حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (١٧)

 

حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (١٧)

 

تكملة تفسير آية (٥٩) من سورة مريم من خلال أحسن التفسير (القرءان العربّي الحكيم).

السلام على من قام إلى الصلاة (إلى كتاب الله) بإيمان صادق.

* سُوۡرَةُ مَریَم​
فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّہَوَاتِ‌ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا (٥٩) إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ شَيۡـًٔا (٦٠).

لقد أعطتني آية (٥٩) من سورة مريم أيضًا المعنى الحقيقي لإضاعة الصلاة، إنَّ إضاعة الصلاة تعني اتِّباع الشهوات، لأنَّ الّذي أضاع الصلاة بالتأكيد أضاعها بسبب اتِّباعه للشهوات، من أجل ذلك ربط الله عزَّ وجلّ لنا إضاعة الصلاة باتِّباع الشهوات، السؤال الّذي يطرح نفسه هو:

هل كُل من لا يُصلي الصلوات الخمس يكون يتَّبع الشهوات؟
أو هل الّذي يُصَلِّي الصلوات الخمس يكون لا يتَّبع الشهوات؟

إذا تدبَّرنا آية (١) وصولاً إلى آية (٥٨) في سورة مريم نجد قول الله تعالى في بداية آية (٥٨): "أولآئك الّذين أنعم الله عليهم من النبِيّن..." ولقد شمل الله في تلك الآية جميع الأنبياء والرُّسُل الّذين ذكرهم في بداية سورة مريم من آية (١) إلى هذه آية (٥٨)، ونحن إذا أكملنا الآية: "... مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبۡرَاهِيمَ وَإِسۡرَاءِيلَ وَمِمَّنۡ هَدَيۡنَا وَٱجۡتَبَيۡنَآ‌..." نجد أنَّ الله تعالى شمل فيها أيضًا وبشكل عام جميع الأنبياء والرُّسُلْ والمؤمنين، إذًا فإنَّ الخَلَفْ الّذي خَلَفَ من بعد هؤلاء الأنبياء والرُسُلْ في آية (٥٩) هُمْ جميع الأمم السابقة الّتي أرسل الله تعالى إليهم الأنبياء والرسل، وهُمْ الّذين خلفوا هؤلاء الأنبياء والرُّسُلْ ووَرِثوا الكتاب عبر الزمن إلى حين نزول القرءان، وصنعوا أديانًا باطلةً وأضاعوا دين الله وكتابه الحق، وهُمْ الّذين أضاعوا الصلاة واتَّبعوا الشهوات.

إنَّ إضاعة الصلاة هي إضاعة كتاب الله، أي إضاعة دين الله الحق، وأنَّ اتِّبعاع الشهوات هو اتِّباع كُتُبْ أحاديث وأقاويل وتفاسير باطلة أتت من بَشَرٍ بِحجَّة أنَّها من عند الله، بمعنى أصحّْ إنَّ اتِّباع الشهوات هو اتِّباع الأديان المُختلفة المصنوعة من بشر، لأنَّها تسمح لكل إنسان يؤمن ويدخل فيها أن يفعل ما يشاء في هذه الأرض من ظلم وفساد من دون أن يُعاقب على أعماله السيئة في الآخرة لأنه سوف يُشفع لهُ، ومن دون أن يكون له العذاب في الآخرة.

إذا كان الله تعالى بزعم جميع الأديان الكاذبة قد أمر كل أمَّة بعث إليها بنبِيٍّ أو برسول بصلاة مختلفة عن الأمَّة الأخرى فلماذا وضع الله تعالى لنا في آية (٥٩) كلمة "الصلاة" بصيغة المُفْرَدْ بدليل قوله "أضاعوا الصلاة" ولم يضعها لنا بصيغة الجمع بقوله مثلاً "أضاعوا الصلوات"؟

وبما أنَّ الدين وكما أخبرنا الله في جميع آياتِهِ دين واحد فإنَّ آية (٥٩) دليل على أنَّ الصلاة واحدة لجميع الأنبياء والرُّسُلْ ولجميع الأمم، ولذلك ذكر الله لنا من آية (١) إلى (٥٨) أنبيائِهِ ورُسُلِهِ زكريا ويحيى وعيسى ومريم وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون وإسماعيل وإدريس، لِكَي يُعْلِمُنا أنَّ جميع هؤلآء الأنبياء والرُسُل كانوا يدعون قومهم ويأمرونهم بالصلاة وإقامتها، ولكي يُعلِمُنا تعالى أنَّ جميع هؤلآء الأنبياء والرُسُل الّذين ذكرهم تعالى في سورة مريم قد أقاموا نفس الصلاة لِقومِهِم ألا وهي دعوة قومهم إلى السجود لِآياتِ الرَّحمن، أي إلى السجود لِكتاب الله، ولذلك أكمل الله تعالى جميع تلك الآيات من آية (١) إلى (٥٧) بآية (٥٨) بقوله فيها: "... إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَـٰتُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّدًا وَبُكِيًّا" وأكمل بعدها مباشرة قوله في الآية الّتي تليها آية (٥٩): "فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّہَوَاتِ‌..." إذًا فإنَّ الخلف الّذين أَضَاعُواْ ٱلصَّلَاةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّہَوَاتِ‌ هُم الخلف الّذين لم يخرّوا لِآيَـٰتِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ سُجدًا وبُكِيًّا، أي هُم الخلف الّذين أضاعوا ءَايَـٰتُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ، أي أضاعوا كتاب الله (القرءان الكريم)، إذًا فالصلاة هي "ءَايَـٰتُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ".

عندما درست آية (٥٩) وآية (٦٠) بفضل الله، وجدت فيهما دليلاً قويًا وتأكيدًا لِلمعنى الحقيقي للصلاة، في آية (٥٩) أخبرنا الله تعالى أنَّ "الّذين أضاعوا الصلاة واتَّبعوا الشهوات فسوف يُلْقَوْنَ غيًا" أي فسوف يدخُلون جهنَّم، أمّا في آية (٦٠) فقد استثنى الله تعالى الّذي تاب وآمن وعمل صالحًا "فأولآئِكَ يدخلون الجنة ولا يُظْلَمون شَيْئًا"، إذًا فالإنسان الّذي لا يُضيع الصلاة هو الإنسان الّذي يتوب عن الشهوات ويؤمن بالله ويعمل صالحًا، أي هو الإنسان الّذي يُبَدِّلُ سَيِّئآته إلى حسنات، ولذلك أكمل الله تعالى آية (٥٩) بآية (٦٠) ووضع في بداية آية (٦٠) أداة شرط وإستثناء "إلاَّ" لِكَيْ يٌخبُِرنا أنَّ إقامة الصلاة لا تكون "إلاَّ" بالتّوبة والإيمان والعمل الصالح، ولا تكون بالصلوات الخمس فرض مع عدد ركعاتها وطريقة إقامتها، فالتوبة والإيمان والعمل الصالح هُمْ الطريق الوحيد الّذي نستطيع بواسطته أن نُطَهِّرَ أنفُسنا ونفوز بالجنة وليست الصلوات الخمس هي الّتي تُطَهِّرُنا فتُعطينا الحسنات وتُبْعِدُنا عن الشَهوات.

انتهى تفسير آية (٥٩) من سورة مريم.

 

436 Aug 16 2018