حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٩) حقيقة الغُسْل (الجزء السادس)

 

حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٩)
حقيقة الغُسْل (الجزء السادس)

 

تفسير آية (٦) من سورة المائدة من خلال أحسن التفسير (القرءان الحكيم):

* سورة المائدة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦).

السلام على من اغتسل بالقرءان العظيم.

سوف أنتقل إلى آيات في سورة ص تثبت أنَّ المريض عليه أن لا ينسى القرءان، أي عليه أن "يتيمم صعيدًا طيبًا"، أي عليه أن يتذكرّ ويقصد القرءان:

* سورة ص
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴿٤١﴾ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴿٤٢﴾ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿٤٣﴾ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴿٤٤﴾.

إنَّ تلك الآيات البيِّنات تُعطينا الدليل والمعنى الحقيقي لكل إنسان أصابه المرض بسبب اتّباعه خطوات الشيطان إذا لم يجد ماءً يُطهِّرَهُ فعليه أن يتيَمَّمَ صعيدًا طيبًا، أي أن يقصد الأرض الطيِّبة الّتي تُعطيه الماء كي يتطهَّر بِهِ ألا وهو القرءان.

إنَّ آية (٤١) تدلّنا على أنَّ أيوب عليه السلام كان مريضًا بنفسه، أي بعقله وقلبه لأنه اتَّبع خطوات الشيطان، أي اتَّبع طريق الضلالة والشَّر، لذلك قال: "... إني مسنِيَ الشيطان بنُصُبٍ وعذاب" لأنَّ اتّباع طريق الشر يجعل نفس الإنسان، أي عقله وقلبه يشعر بالتعب، هذه الآية هي أكبر دليل على أنَّ مرض أيوب عليه السلام لم يكن جسديًا كما يقولون في كتب الأحاديث الخبيثة وفي كتب قصص الأنبياء الكاذبة، بل كان نفسيًا، فهو كان يشعر بتعب وعذاب نفسي لأنه كان يعيش في الظلمات بسبب اتِّباعه خطوات الشيطان، لذلك حاول أن يلجأ إلى الله تعالى لأنه لم يعد يحتمل ألمه النفسي فأراد أن يخرج من مرضه لكي يُطهِّرَ نفسه، ولكنَّه لم يجد الماء الّذي يُطهِّرَهُ، لذلك نادى ربه لكي يستعين بِهِ في مرضه، فاستجاب الله تعالى له في آية (٤٢) فأمره أن يركض بِرِجْلِهِ، أي دفعه وجعله يُسرِع في اتّجاه طريق النور، أي حثَّهُ على قصد طريق الحق لكي يبتعد عن طريق الباطل لكي يخرج من الظلمات إلى النور فيُشفى بذلك من مرضه، لذلك جعله يقصد الصعيد الطيب الّذي يُعطيهِ ماءً باردًا يغتسل بِهِ ويشرب منه فيبرُد بذلك مرضه، أي يُطهِّرْ نفسه بِهِ.

وما هو الطريق أو الماء الّذي جعل الله تعالى أيوب عليه السلام يقصده؟
هو الوحي الّذي أوحاه الله تعالى له، أي هو وحي الكتاب الّذي أنزله على أيوب عليه السلام، لذلك قال تعالى له في آية (٤٢): "... هذا مُغتسلٌ باردٌ وشراب"، لأنَّ آيات الله تعالى هي وحدها الّتي تستطيع أن تُطهِّرْ أيوب عليه السلام فتُبعِدَهُ عن اتِّباع خطوات الشيطان وتجعله يُشفى بها، لذك قال الله تعالى له في آية (٤٤): "وخُذ بِيَدِك ضِغثًا فاضرب بِهِ ولا تحنث...".

الضّغث من فعل ضغث، وضغث تعني خلط، والضِّغث من الخبّرْ والأمر هو ما كان مُختَلَطًا لا حقيقة لهُ، وكلامٌ ضَغْثٌ هو كلامٌ لا خيرَ فيهِ، الضِّغثْ هو قبضة حشيش يختلط فيها الرطِب باليابِثْ، التَّضغيثْ هو ما بَلَّ الأرض والنبات من المطَرْ.

فاضرب بِهِ تعني فارمي بِهِ، ضرب بيدِهِ تعني أشارَ، الضَّربة هي الدفعة الواحدة.

حنث تعني مال إلى الباطل، الحِنْثْ هو الذنب والإثم، وإنَّ قول الله تعالى:"... ولا تحنث..." تعني "ولا تميل إلى الباطل" أي "لا ترتكب الذنوب والآثام".

في هذه الآية يُعلِّم الله تعالى أيوب عليه السلام من خلال وحي آياتِهِ كيف يجب عليه أن يُطهِّر نفسه، لقد أمره الله تعالى أن يأخذ بيده قبضة حشيش رطبة من الأرض، أي قبضة حشيش مخلوطة بالماء من الصعيد الطيِّب فيضرب بها ولا يحنث، أي يرمي نفسه بها، أي يُصيب نفسه بها، أي يُطهِّرَ نفسه بها ولا يحنث، أي لا يميل إلى الباطل ويتوقف عن ارتكاب الذنوب والمعاصي، وفي هذه الآية يُعلِّم الله تعالى أيوب عليه السلام كيف يُطهِّرْ يَدَهُ، أي عمله، وذلك بحثِّهِ على فعل الخير والابتعاد عن فعل الشر، لذلك أكمل الله تعالى هذه الآية بقولِهِ: "إنّا وجدناهُ صابرًا نِعمَ العبدُ إنَّه أواب" لأنَّ أيوب عليه السلام طهَّرَ وشفى نفسه بِصَبْرِهِ على رسالة الله وباتِّباعِهِ وتطبيقِهِ الدائم لآيات الله، أي بإيمانه بالله والعمل الصالح، لذلك ختم الله تعالى هذه الآية بقوله: "... نِعْمَ العبدُ إنَّهُ أوّاب" لأنَّ أيوب عليه السلام لجأ إلى الله واتَّبع طريقه وصبر لكي يتوب، إذًا فصبر أيوب هو مثابرة أيوب وحفاظه الدائم وتطبيقه المُسْتمِرْ لكل آية من آيات الله عزَّ وجلْ مهما أصابه من بلاء وفِتن ومصاعب من الكُفّار والمُشركين، إنَّ الله تعالى لم يُذهِب الرِّجس فقط عن أيوب عليه السلام ويطهره، ولكنَّه سبحانه وتعالى أذهب أيضًا الرِّجس عن أهل بيت أيوب وغيرِهِمْ من الّذين آمنوا معهُم وطهَّرَهُم تطهيرًا، هذا ما أخبرنا الله تعالى بِهِ في آية (٤٣):
"وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ".

ملاحظة هامَّة: قصة أيوب في كتب التراث العَفِن مأخوذة من كتاب العهد القديم الخبيث.

 

428 Aug 8 2018