حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (١٦)

 

حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (١٦)

 

تفسير آية (٥٩) من سورة مريم من خلال أحسن التفسير (القرءان العربّي الحكيم)

السلام على من قام إلى الصلاة (إلى كتاب الله) بإيمان صادق.

(١): منذ عدَّة سنوات وبينما كنت أدرس القرءان العربيّ المُبين وقبل معرفتي للمفهوم والمعنى الحقيقي للصلاة وإقامتها، بِظنّي في ذلك الوقت أنَّ الصلاة هي "الخمس صلوات فرض" الّتي نشأتُ وترعرعتُ عليها منذ صِغري، استوقفتني آية في سورة مريم، وكانت هي الباب والنور والرّؤيا الّتي فتحت لي أبوابًا وأنوارًا ورُؤىً كثيرة لآيات أخرى كثيرة بفضل الله تعالى، تلك الآية أوضحت وبيَّنت وأكَّدت لي المفهوم الحقيقي للصلاة وإقامتها في القرءان الكريم، ولكن لكي تستطيعوا أن تتدبّروا معي معناها وجدتُ أنّه واجبٌ علَيَّ أن أبدأ معكم بتسلسل آيات كثيرة تَسبقها وصولاً إلى تلك الآية الكريمة، وسوف أحاول إن شاء الله وبعون الله أن أُعطي الفكرة والمعنى المنطقي متسلسلاً للوصول إلى معنى تلك الآية، وأنتم إحوتي وأخواتي الأفاضل إذا أردتم تستطيعوا أن تقرأوا بأنفسكم وتتدبَّروا جميع تلك الآيات في سورة مريم بتسلسل من آية (١) إلى آية (٦٠).

سورة مريم، آية (١) إلى (٧)٫ومن آية (١٢) إلى (١٩)٫ ومن آية (٢٧) إلى (٣٣) ومن آية (٤١) إلى (٤٣)٫ومن آية (٤٩) إلى (٦٠):

* سُوۡرَةُ مَریَم
بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
ڪٓهيعٓصٓ (١) ذِكۡرُ رَحۡمَتِ رَبِّكَ عَبۡدَهُ زَڪَرِيَّآ (٢) إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيًّا (٣) قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ ٱلۡعَظۡمُ مِنِّى وَٱشۡتَعَلَ ٱلرَّأۡسُ شَيۡبًا وَلَمۡ أَڪُنۢ بِدُعَآٮِٕكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّى خِفۡتُ ٱلۡمَوَالِىَ مِن وَرَآءِى وَڪَانَتِ ٱمۡرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبۡ لِى مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَ‌ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) يَـٰزَڪَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَـٰمٍ ٱسۡمُهُ يَحۡيَىٰ لَمۡ نَجۡعَل لَّهُ مِن قَبۡلُ سَمِيًّا (٧) ......... (١١) يَـٰيَحۡيَىٰ خُذِ ٱلۡڪِتَـٰبَ بِقُوَّةٍ وَءَاتَيۡنَـٰهُ ٱلۡحُكۡمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةً۬ وَكَانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرَّۢا بِوَالِدَيۡهِ وَلَمۡ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا (١٤) وَسَلَـٰمٌ عَلَيۡهِ يَوۡمَ وُلِدَ وَيَوۡمَ يَمُوتُ وَيَوۡمَ يُبۡعَثُ حَيًّا (١٥) وَٱذۡكُرۡ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ مَرۡيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتۡ مِنۡ أَهۡلِهَا مَكَانًا شَرۡقِيًّا (١٦) فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابًا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتۡ إِنِّىٓ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (١٨) قَالَ إِنَّمَآ أَنَا۟ رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَـٰمًا زَڪِيًّا (١٩) ......... (٢٦) فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُ ۥقَالُواْ يَـٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡـًٔا فَرِيًّا (٢٧) يَـٰٓأُخۡتَ هَـٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٍ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِ‌ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى ٱلۡمَهۡدِ صَبِيًّا (٢٩) قَالَ إِنِّى عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَٮٰنِىَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا ڪُنتُ وَأَوۡصَـٰنِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّڪَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيًّا (٣١) وَبَرَّۢا بِوَالِدَتِى وَلَمۡ يَجۡعَلۡنِى جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢) وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىَّ يَوۡمَ وُلِدتُّ وَيَوۡمَ أَمُوتُ وَيَوۡمَ أُبۡعَثُ حَيًّا (٣٣) .......... (٤٠) وَٱذۡكُرۡ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ إِبۡرَاهِيمَ‌ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (٤١) إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِى عَنكَ شَيۡـًٔا (٤٢) يَـٰٓأَبَتِ إِنِّى قَدۡ جَآءَنِى مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَمۡ يَأۡتِكَ فَٱتَّبِعۡنِىٓ أَهۡدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (٤٣) ........ (٤٨) فَلَمَّا ٱعۡتَزَلَهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبۡنَا لَهُ إِسۡحَـٰقَ وَيَعۡقُوبَ‌ وَكُلاًّ جَعَلۡنَا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبۡنَا لَهُم مِّن رَّحۡمَتِنَا وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ لِسَانَ صِدۡقٍ عَلِيًّا (٥٠) وَٱذۡكُرۡ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ مُوسَىٰٓ‌ إِنَّهُ كَانَ مُخۡلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا (٥١) وَنَـٰدَيۡنَـٰهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنِ وَقَرَّبۡنَـٰهُ نَجِيًّا (٥٢) وَوَهَبۡنَا لَهُ مِن رَّحۡمَتِنَآ أَخَاهُ هَـٰرُونَ نَبِيًّا (٥٣) وَٱذۡكُرۡ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ إِسۡمَـٰعِيلَ‌ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا (٥٤) وَكَانَ يَأۡمُرُ أَهۡلَهُ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦ مَرۡضِيًّا (٥٥) وَٱذۡكُرۡ فِى ٱلۡكِتَـٰبِ إِدۡرِيسَ‌ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (٥٦) وَرَفَعۡنَـٰهُ مَكَانًا عَلِيًّا (٥٧) أُوْلَـٰٓٮِٕكَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡہِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبۡرَاهِيمَ وَإِسۡرَاءِيلَ وَمِمَّنۡ هَدَيۡنَا وَٱجۡتَبَيۡنَآ‌ إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَـٰتُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّدًا وَبُكِيًّا (٥٨) فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّہَوَاتِ‌ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا (٥٩) إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ شَيۡـًٔا (٦٠).

من آية (١) إلى آية (٥٧) ذكر الله تعالى لنا زكريا ويحي، مريم وعيسى، إبراهيم، إسحاق ويعقوب، موسى وهارون، إسماعيل، إدريس.

وفي آية (٥٨) قال الله تعالى: "أُوْلَـٰٓٮِٕكَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡہِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبۡرَاهِيمَ وَإِسۡرَاءِيلَ وَمِمَّنۡ هَدَيۡنَا وَٱجۡتَبَيۡنَآ‌ إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَـٰتُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّدًا وَبُكِيًّا".

وقال تعالى في آية (٥٩): "فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّہَوَاتِ‌ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا" هذه هي الآية الّتي استوقفتني وجعلتني أطرح تساؤلات عديدة:

أوَّلاً، ما هو الرابط ما بين إضاعة الصلاة واتِّباع الشهوات؟
لقد أعطتني هذه الآية الدليل على أنَّ الصلاة والشهوات هما نقيضين لا يُمكِن ولا بِشَكْلٍ من الأشكال أن يلتقيان، فالصلاة هي عكس الشهوات، ولقد أعطانا الله تعالى مثلاً للشهوات من خلال آية (١٤) و(١٥) من سورة آل عمران:

* سُوۡرَةُ آل عِمرَان
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَـٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ وَٱلۡحَرۡثِ‌ ذَالِكَ مَتَـٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا‌ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ (١٤) قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٍ مِّن ذَالِڪُمۡ‌ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٌ تَجۡرِى مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضۡوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ‌ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ (١٥).

 

435 Aug 15 2018