حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (١٢) حقيقة الغُسْل (الجزء التاسع)

 

حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (١٢)
حقيقة الغُسْل (الجزء التاسع)

 

سوف أنتقل الآن إلى آية (٤٣) من سورة النساء.

السلام على من اغتسل بالقرءان العظيم.

* سورة النساء
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ﴿٤٣﴾.

* سورة المائدة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٦﴾.

 

(١): إذا تدبَّرنا آية (٤٣) من سورة النساء نجد تشابهًا كبيرًا بينها وبين أية (٦) في سورة المائدة، ونجد فيها أمرًا من الله تعالى للّذين آمنوا بأن "لا يقربوا الصلاة وهُمْ سُكارى حتى يعلموا ما يقولون"، في هذه الآية الكريمة نجد بوضوحٍ تام أنَّ الهدف من مَنْع الّذين آمنوا القُرْبْ من الصلاة وهُمْ سُكارى هو لِكي لا يقولوا شيئًا من دون عِلْمْ، لذلك وضع الله تعالى أداة شَرْط "حتّى" لِكي يُعلِم الّذين آمنوا أنَّهم يستطيعون أن يقربوا الصلاة فقط في حال استطاعوا أن يأخذوا ويتعلّموا عِلمْ ما يقولون عن كامل معرِفة وليس عن جهل أو عن نُقصان عقل، أي فقط بهدف أن يُطهِّروا أنفسهم بالصلاة، أي بالقرءان، لأنَّ الإنسان الّذي يكون في حالة السُّكْرْ يكون مُخدّر العقل أو مسلوب العقل، أي ناقص العقل، فلا يكون بحالة الوَعْيْ الصحيح الكامل الّذي يُتيح له أن يقرب الصلاة أو أن يفهم الصلاة أو أن يتدبَّر الصلاة، أي لا يكون بحالة الوعي الصحيح أو بالحالة الصحيحة الّتي تُتيح له أن يُطهِّرَ نفسه، أي لا يكون بالحالة الصحيحة الّتي تُتيح له أن يأخذ عِلْمْ القرءان أو يتحدَّث بِهِ لأنَّه سيقول أو يتكلم بجهل من دون علم.

كيف يكون الإنسان سكرانًا أو مُخدَّر العقل؟
يكون سكرانًا إمّا بالمعنى الظاهِرْ أو بالمعنى الباطن، أي بالمعنى التشبيهي، في هذه الآية لم يُحدِّد الله تعالى مِنْ ماذا يكون الّذين آمنوا "سُكارى" فمثلاً لم يَقُل الله تعالى "وأنتم سُكارى من الشراب" بل قال فقط "وأنتم سُكارى" مِمّا يدلُّنا على أنَّ كلِمة "سُكارى" لا تؤخذ بمعنى واحِد، أي بالمعنى الظاهِرْ الّذي يعلَمُهُ عامَّة الناس، فالسكران ليس بالضروري أن يكون سكرانًا فقط من شرب الكحول، إنَّ كل إنسان يتَّبع الحياة الدنيا شَبَّهَهُ الله تعالى في هذه الآية الكريمة بالسكران لأنَّه يكون مُخدّرًا أو مسلوب العقل، إمّا بِحُبِّهِ لِلمال أو للجاه أو لِلمَركز أو لِدينِهِ الباطل الّذي يَتَّبِعَهُ أو لغرائِزِهِ وشَهَواتِهِ وأهوائِهِ أو لِعاداتِهِ وتقاليدِهِ أو للسيطرة في الأرض أو للأنانية أو للتكبُّرْ، إلخ...

هذه الآية هي في الحقيقة أمر من الله تعالى لكل إنسان مُخدَّرَ العقل أو لِكُل إنسان مشغول بالحياة الدنيا ولا يُريد أن يُطهِّرَ نفسه، بأن لا يقرب القرءان، لأنَّه لن يستطيع أن يَتدبَّره، بل سوف يتَحَدَّث بِهِ من دون أيِّ عِلمٍ أو مَعرِفة، أي بِجهل وسوف يُحرِّفُ بآياتِهِ على هواه ويتخذها هُزُوًا ويلهوا ويخوض ويلعب ويستهزىء بالله وبآياتٍهِ وبرسولِهِ العربيّ الأمين، هنا يُريد الله تعالى أن يقول لنا أنَّنا إذا أردنا أن نتعلَّم الصلاة ونُقيمها، أي أن نتعلَّم القرءان ونُقيمُهُ، فهدفنا من ذلك هو طهارة أنفُسنا من أي تأثير في حياتنا يستطيع أن يُؤثِّرْ على عقلنا وقلبنا لكي لا نتحدث بالقرءان بغير علم ولا هُدى، ولكي لا نستهزىء به، إن كان هذا التأثير ظاهرًا أم باطنًا لكي لا نُضِلّْ عن سبيل الله، ولكي لا نضلّ الآخرين عن سبيل الله، إنَّ قول الله تعالى في هذه الآية: "... حتّى تعلموا ما تقولون..." تعني "حتّى تُطهِّروا أنفسكم"، أي "حتّى تغتسلوا"، لقد سمح الله تعالى لنا في هذه الآية بالقُرب من الصلاة فقط في حال أردنا بكامل إرادتنا وعقلنا أن نأخذ ونتعلَّم ما سوف نقوله، أي هو فقط بهدف أن نتدبَّر الصلاة، مِمّا يدلُّنا على أنَّ الصلاة هي القرءان، لأنَّ القول الّذي علينا أن نعلمه، أي أن نتدبَّرُهُ هو قول الله تعالى، أي آيات القرءان العظيم.

في هذه الآية ينهانا الله تعالى عن القرب من القرءان، أي عن تَعَلُّم القرءان وإقامَتِهِ إذا كنا سُكارى، أي مأخوذين بتأثير الحياة الدنيا وليست لدينا الرغبة في تطهير أنفسنا.

الدليل على أنَّ الّذين هم سُكارى ليسوا سُكارى من شرب الكحول نجده في:
سورة الحج من آية (١) إلى آية (٤):

* سورة الحج
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿١﴾ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُمْ بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴿٢﴾ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ﴿٣﴾ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ ﴿٤﴾.

في آية (٢) شبَّهَ الله تعالى لنا الناس الّذين كفروا بأنهم سُكارى من عذابِهِ الشديد، إذًا فإنَّ عذاب الله الشديد يُسْكِرُ الإنسان من شِدّة الألم الّذي يشعر بِهِ.

 

431 Aug 11 2018