- 5848 reads
بيان معنى الصَرْح في آية (٣٦) من سورة غافر وفي آية (٣٨) من سورة القصص من خلال أحسن البيان
(القرءان العظيم)
* سورة غافر
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ﴿٣٦﴾ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ﴿٣٧﴾.
* سورة القصص
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٣٨﴾.
السلام على من دخل صَرْح الله (القرءان العظيم) وآمن به وسجد لآياته.
(١): إخوتي وأخواتي الكِرام، هل من المعقول كما علَّمتنا كتب التفاسير الباطلة أنَّ معنى الصَرْح المذكور في آية (٣٦) من سورة غافر، وآية (٣٨) من سورة القصص يعني القصر (البناء) المَنيف الرفيع العالي؟
هل طلب فرعون الطاغية من وزيره ومُشير دولته هامان أن يتَّخذ له بناءً عاليًا ليتسلقّ هذا البناء ويطَّلع إلى إله موسى؟
هل وَصَلْنا إلى هذا الحدّ من السخافة والتفاهة والسطحيَّة في تحريف معاني وعِبَر آيات الله العظيمة لنخرج بهذا الفهم الساقط الهزيل؟
هل كان القرءان الكريم في نظر المُفسِّرين من السلف الطالح مَرْتعًا لقصص الخرافات والخزعبلات والتكهُّنات الباطلة كقصص سندباد وعلي بابا وغيرها؟
سبحانه وتعالى عمَّا يزعمون بهتانًا وزورًا.
(٢): تعالوا معًا إخوتي وأخواتي الأفاضل لنستقي المعنى الصحيح للصَرْح الذي بيَّنه الله تعالى في كتابه.
عندما أرسل الله تعالى موسى وأخيه هارون ليُبلِّغا فرعون رسالة الله له ولقومه من خلال آيات خلق وعلوم السماوات والأرض العظيمة، استيقن فرعون أنَّ هذه العلوم القويَّة هي من عند الله، ولكن من شدَّة تكبٍّره وقوَّة جبروته وطغيانه، كفر بهذه الآيات وجحد بها، وطلب من وزيره هامان أن يبني له صرحًا، أي أن يجمع السحرة (العلماء) ليأتوا بعلوم قويَّة تسحر عقول الناس، ليتحدَّى بها عِلْم الله الذي جاءه به موسى وهارون عليهما السلام، والبرهان المُبين نجده في الآيات التالية:
* سورة الشعراء
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿٢٣﴾ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴿٢٤﴾ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ﴿٢٥﴾ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴿٢٦﴾ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴿٢٧﴾ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٢٨﴾.
* سورة طه
قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ ﴿٤٩﴾ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ﴿٥٠﴾ قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ ﴿٥١﴾ قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴿٥٢﴾ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّىٰ ﴿٥٣﴾ كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَىٰ ﴿٥٤﴾ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ ﴿٥٥﴾.
لاحظوا إخوتي وأخواتي الكِرام أنَّ مِحْوَر الموضوع وجوهره الذي حاور به موسى فرعون في آيات سورة الشعراء وطه هو آيات الخلق، آي آيات خَلْق السماوات والأرض التي لم يخلقها الله باطلاً.
خلاصة الموضوع: إنَّ المعنى المقصود من الصَرْح من خلال منطق وتسلسل الآيات وليس من خلال منطقي ومنطق ابن كثير وغيره من المُفسِّرين، هو العِلْم.
(٣): البرهان المُبين على أنَّ الصَرْح هو العِلْم نجده في قصة ملكة سبأ في سورة النَمْل، عندما دعا سليمان ملكة سبأ للدخول إلى الصَرْح.
* سورة النمل
قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٤٤﴾.
بعد أن أتت ملكة سبأ لزيارة سليمان عليه السلام دُعِيَتْ لدخول الصَرْح، الصَرْح هو مُلْك سليمان العظيم والأعلى الّذي ءاتاهُ الله عزّ وجلّ والّذي هو كتابه الكريم البيِّن، ولقد دُعِيت لدخول الصَرْح لكي يُناظرها ويُحاججها سُليمان بِهِ، وعندما دخلت إليه "حسبتهُ لُجَّةْ"٫أي حسبته ماءً تستطيع أن تضع ساقيها وتغمسها فيه بسهوله، أي حسبت أنَّ علمه وحجَّته، أي آيات الله الّتي سوف يُناظرها ويُناقشها فيه هي "لُجَّة" أي خفيفة ومُضطرِبة وفيها اختلاط واختلاق ولَبسْ، أي ضعيفة وواهنة تستطيع اللعب والتحكم بها والسيطرة عليها، أي حسبت أنَّ حجّتها وإيمانها وعِلْمها أقوى من حجّة وإيمان وعِلْم الله الّذي أعطاه لسليمان.
فكشفت عن ساقيها لكي تُدخلها بكل راحة وسهولة ويُسرْ في الماء، أي جلست بكل ثقة واطمئنان وأخذت تناظر وتُحاجج سليمان بعلوم حضارتها الّتي سنَّتها والّتي كانت تؤمن بِهِا من دون الله، ظنًّا منها أنَّها ستنتصر بعلومها على علوم الله، وأنَّها ستخرق وتهدم صَرْحه ومُلكَهُ الّذي هو الكتاب الكريم فتلغي بذلك دين الله وتُثبِت دينها العلماني، ولكنَّ ظنّها قد خاب ولم يكن بمحله، لأنَّ عِلمْ الله لسليمان وملكه الّذي ءاتآهُ والّذي هو آياته البيّنات لم يكُن "لُجَّة"٫بل كان "صَرْحٌ مُمرَّدٌ من قوارير"، أي كان صَرْحًا مَصْقولاً بمعادن أصيلة من فضة وذهب، أي كتاب قويّ مُحكم بآياته وبيِّناته وقوانينه وعلومه وعِبَرِه العظيمة، فلا أحد لا ملكة سبأ ولا غيرها من الإنس والجن يستطيع أن يخرق عِلْم الله وآياته، أو أن يأتي بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرًا، وعندما رأت ملكة سبأ أنها لم تستطع ولن تستطيع أن تخرق صَرْح سليمان، وعَلِمت أنَّ عرشها هو "الّلُجَّةْ" وليس صَرْح سليمان، واستيقنت أنَّ صَرْح سليمان هو "صَرْحٌ مُمَرَّدٌ من قوارير" ورأت قوَّة وعظمة هذا الصَرْح، أي العِلْم الإلآهي الّذي لا يوجد قبله ولا بعده عِلْم أنكرت عرشها، أي عِلْمها وكفرت به وأسلمت وسجدت مع سليمان لله رب العالمين.
لقد أعطانا الله عزّ وجلّ مفهوم القوارير من خلال آيات سورة الإنسان:
* سورة الإنسان
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴿١٢﴾ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ﴿١٣﴾ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا ﴿١٤﴾ وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا ﴿١٥﴾ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ﴿١٦﴾.
لاحظوا إخوتي وأخواتي الكرام قول الله عزّ وجلّ في آية (١٥) و(١٦): "وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا..... قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا".
(٤): لقد صرَّف الله تعالى للناس في جميع كُتُبِهِ التي أنزلها في السابق وحفظها في القرءان الكريم بعد أن حُرِّفت من كُلِّ مثلٍ، فأعطانا جميع العلوم والأمثال والعِبرْ وصرَّفها لنا من كل شائِبة أو خطأ أو إعوجاج وجعلها خالصة وصافية، والدليل نجده في الآيات التالية:
* سورة الكهف
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْءانِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴿٥٤﴾.
* سورة الإسراء
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْءانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴿٨٨﴾ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْءانِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴿٨٩﴾.
* سورة الزمر
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْءانِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿٢٧﴾ قُرْءانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿٢٨﴾.
* سورة الزمر
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴿١﴾ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴿٢﴾ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴿٣﴾.
والسلام على من اتَّبع الهُدى والعذاب على من كذَّب وتولَّى.
499 Oct 22 2018