تفسير آية (٨) و(٩) و(١٠) من سورة الجنّ من خلال أحسن التفسير

 

تفسير آية (٨) و(٩) و(١٠) من سورة الجنّ من خلال أحسن التفسير

 

هذه الآيات مهمَّة جدًا جدًا وعظيمة وأكثر من رائعة، لذلك أرجوا من إخوتي وأخواتي الأفاضل أن يتدبَّروها بتمعنّ شديد.

* سورة الجنّ
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ﴿٨﴾ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ﴿٩﴾ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴿١٠﴾.

السلام على أُولي النُهى، من الذين لا يؤمنون بالأشباح والأرواح الشريرة والديناصورات الطائرة، والخزعبلات والتفاهات والسخافات.

 

لقد زعم جهلاء الأمَّة الإسلامية، وبعض من الذين يُسمّون أنفسهم بالقرءانيِّين التنوريّين من خلال تفاسير قراطيس سلفهم الطالح الباطلة والخبيثة، وفلسفاتهم السفسطائيَّة، أنَّ الجنّ هم مخلوقات غير مرئيَّة ويستطيعون أن يدخلوا في نفس الإنسان وفي جسده تمامًا كأفلام هوليوود، إلخ...، وأنَّهم (أي الجنّ) كانوا يتنصَّتون على أسرار الملائكة في السماوات، وكانت الملائكة يقذفونهم بالشهب، إلخ...

من أين جاءوا بهذه التفاسير السخيفة والتافهة والسطحيَّة؟
وما هذا الإنحطاط الفكري الذي وصلوا إليه؟

سبحانه وتعالى عمَّا يقولون بُهتانًا وزورًا، وكفرًا وإشراكًا.

إذا تدبَّرنا آيات الذكر الحكيم في سورة الجنّ، نجد أنَّ نفر الجنّ الذين ذهبوا إلى الرسول العربيّ الأمين لكي يتعلَّموا القرءان العظيم هم أصحاب العقول والقوة والسلطة (القدرة الخلَّاقة) من البشر الذين آمنوا وصدَّقو بالصِدْق بعد إذ جاءهم.

 

** آية (٨): "وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا": أي عندما عَلِموا علوم السماوات من القرءان العظيم تأكَّدوا أنَّهم لم ولن يستطيعوا أن يخرقوا علومها، بمعنى آخر عندما استيقنوا أنَّ الله جلَّ في علاه هو الخلَّاق العليم، وأنَّ التسيير الكوني يسير بإبداع ونظام مُتقن آمنوا أنَّهم لن يستطيعوا أن ينكروا وجود الخالق، ولن يستطيعوا أن يسرقوا هذه العلوم، ولن يستطيعوا أيضًا أن يكتشفوا مثقال ذرَّة من علوم السماوات، لذلك سجدوا لآياته، وقالوا: "... فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا" وبذلك يكون الله جلَّ في علاه قد حَفَظ السماوات من كل شيطان رجيم.

ملاحظة هامَّة: معنى الحرس الشديد والشهب هو معنى مجازي يدلّ على أنَّ السماوات لا يوجد فيها تفاوت ولا فطور، أي محبوكة، أي تسير بنظام مُتقن، لذلك قال الله تعالى في آية (٧) من سورة الذاريات:

* سورة الذاريات
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ ﴿٧﴾.

 أي السماء مُحكمة ومُتقنة في تسييرها.

 

** آية (٩): "وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا": أي كانوا يسرقون علوم الله المُثبتة وينسبوها لأنفسهم، أو يتقوَّلون عليه تعالى ويتفلسفون ويبتدعون نظريات باطلة من أجل حب الأنا (الEGO)، والمال والشهرة، تمامًا كما تفعل وكالة جهلاء ناسا الآن، ولكن بعد نزول القرءان العظيم آمنوا بأنَّ كل علومهم واكتشافاتهم في السابق موجودة في القرءان الحكيم، لذلك قالوا: "... فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ..." أي فمن يحاول أن يأتي بِعِلْم مُثبت أو نظرية باطلة وينسبها لنفسه بعد نزول القرءان الكريم يجد له شهابًا رصدًا، أي آيات الله البيِّنات وراءهم بالمرصاد ستُبيِّن كذبهم واحتكارهم لعلوم الله، على سبيل المثال: دورة المياه في الطبيعة (WATER CYCLE) والجاذبيَّة (GRAVITY) والكون المُتمدِّد (EXPANDED UNIVERSE) والتركيب الضوئي (PHOTOSYNTHESIS) وعدم خروج الكواكب من فلكها (EACH PLANET OR STAR FLOAT IN IT'S OWN ORBIT) كل هذه العلوم موجودة في القرءان العظيم.

إنَّ آية (٨) و(٩) تتحدَّث عن اكتشاف الإنسان لعلوم السماوات، وليس أنَّ الجنّ كانوا يتصنَّتون على الملائكة، وأنَّ الملائكة كانت ترميهم بالشهب بزعم الجهلاء، والدليل على ما ذكرت نجده في آية (١٤) إلى آية (١٨) من سورة الحِجْر:

* سورة الحِجْر
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ﴿١٤﴾ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴿١٥﴾ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴿١٦﴾ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ﴿١٧﴾ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ﴿١٨﴾.

آية (١٤) و(١٥): "وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ..... لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ": أي لو أعطاهم الله تعالى كل العلوم والبراهين على أنَّه هو تعالى الخالق، أي لو أثبت لهم وجوديَّته فلن يؤمنوا.

آية (١٦): "وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ": أي زيَّناها للمؤمنين الذين يتفكَّرون في خلق السماوات والأرض ويقولون ربَّنا ما خلقت هذا باطلاً، إنَّ الإنسان المؤمن لا يكترث أن يصعد إلى السماء لأنَّه يعلم عِلْم اليقين أنَّه لا فائدة على الإطلاق من صعوده على القمر أو المريخ، فالله تعالى قال لنا سيروا في الأرض ولم يقل لنا اعرجوا في السماوات.

آية (١٧) و(١٨) من سورة الحِجْر: "وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ..... إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ" = آية (٨) و(٩) من سورة الجنّ: "وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا..... وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا".

إذا تابعنا آيات سورة الحِجْر من آية (١٤) إلى (١٨) وربطناها مع آية (١٩) إلى (٢٢) نرى الدليل القاطع على أنَّ الله تعالى يتحدَّث عن علوم السماوات والأرض كَعِلْم الجاذبيَّة من خلال إلقاء الرواسي، أي الجبال، والتركيب الضوئي من خلال خَلْق النبات، وتصريف الرياح بهدف إنزال الماء وتخزينه (دورة المياه في الطبيعة)، لذلك قال تعالى في آية (٢٢): "... وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ".

* سورة الحِجْر
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ﴿١٩﴾ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ﴿٢٠﴾ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴿٢١﴾ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴿٢٢﴾.

إنَّ هذه الآيات في سورة الحِجْر من آية (١٤) إلى آية (٢٢) عِبْرة للإنسان لكي لا يتكبَّر بعلمه الذي علَّمه إيَّاه العليم الحكيم، فالله هو ربُّ العرش العظيم (العِلْم)، وهو العليم البديع، وهو فوق كل ذي عِلْمٍ.

 

** آية (١٠): "وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا": أي عندما آمنوا هؤلاء العلماء عَلِموا أنَّ كل العِلْم والهداية بإذن الله وإرادته وليس بمشيئتهم، لأنَّهم قبل نزول القرءان كانوا يظنّون أنَّ الهداية بيدهم، وأنَّهم هم الأقوياء وهم العلماء وأنَّ العلوم هي علومهم، إلخ...، تمامًا كما فَعَلَ الإبليس قارون، وأبالسة قوم عاد وثمود، إلخ...

 

** ملاحظة هامَّة للملحدين والمُتكبِّرين: بمُجرَّد أن يسير هذا الكون بتسيير مُتقن ومُنظَّم، يكون الله جلَّ في علاه بذلك قد حَفَظ السماء منكم أيِّها الشياطين، بمعنى آخر لا أحد منكم يستطيع أن يثبت أنَّ الكون جاء عن طريق العشوائيَّة (الصدفة) حتى ولو قلتم أو ردَّيتم أيديكم في أفواهكم، لأنَّكم تعلمون في قرارة أنفسكم أنَّه يوجد خالق لهذا التسيير الكوني العظيم، ولا أحد منكم يستطيع أن يعلم مثقال ذرة من علوم السماوات ولا أن يُشارك الله في تسييرها، إنَّ قولكم على أنَّ الكون وُجِدَ عن طريق العشوائيَّة (الصدفة) هو حجَّة ضدكم، لعنكم الله وأصمَّ آذانكم وأدخلكم الدَرْك الأسفل من النار.

لقد دمَّر الله تعالى كبريائكم وعلومكم ونظرياتكم الباطلة، وفضحكم وتحدَّاكم من خلال كتابه العظيم، كتاب الخَلْق والعِلْم، إنّ كل علومكم المُثبتة هي من عنده جلَّ في علاه لأنهَ هو الذي خلقكم، ونَفَخَ فيكم من روحه (عِلْمه)، أي جَعَلَ لكم السَمْعَ والأبصار والأفئدة، ولكن قليلاً ما تشكرون، تدبَّروا هذه الآيات جيدًا.

* سورة المُلْك
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِنْ فُطُورٍ ﴿٣﴾ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ﴿٤﴾.

* سورة الحجّ
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴿١٥﴾.

* سورة سبأ
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ﴿٢٢﴾.

* سورة فاطر
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا ﴿٤٠﴾ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴿٤١﴾.

* سورة لقمان
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴿١٠﴾ هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿١١﴾.

 

وختامًا.

* سورة محمد
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴿٢٤﴾.

يتبع تفسير آية (١١) و(١٢) و(١٣).

والسلام على من اتَّبع الهُدى والعذاب على من كذَّب وتولَّى.

544 Jan 17 2019