تفسير آية (٤٨) من سورة النساء من خلال أحسن التفسير

 

تفسير آية (٤٨) من سورة النساء من خلال أحسن التفسير 

 

* سورة النساء
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ﴿٤٨﴾.

السلام على من تدبَّر القرءان العربيّ المُبين وحده لا شريك له، ونبذ جميع كتب المذاهب والأديان الأرضيَّة المَشركة الخبيثة النجسة، ككتاب العهد القديم والجديد، وكتب فقه السنَّة والأحاديث والتفاسير.

 

(١): تعالوا إخوتي وأخواتي الأعزّاء نتدبَّر المعنى العظيم لهذه الآية الكريمة الحكيمة العظيمة، مع التركيز على: "... وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَالِكَ لِمَن يَشَآءُ‌...".

"إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِ...": أي إنَّ الله تعالى لا يهدي الإنسان الذي يقرأ القرءان العظيم ويقرأ كُتُب تفاسير آُخرى، ونظريات وفلسفات باطلة، كنظرية أصل البشر من مملكة البهائم للدكتور "محمد شحرور"، ونظرية الديناصورات الطائرة من كواكب أُخرى التي ستغزوا الأرض قبل يوم القيامة للدكتور "رشيد الجراح"، ومعجزة العدد (١٩) للمهندس "عدنان الرفاعي".

بمعنىً آخر، إنَّ الله عزَّ وجلّ لا يُعْطي عِلْمه للإنسان الذي يؤمن بكتاب غير كتابه، أي إنَّ الله جلَّ في علاه لا يُعطي عِلْمه للإنسان الذي يقرأ القرءان ويتَّخذ كتب أُخرى من دون القرءان، من البديهي عندما يُضِلّ الله الإنسان ويصرف عنه آياته لأنَّه بخياره زاغ عن كتابه، لن يغفر ذنوبه في الآخرة لأنَّه لم يُبدِّل سيِّئاته حسنات، لذلك مصيره سيكون جهنَّم وبِئْس المِهاد.

"... وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَالِكَ لِمَن يَشَآءُ‌...": ما هو الشيء الذي دون الإشراك؟
الجواب المُبسَّط كالتالي: الشيء الذي دون الإشراك هو الإيمان.

هذه الآية لا تعني أنَّ الله تعالى يغفر جميع الذنوب ما عدا الإشراك، أي يستطيع الإنسان أن يفعل ما يشاء من دون أن يُعذِّبه الله العزيز، كإرتكاب الفواحش، وأكل مال الناس بالباطل، والكَذِبَ عليهم، وووو، إلخ...

هل من المعقول أن يغفر الله للإنسان الذي يقرأ ويؤمن فقط بكتابه، ولكن بالكلام وليس بالتطبيق؟ بالطبع لا.

خلاصة الموضوع:
كل إنسان يقرأ القرءان العظيم ويقرأ معه كتب تفاسير أُخرى، ويتفلسف من خلال رأيه ومفهومه السقيم على كتاب الله، لن يفهم القرءان طوال حياته، ولن يهتدي إلى طريق الحقّ.

ملاحظة هامَّة جدًّا جدًّا: تدبُّر القرءان الحكيم لا يكون من خلال مفهومي، ومفهومك، ومفهومه، ومفهومها، ومفهومهم، بل يكون من خلال مفهوم الله الواحد الأحد (آياته البيِّنات).

 

(٢): * سورة النساء
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ﴿٤٨﴾.

* سورة فاطر
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴿٨﴾.

آية (٤٨) من سورة النساء: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ..." = آية (٨) من سورة فاطر: "... فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ...".

 

(٣): مُجرَّد أن يرتكب الإنسان الإثْم والفواحش ولم يؤمن بالله ويعمل صالحًا يكون بذلك قد كفر بآيات الله وأشرك بها، وأعرض عن عبادة الله، أي أعرض عن كتابه، أي لم يتَّبع كتابه، والبُرهان المُبين نجده في آية (٥٥) من سورة النور:

* سورة النور
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٥٥﴾.

لاحظوا إخوتي وأخواتي الأفاضل قول الله تعالى: "... يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ...".

ملاحظة هامَّة: الإيمان بالله يكون بتطبيق آياته والعَمَل بها وليس بالكلام، لذلك قال الله جلَّ في علاه أنَّ كل إنسان يقول أنَّه يؤمن بالقرءان العظيم ولكنَّه في نفس الوقت ويؤمن بكتب أحاديث أو تفاسير أو فِقه، إلخ...، فهو مُشرك، مُشرك، مُشرك. والدليل نجده في آية (١٠٦) من سورة يوسف:

* سورة يوسف
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴿١٠٦﴾.

 

(٤): البرهان المُبين على أنَّ معنى الإستغفار هو الهداية إلى كتاب الله نجده في آية (٥) و(٦) من سورة المنافقون، وفي آية (٨٠) من سورة التوبة.

* سورة المنافقون
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴿٥﴾ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿٦﴾.

يُعلِمُنا الله تعالى أنَّ المُنافِقْ الّذي لا يُريد أن يتوب ولا يريد أن يؤمن ويريد أن يبقى في نِفاقِهِ، لن ينفعه إستغفار الرسول أو المؤمنين، لقد أعطانا الله تعالى مثلاً لذلك من خلال استغفار الرسول محمد الأمين لهم، لقد كانوا يلوون رُؤسَهُمْ ويصدّون عن هذا الإستغفار وهم مُستكبرون، أي كانوا يرفضون القرءان الّذي كان الرسول محمد عليه السلام يستغفر لهم به، لأنَّ القرءان هو كتاب الإستغفار الّذي إستغفر به الرسول لقومه لكي يهديهم، إذًا فالإستغفار هو هداية الإنسان لكتاب الله، لذلك فصَّل الله تعالى معنى الإستغفار بقوله في آخر آية (٦): "... إنَّ الله لا يهدي القوم الفاسقين" وأيضًا في آخر آية (٨٠) من سورة التوبة: "... وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ".

* سورة التوبة
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿٨٠﴾.

مرة ثانية أُذكِّر فإنَّ الذكرى تنفع المؤمنين.
إذا قرأنا وتدبّرنا آية (٥) من سورة المنافقون، نجد البرهان المُبين على أنّ استغفار الرسول عليه السلام للمنافقين هو تبليغهم رسالة القرءان العظيم، لأنّه هو الكتاب الوحيد الذي يغفر الذنوب جميعًا، أي هو الكتاب الوحيد الذي يجعل الإنسان يُبدّل سيّئاته حسنات، أي يهديه إلى طريق الحقّ، لذلك أكمل الله تعالى آية (٦) "... إنّ الله لا يهدي القوم الفاسقين".

الإستغفار بالمفهوم الشائع، أي بالكلام كالببغاء هو مفهوم باطل.

(٥): * سورة المنافقون
سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿٦﴾.

* سورة البقرة
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٦﴾.

من خلال ربطنا الآيتين نجد البرهان الواضح على أنّ معنى الإستغفار في آية (٦) من سورة المنافقون = الإنذار بواسطة كتاب الله في آية (٦) من سورة البقرة، أي تبليغ الكفّار مصيرهم من خلال القرءان الكريم إذا لم يتوبوا.

والسلام على من اتَّبع الهُدى والعذاب على من كذَّب وتولَّى.

 

517 Nov 25 2018