حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٢٠)

 

حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٢٠)

 

تفسير آية (٨٧) من سورة هود: "قَالُواْ يَـٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِىٓ أَمۡوَالِنَا مَا نَشَـٰٓؤُاْ‌ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ" من خلال أحسن التفسير (القرءان العربّي الحكيم).

السلام على من قام إلى الصلاة (إلى كتاب الله) بإيمان صادق.

* سُوۡرَةُ هُود
وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبًا قَالَ يَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَڪُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَيۡرُهُ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِڪۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ‌ إِنِّىٓ أَرَٮٰڪُم بِخَيۡرٍ وَإِنِّىٓ أَخَافُ عَلَيۡڪُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ مُّحِيطٍ (٨٤) وَيَـٰقَوۡمِ أَوۡفُواْ ٱلۡمِڪۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِ‌ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِى ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ (٨٥) بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيۡرٌ لَّكُمۡ إِن ڪُنتُم مُّؤۡمِنِينَ‌ وَمَآ أَنَا۟ عَلَيۡكُم بِحَفِيظٍ (٨٦) قَالُواْ يَـٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِىٓ أَمۡوَالِنَا مَا نَشَـٰٓؤُاْ‌ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ (٨٧) قَالَ يَـٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى وَرَزَقَنِى مِنۡهُ رِزۡقًا حَسَنًا وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَٮٰڪُمۡ عَنۡهُ‌ إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَـٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُ‌ وَمَا تَوۡفِيقِىٓ إِلَّا بِٱللَّهِ‌ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ (٨٨).

في آية (٨٤) و(٨٥) نرى بأنَّ قوم الرسول شُعيب عليه السلام كانوا يعبدون إلاهًا (آلهةً) غير الله، أي كانوا يتَّبعون دينًا (أديانًا) غير دين الله، أي قانون (قوانين) غير قانون الله، مِمّا أدّى بِهِمْ إلى عدم العدل في الأرض وإلى عدم إعطاء النّاس حَقَّهُمْ وإلى الفساد، لذلك دعاهم شعيب عليه السلام في تلك الآيات البينات إلى عبادة الله الواحد الأحد، أي إلى اتِّباع دين الله وقانونه وحده لا شريك له لكي يُقيموا العدل، أي يوفوا المِكيال والميزان بالقسط فيُعطوا الناس حقَّهُم ويتوقَّفوا عن الفساد.

إنَّ جوابَ قومِ شُعيب لِشُعيب عليه السلام بقولِهِمْ لَهُ في آية (٨٧): "قَالُواْ يَـٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِىٓ أَمۡوَالِنَا مَا نَشَـٰٓؤُاْ‌ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ" هو أكبر دليل وبرهان على المعنى الحقيقي للصلاة وإقامتها.

فكيف تستطيع صلاة شُعيب أن تأمُرُهُمْ أن يتركوا دين آباؤهم وأن تمنعهم من أن يتصرُّفوا في أموالهم كيف يشاؤون؟
وما هِيَ إذًا صلاة شُعيب الّتي تأمُرُهُم بِهذا؟

نجد البرهان المُبين أنَّ صلاة شُعَيبْ هِي رِسالة شُعيب الّتي أنزلها الله تعالى إليه، إذًا فإنَّ صلاة شُعيب هي كِتاب شُعيب، وكأنَّ قومه يقولون له: "أكِتابُكَ يَأْمُرُكَ أنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ ءابآؤنا أو أنْ نَفْعَلَ في أموالِنآ ما نَشآؤاْ إنَّك لأنت الحَليمُ الرَّشيد" لذلك أجابهم شُعيب في الآية الّتي تليها آية (٨٨) بقولِهِ لهُم بوحي من الله تعالى: "قَالَ يَـٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى وَرَزَقَنِى مِنۡهُ رِزۡقًا حَسَنًا وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَٮٰڪُمۡ عَنۡهُ‌ إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَـٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُ‌ وَمَا تَوۡفِيقِىٓ إِلَّا بِٱللَّهِ‌ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ" في هذه الآية الكريمة نجد بوضوح تامّ أنَّ صلاة شُعيب عليه السلام هي البَيِّنة الّتي هو عليها والرزق الحسن الّذي رزقه الله تعالى إيَاه، لذلك أكمل شعيب قولِهِ لِقَومِهِ: "... ومآ أُريدُ أن أُخَالِفَكُمْ إِلَىَ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا اْلْإِصْلَاحَ مَا اْسْتَطَعْتُ  ومَا تَوفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكُّلْتُ وإِلَيْهِ أُنِيبُ" هنا نرى أنَّ شُعيبًا يدعوا قومه إلى الإصلاح، أي إلى إقامة الصلاة، أي إلى إقامة كتاب الله والعمل بِهِ من خلال صلاتِهِ (كتابه) الّذي أنزله تعالى عليه الّذي هو البيِّنة والرِّزق الحسن.

الدليل على أنَّ كتاب الله هو البيِّنة، نجدُهُ في سورة البَيِّنَة من آية (١) إلى (٥):

* سُوۡرَةُ البَیّنَة
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
لَمۡ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأۡتِيَہُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ (١) رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتۡلُواْ صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (٢) فِيہَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣) وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡہُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ (٤) وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ‌ وَذَالِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ (٥).

إذا عُدنا مرَّة أُخرى لآية (٨٤) و(٨٥) من سورة هود، وبعد أن عَلِمْنا معنى صلاة شُعيب، نجد أنَّ شُعيبًا كان يدعو قومه في تلك الآيات إلى اتِّباع الصلاة وإقامتها، أي إلى الإيمان بكِتابِ الله وحده لا شريك له، وإقامته بنشر العدل بين الناس وبعدم الفساد في الأرض (نشر الإصلاح).

وإنَّ قول شعيب عليه السلام لقومه في آية (٨٨): "... وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَٮٰڪُمۡ عَنۡهُ‌ إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَـٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُ‌.." يُذكِّرُنا تمامًا بما فعله محمد عليه السلام لقومه ولجميع الناس، كما أخبرنا الله عزَّ وجلّ بهذا في آية (١٥٧) و(١٥٨) في سورة الأعراف، فمحمد عليه السلام قد نهى قومه عن المنكر في الآيات التالية من سورة الأعراف تمامًا كما نهى شعيب عليه السلام قومه عن المنكر في آيات سورة هود:

* سُوۡرَةُ الاٴعرَاف
ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلۡأُمِّىَّ ٱلَّذِى يَجِدُونَهُ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِى ٱلتَّوۡرَٮٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡہَٮٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنڪَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰٓٮِٕثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَـٰلَ ٱلَّتِى كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡ‌ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ (١٥٧) قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡڪُمۡ جَمِيعًا ٱلَّذِى لَهُ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ‌ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ يُحۡىِۦ وَيُمِيتُ‌ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِىِّ ٱلۡأُمِّىِّ ٱلَّذِى يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَڪَلِمَـٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّڪُمۡ تَهۡتَدُونَ (١٥٨).

إخوتي وأخواتي الأفاضل إذا قارنَّا ما فعله محمد عليه السلام لقومه ولجميع الناس في آية (١٥٧) من سورة الأعراف، وبما فعله شعيب عليه السلام لقومه في آية (٨٨) من سورة هود، نجد تطابقًا كبيرًا في الفعل يدلُّنا على معنى صلاة شعيب وعلى كيفية إقامة شعيب الصلاة في قومِهِ، ويدلُّنا بالتالي على صلاة محمد وعلى كيفية إقامة محمد الصلاة في قومِهِ، ويدلُّنا أيضًا على أنَّ دين الله واحد لجميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ، وبالتالي الصلاة وإقامتها هي أيضًا واحدة للجميع.

وبما أنَّ صلاة شُعيب عليه السلام هي كتاب الله الّذي أنزله إليه والّذي يأمر بالإصلاح (الأمر بالمعروف وبالطيِّبات) وينهى عن الفساد (النهي عن المنكر وعن الخبائِث)، وبما أنَّ كتاب الله هو دين الله، ودينُ الله هو دين الإسلام وهو واحد لجميع أنبيائِهِ ورُسُلِهِ، إذًا فإنَّ صلاة جميع الأنبياء والرُّسُلْ هي كتاب الله، أي الوحي الّذي أوحاهُ اللهُ تعالى إلَيْهِمْ، إذًا فإنَّ صلاة مُحمَّد عليه السلام هي القرءان الكريم، والصلاة الّتي أقامها هي تبليغ رسالة القرءان لِقَومِهِ ولجميع الناس، وتطبيق جميع ما أمرهُ الله عزَّ وجلَّ في كل آية من آيات القرءان الكريم تمامًا كما فعل شُعيب عليه السلام مع قومه.

 

439 Aug 19 2018