حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٥٢)

 

حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٥٢)

 

 

السلام على من قام إلى الصلاة (إلى كتاب الله) بإيمان صادق.

(١): إخوتي وأخواتي الكِرام، بعد أن بيَّنت لكم من خلال آيات القرءان البيِّنات على أنَّ الصلاة هي القرءان، وأنَّ إقامة الصلاة هي تطبيق والعمل بآيات القرءان، أريد أن أناقش معكم سؤالاً ربَّما تسألونه لأنفسكم.

لماذا سمّى الله تعالى القرءان بالصلاة؟
لقد أوجد الله تعالى السماوات والأرض من أجل وجوديَّتنا كفرصة وحيدة لنا لكي نتعلَّم كيف نسجد له كي نستطيع أن نعيش مع بعضنا البعض بالخير والمودَّة والرحمة والسلام في هذه الأرض، بهدف أن نعيش في الآخرة حياة خلود في الجنَّة مليئة بالخير والمودَّة والرحمة والسلام، بمعنى آخر لقد خلقنا الله تعالى في هذه الأرض لكي نتوب ونُبَدِّل سيِّئاتنا إلى حسنات، أي حتى نُغيِّر أنفسنا من الشرّ إلى الخير كما أخبرنا تعالى في السُوَر التالية:

* سورة يونس
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴿٤﴾.

* سورة الكهف
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴿٧﴾.

* سورة الجاثية
وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿٢٢﴾.

* سورة الملك
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١﴾ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴿٢﴾.

(٢): إذا لم يُعرِّفنا الله تعالى على نفسه ويُخبرنا عن سبب خَلْقنا وخَلْق السماوات والأرض، وعن سبب وجوديَّة الموت، وعن يوم الحساب والآخرة، (الجنَّة وجهنَّم) فكيف نستطيع أن نفهم معنى وجوديَّتنا الّذي من أجلها خلقنا الله؟

بمعنىً آخر كيف نستطيع أن نتعلَّم كيف نسجد لله جلَّ في علاه؟
نحن لا ولن نستطيع أن نتوب بل سنظلّ نفعل السيِّئات، لذلك نحن دائمًا وأبدًا بحاجة إلى نور الله في حياتنا، لأنَّه هو النور الوحيد الّذي يستطيع أن يُنير لنا طريقنا لأنَّه يُبيِّن لنا الفرق بين الخير والشرّ.

ولكن كيف نستطيع أن نتعرَّف على الله جلَّ في عُلاه لكي نستطيع أن نفهم سبب وجوديَّتنا؟
كما أخبرتكم في مقالتي عن موضوع "أسطورة الإسراء والمعراج" نحن لا نستطيع أن نرى الله عزَّ وجلّ، لذلك أرسل تعالى إلينا الأنبياء والرسل، وأنزل معهم الكتاب لأنَّها الطريقة الوحيدة الّتي نستطيع أن نتعرَّف بها على الله عزَّ وجلّ وعلى ما أراده لنا وما أراده منّا، إذًا فإنَّ الكتاب هو الصِّلة الّتي تربطنا مباشرة بالله والّذي بواسطته نستطيع أن نعلم عِلْم كل شيء، لذلك عرَّفه الله تعالى لنا بكلمة الصلاة، لكي يذكِّرنا دائمًا بصِلتنا به من خلال آياتِهِ.

إنَّ الله تعالى يُكلِّمنا من خلال آيات القرءان الحكيم، ونحن عندما نقرأه نكون على صِلَة مباشرة مع الله عزَّ وجلّ، فنكون معه ويكون معنا، ونكون قريبين منه ويكون قريب منا كأنَّه يتكلَّم معنا في نفس الوقت واللحظة والثانية الّتي نتدبَّر فيها كتابه العظيم، هذه هي الصِلَة الحقيقيَّة بين الخالق والمخلوق، والبُرهان المُبين نجده في آية (١٨٦) من سورة البقرة:

* سورة البقرة
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴿١٨٦﴾.

"... فَإِنِّي قَرِيبٌ...": لأنَّه تعالى يُخاطبنا في القرءان العظيم، إذًا فهو قريب منّا، لذلك أكمل تعالى هذه الآية الكريمة ب: "... فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ".

أمّا الصِلَة بين المخلوق والمخلوق فهي أن نَصِلَ ما أمرنا الله تعالى بِه أن يوصل، هذه هي إقامة الصلاة، أي إقامة القرءان والعمَل به وتطبيق كل آية من آياته لكي نعيش مع بعضنا البعض في خير وسلام في الأرض.

إذًا فالصِلَة بين المخلوق والمخلوق بما أمرنا الله تعالى بِهِ أن يوصل، أي بما أمرنا الله تعالى بِهِ في القرءان العظيم هي الّتي تَصِلُنا بالله عزَّ وجلّ، أي هي الّتي يتقبلَّها الله وتصل إليه، والبُرهان المُبين نجده في آية (٢٧) من سورة المائدة:

* سورة المائدة
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴿٢٧﴾ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴿٢٨﴾.

والسلام على من اتَّبع الهُدى والعذاب على من كذَّب وتولَّى.

 

471 Sep 20 2018