حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٢٣)

 

حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٢٣)

 

تكملة تفسير آية (٧٨) من سورة الإسراء: "أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ‌ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡہُودًا" من خلال أحسن التفسير (القرءان العربّي الحكيم).

السلام على من قام إلى الصلاة (إلى كتاب الله) بإيمان صادق.

(١): إذا عدنا لآية (٧٨) و(٧٩) من سورة الإسراء:

* سُوۡرَةُ الإسرَاء
أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ‌ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡہُودًا (٧٨) وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحۡمُودًا (٧٩).

في آية (٧٩): "وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحۡمُودًا" نجد بوضوح تامّ أنَّ الله تعالى يدعوا نبِيَّهُ محمد عليه السلام أن يُعطي لِنَفْسِهِ وقتًا من الَّيل للصلاة، أي لِتَعَلُّمِ القرءان فالنبيّ العربيّ محمد عليه السلام عليه أن يُقيم الصلاة لِنَفسِهِ أولاً لكي يستطيع أن يُقيمها للناس، لأنَّ القرءان ليس فقط رسالة الله عزَّ وجلّ للناس بل هو أيضًا لمحمد، فمحمد عليه السلام عليه أن يهدي نفسه أولاً بالقرءان، لكي يستطيع أن يهدي بِهِ الناس، لذلك قال تعالى لهُ: "ومن الَّيْلِ فتهجَّد بِهِ نافلة لك عسى أن يبعثك ربُّك مقامًا محمودًا" هنا نرى قول الله تعالى: "ومِن الّيْلِ فتهجَّد بِهِ نافلة لك..." أي "ومن الّيْلِ فتهجَّد بالقرءان عَطِيَّةً وهِبَةً وزيادةً لك".

إذا توقَّفنا قليلاً وبحثنا لغويًّا ودقَّقنا في معنى التَّهجُّد، نجد أنَّ التهجُّد هو الاستيقاظ ليلاً والسهر والقيام في الّيل للصلاة، وهجَّدَ تهجيدًا الرجُلُ يعني استيقظ وصلّى في الّيْل، وتهجَّد الرجُلُ يعني سَهِرَ، والهاجد والهَجود هو المصَلّي في الّيْل، والتهجُّد هو صلاة الّيْل، والمُتهجِّد هو القائِم من النوم إلى الصلاة، إذًا فالتهجُّد بالقرءان هو الصلاة بالقرءان مِمّا يؤكِّد لنا على أنَّ القرءان هو كتاب الصلاة.

إذا وقفنا وقفة تأمّل في معنى قول الله عزَّ وجلّ لمحمد عليه السلام: "ومِن الّيْلِ فتهجَّد بِهِ..." نجد أنَّ الله تعالى يأمر نبيَّهُ الأمين محمد عليه السلام بالتهجُّد بالقرءان ليلاً، أي يأمره بالصلاة بالقرءان ليلاً، أي يأمره بالقيام ليلاً لكي يُصلّي بالقرءان، أي يأمره بإقامة الصلاة ليلاً بالقرءان تمامًا كما أمرهُ في سورة المُزَّمِّلْ.

وإنَّ قول الله تعالى لمحمد: "ومِن الّيْلِ فتهجَّد بِهِ نافلة لك..." هو أمر من الله عزَّ وجلّ لنبيِّهِ محمد بأن يُقيم الصلاة (القرءان) لِنفسِهِ في الّيْل، لكي يُخرج نفسه من الظلمات (من جهنم) إلى النور (إلى الجنَّة) لذلك أكمل الله تعالى هذه الآية بقوله: "... عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحۡمُودًا" لأنَّ المقام المحمود هو جنَّة الخلد، ومن هنا نرى كيفيَّة إقامة محمد عليه السلام الصلاة لِنفسه، ونرى كيف صلّى نبِيُّنا محمد على نفسِهِ.

 

(٢): إنَّ سورة المُزَّمِّل من آية (١) إلى (٩) تعطينا الرّابِط المُحْكَمْ لمعنى الصلاة، وتُبَيّن لنا كيفيَّة صلاة محمد عليه السلام نافلةً لهُ وكيفيَّة إقامته لتلك الصلاة والهدف من إقامتها.

* سُوۡرَةُ المُزمّل
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
يَـٰٓأَيُّہَا ٱلۡمُزَّمِّلُ (١) قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلاً (٢) نِّصۡفَهُ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلاً (٣) أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلاً (٤) إِنَّا سَنُلۡقِى عَلَيۡكَ قَوۡلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِىَ أَشَدُّ وَطۡـًٔا وَأَقۡوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِى ٱلنَّہَارِ سَبۡحًا طَوِيلاً (٧) وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلاً (٨) رَّبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱتَّخِذۡهُ وَكِيلاً (٩).

إذا ربطنا آية (٧٨) و(٧٩) في سورة الإسراء بتلك الآيات من سورة المُزَّمل نجد الرّابط المُحكم الّذي يُعطينا الدليل القاطع لمعنى الصلاة وإقامتها:

* سُوۡرَةُ الإسرَاء
أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ‌ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡہُودًا (٧٨) وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحۡمُودًا (٧٩).

إنَّ آية (٧) و(٨) و(٩) في سورة المُزَّمِّل تُفَسِّرْ لنا آية (٧٨) في سورة الإسراء، وتُعطينا السبب والهدف لإقامة محمد عليه السلام الصلاة من الفجر لدلوك الشمس إلى غسق الّيْل، والسبب والهدف من ذلك هو ذكر إسم الله، أي كتابه وعلمه والتبتُّل إليه تبتيلاً -الإبتعاد والإعراض عن زينة الحيواة الدنيا واللجؤ إلى الله- واتِّخاذه هو وحده لا شريك له وكيلاً، أي هو اتِّباع فقط كتابه والدعوة له وحده، وإذا ربطنا وقارنَّا تلك الآيات ببعضها نجد دليلاً آخرًا على أنَّ تسبيح الرسول محمد عليه السلام في النهار هو إقامة محمد الصلاة "... لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ" إنَّ آية (١) إلى (٦) في سورة المزمل تُفسِّرُ وتُبيِّن وتُفصِّل لنا آية (٧٩) في سورة الإسراء.

 

(٣): إذا تابعنا آيات سورة الإسراء وتدبَّرنا قراءتَها من آية (٨٠) إلى (٨٩) 
نجد أنَّها تتحدَّث عن وحي القرءان الكريم، ممّا يدُلُّنا أيضًا على أنَّ دعوة الله تعالى لمحمد عليه السلام لإقامة الصلاة في آية (٧٨) هي دعوة لإقامة القرءان الكريم.

* سُوۡرَةُ الإسرَاء
أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ‌ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡہُودًا (٧٨) وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحۡمُودًا (٧٩) وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِى مُدۡخَلَ صِدۡقٍ وَأَخۡرِجۡنِى مُخۡرَجَ صِدۡقٍ وَٱجۡعَل لِّى مِن لَّدُنكَ سُلۡطَـٰنًا نَّصِيرًا (٨٠) وَقُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَزَهَقَ ٱلۡبَـٰطِلُ‌ إِنَّ ٱلۡبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا (٨١) وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحۡمَةٌ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ‌ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (٨٢) وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَـٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ‌ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَـُٔوسًا (٨٣) قُلۡ ڪُلٌّ يَعۡمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِۦ فَرَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَنۡ هُوَ أَهۡدَىٰ سَبِيلاً (٨٤) وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ‌ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلاً (٨٥) وَلَٮِٕن شِئۡنَا لَنَذۡهَبَنَّ بِٱلَّذِىٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِۦ عَلَيۡنَا وَڪِيلاً (٨٦) إِلَّا رَحۡمَةً مِّن رَّبِّكَ‌ إِنَّ فَضۡلَهُ كَانَ عَلَيۡكَ ڪَبِيرًا (٨٧) قُل لَّٮِٕنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُہُمۡ لِبَعۡضٍ ظَهِيرًا (٨٨) وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ۬ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا ڪُفُورًا (٨٩).

انتهى تفسير آية (٧٨) من سورة الإسراء.

 

442 Aug 22 2018