عِبْرة قصة موسى عليه السلام العظيمة مع العَبْد المأمور (المَلَك) في القرءان الحكيم

 

عِبْرة قصة موسى عليه السلام العظيمة مع العَبْد المأمور (المَلَك) في القرءان الحكيم 
قبل أن يجعله الله جلَّ في علاه رسولاً

 

 

* سورة النحل
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴿٤٩﴾ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴿٥٠﴾.

تفسير آية (٦٥) إلى آية (٨٢) في سورة الكهف من خلال أحسن التفسير (القرءان العربيّ المُبين) مع التركيز على آية (٧٤): "فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا".

السلام على من آمن بآيات الله البيِّنات وحكمتها ولم يُجادل بها.

* سورة الكهف
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴿٦٠﴾ .......... قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا ﴿٦٤﴾ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴿٦٥﴾ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿٦٦﴾ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٦٧﴾ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴿٦٨﴾ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴿٦٩﴾ قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ﴿٧٠﴾ فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ﴿٧١﴾ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٧٢﴾ قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ﴿٧٣﴾ فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ﴿٧٤﴾ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٧٥﴾ قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ﴿٧٦﴾ فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴿٧٧﴾ قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴿٧٨﴾ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴿٧٩﴾ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴿٨٠﴾ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴿٨١﴾ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴿٨٢﴾.

 

(١): إخوتي وأخواتي الأفاضل، إذا تابعنا آيات هذه القصة العظيمة وضربناها ببعضها وركَّزنا على آية (٧٩)٫و(٨١)٫و(٨٢) نجد قول العَبْد المأمور لموسى "... فأردت..." في آية (٧٩) و"... فأردنا..." في آية (٨١) و"... فأراد ربك..." في آية (٨٢)، ونجد أيضًا البرهان المُبين من خلال آيات الله أنَّ العَبْد المأمور هو مَلَك وليس رجل.

تعالوا معًا نتدبَّر قصة وعِبْرة موسى عليه السلام مع العَبْد المأمور.

* سورة يوسف
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿١١١﴾.

 

(٢): آية (٧٩): "أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا".

لقد قال الله تعالى لعبده أن يقول لموسى "... فأردت..." في قصة خَرْق السفينة لكي يُعْلِمنا بأنَّ خَرْق السفينة هو عمل بشري، أي يستطيع الإنسان أن يفعل هذا الأمر. (خَرْق سفينة) بهدف الخير، لذلك قال العبد المأمور لموسى "... فأردت...".

آية (٧٩): "... فَأَرَدْتُ...": عَمَل بشري يستطيع أي إنسان أن يفعله.

 

(٣): آية (٨١): "فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا".

لقد قال الله تعالى لعبده أن يقول لموسى "... فأردنا..." في قصة قَتْل الغلام لكي يُعْلِمُنا أنَّ الملائكة هي فقط المُوكّلة بأمر من الله بوفاة الأنفس، فمن المُستحيل أن يأمر الله تعالى أي إنسان ما أن يقتل غلامًا، بمعنىً آخر من المستحيل أن يضع الله تعالى أي إنسان بهذا الموقف الصعب، لذلك قال العبد المؤمن لموسى"... فأردنا..."، ومرة ثانية أُعيد وأُكرِّر إنَّ قَتْل الغلام هو من عَمَل الملائكة فقط ولكن بأمر من الله تعالى، لأنَّ الملائكة هي التي تتوفّى الأنفس، والبرهان المُبين نجده في آية (١١) من سورة السجدة:

* سورة السجدة
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴿١١﴾.

آية (٨١): "فَأَرَدْنَا...": عَمَل ملائكي وليس بشري، لأنَّ الملائكة هي المُوَكَّلة فقط بوفاة نفس الإنسان ولا يحق للإنسان أن يقتل، ولا يأمر الله جلَّ في علاه أي إنسان أن يقتل غلامًا.

ملاحظة هامَّة: لقد أعطانا الله تعالى عِبْرة قَتْل الغلام لكي لا يتساءل الإنسان لماذا يموت الأطفال بالحروب والأمراض، فالموت خلقه الله تعالى وهو بأمره، وهو حق على جميع الناس، وهو ليس أمرًا مُرعبًا بالنسبة للإنسان المؤمن، ومن الممكن أن يكون فيه خيرًا كثيرًا، وهذا لا يعني أنَّ الأهل إذا فقدوا أبناءهم لا ينبغي أن يحزنوا عليهم، بل عليهم أن يصبروا لحكم الله، هذا ما بيَّنه تعالى في آية (٤٥) من سورة هود، وآية (٢١٦) و(١٥٥) و(١٥٦) من سورة البقرة:

* سورة هود
وَنَادَىٰ نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ﴿٤٥﴾.

نجد في آية (٤٥) من سورة هود حُزْن نوح عليه السلام على ابنه بالرغم من كُفْره.

* سورة البقرة
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿٢١٦﴾.

آية (٢١٦): "... وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ...": أي عسى أن تكرهوا أن تُقاتلوا في سبيل الله ولكن هذا القتال سيكون خيرًا لكم، أي هذا الشئ سيدفعكم لمحاربة الظلم والفساد وسيُدخلكم الجنَّة، لذلك بدأ الله تعالى قوله في هذه الآية الكريمة ب: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ...".

آية (٢١٦): "... وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ...": أي عسى أن تُحبوا أن لا تقاتلوا في سبيل الله، أي عسى أن تحبّوا الحياة الدنيا وتنهوا عن عَمَل الخير والإصلاح، فيكون حبكّم للحياة الدنيا وعَمَلكم الفاسد هو شرّ لكم، أي سيكون مصيركم جهنَّم.

* سورة البقرة
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿١٥٥﴾ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿١٥٦﴾.

البُرهان المُبين على أنَّ قَتْل الغلام كان خيرًا نجده في آية (٨٠) و(٨١) من سورة الكهف:

* سورة الكهف
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴿٨٠﴾ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴿٨١﴾.

إنّ كلمة "... فأردنا...": هي أكبر برهان على أنَّ العَبْد المأمور هو مَلَك وليس رجل.

استطراد: البُرهان المُبين على أنَّ عباد الله هم أيضًا الملائكة نجده في آية (١٩) من سورة الزخرف:

* سورة الزخرف
وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴿١٩﴾.

 

(٤): آية (٨٢): "وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا".

آية (٨٢): لقد قال الله تعالى لعبده أن يقول لموسى "... فأراد ربك..." لكي يُعْلِمُنا أنَّ المعنى الباطن للكنز هو الكتاب، ولو كان معنى الكنز ماديًا لقال العَبْد المأمور (المَلَك) لموسى "فأردت" تمامًا كما قال له في قصة خَرْق السفينة.

للتذكير مرة ثانية: إنَّ قول العَبْد المأمور (المَلَك) لموسى "... فأراد ربك..." هو أكبر دليل على أنَّ الكنز هو الكتاب.

آية (٨٢): "... فَأَرَادَ رَبُّكَ...": عَمَل إلاهي، لأنَّ الهداية فقط بمشيئة الله، ولكن مشيئة الإنسان مُتعلقَّة بمشيئة الله، فإذا أراد الإنسان الهداية يهديه الله، وإذا أراد الضلالة يضلّه الله، والدليل على ما ذكرت نجده في السُوَر التالية:

* سورة القصص
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴿٥٦﴾.

* سورة مريم
قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا ﴿٧٥﴾ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا ﴿٧٦﴾.

* سورة الصف
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿٥﴾.

لاحظوا إخوتي وأخواتي الأعزّاء قول الله تعالى في آية (٥) من سورة الصف: "... فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ...".

 

(٥): لقد أخبرنا الله تعالى عن عِبْرة وحكمة خَرْق السفينة وقَتْل الغلام وإقامة الجدار في الآيات التالية:

* سورة الكهف
قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴿٧٨﴾ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴿٧٩﴾ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴿٨٠﴾ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴿٨١﴾ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴿٨٢﴾.

آيات بيِّنات ساطعات مثل نور الشمس.

 

(٦): ملاحظة هامَّة: لقد أعلمنا الله عزَّ وجلّ عن عِبْرة وحكمة الموت للصغار وللكبار في آية (٨٠) و(٨١) من سورة الكهف، وفي آيات أُخرى من سُوَر أُخرى، حتى لا يفتري الإنسان على الله الكذب بقوله أنَّ كتابه يدعوا للقتل وعَدَم الرحمة والإنسانيَّة وحتى أيضًا لا يكون له حجَّة على الله يوم القيامة، سبحانه وتعالى حتى في موت الإنسان يوجد عدل إلاهي، لأنهَ تعالى يعلم تمامًا أَجَل موت الإنسان، على سبيل المثال إذا عَلِمَ الله جلَّ في علاه أنَّ الإنسان الظالم سيتوب من قريب يُعطيه فرصة للحياة لكي يُطهِر نفسه، نجد الدليل على ما ذكرت في الفقرة الخامسة في الآيات التالية:

* سورة الكهف
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴿٨٠﴾ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴿٨١﴾.

* سورة الزمر
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٤٢﴾.

إنَّ النفس الّتي يُمسكها الله تعالى هي النفس الّتي يوقفّ عملها وحياتها، أي هي النفس الّتي يُميتها الله تعالى مع جسدها وينزع عنها الحياة فلا يُصبح لها أيّ وجوديَّة، وهذه النفس هي الإنسان، وإنَّ النفس الّتي يُرسلُها الله تعالى هي النفس الّتي يترُكها على قيد الحياة مع جسدها حين نومها، وعندما يتوفّى الله تعالى النفس حين موتها، أي الإنسان، يكون قد أعطاها حقَّها في الموت، وحقّها هو أن يبعثها بإحيائِها من جديد وبرجوعها إليه لِمُحاسبتها، تمامًا كما أعطاها حقّها في النوم، وحقَّها هو أن يُبقيها على قيد الحياة، أي أن يبعثها في النهار ويتركها تحيا لِيُقضى أجل مُسمّى إلى حين يُميتُها الله ويبعثها بإحيآئِها من جديد يوم القيامة لمُحاسبتها، والدليل نجده في آية (٦٠) من سورة الأنعام:

* سورة الأنعام
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٦٠﴾.

إنّ تعريف كلمة يُمسِكْ وكلمة يُرْسِل في الآية (٤٢) من سورة الزمرّ كالتالي:
يُمسِك النفس = يمنعها من الحيواة = يقضي عليها = يُميتُها = يُزيل عنها الحياة.
يُرسِل النفس = يترُكَها تحيا = لا يميتها يترُكها تُبعث لتستمرّ بحياتها.

* سورة فاطر
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴿١١﴾.

* سورة الرعد
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٦﴾.

آية (٦) من سورة الرعد: "... وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ...": أي إذا تاب الإنسان الظالم يغفر له الله، وهذا أكبر دليل على أنَّ الله تعالى لا يتوفّى الإنسان الظالم إذا أراد أن يتوب ويؤمن ويعمل عَمَلاً صالحًا، سبحانك اللهمَّ ربّي على عظمة كتابك ورحمتك التي وَسِعَت كل شيء والتي كتبتها فقط للذين يتَّقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتك يؤمنون.

 

(٧): العِبْرة من قصة موسى كالتالي: موسى كان دائمًا عجولاً، ويعتقد أنه باستطاعته أن يفعل ما يريد بإرادته مهما كلَّف الأمر ومن دون حكمة وصبر، لذلك قال لفتاه في آية (٦٠):"وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا" لذلك سبَّب الله تعالى الأسباب وجعله ينسي حوته، أي غداءه لكي يرجع من سفره ويلتفي بالعَبْد المأمور (المَلَك) لكي يتعلمّ منه الحكمة والصبر.

 

(٨): لقد أعطانا الله تعالى الحق بالقتل بحالة واحدة ألا وهي دفاعًا عن أنفسنا، ولكنَّه حرَّم علينا قَتْل النفس والإعدام بشكل عام، فما بالكم بقَتْل الأطفال؟  نجد البُرهان المُبين على ما ذكرت في الآيات التالية:

* سورة البقرة
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿١٩٠﴾.

* سورة المائدة
مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚوَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴿٣٢﴾.

 

(٩): في الختام، إنَّ عِبْرة قَتْل الغلام تنسخ قول الإبليس القمصّ زكريا بطرس ورشيد حمامي، وغيرهم من الأبالسة والشياطين (أعداء الله) بأنَّ الله سبحانه وتعالى يدعوا ويأمر الإنسان بقَتْل الأطفال وارتكاب جرائم بحق الإنسانيَّة، لعنهم الله وأصمَّ آذانهم وأدخلهم الدَرْك الأسفل من النار.

والسلام على من اتَّبع الهُدى والعذاب على من كذَّب وتولَّى.

 

493 Oct 9 2018