حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٧) حقيقة الغُسْل (الجزء الرابع)

 

حقيقة الصلاة في كتاب الله العظيم (٧)
حقيقة الغُسْل (الجزء الرابع)

 

تفسير آية (٦) من سورة المائدة من خلال أحسن التفسير (القرءان الحكيم):

* سورة المائدة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦).

السلام على من اغتسل بالقرءان العظيم.

(١): إذا أكملنا آية (٦): "... وإن كنتم جُنُبًا فاْطَّهَّرواْ...": الجٌنٌبْ في اللغة العربية هو الّذي أصابَتْهُ النجاسة، والنجاسة هي القذارة والوساخة وهي عكس الطهارة والنظافة، لذلك قال الله تعالى: "... فإن كنتم جنبًا فاطَّهرو..."، إنَّ الإنسان الغير طاهِر والغير نظيف عليه أن يُنَظِّف نفسه، في هذه الآية لم يُحدِّدْ الله تعالى مِنْ ماذا يكون الّذين آمنوا "جُنُبًا" مِمّا يدلُّنا على أنَّ كلِمة "جُنُبًا" لا تؤخذ بمعنى واحِدْ، أي بالمعنى الظاهِرْ الّذي يعلَمُهُ عامَّة الناس، بل هي كلمة تشمل جميع الأسباب الّتي تؤدّي بالإنسان إلى أن يكون "جُنُبًا"، فالنظافة والطهارة هي ليست فقط نظافة وطهارة الجسد، ولكن الأهم من ذلك هي نظافة وطهارة النّفْسْ.

إنَّ قول الله تعالى: "... فاْطَّهَّروا..." هو في الحقيقة طهارة للنفس من وساختِها ونجاسَتِها، وهذه هي الطهارة المقصودة في هذه الآية، وهذا ما أراده الله تعالى من الّذين آمنوا، أن تكون نُفوسَهُمْ طاهرة من الوَساخة، إنَّ وَسِخَ النفس هو الّذي يَتَّبِعْ دينًا غير دين الله وقانونًا غير قانون الله.

فكيف يستطيع أن يُطهِّرَ نفسه؟
يستطيع أن يُطهِّرَ نفسه فقط بالصلاة، أي بالقرءان، إذًا فالّذي يُريد أن يُصلّي بالقرءان عليه أن يَغْتَسِلْ بِهِ ويَمْسح به، أي يتطهَّر به، أي عليه أن يُطهِّرَ نفسه بالقرءان لِكي يستطيع أن يُقيمَهُ في حياتِهِ.

لقد أرادنا الله تعالى من خلال هذه الآية الكريمة أن نقيم الطهارة لأنفسنا أولاً لكي نستطيع أن نُقيمها للناس، فنحن لا نستطيع أن نؤمن بالقرءان إذا لم نُطهِّرْ أنفسنا بِهِ، إنَّ القرءان هو الدين الوحيد الّذي يستطيع أن يُطهِّرنا، أمّا الأديان المصنوعة من بشر فهي أديان إشراك ولا تستطيع أن تُطَهِّرنا.

نجد ما ذكرت في الآيات التالية:

(٢): سوف أبدأ بالآيات الّتي تختص بالجُنُبْ، أي بالنجاسة والوساخة:

* سورة التوبة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿٢٨﴾.

* سورة التوبة
سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ۖ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿٩٥﴾ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴿٩٦﴾ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿٩٧﴾.

آية (٩٥): "... إِنَّهُمْ رِجْسٌ..." كلمة الرِّجس تعني القَذارة، أي الوساخة، أي النجاسة.

* سورة المائدة
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ﴿٥٩﴾ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴿٦٠﴾.

إذا تدبَّرنا آية (٦٠) نجد كيف جعل الله نفوس الّذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين وسخة، فأعطاهم خصائِص وسِمَةَ القردة والخنازير وعبد الطاغوت.

 

(٣): سأنتقل إلى الآيات الّتي تدلُّنا على أنَّ الله فقط، أي كتابه هو الّذي يُعطينا الطهارة:

* سورة مريم
يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴿١٢﴾ وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا ﴿١٣﴾.

* سورة النور
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٢١﴾.

* سورة الأحزاب
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴿٣٢﴾ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴿٣٣﴾ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴿٣٤﴾.

* سورة التوبة
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿١٠٧﴾ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴿١٠٨﴾.

* سورة الواقعة
فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴿٧٥﴾ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴿٧٦﴾ إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ ﴿٧٧﴾ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ﴿٧٨﴾ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴿٧٩﴾.

 

(٤): إذا عدنا لآية (٦) في سورة المائدة، نجد بأنَّ قول الله تعالى هو في الحقيقة دعوة من الله تعالى لكل إنسان يريد أن يتعلَّم القرءان، أن يُطهِّرَ نفسه بِهِ، أي هي دعوة من الله تعالى لكل إنسان يقوم إلى الصلاة، أي يقوم إلى تعلّم القرءان أن يُغيِّرَ نفسه بواسطته، أي أن يُغيِّرْ عمله وأفكاره وعاداته وتقاليده وسيِّئاته ودينه الباطل الّذي كان عليه، وهنا يُرينا الله تعالى الهدف من الصلاة، ويُعطينا الوسيلة الوحيدة الّتي بواسطتها نستطيع أن نُطهِّرَ أنفسنا.

 

426 Aug 6 2018