حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٤٥)

 

حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٤٥)

 

تكملة معنى التسبيح: تفسير آية (١٣٠) من سورة طه: "فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِہَا‌ وَمِنۡ ءَانَآىِٕ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّہَارِ لَعَلَّكَ تَرۡضَىٰ" من خلال أحسن التفسير (القرءان العربيّ المُبين).

هل يوجد فرق في المعنى بين الصلاة والتسبيح؟

السلام على من قام إلى الصلاة (إلى كتاب الله) بإيمان صادق، وسبّح وصلّى بالقرءان العظيم.

* سورة طه
فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ ﴿١٣٠﴾.

إخوتي وأخواتي الأفاضل، إذا ضربنا آية (١٣٠) من سورة طه بآية (١١٤) من سورة هود وبآية (٧٨) و(٧٩) من سورة الإسراء، نجد البُرهان المُبين على أنَّ معنى التسبيح في آية (١٣٠) من سورة طه هو الصلاة.

* سورة هود
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ﴿١١٤﴾.

نجد في هذه الآية الكريمة دليلاً واضحًا على أنَّ الله تعالى أمر محمدًا عليه السلام بإقامة الصلاة في كل وقت من أوقات النَّهار إلى آنآءِ الَّيْل، حسب ظروفه.

* سورة الإسراء
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْءانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴿٧٨﴾ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴿٧٩﴾.

في أية (٧٨) نرى بأنَّ الله عزَّ وجلّ يدعوا محمدًا عليه السلام إلى إقامة الصلاة "... لِدُلوك الشَّمس إلى غسق الَّيل..." ولكنَّهُ تعالى لم يُحدِّد أوقاتًا مُعيَّنة لإقامة الصلاة، لذلك قال: "... لدلوك الشمس إلى غسق الَّيل..." مِمّا يدلُّنا على أنَّ محمدًا عليه السلام عليه أن يُقيم الصلاة في كل وقت من أوقات النهار لحين وقت غروب الشمس (لدلوك الشمس) وعليه أن يستمرّ ويبقى يُقيم الصلاة إلى وقت متأخّر من الَّيْل "إلى غسق الّيل"، إذا ربطنا جميع تلك الأوقات ببعضها نرى أنَّ محمدًا عليه السلام كان عليه أن يُقيم الصلاة في جميع أوقات النهار من الفجر إلى غسق الّيْل، وإذا أكملنا آية (٧٨): "... وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ‌ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡہُودًا" نرى أيضًا أنَّ الله عزَّ وجلّ كان يدعوا محمدًا إلى إقامة الصلاة أيضًا وقت الفجر، لقد بدأ الله تعالى هذه الآية بقولِهِ "... أقم الصلواة..." وأكمل تعالى آيته بقولِهِ "... وقرءان الفجر..." تأكيدًا منه أنَّ الصلاة هي القرءان، وكأنه تعالى يقول "وصلاة الفجر".

من خلال آية (١٣٠) من سورة طه وآية (١١٤) من سورة هود وآية (٧٨) و(٧٩) من سورة الإسراء، نستطيع أن نفهم أنَّ الله تعالى كان يدعوا رسولَهُ الأمين محمد عليه السلام إلى التسبيح، أي إلى إقامة الصلاة بدعوة الناس للقرءان وإقامتِهِ، تمامًا كما أمرنا في كل آية من آياتِهِ الكريمة من خلال الإيمان بِهِ والعمل الصالح، حسب ظروفنا.

* سُوۡرَةُ النُّور
أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَـٰٓفَّـٰتٍ كُلٌّ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسۡبِيحَهُ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ (٤١).

لقد بدأ الله تعالى هذه الآية بقوله: "ألم ترَ أنَّ الله يُسبِّحُ له..." ولم يُقُل "يُسَبِّحُ ويُصَلّي له" وأكمل تعالى هذه الآية بقوله: "... كُلٌّ قدْ علِمَ صلاتَهُ وتسْبيحَهُ" وختم هذه الآية بقوله: "... وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ" لِكَي يُخبِرُنا أنَّ الصلاة هي التسبيح وهي الفعل أو العمل الّذي يتوجّب على كل مخلوق في السماوات والأرض والطير القيام به، تمامًا كما أمره الله عزَّ وجلّ وخلقه من أجله.

* سورة الروم
فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴿١٧﴾ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴿١٨﴾.

نجد هنا بوضوح تامّ أنَّ الله تعالى يأمرنا أن نُسَبِّحه ونحمدُهُ، أي نُصلّي لهُ في كل وقت من أوقات اليوم (مساءً وصباحًا عشيًّا وظُهرًا) مع ملاحظة لقولِهِ تعالى: "... وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ..." أي له الصلاة والتسبيح "... فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ..." مِمّا يعطينا معنىً آخرًا للصلاة مختلفًا تمامًا عن تلك الصلوات الحركيَّة المتعارف عليها.

إنَّ آية (١٧) و(١٨) من سورة الروم تدلُّنا على أنَّهُ علينا أن نذكر الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبنا، وهذا يعني أنَّهُ علينا أن نُصلّي له في جميع الأوقات، كما أمرنا تعالى وأخبرنا في الآيات التالية من سورة النساء وآل عمران والسجدة والجمعة:

* سُوۡرَةُ النِّسَاء
فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡڪُرُواْ ٱللَّهَ قِيَـٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِڪُمۡ‌ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ‌ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَـٰبًا مَّوۡقُوتًا (١٠٣) وَلَا تَهِنُواْ فِى ٱبۡتِغَآءِ ٱلۡقَوۡمِ‌ إِن تَكُونُواْ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ يَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَ‌ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرۡجُونَ‌ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٠٤).

* سُوۡرَةُ آل عِمرَان
إِنَّ فِى خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّہَارِ لَأَيَـٰتٍ لِّأُوْلِى ٱلۡأَلۡبَـٰبِ (١٩٠) ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَڪَّرُونَ فِى خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَـٰذَا بَـٰطِلاً سُبۡحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ (١٩١).

* سُوۡرَةُ السَّجدَة
إِنَّمَا يُؤۡمِنُ بِـَٔايَـٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُڪِّرُواْ بِہَا خَرُّواْ سُجَّدًا وَسَبَّحُواْ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ (١٥) تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّہُمۡ خَوۡفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ يُنفِقُونَ (١٦).

* سُوۡرَةُ الجُمُعَة
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡمَلِكِ ٱلۡقُدُّوسِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ (١) هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ رَسُولاً مِّنۡہُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡہِمۡ ءَايَـٰتِهِۦ وَيُزَكِّيہِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ (٢).

في آية (١) بدأ الله تعالى بقولَهُ: "يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِ..." وفي آية (٢) أكمل تعالى بِقولِهِ: "هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ رَسُولاً مِّنۡہُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡہِمۡ ءَايَـٰتِهِۦ وَيُزَكِّيہِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ" هذا السياق يدلُّنا على أنَّ الله عزَّ وجلّْ أراد أن يُعْلِمنا عن الوسيلة الوحيدة للتسبيح لَهُ، أي عن الوسيلة الوحيدة للصلاة وإقامتها، وعن كيفيَّة هذا التسبيح (هذه الصلاة) وماهيَّته، وذلك من خلال بَعْثِهِ في الْأُمِّين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتِهِ ويُزكّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمْ الكِتابَ والحِكمَة، إذًا فالصلاة هي تلآوة آيات الله، أي تعلُّمّ الكتاب وتعلُّمّ الحكمة الموجودة في كل آية من آياته الحكيمة بهدف تزكية النفس، أي طهارة النفس.

464 Sep 13 2018