حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (١٠) حقيقة الغُسْل (الجزء السابع)

 

حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (١٠)
حقيقة الغُسْل (الجزء السابع)

 

تفسير آية (٦) من سورة المائدة من خلال أحسن التفسير (القرءان الحكيم):

* سورة المائدة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦).

السلام على من اغتسل بالقرءان العظيم.

(١): أمّا بالنسبة لِلّذي "... على سفر..." فالسفر هو قطع المسافة أو الذهاب في الأرض، والسفر إلى بلد كذا هو المُضِي إلى هذا البلد، والّذي على سفر ليس بالضرورة أن يكون بعيدًا في مكان ما في الأرض بل هو البعيد كُلّْ البُعْدْ عن الله تعالى، فإذا أراد الّذين آمنوا أن يعودوا من سفرِهِم ويكونوا قريبين من الله عزَّ وجلّ، ولم يجدوا ماءً يُطهِّرَهُمْ، أي لم يجدوا الوسيلة الّتي يستطيعون بها أن يعودوا من سفرهم ويتقرَّبوا إلى الله تعالى، فعليهم أن "يتيمَّموا صعيدًا طيبًا" أي عليهم أن يقصدوا الصلاة، أي عليهم أن يتذكَّروا القرءان ويتقرَّبوا بِهِ إلى الله تعالى، فيعودوا بذلك من سفرهم ويُصبحوا قريبين من الله تعالى فيتوبوا، فيكون الله بذلك قريبًا منهم.

 

(٢): أمّا بالنسبة لقول الله تعالى: "... أو جاء أحدٌ منكُم من الغائِط..."، فالغائِط هو المُتَّسِع من الأرض المُطمئِنَّة، وهنا يريد الله تعالى أن يُخبرنا أنَّه إذا انشغل الّذين آمنوا في عملهم في مكان ما في الأرض، أي انشغلوا في الحياة الدنيا، ولم يجدوا ماءً يُطهِّرَهُم، أي لم يجدوا الوسيلة الّتي يستطيعون بها أن يخرجوا ممّا هم فيه، فعليهم أن "يتيمَّموا صعيدًا طيبًا" أي عليهم أن يقصدوا القرءان لكي يُطهِّروا به أنفسهم من أمور الحياة الدنيا الّتي شغلتهم عن الآخرة بهدف أن يتوبوا.

 

(٣): أمّا بالنسبة لقول الله تعالى: "... أو لامستم النساء..."، ملامسة النساء هي ممارسة العلاقة الجنسية مع النساء، وهنا يريد الله تعالى أن يُخبرنا أنَّه إذا انشغل الّذين آمنوا بحب الشهوات مع النساء ولم يجدوا ماءً يُطهِّرَهم، أي لم يجدوا الوسيلة الّتي يستطيعون بها أن يخرجوا من شهواتهم لكي يستطيعوا أن يتقرَّبوا إلى الله، فعليهم أن "يتيمَّموا صعيدًا طيبًا"، أي عليهم أن يتذكَّروا أن يقصدوا أرضًا أو مكانًا طاهرًا فيه الماء الّذي يُطهِّرهم، أي عليهم أن يتذكروا أن يقصدوا القرءان لكي يتطهَّروا به من غرائزهم وشهواتهم لكي يتوبوا.

الدليل على أنَّ الماء هو آيات الله عز وجل أنزلها علينا لكي تُطهرُنا نجده في آية (١١) من سورة الأنفال:

* سورة الأنفال
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴿١١﴾.

 

(٤): إنَّ مسح الوجوه والأيدي هو تمامًا كغسل الوجوه والأيدي إلى المرافق، فالغسل يكون بالقرءان، والمَسْح يكون بالقرءان، والمَسْح بالصعيد الطيِّبّ يكون أيضًا بالقرءان، وإنَّ الغسل بالماء أو المَسْح بالماء أو المَسْح بالصعيد الطيِّبّ هو في الحقيقة إزالة السيِّئات وطهارة النفس، لقد ذكر الله تعالى لنا في هذه الآية "غسْل الوجه واليدين" وذكر لنا أيضًا في نفس الآية "مَسْح الوجه واليدين" لِكي يُعْلِمُنا أنَّ الغَسْل والمَسْح لهما مبدأ أساسي واحد مُشترك، ألا وهو الطهارة.

 

(٥): إذًا فالقرءان هو الصعيد الطَّيِّب، أي هو الأرض الطيِّبة الّتي تُعطينا ماءً طاهرًا، إنَّ المريض والّذي على سفر والّذي جاء من الغائط والّذي لامس النساء، هو كناية عن كل إنسان ينشغل بِمَرَضِهِ أو بِسَفَرِهِ أو بِعَمَلِهِ في الأرض أو بِشهواتِهِ عن الله عزَّ وجلّ، إن كان بالمعنى الظاهر أم بالمعنى التشبيهي، وإذا أراد هذا الإنسان أن يُغيِّرَ نفسه ولكنَّه لم يجد ماءً يُطهِّرُهُ، أي لم يجد الدين الحقيقي أو الطريقة الّتي يستطيع أن يخرج بها من سيِّئاتِهِ، فعليه أن يعود ويرجع إلى القرءان لأنَّه هو القوَّة والوسيلة الوحيدة الّتي يستطيع الإنسان أن يُطهِّرَ نفسه بها، لذلك وضع الله تعالى لنا هذه الآية لكَي يُذكِّرُنا بأن لا نتَلَهّى في حياتنا الدنيا وننسى القرءان، بل علينا دائِمًا أن نتذكَّر ونبحث ونقصد "الصعيد الطيِّب" الّذي هو القرءان لِكي نُطهِّرْ به أنفسنا، لذلك قال تعالى: "... فاْمسحوا بوجوهكم وأيديكٌم منه..." وأكمل هذه الآية بقوله: "... مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ".

 

429 Aug 9 2018