حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٤٦)

 

حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٤٦)

 

تفسير سورة الأعلى من خلال أحسن التفسير (القرءان العربيّ المُبين).

السلام على من قام إلى الصلاة (إلى كتاب الله) بإيمان صادق.

* سورة الأعلى
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَىٰ (٤) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَىٰ (٥) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَىٰ (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ (٨) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَىٰ (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَىٰ (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ (١٢) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ (١٣) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىٰ (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (١٧) إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ (١٩).

إذا تابعنا آيات سورة الأعلى بتدبّر لا نجد فيها أيّ شيء له دعوة بالخمس صلوات فرض، لقد بدأ الله تعالى حديثه بدعوتنا ِلتسبيح اسمِهِ الأعلى لأنَّه هو الّذي خلقنا وخلق هذه الأرض، وهو الّذي سوف يخلق الآخرة ويحاسبنا على أعمالنا، لقد حدَّثنا الله تعالى في تلك الآيات عن سبب خلق الأرض وعن سبب خَلْقنا فيها، وعن الآخرة وعن من سوف يدخل الجنَّة ومن سوف يدخل جهنَّم.

إنَّ السبب الّذي خلقنا الله تعالى من أجله هو لِتسبيح اسمِهِ الأعلى، بهدف أن نُطهِّر أنفسنا في الأرض بابتعادنا عن حب الحياة الدنيا من خلال صلاتنا بذِكْر إسمه لكي نفوز بالجنة.

***** آية (١): "سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى".
لقد أمر الله تعالى محمدًا عليه السلام أن يُسبِّح اسمه الأعلى، وكما ذكرت لكم في مقالتي السابقة، فإنَّ التسبيح يعني الصلاة، وكما أثبت لكم في مقالاتي السابقة عن "المفهوم الحقيقي لأسماء الله الحسنى" فإنَّ إسم الله هو علم الله، أي كتاب الله، أي القرءان، إذًا في هذه الآية الكريمة يأمر الله تعالى رسوله الأمين أن يُصلّي اسم الله الأعلى، أي أن يُقيم اسم الله الأعلى، أي يُقيم القرءان، هذا هو تسبيح الرسول محمد عليه السلام، وهو تبليغ وتذكير الناس بكتاب الله لأنه رسول حامل لرسالة الله، لذلك قال الله تعالى له في آية (٦) و(٧) و(٩): "سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَىٰ...... إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ........ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَىٰ".

***** آية (١٤) و(١٥): "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىٰ.......... وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ".
لقد أكمل الله تعالى حديثه لكل إنسان يريد أن يتزكّى، أي أن يتطهَّر من الذنوب والمعاصي. في آية (١٤) أخبرنا الله تعالى أنَّ الّذي يتزكَّى سوف يَفلَح، أي سوف يدخل الجنَّة، أمّا في آية (١٥) الله تعالى أخبرنا فيها عن الوسيلة الوحيدة الّتي نستطيع أن نستخدمها لكي نتزكَّى بها، ألا وهي الصلاة، ولقد عَرَّف لنا بوضوح تام ماهية الصلاة بقوله تعالى: "ذكر اسم ربِّهِ فصلّى" أي "ذكر كتابَ ربِّهِ فصلَّى" أي "ذكر القرءان فصلّى"، هذه الآية الكريمة هي أكبر دليل على المعنى الحقيقي للصلاة في القرءان، إذًا فالقرءان هو صلاتنا الّتي بِهِ صَلّى الله تعالى علينا، والّتي بِهِ نُصلّي على أنفسنا.

***** آية (١٨) و(١٩): "إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ.......... صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ".
في تلك الآيتين يُنبِّهُنا الله تعالى على أمرٍ في غاية الأهمية، وهو أنّ رسالته الّتي أنزلها على إبراهيم وموسى هي نفس رسالته الّتي أنزلها على محمد، فالله تعالى كما أمر إبراهيم وموسى في الصحف الّتي أنزلها عليهما، أمر أيضًا محمدًا في القرءان، مِمّا يُثبت بل يؤكِِّّد لنا أنَّ صلاة إبراهيم وموسى هي تمامًا كصلاة محمد (سلام على جميع المرسلين).

أستطيع أن أستخلص من هَاتَيْن الآيتَيْن أنَّ جميع كتب الله، أي رسالاته الّتي أنزلها على جميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ وجميع الأمم هي صلاتُهُمْ، وأنَّ الصلاة هي واحدة لجميع الأمم من أوّل خلق آدم (الخلق الأول) إلى آخر خلق بني آدم، لأنَّ رسالة الله واحدة ودين الله واحد أنزله للعالمَين، والله تعالى كما صلّى على محمد وعلينا، صلّى أيضًا على جميع أنبيائِهِ وجميع الناس.

إخوتي وأخواتي الأعزّاء، إذا ضربتم جميع آيات سورة الأعلى ببعضها، سوف تجدون أنَّ الله تعالى يُفصِّل لنا أنّ معنى التسبيح والصلاة لا يكون إلاَّ بالقرءان وبتطبيقه، أي لا يكون إلاَّ بآيات الله وبتطبيق ما أمرنا الله تعالى به من خلالها، وسوف تجدون أيضًا أنَّ تسبيحنا وصلاتنا، أي ما أمرنا الله تعالى بهِ في القرءان، أمر بِهِ أيضًا جميع الأمم سابقًا في صُحُفِ إبراهيم وموسى، وإذا ضربتم آية (١) بآية (١٤) و(١٥) تجدون الدليل القاطع على أنَّ التسبيح لاسم الله هو ذكر اسم الله وهو الصلاة، وإذا ضربتم جميع آيات سورة الأعلى ببعضها تجدون أنَّ اسم الله هو كتابُهُ، أي هو القرءان الكريم وصحف إبراهيم وصحف موسى الّتي أنزلها الله تعالى في السابق وحفظها في القرءان العربيَ الأمين.

 

465 Sep 14 2018