حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٣٩)

 

حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٣٩)

 

تفسير آية (٢٣٨) و(٢٣٩) من سورة البقرة: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ..." من خلال أحسن التفسير (القرءان العربيّ المُبين).

السلام على من قام إلى الصلاة (إلى كتاب الله) بإيمان صادق.

* سورة البقرة
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴿٢٣٨﴾ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴿٢٣٩﴾.

(١): إخوتي وأخواتي الكِرام، إذا كانت "الصلوات" في آية (٢٣٨) هي الصلوات الحركيَّة مع عدد ركعاتها، وإذا كانت "الصلواة الوسطى" هي صلاة العصر بزعم جهلاء الأمَّة الإسلاميَّة، فلماذا لم يكتفِ الله تعالى بقوله: "حافظوا على الصلوات وقوموا لله قانتين" من دون أن يذكر لنا "الصلاة الوسطى"؟

وكيف نستطيع إن خِفْنا أن نُقيم الخمس صلوات فرض مع عدد ركعاتها رجالاً، أي مجموعة من المؤمنين تذهب مع بعضها البعض على أرجلها، أو رُكبانًا، أي مجموعة من المؤمنين تذهب مع بعضها البعض على ركابٍ كالخيل أو الجمل؟

وإذا كانت الصلوات والصلاة الوسطى هي الخمس صلوات فرض مع عدد ركعاتها لَذَكَرَها الله تعالى لنا في قرءانه العربيّ المُفصَّل.

(٢): إذا قارنّا وربطنا آية (١٠١) و(١٠٢) و(١٠٣) في سورة النساء بآية (٢٣٩) في سورة البقرة، نجد تشابهًا كبيرًا بينهم:

* سورة النساء
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ﴿١٠١﴾ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴿١٠٢﴾ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴿١٠٣﴾.

إنّ قول الله تعالى في سورة النساء، في آية (١٠١) و(١٠٢): "... فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ......... وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ..." وفي آية (١٠٣): "... فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ..." هو تمامًا كقوله تعالى في سورة البقرة في آية (٢٣٩): "فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُون".

** ملاحظة هامَّة: آية (١٠٣) من سورة النساء: "... فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ..." = آية (٢٣٩) من سورة البقرة: "... فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ..." إذًا فإنَّ ذِكْر الله هو إقامة الصلاة، هذا ما بيَّنه تعالى أيضًا في آية (٤٥) من سورة العنكبوت:

* سورة العنكبوت
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴿٤٥﴾.

يريد الله أن يُعلِمُنا من خلال هذه الآية الكريمة أنَّ إقامة الصلاة هي ذِكْر الله وليس ذِكْر الله يكون بأفواهنا كالببغاء، لذلك أكمل الحكيم العليم ب: "... وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ...".

** ملاحظة هامَّة: "... فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُون".
إذا كانت الصلاة هي الخمس صلوات فرض، لماذا قال تعالى: "... فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُون

سؤال إلى كل من يؤمن بالصلاة الحركيَّة: هل علَّمنا الله تعالى كيفيَّة الصلوات والصلاة الوسطى في كتابه العزيز كما قال تعالى لنا في آخر آية (٢٣٩): "... كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُون
"هاتوا برهانكم إن كنتم من الصادقين"

(٣): إنَّ آية (٢٣٩) في سورة البقرة لا تُعطينا أيّ دليل على أنَّ الصلوات والصلاة الوسطى الّتي في آية (٢٣٨) هي الخمس صلوات فرض وصلاة العصر، ولكنَّها تُعطينا دليلاً واضحًا على أنَّها إقامة القرءان بتبليغه ونشرِهِ في الأرض، لذلك دعانا الله تعالى في آية (٢٣٨) أن نُحافظ على الصلوات والصلاة الوسطى، لأنَّ الصلوات هي كُتُبِ الله، أي جميع رسالاتِهِ الّتي أرسلها لجميع الأنبياء والرُّسُل وحَفَظَها في القرءان الكريم، وأمّا الصلاة الوسطى فهي القرءان الكريم، ولقد سمّى الله تعالى القرءان بالصلاة الوسطى لكي يُذكِّرُنا أنَّ الصلوات هي الصلاة الوسطى، فنحن لا نستطيع أن نُحافظ على الصلوات إلاّ إذا حافظنا على الصلاة الوسطى، أي إلاَّ إذا حافظنا على القرءان، لأنَّ القرءان يُساوي ويَعدل بين جميع رسالاتِهِ وأنبياءِهِ ورُسُلِهِ لأنه حافظْ ومُهيمن، أي مؤتمن على جميع تلك الرِّسالات، فهو الكتاب الوحيد الّذي يُعطينا دينًا واحدًا، أي قانونًا واحدًا، ألا وهو دين وقانون الوسط، أي دين وقانون العدل لأنَّه يَعدل بين جميع الناس، ولأنه يجمع جميع الأمم لتكون أمَّةٍ واحدة من دون أن يُفرِّق بينهم، لذلك قال الله تعالى لقوم الرسول العربيّ الأمين في آية (١٤٣) من سورة البقرة:

* سورة البقرة
وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا... ﴿١٤٣﴾.

"وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا..." أي أمَّة عَدْل لأنَّه تعالى أنزل عليهم القرءان العظيم ليحكموا بين الناس بالعَدْل.

(٤): الدليل على أنَّ الصلوات هي كتبِ الله الّتي حُفِظت في القرءان وعلى أنّ القرءان هو الصلاة الوسطى لأنَّه يحكُم بين الناس بالعَدْل نجده في آية (٥٨) من سورة النساء:

* سورة النساء
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴿٥٨﴾.

في هذه الآية يأمرنا الله تعالى أن نؤدّي الأماناتِ إلى أهلها، الأمانات هي الصلوات، أي هي جميع الكُتُب السابقة الّتي حُفِظَتْ في القرءان، ولقد أسماها الله تعالى بالأمانات لأنَّه إئْتمن عليها في القرءان الكريم، إنَّ أمْر الله تعالى لنا في آية (٥٨) أن نؤدّي الأمانات إلى أهلها هو في الحقيقة أَمْر أن نُبلِّغ رسالة التوراة إلى أهل التوراة، ورسالة الإنجيل إلى أهل الإنجيل، وجميع الرسالات إلى جميع الناس لكي نُظهِرْ لهم دينهم الحق الّذي أصبح باطلاً لأنَّه حُرِّفَ عبر الزمن قبل نزول القرءان، فنُعطيهم بذلك دينًا واحدًا للجميع، لكي نُظهِرُهُ على الدين كُلِّهِ، وهذا هو عين المساواة والعَدْل، لذلك قال الله تعالى في سورة الفتح والتوبة:

* سورة الفتح
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ﴿٢٧﴾ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴿٢٨﴾.

* سورة التوبة
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴿٣٠﴾ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿٣١﴾ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴿٣٢﴾ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴿٣٣﴾.

لقد أخبرنا الله تعالى في تلك الآيات البيِّنات من سورة التوبة أنَّ اليهود والنصارى أشركوا بالله عُزَيْرْ، والمسيح عيسى ابن مريم، وأحبارهم ورهبانهم، وذلك بعبادتهم وتأليهِهِمْ، أي باتِّباعهم لهُم، أي بتحريفهم للتوراة والإنجيل، أي بتحريفهم لدينِهِم الإسلام الحق من خلال كُتُبْ أحاديث وأقاويل كاذبة كُتِبت من آبائِهِمْ الأوَّلين على أساس أنَّها من عند الله وما هي من عند الله، لقد بدَّلوا دينهم الحق الإسلام وصنعوا أديانًا باطلةً يهوديةً ومسيحية ما أنزل الله تعالى بها من سُلطان، لقد أرادوا بذلك أن يُطفِؤا نور الله بأفواهِهِمْ، أي أن يُحرِّفوا التوراة والإنجيل الحق، ولكنَّ الله يأبى إلاَّ أنْ يُتِمَّ نوره ولو كره الكافرون، فأعاد تنزيل التوراة والإنجيل للرسول العربيّ الأمين باللغة العربيَّة وحفظهما في القرءان لكي يُظهِرْ دين الحق ويمحوا كتبهم الباطلة والخبيثة (العهد القديم والعهد الجديد) لذلك قال الله تعالى في آية (٩) من سورة الحِجْر:

* سورة الحجر
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿٩﴾.
أي إنَّا نحن نزَّلنا الكتب السابقة وحفظناها في القرءان العظيم بعد أن حُرِّفت.

إذًا كيف نستطيع أن نؤدّي الأماناتِ إلى أهلها كما أمرنا الله تعالى في آية (٥٨) من سورة النساء؟
نستطيع أن نفعل ذلك من خلال الصلاة الوسطى، أي من خلال القرءان، لذلك أكمل تعالى قوله في تلك الآية: "... وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل...".

إذًا فالقرءان العربيّ المُبين هو جميع الصلوات الّتي صلاَّها الله تعالى وملائِكته على جميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ، وهو أيضًا الصلاة الوسطى، لأنَّ الله تعالى أعطى جميع الناس دينًا واحدًا ولم يُفرِّق بين أنبيآئِهِ ورُسُلِهِ، فساوى بذلك بين جميع الأمم وعَدَلَ بينهم وأمرهم أن يَعدلوا بين بعضهم البعض مُخلصين له الدين الواحد.

يتبع... تفسير آية (٢٣٨) و(٢٣٩) من سورة البقرة.

 

458 Sep 7 2018