سبحانه وتعالى عمَّا يقولون بُهتانًا وزورًا.

إذا تدبَّرنا آيات الذكر الحكيم في سورة الأحقاف، نجد أنَّ نفر الجنّ الذين ذهبوا إلى الرسول العربيّ الأمين لكي يتعلَّموا القرءان العظيم هم أصحاب العقول والقوة والسلطة (القدرة الخلَّاقة) من البشر الذين آمنوا وصدَّقو بالصِدْق بعد إذ جاءهم.

 

نجد الدليل في آية (٣٠) أنَّ الجنّ هم من الإنس من علماء وكبراء اليهود، لقولهم: "... إنّا سمعنا كتابًا أُنزل من بعد موسى..." لقد سَمِعَ عُلماء من الدين اليهودي الباطل بمحمد عليه السلام، فذهبوا لكي يستمعوا القرءان الكريم، وعندما عَلِموا عَظَمَة هذا الكتاب آمنوا به ونبذوا دينهم الباطل، وإذا تابعنا آيات سورة الأحقاف من آية (٣٢) إلى آية (٣٥) نجد أنَّ الله تعالى يتحدث فقط عن الإنسان يوم البعث.

* سورة الأحقاف
وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿٣٢﴾ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٣٣﴾ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴿٣٤﴾ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٣٥﴾.

ملاحظة هامَّة: في آية (٣) من سورة الجنّ: الجنّ هم من الإنس من علماء وكبراء المسيحيِّين، لقولهم: "وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا".

 

إخوتي وأخواتي الأفاضل، إذا قرأنا بعض من آيات سورة الأحقاف من آية (٢١) إلى (٢٨) نجد أنَّ الله تعالى يُخبرنا في كتابه العزيز عن قوم عاد (قوم الجنّ) الذين هم من أقوى الناس في العِلْم الذين ذكرهم تعالى في القرءان العظيم، ثم أكمل بآية (٢٩) "وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ...".

* سورة الأحقاف
وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿٢١﴾ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿٢٢﴾ قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴿٢٣﴾ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٢٤﴾ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴿٢٥﴾ وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٢٦﴾ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٢٧﴾ فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَٰلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿٢٨﴾.

والدليل على أنَّ قوم عاد كانوا أقوياء جدًا في السلطة والعِلْم نجده في السُوَر التالية:

* سورة الأعراف
وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴿٦٥﴾ ........... أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٦٩﴾.

آية (٦٩): "... وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً..." = خلقكم وأعطاكم القوة = زادكم في العِلْم قوة.

* سورة فصلت
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴿١٣﴾ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴿١٤﴾ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴿١٥﴾.

* سورة الفجر
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ﴿٦﴾ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ﴿٧﴾ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴿٨﴾.

آية (٧) و(٨): "إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ..... الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ".

* سورة الشعراء
كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ﴿١٢٣﴾ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿١٢٤﴾ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴿١٢٥﴾ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿١٢٦﴾ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٢٧﴾ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ﴿١٢٨﴾ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴿١٢٩﴾ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴿١٣٠﴾.

آية (١٢٩): "وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ": أي إنَّ قوم عاد كانوا أقوياء جدًا في علوم الصناعة، لذلك قال لهم الرسول هود عليه السلام: "... لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ" لأنَّهم كانوا يظنَّون أنَّهم بقوتهم وجبروتهم وعلومهم وسلطتهم ومالهم سوف يخلدون، تمامًا كأميركا واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، إلخ... من الدول الغربيَّة الظالمة والمتكبَّرة بعلومهم وسلطتهم ومالهم...، والسعودية والكويت والإمارات وقطر، إلخ... من الدول العربيَّة الجاهلة والمجرمة، ولكن فقط بمالهم وسلطتهم.

ملاحظة هامَّة: تجميع المال يأتي من خيرات الله وعلومه التي رزقها للإنسان في جميع المجالات وهو رمز للخُلد، والخُلد رمز للقوة، ولكن للأسف بَدَل أن يتقاسم الإنسان خيرات الله وعلومه مع أخيه الإنسان إحتكرها وكان السبب في وجود الفقراء، نجد الدليل على أنَّ المال هو رمز للخُلْد في آية (٣) من سورة الهمز، ٫وفي آيات أُخرى كثيرة:

* سورة الهمزة
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴿١﴾ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ ﴿٢﴾ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ﴿٣﴾.

وآيات أُخرى كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى.

والسلام على من اتَّبع الهُدى والعذاب على من كذَّب وتولَّى.

547 Feb 2 2019