حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٤٠)

 

حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٤٠)

 

تكملة تفسير آية (٢٣٨) و(٢٣٩) من سورة البقرة: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ..." من خلال أحسن التفسير (القرءان العربيّ المُبين).

السلام على من قام إلى الصلاة (إلى كتاب الله) بإيمان صادق.

* سورة البقرة
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴿٢٣٨﴾ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴿٢٣٩﴾.

(١): * سورة التوبة
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿٩٩﴾.

نجد من خلال هذه الآية الكريمة أنَّ صلوات الرسول هي الصلاة الوسطى الّتي صلّى الرسول بها على قومِهِ، أي هي جميع رسالات الله الّتي بلَّغها الرسول محمد عليه السلام لِقومِهِ لِكي يُخرِجُهُم بِها من الظلماتِ إلى النور، والّذي يؤمن بالله واليوم الآخر هو الّذي يتَّخِذْ صلوات الرسول قُرُباتٍ عند الله، أي هو الّذي يتقرّب بها من الله عزَّ وجلّْ بإيمانِهِ بها والعمل بها، أي بتطبيقِهِ لجميع رسالات الأنبياء والرُسُل من دون أن يُفرِّق بين أحدٍ منهم، أي بتطبيقه لرسالات نوح وهود وصالح وصحف إبراهيم ورسالة يوسف والتوراة والإنجيل، إلخ.. لأنَّها رسالات واحدة، فيكون بذلك يُحافظ على الصلوات والصلاة الوسطى، أي على القرءان.

هذا ما بيَّنه الله تعالى في آية (٣) و(٥) من سورة المائدة:

* سورة المائدة
... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا... ﴿٣﴾ .......... ﴿٤﴾ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ... وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿٥﴾.

إنَّ قول الله تعالى في آية (٣) و(٥) من سورة المائدة معناه كالتالي: اليوم أُحِلَّ لكم الرِّسالات، أي رسالات جميع الأنبياء والرسل الّتي أنزلها الله تعالى في السابق وحفظها في القرءان وبهذا يكون تعالى قد أكمل دينه، وطعام الّذين أوتوا الكتاب حِلٌّ لكم، أي رسالة التوراة والإنجيل الّتي أنزلها الله تعالى على أهل الكتاب في السابق هي حِِلٌ لنا لأنَّ الله تعالى أنزلها وحفظها في القرءان، لأنَّها نفس الرسالة الّتي أنزلها الله تعالى على محمد عليه السلام، وطعامُكُم حِلّ لهم، أي الرسالة الّتي أنزلها الله تعالى على محمد عليه السلام الّتي هي القرءان هي حِلٌ لهم لأنَّ كُتُب أهل الكتاب، أي التوراة والإنجيل الّتي حُرِّفت في السابق حفظها الله تعالى في القرءان، لذلك أكمل تعالى هذه الأية ب: "... وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ".

إنَّ رسالة الله تعالى لجميع الأنبياء والرسل السابقين هي نفس رسالة محمد عليه السلام، فدين الله واحد، يعني قانونه واحد، كما قال الله تعالى لجميع الرسل في آية (٥١) و(٥٢) من سورة المؤمنون:

* سورة المؤمنون
يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴿٥١﴾ وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴿٥٢﴾.

(٢): إذا تدبَّرنا آيات في سورة المؤمنون وسورة المعارج نجد تشابهًا بينهم وبين قول الله تعالى في آية (٢٣٨) من سورة البقرة:

* سورة المؤمنون
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿٢﴾ .......... وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿٩﴾.

* سورة المعارج
إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴿١٩﴾ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ﴿٢٠﴾ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴿٢١﴾ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴿٢٢﴾ الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴿٢٣﴾ .......  وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿٣٤﴾ أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴿٣٥﴾.

* سورة البقرة
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴿٢٣٨﴾.

في آية (٢٣٨) من سورة البقرة قال الله تعالى: "حافظوا على الصلوات..." وفي نفس الآية قال تعالى: "... والصلواة الوسطى..." أي "حافظواعلى الصلاة الوسطى".
في آية (٩) من سورة المؤمنون قال الله تعالى: "والّذينَ هُم على صَلَواتِهِمْ يُحافِظون".
وفي آية (٣٤) من سورة المعارج قال تعالى: "والّذين هُم على صلاتِهِم يُحافِظون".

هذا يدلُّنا أنَّ الحِفاظ على الصلوات هو الحِفاظ على الصلاة وعلى الصلاة الوسطى، إذًا فالصلاة هي الصلوات وهي الصلاة الوسطى، أي هي القرءان الكريم وفيه جميع رسالات الأنبياء والرُّسُل، والحفاظ عليها هو الحفاظ على الكتاب، أي على جميع كتب الله، وهو الحفاظ على دين الله الواحد.

(٣): إذا تابعنا آيات سورة المعارج وقارنّاها وربطناها بآيات سورة المُدّثِّر، نجد تفصيلاً كاملاً لمعنى كلمة "المُصلّين" الّتي ذكرها الله تعالى في سورة المعارج وفي سورة المُدّثّر:

* سورة المعارج
إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴿٢٢﴾ الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴿٢٣﴾ .......... وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿٣٤﴾.

* سورة المدثر
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴿٣٨﴾ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ ﴿٣٩﴾ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ ﴿٤٠﴾ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ﴿٤١﴾ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴿٤٢﴾ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴿٤٣﴾ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ﴿٤٤﴾ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴿٤٥﴾ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴿٤٦﴾ حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ ﴿٤٧﴾ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴿٤٨﴾ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ﴿٤٩﴾.

في هذه الآيات البَيِّنات من سورة المعارج نجد تفصيلاً كاملاً لمعنى الصلاة وإقامتها نستطيع أن نختصره بكلمتين: الحفاظ على كتاب الله بدوام الإيمان به، وبدوام العمل الصالح.

من خلال تعريف الله تعالى لكلمة المُصلّين في آيات سورة المعارج نستطيع أيضًا أن نفهم كلمة المُصلين في آيات سورة المُدَّثِّر كالتالي: الّذي لم يكُ يُصلّي هو الّذي لم يكُ يُطعم المسكين، وهو الّذي كان يخوض مع الخائِضين، وهو الّذي كان يُكذِّبُ بالدين.

 

459 Sep 8 2018