حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٤٤)

 

حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٤٤)

 

تفسير آية (٤١) من سورة النور: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ" من خلال أحسن التفسير (القرءان العربيّ المُبين).

هل يوجد فرق في المعنى بين الصلاة والتسبيح؟

السلام على من قام إلى الصلاة (إلى كتاب الله) بإيمان صادق، وسبّح وصلّى بالقرءان العظيم.

(١): لقد قيل لي أنّ معنى الصلاة مختلف عن معنى التسبيح، وأنَّه من المستحيل أن نستبدل كلمة التسبيح بكلمة الصلاة وأنا بدورى إذا أردتُ أن أناقش هذا الأمر، فإني أقول لكل إنسان أنَّهُ في قاموس اللغة العربية وفي لغة القرءان أيضًا، وبالطبع مع التصديق بلغة القرءان أولاً وأخيرًا قبل التصديق بقاموس اللغة العربيَّة، فإنَّ كلمة سَبَّحَ مُتطابقة بالمعنى مع كلمة صلّى، وسأعطيكم الدليل على ذلك من آيات الله البيّنات، سأبدأ بسورة النور:

* سورة النور
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿٤١﴾.

لقد بدأ الله تعالى هذه الآية بقوله: "أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَـٰٓفَّـٰتٍ‌..." وأكمل تعالى بقوله: "... كُلٌّ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُ وتسبيحه..." ولم يكمل ويكتفي بقوله: "كُلٌّ قَدۡ عَلِمَ تَسۡبِيحَهُ" بل قال تعالى: "صلاتَهُ وتسبيحَهُ".

إذا كانت هذه الآية ليست بمقنعة على أنَّ الصلاة هي التسبيح، فلماذا ختم الله تعالى هذه الآية بقوله: "... وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ

(٢): التسبيح هو الصلاة، وإنَّ تسبيح وصلاة الملآئِكة ومن في السماوات والأرض والطير هو أن يفعلوا ما أمرهم الله تعالى بِهِ وما خلقهم من أجله، أي أن يُطيعوهُ، أي أن يسجدوا لهُ، أي أن لا يتكبرّوا عليه، تمامًا كما أمرهم تعالى، وهذا الكلام ليس من عندي أنا شخصيًا بل من الله تعالى لأنَّهُ سُبحانَهُ قد فصَّل وبيَّنَ لنا هذا في السُور التالية:

* سورة الأعراف
وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿٢٠٤﴾ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴿٢٠٥﴾ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴿٢٠٦﴾.

إخوتي وأخواتي الكرام إذا ضربنا تلك الآيات ببعضها، نجد أنَّ ذِكْر الله = تدبر القرءان وإقامته = التسبيح بالغدوِّ والآصال الّذّي هو الصلاة = تسبيح الملآئِكة = عبادة الملآئِكة لله = عدم تكبرّ الملآئِكة على الله = السجود لله.

* سورة الرعد
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴿١٤﴾ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴿١٥﴾.

إذا ربطنا تلك الآيتين مع آية (٢٠٤) و(٢٠٥) و(٢٠٦) من سورة الأعراف نجد أنَّ السجود لله = ظلالهم بالغدوِّ والآصال = الدعاء والدعوة فقط لله = اتّباع فقط كتابه = الاستماع إلى القرءان والإنصات لآياته = تدبرّ آيات الله والعمل بها = التسبيح لله = الصلاة لله = ذِكْر الله بالغدوِّ والآصال = العبادة لله وحده = عدم التكبرّ على الله = السجود لله = العمل بما خلقنا من أجله = الإمتثال لأوامر الله والطاعة الخالصة له.

(٣): * سورة الحج
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴿١٨﴾.

* سورة النحل
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴿٤٩﴾ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴿٥٠﴾.

إذا ضربنا آيات سورة الحجّ وسورة النحْل بآيات سورة النور وسورة الأعراف وسورة الرعد، نجد الجواب الشافي والكافي لِمعنى التسبيح الّذي هو الصلاة، والّذي هو السجود، والّذي هو عدم التكبرّ، والّذي هو العبادة، والّذي هو ذِكْر الله إلخ...، والّذي هو "يَخَافُونَ رَبَّہُم مِّن فَوۡقِهِمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ" في آية (٥٠) من سورة النَحْل، والمعنى هو أن يؤمنوا بالله ويُطبّقوا ما أمرهم بِهِ، وهذا يعني أنَّ كل مخلوق يفعل ويطيع الله بالسبب الّذي خلقه تعالى من أجلِهِ.

(٤): في الختام، إذا كانت جميع تلك الأدلّة والبراهين من آيات الله البيّنات غير كافية لإقناع أحد ما فهذا شأنه وخياره، وأنا بدوري أستطيع أن أُعطيهِ من الدلآئِل والبراهين وفقط من القرءان العربيّ الأمين ما لا يُعدّ ولا يُحصى، وإذا أرادني أن أفعل ذلك فعَلَيَّ بضَرْب، أي برَبْط جميع آيات القرءان ببعضها، لذلك سوف أكتفي بهذا القدر من آيات الله البيِّنات.

والسلام على من اتَّبع الهدى، والعذاب على من كذَّب وتولَّى.

يتبع... حقيقة الصلاة (التسبيح).

463 Sep 12 2018