تفسير آية (٢٩) من سورة الشورى من خلال آية (١٣) إلى (٢٠) في سورة نوح

 

تفسير آية (٢٩) من سورة الشورى من خلال آية (١٣) إلى (٢٠) في سورة نوح 

 

* سورة الشورى
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴿٢٩﴾.

* سورة نوح
مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴿١٣﴾ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴿١٤﴾ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ﴿١٥﴾ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴿١٦﴾ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ﴿١٧﴾ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ﴿١٨﴾ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ﴿١٩﴾ لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا ﴿٢٠﴾.

السلام على من تفكَّر بعظمة كتاب الله العظيم

(١): * سورة الشورى
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴿٢٩﴾.

لماذا قال الله جلَّ في علاه "وما بثَّ فيهما" أي في السماوات والأرض؟
لقد خَلَقنا الله جلَّ في علاه أطوارًا، أي إنَّ خَلْق الإنسان والدَّواب والأنعام مربوط بِخَلْق السماوات، لأنَّ الإنسان وباقي المخلوقات على الأرض وُجِدوا بوجوديَّة خَلْق
السماوات، فلو لم يخلق الله جلَّ في علاه السماوات لما كانت الأرض موجودة، على سبيل المثال لو لم تكن الشمس موجودة لما وُجِدَ الإنسان، وكذلك الأمر بالنسبة للقمر وباقي الكواكب، لذلك قال الله تعالى وبثَّ فيهما لكي يُعلِمُنا أنَّ الأنام أو الخَلْق في الأرض هو جزء لا يتجزّأ عن السماوات، وهذه الآية لا تعني كما فسَّرها بعض من أتباع الدكتور رشيد أنَّه يوجد ديناصورات طائرة في السماوات.

الدليل المُبين على أنَّ أطوار خَلْق الإنسان في الأرض مُتَّصلة بأطوار خَلْق السماوات نجده في سورة نوح والشمس والليل:

* سورة نوح
مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴿١٣﴾ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴿١٤﴾ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ﴿١٥﴾ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴿١٦﴾ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ﴿١٧﴾ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ﴿١٨﴾ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ﴿١٩﴾ لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا ﴿٢٠﴾.

لاحظوا إخوتي وأخواتي الكِرام كيف أكمل الله تعالى آية (١٤) بآية (١٥) و(١٦):
"وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارً..... أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقً..... وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا".

أُعيد وأُكرِّر إنَّ مراحل خَلْق الإنسان مُتعلَّقة أو مربوطة بمراحل خَلْق السماوات، لذلك قال تعالى "وقد خَلقكم أطوارًا" وأكمل قوله ب: "ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طِباقًا، وجَعَلَ القمر فيهنَّ نورًا وجَعَلَ الشمس سراجًا".

إذا كان خَلْق الإنسان مُرتبط بوجوديَّة السماوات فمن البديهي أنَّ يكون خَلْق الدَّوابّ مُرتبط أيضًا بخَلْق السماوات.

ملاحظة هامَّة: إنَّ آية (١٤) تنسخ وتَدَمِّر نظرية التطور الباطلة للعالِم الكبير داروين.

* سورة الشمس
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴿١﴾ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴿٢﴾ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ﴿٣﴾ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴿٤﴾ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴿٥﴾ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ﴿٦﴾ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿٧﴾.

لقد بدأ الخلَّاق العليم من آية (١) إلى آية (٦) وختم تعالى بآية (٧): لكي يُعْلِمُنا أنَّه خَلَق الإنسان أطوارًا، أي على مراحل، وهذه المراحل بدأت بخَلْق السماوات، لذلك قال تعالى في آية (١٤) من سورة نوح: "وقد خَلَقكم أطوارًا".

وكذلك الأمر تمامًا بالنسبة لسورة الليل.

* سورة الليل
بسم الله الرحمر الرحيم
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ ﴿١﴾ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ ﴿٢﴾ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ ﴿٣﴾.

آيات بيِّنات لا يُجادل فيها إلَّا الذين كفروا.

 

(٢): إنَّ مراحل خُلْق الإنسان مُتعلَّفة أيضًا بوجوديَّة الأرض، لأنَّ مراحل تكوين الجنين من نُطفة إلى عَلقة إلى مُضغة تحتاج إلى غذاء الأرض.

أطوارًا، أي مراحل خَلْق الإنسان المربوطة بخَلْق السماوات نجده في الآيات التالية:
"وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا..... أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا..... وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا".

أطوارًا، أي مراحل خَلْق الإنسان المربوطة بخَلْق الأرض نجده في الآيات التالية:
"وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا..... وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا..... وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ﴿١٩﴾ لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا ﴿٢٠﴾".

خلاصة الموضوع: "وقد خلقكم أطوارًا" = أطوار خَلْق الإنسان مربوطة بمراحل خَلْق السماوات والأرض.

آيات بيِّنات لا يُجادل فيها إلَّا الذين أشركوا.

 

(٣): إخوتي وأخواتي الأفاضل، إذا ضربنا آية (٢٩) من سورة الشورى بآية (٣٨) من سورة الأنعام، نجد تشابهًا كبيرًا بينهما، ونجد أيضًا الدليل القاطع على أنَّ بثَّ الله تعالى للدابَّة في آية (٢٩) من سورة الشورى هو فقط في الأرض.

* سورة الشورى
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴿٢٩﴾.

* سورة الأنعام
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴿٣٨﴾.

آية (٣٨) من سورة الأنعام: "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ...".

ركِّزوا إخوتي وأخواتي الأعزّاء على قَوْل الله تعالى في نهاية الآيتين:

ختام آية (٢٩) من السورة الشورى: "... وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ" = سيبعثهم العليم الخبير من الأرض وليس من السماء، ثمَّ سيجمعهم الخالق في يوم الجَمْع.

ختام آية (٣٨) من سورة الأنعام: "... ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ" = سيُبعثون من الأرض يوم القيامة وليس من السماء، وبعدها سيُحشرون إلى ربِّهم.

* سورة طه
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّىٰ ﴿٥٣﴾ كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَىٰ ﴿٥٤﴾ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ ﴿٥٥﴾.

آية (٥٥): "... وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ" سيخرجنا الله تعالى، وسيخرج الدَّوابّ والأنعام من الأرض وليس من السماء.

آيات بيِّنات لا يُجادل فيها إلَّا الذين ظلموا.

 

(٤): لقد جَعَلَ الله تعالى السماوات بناءً للأرض، ووَضعَ الأرض للأنام وجَعَلها قرارًا، أي مُستقر ومكان صالح للعيْش، وهذا أكبر دليل على عَدَم وجود مخلوقات فضائيَّة أو كائنات حيَّة في السماوات إلَّا الملائكة.

* سورة غافر
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿٦٤﴾.

* سورة الرحمن
وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ﴿١٠﴾.

سؤال للدكتور رشيد الجراح وأتباعه: هل يستطيع أيّ مخلوق العيْش في السماوات (البناء) أم في الأرض؟ أرجوا الإجابة.
بمعنى آخر: هل يستطيع أيّ مخلوق العيْش في بناء منزله، أي في أساس منزله، أم في منزله؟ أرجوا الإجابة.

آيات بيِّنات لا يُجادل فيها إلَّا الذين فسقوا.

(٥): وختامًا:

* سورة المؤمنون
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ﴿١٢﴾ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ﴿١٣﴾ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴿١٤﴾ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ﴿١٥﴾ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴿١٦﴾ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ﴿١٧﴾ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴿١٨﴾ فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿١٩﴾ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ ﴿٢٠﴾ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿٢١﴾ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴿٢٢﴾.

نجد البرهان المُبين من خلال آيات سورة المؤمنون على أنَّ أطوار خَلْق الإنسان بدأت منذ أطوار خَلْق السماوات والأرض وليس كما يقول أتباع داروين وغيره من الباحثين والمُفكِّرين كأمثال الدكتور محمد شحرور، أنَّ مراحل خَلْق الإنسان بدأت من مملكة البهائم.

للتذكير مرة ثانية: أطوار خَلق الإنسان والدَّوابّ والأنعام في الأرض مربوطة بمراحل خَلْق السماوات والأرض.

آيات بيِّنات لا يُجادل فيها إلَّا الذين أجرموا.

والسلام على من اتَّبع الهُدى والعذاب على من كذَّب وتولَّى.

513 Nov 13 2018